البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات خولة الحديد

 1  2 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
المرأة تاريخ طويل من التهميش    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

 
إبداع المرأة الأدبي بين التهميش والإلغاء
 
في كتابها (لغة من صنع الرجال) تقول ديل سبيندر: "لقد صنعت النساء تاريخاً بقدر ما صنع الرجال لكنَّ تاريخهن لم يسجل ولم ينقل، وربما كتبت النساء بقدر ما كتب الرجال، ولكن لم يتم الاحتفاظ بكتاباتهن، وقد خلقت النساء دون شك من المعاني بقدر ما خلق الرجال، لكن هذه المعاني لم يكتب لها الحياة، حيث ناقضت المعاني النسائية المعاني الذكورية، وفهم الذكور للواقع لم يتم الاحتفاظ بالمعاني النسائية، وبينما ورثنا المعاني المتراكمة للتجربة الذكورية، فإن معاني وتجارب جداتنا غالباً ما اختفت من على وجه الأرض".
أما لماذا لم تكن هناك كتابات نسائية مستمرة قبل القرن الثامن عشر فهذا جوابه لدى فرجيننا وولف بقولها (إن الجواب كامن في حاضر مقفل عليه في مفكرات قديمة، مخبأ تماماً في خزائن قديمة، نصف محذوف من ذاكرة العصور، يمكن إيجاده في حيوات المجموعات، وفي الممرات المظلمة للتاريخ حيث لا يمكن رؤية أجيال النساء إلا كأشباح، لأن القليل جداً معروف عن النساء، فتاريخ انكلترا هو تاريخ الخط الذكوري وليس تاريخ الخط النسوي).
إن المقولات السابقة تنطبق تماماً في وصفها الحال على النساء العربيات اللواتي خضع إبداعهن للتهميش والإقصاء عبر التاريخ،ولعل أبرز الأمثلة التي يمكن أن نطرحها كدليل على التعامل الإقصائي مع إبداع المرأة والذي تراوح ما بين الإلغاء والتهميش، هو تاريخ الرواية، عربياً وعالمياً، فمن المعروف عربياً وما أكدّه الباحثون في التراث الأدبي العربي، والتأريخ لهذا الجنس الأدبي أن أول رواية عربية هي (زينب) للكاتب المصري محمد حسين هيكل عام (1914 )،إلا أن البحث في الوثائق المخبأة في الأدراج يثبت غير ذلك، وهذا ما قامت د. بثينة شعبان في كتابها (مائة عام من الرواية النسائية العربية) لتكشف النقاب عن حقيقة أن أول رواية عربية هي (حسن العواقب) أو (غادة الزهراء) للكاتبة اللبنانية زينب فواز، الصادرة عن منشورات الدار الهندية في القاهرة عام 1899، وبينما كانت روايات أحمد فارس الشدياق (1804 - 1889)، وإبراهيم اليازجي (1846 - 1906)، وسليم البستاني (1848 - 1884) وغيرهم، والتي ظهرت قبل حسن العواقب مزيجاً من المقامة والرواية الحديثة كما وصلتهم عبر ترجمات لروايات غربية، فإن (حسن العواقب)- حسب الباحثة شعبان - هي أول رواية واقعية تاريخية تظهر فيها معظم عناصر الرواية الحديثة من شخصيات ، وموضوع وجو روائي، وقد عبرت الكاتبة في مقدمة روايتها عن فهم عميق لهذه العناصر بقولها: (بما أن الروايات الأدبية هي أهم نوع من الكتابة تعكس فكر المرء وتفيد وتمتع، وبما أن الروايات تعيد إنتاج صورة للواقع، وليس الواقع بحالته الفجة فقد قررت أن أكتب هذه الرواية آملة أن تفيد وتمتع).
كتبت الروائية السورية عفيفة كرم التي شغلت منصب رئيس تحرير جريدة (الهدى) في نيويورك العديد من الروايات قبل ظهور رواية زينب لـ (هيكل) وكانت أول رواياتها (بديعة وفؤاد)، والتي ناقشت في مقدمتها الرواية كصنف أدبي وأهم خصائصها الفنية، وبعدها كتبت سبع روايات ولم تبلغ الثلاثين من عمرها بعد، كما نشرت الكاتبة اللبنانية التي كانت تعيش في مصر (لبيبة هاشم) رواية عام 1904 بعنوان (قلب الرجل)، وعام 1907 رواية أخرى بعنوان (شيرين ابنة الشرق)، وفي عام 1904 نشرت لبيبة ميخائيل صوايا من لبنان روايتها (حسناء سالونيك) على حلقات في جريدة الهدى بنيويورك، كما نشرت زينب فواز رواية أخرى تمثل قصة رمزية تاريخية بعنوان (الملك قورش)، ونشرت فريدة عطايا روايتها التاريخية (بين عرشين) عام 1912 وبذلك يتبين أن ثلاث نساء سوريات (لبنانيات) كن قد نشرن إحدى عشرة رواية! قبل نشر رواية (هيكل)، كما أن مقالات زينب فواز المطالبة بإصدار تشريعات لتنظيم حياة النساء وضمان حقوقهن في التعليم والعمل ،والتي نشرت بين عامي (1891 - 1900) سبقت كتاب قاسم أمين عن تحرير المرأة الذي صدر عام 1898.(1)
لقد طال التأريخ للرواية العالمية ما طال الرواية العربية أيضاً ،إذ يعتبر نقاد ومؤرخو الأدب أن الرواية بمواصفاتها الفنية قد ولدت في الغرب، وبالتحديد في دول أوروبية مثل فرنسا وعلى يد كاتبها الشهير (بلزاك)، أو على يد الكاتب الإيطالي (بوكيشو)، وفي كتاب (امرأة استثنائية) الذي ترجمته مريم جمعة ،والذي يستعرض تجارب من الإبداع النسائي العالمي يتبين للقارئ العربي ما يدل وبشكل قاطع على أن الرواية قد ولدت في الشرق الأقصى، وتحديداً اليابان إذ يبدو أن هناك مؤشر حقيقي على أنها ولدت في القرن الحادي عشر الميلادي على يد الكاتبتين اليابانيتين (شاي شبناغون) مؤلفة كتاب (الوسادة)، و(شبكيبو موراساكي) مؤلفة رواية (حكاية جينجي)، والتي اعتبرت من أهم الآثار الأدبية العالمية كعمل روائي متكامل، لاحتوائه على المقومات الأساسية لفن الرواية(2)، وهذا الاكتشاف يحدث انقلاباً جذرياً في التأريخ لفن الرواية والأدب عموماً، ويدلل على تاريخ طويل من الإلغاء والتجاهل لإبداع المرأة على مر العصور،وفي حين أخذت دور النشر النسوية في الغرب خلال ما يزيد على أربعة عقود ماضية، تعكف على اكتشاف الكتابات النسوية وتشجيع نشر أعمال النساء، وتقديمها في المناهج المدرسية والجامعية، لم يبدأ هذا الجهد الهام بعد في العالم العربي إلا على شكل مبادرات فردية تظهر بين حين وآخر وتواجه الكثير من الصعوبات، ويبدو أن تجاهل النقاد العرب لإبداعات المرأة قد وصل إلى المترجمين، فبالرغم من أهمية الأدب الأمريكي اللاتيني وتأثيره الكبير في الأدب العربي المعاصر، فقد أهمل المترجمون إبداعات المرأة الأمريكية اللاتينية مع كل ما يقدمه من إضاءات للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لدول أمريكا اللاتينية وفي هذا السياق لا بدّ من الإشادة بكتاب (نيران أخرى)، قصص مختارة لكاتبات من أمريكا اللاتينية من ترجمة (الياس فركوح وحنان شرايخة) ، وفي تقديمه لهذا الكتاب يشير المحرر (ألبرتومانويل) إلى تجاهل العالم لإبداع المرأة اللاتينية ويقول في إجابته على سؤال أين الأخريات ممن لم تترجم أعمالهن?: (هذه المجموعة لا تقدم إجابة على هذا السؤال لكنها تعتزم إظهار شيء مما هو مفقود، فالقصص كلها لنساء، لأن ما نفذ إلى فضول المحرر، هو أن أفضل الكتب التي لم تترجم من بلدان أمريكا اللاتينية، هي تلك المكتوبة من قبل نساء)، وبينما الأدب من بلدان أمريكا اللاتينية نال الاهتمام حتى درجة الانفجار مع كتاب رجال، فإنه يدين بالكثير لكل من الراهبة المكسيكية الأخت (جوانا إنييزدي لاكروز1648 - 1695)، وبعدها بثلاثة
قرون الأرجنتينية ( فيكتوريا أوكامبو).(3)
 
يمتد إلغاء وتهميش وتجاهل إبداع المرأة ليطال كافة الأجناس الأدبية ،وما زال عدد كبير من النقاد المعاصرين، ومؤرخي الأدب يعتبرون أن المرأة قد وقفت طويلاً خارج فاعلية الكتابة وما يحدث الآن هوعبارة عن محاولات لتكون ذاتاً فاعلة كتابياً وإبداعياً، إلا أن المصنفات التراثية الفكرية، والأدبية تشير إلى وجود إبداع نسائي مميزوغني ومتنوع، وإن كان الشعر ديوان العرب، فقد كانت المرأة شاعرة موهوبة ،لكن أشعارها لم تصلنا إلا على شكل قصائد مبعثرة، وأحياناً غير مكتملة، وتلك القصائد تدحض فكرة أن شعر النساء هو شعر رثاء يعبر عن مشاعر أمهات وأخوات ثكالى، ويبين معالجة النساء لقضايا السلم والحرب بين القبائل، والعدالة إضافة إلى شعر الغزل الذي كتبته العاشقات لعشاقهنن وكان أكثر جرأة مما يكتب هذه الأيام، فحين ألقت ليلى الأخيلية قصيدة للحجاج تمتدح فيها عشيقها توبة، قال رجل من المستمعين لقصيدتها: أنا واثق أنه لا يستحق عشر ما وصفته به، فسألت ليلى الرجل: وهل رأيت توبة? أجاب لا، قالت: لو رأيته لأردت منه أن يجعل جميع العذراوات في قبيلتك حوامل، كما عرف العرب أقلام نسائية في ألوان النثر المختلفة من الرسائل والمقامات والقصص والأمثال والتفاسير الإسلامية، ويظهر نثر النساء في معظم النماذج المقدمة متماسكاً، متيناً، معبراً عن سعة ثقافة ودراية كبيرة، وإضافة إلى كون النساء ناثرات وشاعرات فقد كان لهن السبق في مجال النقد الأدبي وتأسيس الصالونات الأدبية منذ أيام الجاهلية وبدايات الإسلام ،مما أصبح يشكل جزءاً من التراث النسائي في غالبية أنحاء العالم، لكن تجاهل النقاد للتأريخ لهذا التراث وإعادة قراءته أضاع الكثير من قيمته المادية والمعرفية، ومثال على هذا التجاهل هو تهميش دور الخنساء كناقدة وتقديمها للأجيال العربية على أنها شاعرة فقط ، بالرغم من أنها الناقدة الأولى في الأدب العربي (توفيت عام 646م) وهي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن شريد التي كانت تقف في سوق عكاظ في الحجاز لتتفحص قصائد الشعراء الوافدين من جميع أنحاء الجزيرة العربية، وتفاضل بينها بحساسية عالية للغة ،وتمكن نادر من المصطلح الشعري، كما كانت أم جندب شاعرة من الجاهلية وناقدة معروفة بنقدها أكثر مما هي معروفة بشعرها، وخلال الفترة الإسلامية الأولى بدأت النساء الناقدات بافتتاح صالونات أدبية في بيوتهن يلتقي فيها الشعراء ويلقون أشعارهم وينتظرون حكم المضيفة ،وكان أول صالون أدبي هو صالون سكينة بن الحسين وهي شاعرة وناقدة فذة عاشت في الحجاز وتوفيت عام 735، وما زال طلاب الأدب يستنيرون بأحكامها على جرير والفرزدق وكثيرعزة وجميل بثينة، إذا ما أرادوا دراسة هؤلاء الشعراء.
إذ كنا نشير هنا إلى الإبداع الموثق والمبعثر في بطون المؤلفات التراثية، فالمؤشرات تشير إلى حقيقة أن معظم الشعر وحتى النثر الذي كتبته النساء العربيات لم يسجل أوضاع بعد تسجيله وذلك لسببن رئيسيين كما تشير المصادر العربية، فحين بدأ العرب بتسجيل أدبهم ركزوا جهودهم على شعر الرجال بسبب (قيمته الأدبية)، ولم يولو إلا اهتماماً ضئيلاً جداً لإبداع النساء لأنه كان (رقيقاً وضعيفاً)، وكما أن معظم ما سجل (وهو قليل على كل حال) قد ضاع خلال الغزوات الأجنبية والتي (تم تدمير معظم التراث الأدبي خلالها)، وقد لا يتسع المجال لمناقشة السببين المذكورين، ولكن من الذي حكم على ذلك الإبداع أنه ضعيفاً? ولماذا ضاع هذا الإبداع خلال الغزو الأجنبي ولم يحدث ذلك بالتوازي مع إبداع الرجال?
 إن العقلية التي حكمت على ضياع جزء هام من التراث العربي والإنساني والتي تتمثل مقولة الفرزدق)إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها) ما زالت وللأسف هي العقلية التي تحكم معظم النقاد المعاصرين والذين يعتبرون أنفسهم أحياناً مناصرين للمرأة، وموضوعيين في تناولهم لإبداعها، فهذا د. عبدالله الغذامي يتساءل بصيغة توحي بالشك في كتابه (المرأة واللغة): هل استطاعت المرأة أن تجعل من إبداعها معادلاً يوازي إبداع الذكورة ولا يقل عنه، ولا يقبل أن يكون ملحقا به أو تابعاً له?(4)، ولعل التمعن بهذا السؤال يحيلنا إلى مصطلح (الأدب النسائي) وإشكالاته العديدة إذ غالباً ما يتم تصنيف الأدب بين رجالي ونسائي بمنطق التقليل من شأن  إبداع المرأة، وليس من خلال خصوصية أحاسسيس المرأة، ولعل هذا ما دعاني لتجنب استخدام المصطلح في المقال الحالي، وأثرت قول (إبداع المرأة) على اعتبار أن صيغة المرأة والإبداع تعتبر في المرأة الجنس، والكيان، والشخصية القائمة على البناء الثقافي باعتبارها مكملة لجنس الرجل في الحياة والمجتمع .
ختاماً نؤكد أن إعادة الاعتبار ضمن مشاريع قراءة التراث لإبداع المرأة في العالم العربي ضرورة ملحة، لما فيه من إثراء للثقافة العربية والإنسانية عموماً ولما ينطوي عليه كإبداع من قيم إنسانية، واجتماعية واقتصادية، تعكس صورة المجتمع العربي وتساعد على فهمه وتواصله مع العالم بشكل أفضل.
 
المراجع:
1 – مئة عام من الرواية النسائية العربية: د.بثينة شعبان ، دار الآداب ، بيروت ، 1999، ص ص 23- 40
2-  امرأة استثنائية ، تجارب من الإبداع النسائي العالمي ، ترجمة : مريم جمعة فرج،
دائرة الثقافة والإعلام ، الشارقة ، 2003، ص ص 9- 18
3- نيران أخرى ، قصص مختارة لكاتبات من أمريكا اللاتينية ، ترجمة: الياس فركوح وحنان شرايخة ،أزمنة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1999 ، ص ص 7 - 15
4 – المرأة واللغة ، : د . عبد الله الغذامي ، المركز الثقافي العربي، بيروت ، 1996، 10

1 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
ليس للإبداع جنساً    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

بداية أشكر أستاذي وزميلي زهير على إطرائه الذي يخجلني فأنا مازلت أتلمس بداية طريقي وهو صاحب فضل كبير علي لأنني تعلمت منه الكثير ليس على صعيد الثقافة فقط وإنما إنسانياً وهو الإنسان الشفاف المرهف الذي يعطي دون حساب فله تقديري الكبير ، كما أشكر الأستاذ النويهي على موضوعاته الممتعة ، وتعقيباً على موضوع  إبداع المرأة الأدبي وقصة الذكورة وما إلى ذلك أنا أوافق الأستاذ النويهي في وجهة نظره حول كل ما يثار عن حقوق المرأة هذا الموضوع الذي أصبح موضة العصر ولطالما نأيت بنفسي عن هذه الموضة لدرجة أني رفضت الدخول في عدد من الجمعيات النسائية في سوريا ،وخاصة أن برامج تلك الجمعيات فيها الكثير من الطوباوية والتعالي ، ومن واقع مشاركتي في عدد من المؤتمرات العربية والدولية والتي ترتبط بقضايا المرأة والتي اعتزلتها طوعاً اكتشفت حجم الهوة الكبيرة بين احتياجات الواقع وبين برامج تلك المؤتمرات حتى تكونت لدي قناعة أن هؤلاء النسوة اللواتي يطبلن ويزمرن لهذه المؤتمرات يسعين نحو مزيد من المكاسب التي اكتسبنها ، فمثلاً هناك شبه غياب لقضايا المرأة الريفية ومشكلاتها من غياب الدعم الصحي والتعليم ، هناك غياب لقضايا المرأة العراقية والمرأة الفلسطينية تلك القابعة في سجون الاحتلال الاسرائيلي والتي قد تلد وتربي وليدها في السجن ، والقائمة تطول وبصراحة أصبحت أشعر بالاشمئزاز عندما تجتمع تلك النسوة من علية القوم ليناقشن حقوق المشاركة السياسية للمرأة وأنا ابنة الريف التي شهدت بأم عينها وفاة عدد من النساء أثناء الولادة بسبب غياب الرعاية الصحية المناسبة ، ومازلت أشهد الكثير من القهر الذي تعاني منه قريباتي وأخواتي بسبب غياب أبسط متطلبات الحياة الإنسانية الكريمة لذلك أشعر أحياناً أن الحديث عن الحقوق السياسية وغيرها وإن كان مطلب حق فهو يراد به باطل وأرى فيه الكثير من الترف في ظل الحاجة إلى العيش بكرامة وهي أبسط حقوق الإنسان .
من ناحية أخرى أنا ضد تصنيف الإبداع الأدبي إلى نسوي وذكوري وغيرها من تصنيفات فيها الكثير من التجني على الإبداع نفسه ، وبالرغم من إيماني بخصوصية المرأة إلا أنني أجد هذه الخصوصية هي من باب الاختلاف وليس التمييز ، وكلنا كبشر مختلفون ولكل خصوصيته المتأتية من فوارق جينية واجتماعية واقتصادية وبيئية وغيرها ، لكن للأسف ليس لدينا نحن كعرب حتى الآن قيمة الاعتراف بحق الاختلاف ومن هنا تأتي التصنيفات على كل الأصعدة .
وعن قصة احتفاء بعض النقاد بأعمال أدبية ضعيفة لبعض المبدعات أنا أوافق الأستاذ عبد الرؤوف النويهي بل وأضيف أنني شهدت من واقع عملي الكثير من المجاملات والمحاباة من قبل الأدباء لأعمال أدبية أقل من ضعيفة ويشفع لها عندهم كونها من تأليف نساء ، بل أزيد على ذلك أيضاً وأرجو ألا ينزعج أحد أن جرعة المجاملة والمحاباة تزيد أضعافاً عندما تكون المرأة خليجية وهذه حقيقة شهدتها كثيراً وآلمتني كثيراً لأن فيها استخفاف بالإبداع والكتابة ، واستخفاف بالمرأة المحتفى بها ،والأهم استخفاف بعقول الناس ، لا شك أن هناك خليجيات مبدعات  لكن أن يكون كل عمل تكتبه أي امرأة خليجية هو عمل خارق فهذا ما لا يقبله العقل والمنطق وللأسف لقد حضرت الكثير من الندوات والأمسيات التي لا يكل خلالها الناقد من تقديم المدائح والتغني بجماليات العمل الذي يقدمه في حين أغلب الحضور متعجب من ذلك حتى إن بعض الأعمال النثرية التي شهدتُ نقاشاتها رفعت لدرجة موازاة كاتبتها بكتاب عالميين كبار عمراً وإبداعاً في وقت احترت كيف أصنف هذه الأعمال كرواية أم قصة أم خاطرة وهي لاتتعدى الخربشات التي كنا نكتبها على دفاترنا أيام مراهقتنا المبكرة وطفولتنا المتأخرة ، وعن حديث الأستاذ النويهي حول الإبداع الإماراتي أود أن أخبره أن لدي كتابا الآن قيد النشر حول جمالية الصورة الشعرية لدى شاعرات قصيدة النثر في الإمارات وبالطبع ليس هناك أي إشارة إلى فكرة الأنوثة والذكورة وإنما كان الخيار بناءً على قلة الدراسات النقدية التي تناولت هذا الجانب من الإبداع الإماراتي .

2 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
مي زيادة ورواد الأدب والفكر العربي    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

بداية أتوجه بشكري الجزيل للأستاذ الكبير عبد الرؤف النويهي على تشجيعه وشهادته التي أعتز بها ، وكونك يا أستاذ عبد الرؤوف أشرت إلى عدد من رواد الأدب والفكر العربي الذين أحبوا مي زيادة  فيسعدني أن أضيف بهذا الصدد  بعض من حكاية هؤلاء مع مي وعسى الوقت يسعفني لأضيف بعض من آرائهم التي ظلمت مي منهم أنفسهم ، وبعض الشهادات النسائية أيضاً.
 
مي والشاعر الكبير اسماعيل صبري :
كان الشاعر الكبير اسماعيل صبري من أكثر روّاد صالون مي مثابرة وحرصاً على حضور كل أمسياته ، وفي إحدى الأمسيات مرض ، ولم يستطيع الحضور ، فنظم أبياتاً تدل على ولعه بمي معبراً عن حزنه لتغيبه عن صالونها لأمسية واحدة ، ومما كتب :
   روحي على بعض الحي حائمة
                                  كظامىء الطير حواماً على الماء
إن لم أمتع بمي ناظري غداً     
                           أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء
 
مي وعميد الأدب العربي طه حسين :  
في احتفال لتكريم الأديب الكبير خليل مطران برعاية الخديوي عباس ألقت مي زيادة كلمة بعث بها جبران خليل جبران من المهجر لهذه المناسبة وذلك عام 1913، وقد قرأت مي كلمة جبران بأسلوب حرّك مشاعر مستمعيها ، وبعد انتهائها من الكلمة أضافت تعليقاً شخصياً على ما قرأت ، وقد انبهر الحضور بأسلوبها الرفيع وأناقة الكلمات التي أفصحت عن ثقافة متميزة ومشاعر إنسانية راقية ، وكان الأديب طه حسين يجلس بين الحضور مأخوذاً بما استمع إليه ويتساءل بينه وبين نفسه من هذه الفتاة ? وكتب بعد ذلك يصف مشاعره عن هذه الأمسية فقال:
( كان شقيق الأمير محمد علي  رئيساً للاحتفال وقد آثر الفتى - أي طه حسين – شهود ذلك الحفل ، وقد سمع فيه الكثير من الشعر والكثير من الخطب ، فلم يحفل بشيء مما سمع ، لم يعجبه حافظ في ذلك المقام ، ولم تعجبه قصيدة مطران ، ولم يرضى الفتى عن شيء مما سمع إلا صوتاً واحداً فاضطرب اضطراباً شديداً ، و أرق ليلته تلك ، كان الصوت نحيلاً ضئيلاً ، عذباً رائعاً ، لا يبلغ السمع حتى ينفذ في خفة إلى القلب فيفعل به الأفاعيل ... ).
بعد ذلك توطدت علاقة طه حسين بمي وكان من أشد المعجبين بأدبها وثقافتها ، وعندما اعتزلت مي في أواخر أيام حياتها وقبل وفاتها بفترة بسيطة اتصل بها طه حسين تلفونياً ، وطلب أن يلقاها ، وقال : سأزورك اليوم ... فقالت : لا ..
قال : سأزورك غداً
قالت : لا ...
قال : إذن متى أزورك ?
قالت : لا تزرني أبداً
قال : لماذا سيدتي ?!
قالت : هل تريد أن تعرف السبب ?
قال : نعم
قالت : قررت ألا أقابل أحداً من الناس إلا رجال الدين .. إذا أردت أن تراني فكن قسيساً .
فضحك طه حسين وقال :  سيدتي .. يعز علي ألا أراك ، ويستحيل أن أصبح قسيساً !
 
 
 
 
 

8 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
مي زيادة ظاهرة أدبية أم اجتماعية ?    كن أول من يقيّم

تحياتي إلى الأستاذ عبد الرؤوف وبصراحة إنني لأفخر بوجود رجال من هذا النموذج في مجتمعنا .
وأتمنى أن ننظر إالى بعضنا جميعاً بمنظور إنساني بعيد عن التحييز و التمييز بشتى أشكاله مع التأكيد على الحق في الاختلاف مهما كان مصدره ، وتعقيباً على موضوع الأديبة مي زيادة أحب أن أضيف بعض الآراء التي قيلت فيها من قبل العديد من الأدباء من معاصريها وغيرهم ، والتي تبين في معظمها عدم إنصافهم لمي وانشغالهم بها كإمرأة شكلت ظاهرة اجتماعية في زمنها أكثر مما قدمت كأديبة وصحفية ، وتجدر الإشارة إن كل ما كتبته وسأكتبه في هذا المقام أستند فيه إلى كتاب نوال مصطفى المعنون ب ( مي زيادة ، أسطورة الحب والنبوغ ) الصادرعن الهيئة المصرية للكتاب عام 2003.
    أكدت الكثير من المؤلفات أن عباس محمود العقاد أحب مي زيادة وقد لمح لحبه هذا في روايته سارة وأعطى مي اسماً مستعاراً هو هند ، وبالرغم من إعجابه بأدبها فقد كان كغيره من رواد صالونها الذين عبروا عن إعجاب ملتبس بشخصها الناعم قبل إبداعها ، وهو إعجاب متنصل منه إبداعياً ، ويتجلى ذلك التنصل في لحظات الصدق النقدية المكتوبة  ، فعندما يتحدث العقاد عن مي يقول : ( صيرت الدنيا كلها غرفة استقبال لا يصادف  فيها الحسن ما يصدمه ويزعجه ، أو هي صورتها متحفاً جميلاً منضوداً لا تخلو زاوية من زواياه من لباقة الفن وجودة الصنعة .).
  وحين يسأل حول أدب مي يجيب :
(اقرأ كتابة الآنسة مي لا تجد فيها ما يغضبك . ! ليكن لك رأيك في أسلوب الكتابة ، أو نمط التفكير أو صيغة التعبير،  فما من كاتب إلا وللناس في أسلوبه وتفكيره  وصيغ تعبيره آراء لا تتفق ، أما الإنسان في مي ذلك الكائن الشاعر الكامن وراء الكاتب منها والمفكر والمعبر فلا يسع الآراء المتفرقة إلا أن تتفق فيه وتصافحه مصافحة السلام  والكرامة .).
وهكذا يهرب العقاد من إبداء نقد صريح ورأي واضح في مي الأديبة والكاتبة ويخفي ذلك وراء امتداح لطفها  وإنسايتها !!
 وفي معظم مدائح بعض رواد صالونها يتجلى التخلي عن مي كفنان ند تحت ستار تمجيد أنوثتها وجمالها وحضورها الآسر.
       انشغل رجال عصر مي بها كظاهرة نسائية فريدة لم يكن في ذلك العصر مثيلاً لها أو حتى شبيهاً لها ، فكل الذين كتبوا عنها  لم ينسوا إنها امرأة ، فحللوها من هذا المنطلق دون حرج ناظرين إلى أنوثتها على حساب فكرها ، فيصفها صديقها أسعد حسني قائلاً : (  وكانت مي رغم سعة اطلاعها وعظيم استنارتها أبعد النساء عن الاسترجال وأشدهن استمساكاً بالخصائص النسوية...
بقامتها الربعة ووجهها المستدير ، وهي زجّاء الحاجبين ، دعجاء العينين ، يتألق الذكاء في بريقهما ، وشعرها الطويل يجلل جبينها .).
ويقر سلامة موسى أن مي لم تكن جميلة لكنها حلوة !
 ويصف فتحي رضوان لقاءه الأول بمي عندما ذهب لزيارتها في بيتها فيقول :
حينما  دققت الجرس فتحت لى الآنسة مي بنفسها ، فلاحظت لأول وهلة أنّ لها عينين ضيقتين تبدوان للنظار كأن بهما أثر من رق قديم ، فليس فيهما شيء من الجمال ، أما مي نفسها فممتلئة غير مترهلة ، وأظنها أقرب إلى القصر منها إلى الطول ، ولم يقف فتحي رضوان عند وصف شكل مي فقط  ، بل وصف صوتها أيضاً إذ يقول :
وصوت مي تشوبه رنة حزن لا أدري إذا كانت طبيعية أم مصطنعة ، وهي تقطع عباراتها ، وكأنها تلحنها وتوقعها كأغنية !!!
وهنا نتساءل : لماذا لم يصف أحد كاتباً رجلاً مثل هذه الأوصاف الجسدية والصوتية .. ولماذا وضعت هي تحت الميكروسكوب الرجالي والنسائي أيضاً ?!
  الإجابة هذا جاءت على لسان الكاتب فتحي رضوان عندما قال:
مي كانت ظاهرة اجتماعية أكثر منها ظاهرة أدبية ، فقد كانت مي آنسة لبنانية ، تكتب العربية والفرنسية ، وتقابل الرجال ، وتتحدث إلى الأدباء وأهل الفكر ، ويتحدثون إليها ، وفيهم أكثر من أعزب عاش حياته بلا زوجة ، وهم جميعاً بين متوزج وأعزب يضطربون في مجتمع لا تبدو فيه
المرأة إلا كالطيف ، وإذا أسفرت  واحدة من النساء كانت كالمحجبة تماماً ، لأنها لا تحسن حديثاً يشوق الرجل المثقف أو يمنعه ، أو يثير خياله ، أو يوحي إليه أو يلهمه بفكرة أو عاطفة أو خاطرة.
 
إلى هذا الحد ظلم الرجال عقل مي وفكرها وإبداعها ... وتجاهلوا إنتاجها الثري والفريد ... واكتفوا
بمدحها كمتحدثة جيدة .. ومثقفة ملهمة .. وشخصية محبوبة !!
 

14 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
من لغة المرأة إلى خطاب المرأة    كن أول من يقيّم


د. رضوان قضماني / مقال منشور على شبكة الانترنت

اللغة والخطاب اصطلاحان راحا يتكرران كثيراً في كتابات الدارسين والمهتمين بقضايا المرأة، منذ أن كتب الدكتور عبد الله الغذامي كتابه ?المرأة واللغة? ونشر الدكتور نصر حامد أبو زيد كتابه ?دوائر الخوف? و?قراءة في خطاب المرأة? لاتخلو دراسة أو مقالة من ترداد تركيبين هما: ?لغة المرأة? و?خطاب المرأة? ليستخدما كأنهما مترادفين أفرزهما التقابل بين الذكورة والأنوثة، إذ يؤكد الغذامي وجود لغة ذكورية لابد أن تقابلها لغة أنوثية، لأن سلطة الرجل الفحل جعلت اللغة ذكورية، ويشير إلى التذكير في اللغة أصل وهو الأكثر ويستشهد على ذلك بقول ابن جني في خصائصه ( تذكير المؤنث واسع جداً، لأنه ردّ إلى الأصل) ويضيف قائلاً ( ولن يكون التذكير أصلاً إلا إذا صار التأنيث فرعاً )[1] ويشير إلى أن الفصاحة ترتبط بالتذكير، إذ يجب عليك كي تكون فصيحاً أن تقول عن المرأة أنها زوج فلان، وليس من الفصاحة أن تؤنث فتقول إنها زوجة فلان، وإذا وجدنا جمع إناث بينهن ذكر واحد فالفصاحة تقتضي مخاطبتهن بصيغة المذكر الموجود بينهن لأنه وحده أصل وهنّ جميعاً فرع ... ويرى د. أبو زيد، أن اللغة أيديولوجيا تمارس نوعاً من التمييز العنصري بين الرجل والمرأة، فهي تجعل من الاسم العربي المؤنث مساوياً للاسم الأعجمي من حيث القيمة التصنيفية. فبالإضافة إلى تاء التأنيث التي تميز بين المذكر والمؤنث على مستوى البنية الصرفية يمنع التنوين عن اسم العلم المؤنث كما يمنع عن اسم العلم الأعجمي سواء بسواء[2]. وفي هذا ـ حسبما يرى د.أبو زيد ـ نوع من الطائفية العنصرية حيث تعامل المرأة معاملة الأقليات من حيث الإصرار على حاجتها للدخول تحت حماية أو نفوذ الرجل[3].

إن رأي د. الغذامي بأن التذكير في اللغة قام على استلاب التأنيث فيها بررها إلى أصل مفترض، مما جعل خطاب اللغة ذكورياً رأي غير متين لأن اللغة شيء والكلام شيء آخر، كما أشار فرديناند دي سوسير إلى ذلك. وإذا كان الكلام الذي يجسد اللغة ويتحقق في خطاب للرجل مذكراً، فإن بنية اللغة ليست مذكرة، أو ذكورية، بدءاً من التسمية الشائعة ?لغة، مؤنث بتاء التأنيث على خلاف لسان
Langage المذكر) إذ يمكننا أن نستخدم بنى تركيبية تحتوي على المذكر وأخرى على المؤنث على نحو متساو يضمن للمرأة حضوراً مساوياً للرجل. والمشكلة كلها تكمن في الخطاب، لأن اللغة ليست إلا مجموعة من الوحدات والقواعد الكامنة في العقل الجمعي يستعملها الرجل والمرأة على حد سواء بعد أن يحققوها في كلام يكتسب خواصاً أسلوبية ليصبح خطاباً يتسرب الوعي من خلاله، وإذا كان فلوبير يقول (كل شيء يوجد في الأسلوب)، فإننا نقول (كل شيء يوجد في الخطاب) ففيه تنحت الذات هويتها وتعددها وهو الذي يؤطر وجود هذه الذات في كليتها، ويتشكل هذا الخطاب من وحدات كبرى هي التشكيلات الخطابية بينما تتشكل اللغة من وحدات ذرية صوتية وصرفية ومعجمية ونحوية، ولذلك فإن تحليل الخطاب منهجياً يختلف عن تحليل اللغة، فالأول يقوم على تحليل ملفوظات وأقوال وأحاديث ونصوص، والثانية تقوم على تحليل الجملة والبنى الصرفية الصوتية إذ تقوم اللغة على قيام المتكلم بتركيب عناصرها ليشكل منها الأفعال والأسماء والجمل، كما تتصف بنظام إعرابي يحدد بنية الجمل وتتساوى في هذا جميع اللغات ، شرقية، وغربية، عربية وأعجمية، ولاتختلف إلا في طريقة التنظيم التي تنقلها إلى مستوى جديد هو مستوى الكلام الذي يتجسد في خطاب له نظامه ووظائفه.

إذا كان د. حامد أبو زيد قد عدّ اللغة إيديولوجيا فإنه يختلف في ذلك عن ميخائيل باختين في نظرته إلى إيديولوجيا اللغة، فقد انطلق باختين من أن اللغة منظومة علامات والعلامة هي التي تعرض، والعرض يأخذ صورتين: صورة الدال وصورة المدلول وعندما يتوحدّان يصبحان صورة إيديولوجية (إيديوم)، ولذا فقد ميز اللسانيون بين الكفاءة السردية للعلامة والكفاءة الخطابية فيها كما فعل غريماس، إلا أن الكلمة، التي عدّها باختين وحدة إيديولوجية تشكل نقطة فصل بين ميدانين للغة هما : النظام الشكلي القائم على العلامة والوحدة، والنظام التواصلي، أو الخطاب القائم بين الوحدة (الإيديولوجية) والخطاب، وهما معاً يشكلان نظام الدلالة في اللغة. إذن، يختلف الخطاب عن اللغة، فاللغة علامات، والخطاب ـ كما يقول ميشيل فوكو في (الكلمات والأشياء)[4] ممارسة اللغة لها قواعدها، وهي ممارسة تدل دلالة وصف على عدد معين من اللغوطات وتشير إليها، وليست اللغة إلا منظومة لبناء وحدات الخطاب : الملفوظات ولكنها ـ من جانب آخر ـ ليست إلا وصفاً لتشكيلة خطابية تخلقها الممارسة الخطابية .. فالتشكيلة الخطابية منظومة ملفوظات تنتظم على مستوى الكلام . وهي تشكيلة لأنها تتكون من منطوقات فردية، بل مجموعة منطوقات تستطيع تحديد شروط وجودها عبر تحديد علاقتها التاريخية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية واللغوية ( وعندما نقف على شكل من أشكال الانتظام بين الموضوعات وأنواع التعبير والتصورات والاختيارات الفكرية سوف نقول من باب الاصطلاح أننا أمام تشكيلة خطابية).[5]

إن خطاب المرأة بالأساس مشروع إيديولوجي، وليس مشروعاً لغوياً. أو جمالياً، لأنه يسعى إلى إعادة تفكيك النصوص والأفكار والقوانين التي قام عليها تمييز المرأة اجتماعياً وثقافياً ثم لغوياً لإماطة اللثام عن سياسة التمييز التي مورست ضدها في المجتمعات الذكورية وهذا لايتطلب إعادة النظر باللغة وقوانينها، بل بالتشكيلات الخطابية والممارسات الخطابية ـ حسب فهم فوكو لهذين المصطلحين ـ اللذين شكلا خطاباً ذكورياً دأب على إلحاق المرأة به وعلى (تعريف المرأة بإسنادها إلى الرجل). أي إن خطاب المرأة مشروع إيديولوجي، تحريري، يحرر المرأة من صورتها النمطية في الثقافة والمجتمع والأدب والفن، ويحررها أيضاً من سلطة المجتمعات الذكورية، ويخلصها من الميراث الجمالي الذي تكوّن في معزل عنها، إنه مشروع تحريري يهدف إلى أن يحقق لها الاستقلالية الإنسانية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً لتقوم بقراءة جديدة لذاتها وتجربتها منطلقة في ذلك من ذاكرتها هي، إنه مشروع تحريري لأنه خطاب نقيض لخطاب الرجل، أي نقيض للخطاب الذي يجعل منها النقيض المطلق لكل صفات الرجل، إن هذه النظرة التحررية إلى الخطاب ونقيض الخطاب تقوم على محاولة لاكتشاف الهوية الحائزة للأنا المضمرة في كتابة المرأة وهي ـ كما يقول د. جابر عصفورـ ( هوية لا تتجلى إلا بما يصلها للآخر على المستويات العلائقية المتعددة للاتفاق والاختلاف، والمشابهة والمناقصة، والاتصال والانفصال، في
الفعل المعرفي الذي لايكمل للأنا تعرفها بنفسها إلا بتعرفها بالآخر، نظيرها في العلاقة التي هي فاعلة فيها بقدر ما هي منفعلة بها)[6].

ويرتبط تحديد خطاب المرأة بتحديد الخطاب النقدي المرتبط بخطابها، والغرض منه تحديد مكانة المرأة ضمن المنظومة الثقافية ـ منظومة الخطاب ـ عموماً. إنه خطاب نقدي يعيدنا إلى التساؤل الذي طرحه د. الغذامي في كتابه (المرأة واللغة) هل استطاعت المرأة أن تجعل من إبداعها معادلاً يوازي إبداع الذكورة ولا يقل عنه، ولايقبل أن يكون ملحقاً به أو تابعاً له ?، بمعنى أنه خطاب يتساءل : هل استطاعت المرأة في مسيرتها الإبداعية أن تحقق نقلة نوعية جعلتها تتمكن من الإفصاح عن الأنوثة إبداعياً لتكون معادلاً إبداعياً للإيضاح عن الذكورة في أدب الرجل? إن تحقيق مثل هذه النقلة النوعية في خطاب المرأة المعاصرة ـ كاتبة وأديبة ومفكرة وحاضنة اجتماعية وثقافية ـ لايمكن أن تتحقق إلا في ظلّ مجتمع مدني يحق فيه للإنسان، ذكراً كان أم أنثى، أن يصوغ ما يشاء من مواقف وأفكار وأحاسيس في نطاق الحقوق والواجبات التي يتيحها هذا المجتمع بمؤسساته المدنية، إذ إن أنظمة ما بعد الاستعمار أنظمة برهنت حكوماتها على أن موقفها من المرأة يقتصر على علاقات بيروقراطية بعيدة عن أفكار روّاد عصر النهضة العربي مثل رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين... وقد اكتفت هذه الأنظمة بتحسين موقع المرأة بأن ضمنت لها حق التعليم وحق الاقتراع، ثم صارت هذه الأنظمة تتباهى بما طرحته من دكتورات وبعدد النساء اللواتي يعملن سكرتيرات أو مدرسات أو يحظين بمناصب محترمة في المؤسسات العامة، وأسست هذه الأنظمة اتحادات نسائية تتفرع من الحزب الحاكم ... أما الحقوق المدنية فقد ضمنتها هذه الأنظمة للمرأة كلامياً لتبقى في الممارسة كلاماً ميتاً ولايزال برنامج الرواد العرب الأوائل حيال قضية المرأة برنامجاً بعيد المنال على الرغم من محدوديته وقصوره، أما الانعطاف الكبير الذي بدأه هؤلاء الرواد في الخمسينات من القرن الماضي فقد انتهى في ثمانيناته بردة فعل عنيفة وتائهة في مستويات عدة وتحت مسميات شتى، لينتهي بردة فعل ضد المرأة وضد الإنسان وضد المجتمع.

لكن ما الذي يريده الخطاب النقدي من خطاب المرأة? لابد هنا أن نلاحظ عدم تجاوز المرأة للخطاب الذي كرّسه لها النظام الأبوي السائد ، فما زال هذا الخطاب يقوم على تشكيلات خطابية تدور في إطار المفهومات والاصطلاحات التقليدية ، ولم يتمكن خطاب المرأة ـ إلاباستثناءات قليلة ـ من التوصل إلى تحليل موضوعي يستجيب لما تريد المرأة قوله انطلاقاً من حاجتها وعلاقتها بالمجتمع ودورها فيه، كما أن الخطاب النقدي الذي تناول خطاب المرأة ما يزال غير متجانس يتشكله المحافظون والإصلاحيون والمتنورون ودعاة المجتمع المدني ودعاة تحرير المرأة، مما جعل هذا الخطاب النقدي توفيقياً وتلفيقياً يفتقر إلى الجذرية والموضوعية.

إن دراسة خطاب المرأة تأخذ اليوم منحى المنهج الوصفي، فهو خطاب يتشكل من نصوص كتبتها المرأة، وتنامت هذه النصوص إلى درجة تدفع بالباحثين إلى دراستها وتحليلها عيانياً لتحديد ماهية هذا الخطاب انطلاقاً من أنه مستقل قائم بذاته، ترسله أنثى ـ تحديداً ـ ليستقبله قارئ ـ ذكراً كان أم أنثى ـ لأن المرسل هنا ـ وهو المرأة ـ يركّز على رسالته لا على قاريء الرسالة. إنه رسالة تواصلية تبثها امرأة تحولت إلى ذات فاعلة كتابياً بعد أن وقفت طويلاً خارج فاعلية الكتابة،
(نصاً) إلى قاريء لتفعل بع إبداعياً. لقد تحول خطاب المرأة إلى نص تواصلي يحمل وظيفة تعبيرية انفعالية Emative ـ حسب تعريف رومان ياكبسون لها [7]ـ وهو نص تبرز دلالته علاقة مرسله الأنثى برسالته محققاً عملية تواصلية بين مرسل / امرأة، ومتلق / إنسان (ذكراً كان أم أنثى، سيان) تحمل بشكل واضح علاقة جلية بين الرسالة / النص ومرسلها / المرأة، وهي وظيفة تواصلية لايمكن فصل المرأة ، المرسل عنها أبداً، لأن هذا الفصل يقضي على جانب أساسي من جوانب الدلالة التي تهدف هذه الوظيفة التوالية إلى تحقيقها، إذ أن هذا المرسل/ المرأة في هذه الوظيفة التعبيرية Emative، عندما يقوم بإرسال رسالته، يعبر عن مواقف إزاء موضوع يحسه ويعيشه. إنها وظيفة تشير إلى موقف ذاتي للمرسل من الأفكار التي ينقلها نصه، بما لهذا الخطاب من بنية نصية تتجلى فيها عناصر تعبيرية تظهر في هذه الرسالة لتجعل منها نصاً أنثوياً. وانطلاقاً من هذه الوظيفة التواصلية التي برزت في خطاب المرأة في المرحلة الأخيرة راح هذا النص يعكس تناول المرأة المميز لذاتها ولغيرها وللعالم وموقفها من هذا كله، ولهذا صار من الضروري تحديد مكانة هذا الخطاب في منظومة الخطاب الثقافي والإبداعي العربي عموماً. إنه خطاب كان غائباً وقد بدأ حضوره الآن، ومن هذا الحضور الذي حلّ محل الغياب تظهر أهمية هذا الخطاب.

[1] - د . عبد الله الغذامي المرأة واللغة ، المركز الثقافي العربي بيروت 1996 ص10

[2] -د . نصر حامد أبو زيد . دوائر الخوف : قراءة في خطاب المرأة، المركز الثقافي العربي ، بيروت 1999 ص30

[3] - المصدر نفسه.

[4] - فوكو ـ ميشيل، الكلمات والأشياء ، ترجمة مطاع الصفدي وآخرين، مركز الانماء القومي بيروت 1990، ص115

[5] - فوكو _ ميشيل ، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ـ المغرب 1986، ص37



[6] - د . جابر عصفور، مقدمة المجموعة القصصية (زينة الحياة) الصادرة ضمن سلسلة روايات الهلال ، العدد 576 ديسمبر 1996
.

14 - مايو - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
 1  2