تحياتي إلى الأستاذ عبد الرؤوف وبصراحة إنني لأفخر بوجود رجال من هذا النموذج في مجتمعنا .
وأتمنى أن ننظر إالى بعضنا جميعاً بمنظور إنساني بعيد عن التحييز و التمييز بشتى أشكاله مع التأكيد على الحق في الاختلاف مهما كان مصدره ، وتعقيباً على موضوع الأديبة مي زيادة أحب أن أضيف بعض الآراء التي قيلت فيها من قبل العديد من الأدباء من معاصريها وغيرهم ، والتي تبين في معظمها عدم إنصافهم لمي وانشغالهم بها كإمرأة شكلت ظاهرة اجتماعية في زمنها أكثر مما قدمت كأديبة وصحفية ، وتجدر الإشارة إن كل ما كتبته وسأكتبه في هذا المقام أستند فيه إلى كتاب نوال مصطفى المعنون ب ( مي زيادة ، أسطورة الحب والنبوغ ) الصادرعن الهيئة المصرية للكتاب عام 2003.
أكدت الكثير من المؤلفات أن عباس محمود العقاد أحب مي زيادة وقد لمح لحبه هذا في روايته سارة وأعطى مي اسماً مستعاراً هو هند ، وبالرغم من إعجابه بأدبها فقد كان كغيره من رواد صالونها الذين عبروا عن إعجاب ملتبس بشخصها الناعم قبل إبداعها ، وهو إعجاب متنصل منه إبداعياً ، ويتجلى ذلك التنصل في لحظات الصدق النقدية المكتوبة ، فعندما يتحدث العقاد عن مي يقول : ( صيرت الدنيا كلها غرفة استقبال لا يصادف فيها الحسن ما يصدمه ويزعجه ، أو هي صورتها متحفاً جميلاً منضوداً لا تخلو زاوية من زواياه من لباقة الفن وجودة الصنعة .).
وحين يسأل حول أدب مي يجيب :
(اقرأ كتابة الآنسة مي لا تجد فيها ما يغضبك . ! ليكن لك رأيك في أسلوب الكتابة ، أو نمط التفكير أو صيغة التعبير، فما من كاتب إلا وللناس في أسلوبه وتفكيره وصيغ تعبيره آراء لا تتفق ، أما الإنسان في مي ذلك الكائن الشاعر الكامن وراء الكاتب منها والمفكر والمعبر فلا يسع الآراء المتفرقة إلا أن تتفق فيه وتصافحه مصافحة السلام والكرامة .).
وهكذا يهرب العقاد من إبداء نقد صريح ورأي واضح في مي الأديبة والكاتبة ويخفي ذلك وراء امتداح لطفها وإنسايتها !!
وفي معظم مدائح بعض رواد صالونها يتجلى التخلي عن مي كفنان ند تحت ستار تمجيد أنوثتها وجمالها وحضورها الآسر.
انشغل رجال عصر مي بها كظاهرة نسائية فريدة لم يكن في ذلك العصر مثيلاً لها أو حتى شبيهاً لها ، فكل الذين كتبوا عنها لم ينسوا إنها امرأة ، فحللوها من هذا المنطلق دون حرج ناظرين إلى أنوثتها على حساب فكرها ، فيصفها صديقها أسعد حسني قائلاً : ( وكانت مي رغم سعة اطلاعها وعظيم استنارتها أبعد النساء عن الاسترجال وأشدهن استمساكاً بالخصائص النسوية...
بقامتها الربعة ووجهها المستدير ، وهي زجّاء الحاجبين ، دعجاء العينين ، يتألق الذكاء في بريقهما ، وشعرها الطويل يجلل جبينها .).
ويقر سلامة موسى أن مي لم تكن جميلة لكنها حلوة !
ويصف فتحي رضوان لقاءه الأول بمي عندما ذهب لزيارتها في بيتها فيقول :
حينما دققت الجرس فتحت لى الآنسة مي بنفسها ، فلاحظت لأول وهلة أنّ لها عينين ضيقتين تبدوان للنظار كأن بهما أثر من رق قديم ، فليس فيهما شيء من الجمال ، أما مي نفسها فممتلئة غير مترهلة ، وأظنها أقرب إلى القصر منها إلى الطول ، ولم يقف فتحي رضوان عند وصف شكل مي فقط ، بل وصف صوتها أيضاً إذ يقول :
وصوت مي تشوبه رنة حزن لا أدري إذا كانت طبيعية أم مصطنعة ، وهي تقطع عباراتها ، وكأنها تلحنها وتوقعها كأغنية !!!
وهنا نتساءل : لماذا لم يصف أحد كاتباً رجلاً مثل هذه الأوصاف الجسدية والصوتية .. ولماذا وضعت هي تحت الميكروسكوب الرجالي والنسائي أيضاً ?!
الإجابة هذا جاءت على لسان الكاتب فتحي رضوان عندما قال:
مي كانت ظاهرة اجتماعية أكثر منها ظاهرة أدبية ، فقد كانت مي آنسة لبنانية ، تكتب العربية والفرنسية ، وتقابل الرجال ، وتتحدث إلى الأدباء وأهل الفكر ، ويتحدثون إليها ، وفيهم أكثر من أعزب عاش حياته بلا زوجة ، وهم جميعاً بين متوزج وأعزب يضطربون في مجتمع لا تبدو فيه
المرأة إلا كالطيف ، وإذا أسفرت واحدة من النساء كانت كالمحجبة تماماً ، لأنها لا تحسن حديثاً يشوق الرجل المثقف أو يمنعه ، أو يثير خياله ، أو يوحي إليه أو يلهمه بفكرة أو عاطفة أو خاطرة.
إلى هذا الحد ظلم الرجال عقل مي وفكرها وإبداعها ... وتجاهلوا إنتاجها الثري والفريد ... واكتفوا
بمدحها كمتحدثة جيدة .. ومثقفة ملهمة .. وشخصية محبوبة !!