 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |
 | تابع6 كن أول من يقيّم اختلف أهل العلم في ذلك فقال بعضهم قدر جميع ذلك سبعة آلاف سنة ومنهم ابن عباس قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، فقد مضى ستة آلاف ومائتا سنة وليأتين عليها سنين ليس عليها موحد، وقال آخرون قدر جميع ذلك ستة آلاف سنة، ومنهم كعب الأحبار ووهب بن منبه قال: الدنيا ستة آلاف سنة، وعن عبد الله ابن عمر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أجلكم في أجل من كان قبلكم، من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، و ألا إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، و ما بقي لأمتي من الدنيا إلا كمقدار الشمس إذا صليت العصر، وقال ابن عمر: كنا جلوسا عند النبي والشمس مرتفعة على قعيقعان بعد العصر فقال (ص): ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه، وعن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) خطب أصحابه يوما وقد كادت الشمس أن تغيب ولم يبق منها إلا شق يسير فقال: والذي نفس محمد بيده، ما بقي من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه وما ترون من الشمس إلا اليسير، وعن ابي هريرة وأنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي وجابر بن سمرة وأبي جبيرة قالوا قال رسول الله: بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى، وعن جابر بن سمرة قال: كأني أنظر إلى إصبعي رسول الله (ص)، وقد أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه، وعن أنس بن مالك قال: كفضل إحداهما على الأخرى، وعن إسماعيل بن عبيد الله قال قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبدالملك فقال له الوليد: ماذا سمعت رسول الله (ص) يذكر به الساعة، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أنتم والساعة كهاتين، وقرن بين إصبعيه، وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله (ص): ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان، ثم قال: ما مثلي ومثل الساعة إلا كمثل رجل بعثه قوم طليعة، فلما خشي أن يسبق ألاح بثوبه أتيتم أتيتم أنا ذاك أنا ذاك، وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال سمعت رسول الله (ص) يقول: بعثت أنا والساعة جميعا، إن كادت لتسبقني، عن المستورد بن شداد الفهري عن النبي (ص) أنه قال: بعثت في نفس الساعة سبقتها كفرق هذه من هذه، لإصبعية السبابة والوسطى وجمعهما، وضم السبابة والوسطى وقال: سبقتها كما سبقت هذه هذه في نفس الساعة. فمعلوم إذ كان اليوم أوله طلوع الفجر وآخره غروب الشمس وكان صحيحا عن نبينا ما رويناه عنه قبل، يكون قدر سبع اليوم يزيد قليلا، وكذلك فضل ما بين الوسطى والسبابة إنما يكون نحوا من ذلك تقريبا، واليوم مقداره ألف سنة عند الله، وعن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: الحقب ثمانون عاما، اليوم منها سدس الدنيا، فبين في هذ الخبر أن الدنيا كلها ستة آلاف سنة، وذلك أن اليوم الذي هو من أيام الآخرة إذا كان مقداره ألف سنة من سني الدنيا وكان اليوم الواحد من ذلك سدس الدنيا كان معلوما بذلك أن جميعها ستة أيام من أيام الآخرة وذلك ستة آلاف سنة. وقد زعم اليهود أن جميع ما ثبت عندهم على ما في التوراة مما هو فيها من لدن خلق الله آدم إلى وقت الهجرة، وذلك في التوراة التي هي في أيديهم اليوم تساوي أربعة آلاف وستمائة واثنتان وأربعون سنة، وقد ذكروا تفصيل ذلك بولادة رجل رجل ونبي نبي وموته من عهد آدم إلى هجرة نبينا محمد (ص). وأما اليونانية من النصارى فإنها تزعم أن الذي ادعته اليهود من ذلك باطل، وأن الصحيح من القول في قدر مدة أيام الدنيا من لدن خلق الله آدم إلى وقت هجرة نبينا محمد (ص) على سياق ما عندهم في التوراة التي هي في أيديهم، خمسة آلاف وتسعمائة واثنتان وتسعون سنة وأشهر، وذكروا تفصيل ما ادعوه من ذلك بولادة نبي نبي وملك ملك ووفاته من عهد آدم إلى وقت هجرة رسول الله (ص)، وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى دفعا منهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام، إذ كانت صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة وقالوا: لم يأت الوقت الذي وقِّتَ لنا في التوراة أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه، وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته، وأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله (ص) لأمته وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد فهو من نسل اليهود. وأما المجوس فإنهم يزعمون أن قدر مدة الزمان من لدن ملك جيومرت إلى وقت هجرة نبينا ثلاثة ألاف ومائة وتسع وثلاثون سنة، وهم لا يذكرون مع ذلك نسبا يعرف فوق جيومرت ويزعمون أنه آدم أبو البشر وأهل الأخبار في أمره مختلفون، فمن قائل منهم فيه مثل قول المجوس ومن قائل منهم إنه تسمى بآدم بعد أن ملك الأقاليم السبعة، وأنه هو جامر بن يافث بن نوح وكان بارا بخدمته فدعا الله له ولذريته بطول العمر والتمكين في البلاد والنصر على من ناوأه واتصال الملك له ولذريته ودوامه له ولهم، فاستجيب له فيه فأعطي جيومرت ذلك وولده وهو أبو الفرس، ولم يزل الملك فيه وفي ولده إلى أن زال عنهم بدخول المسلمين مدائن كسرى وغلبة أهل الإسلام إياهم على ملكهم، ومن قائل غير ذلك. | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع7 كن أول من يقيّم
كيفية حدوث الأوقات والأزمان والليل والنهار إن الزمان هو اسم لساعات الليل والنهار وهي مقادير من جري الشمس والقمر في الفلك كما قال الله عز وجل (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، فالزمان هو قطع الشمس والقمر درجات الفلك وهو محدث كالليل والنهار، وأن محدث ذلك هو الله الذي تفرد بإحداث جميع خلقه كما قال (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، ومن جهل حدوث ذلك من خلق الله فإنه لن يجهل اختلاف أحوال الليل والنهار بأن أحدهما يرد على الخلق بسواد وظلمة وأن الآخر منهما يرد عليهم بنور وضياء ونسخ لسواد الليل وظلمته، فإذا كان من المحال اجتماعهما مع اختلاف أحوالهما في وقت واحد، كان يقينا أنه لا بد من أن يكون أحدهما كان قبل الآخر وذلك دليل على حدوثهما وأنهما خلقان لخالقهما، ومن الدلالة أيضا على حدوث الأيام والليالي أنه لا يوم إلا وهو بعد يوم كان قبله وقبل يوم كائن بعده، فمعلوم أن ما لم يكن ثم كان أنه محدث مخلوق وأن له خالقا ومحدثا، ثم أن الأيام والليالي معدودة وما عد من الأشياء له ابتداء وما كان له ابتداء فإنه لا بد له من مبتدىء هو خالقه. | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع8 كن أول من يقيّم عن ابن عباس قال: أن اليهود أتت النبي فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين، وخلق يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة، ثم قال لمن سأل: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)، ثم قال: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، إلا ثلاث ساعات بقيت منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال من يحيا ومن يموت، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة، فقالت اليهود: ثم ماذا يا محمد، قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو أتممت، ثم استراح، فغضب النبي غضبا شديدا فنزل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ). وعن أبي هريرة وعبد الله بن سلام قالا: أن رسول الله (ص) قال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الأثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة، آخر خلق خلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل. نتبين من هذا عن رسول الله، أن الشمس والقمر خلقا بعد خلق الله أشياء كثيرة من خلقه، وكان ذلك كله ولا ليل ولا نهار، فإذا كان الليل والنهار إنما هو اسم لساعات معلومة من قطع الشمس والقمر درجات الفلك، وإذا كان صحيحا أن الأرض والسماء وما فيهما قد كانت ولا شمس ولا قمر، كان معلوما أن ذلك كله كان ولا ليل ولا نهار. فإن قال لنا قائل: قد زعمت أن اليوم إنما هو اسم لميقات ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم زعمت الآن أن الله خلق الشمس والقمر بعد أيام من أول ابتدائه خلق الأشياء التي خلقها، فنجد أن هنالك مواقيت وتسمية للأيام، ولا شمس ولا قمر، وهذا بدون برهان على صحته كلام ينقض بعضه بعضا. نقول: إن الله سمى ما ذُكر أياما فسميناه بالاسم الذي سماه به الله، وكان وجه تسميته ذلك أياما ولا شمس ولا قمر كنظير قوله عز وجل (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، ولا بكرة ولا عشي هنالك، إذ أنه لا ليل في الآخرة ولا شمس ولا قمر كما قال عز وجل (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ)، فسمى تعالى ذكره يوم القيامة يوما عقيما، إذ أنه يوما لا ليل بعد مجيئه، وإنما أريد بتسمية ما سمى أياما قبل خلق الشمس والقمر هو تقدير الله مدة ألف عام من أعوام الدنيا، والعام منها اثنا عشر شهرا من شهور أهل الدنيا التي تعد ساعاتها وأيامها بقطع الشمس والقمر درجات الفلك، كما سمى بكرة وعشيا لما يرزقه أهل الجنة في قدر المدة التي كانوا يعرفون ذلك من الزمان في الدنيا بالشمس ومجراها في الفلك، ولا شمس عندهم ولا ليل في الآخرة، وكل ذلك قاله السلف من أهل العلم ومنهم مجاهد قال عن ابن عباس وقتادة: يقضي الله عز وجل أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة فقد قال تعالى (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، فاليوم عند الله أن يقول لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة كن فيكون، ولكن سماه يوما فهو الخالق وسماه كما شاء، وهذا الخبر ورد عن جماعة من السلف أنهم قالوه. | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع9 كن أول من يقيّم قال الله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، وقوله تعالى (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فإن كان كل شيء هالك غير وجهه وكان الليل والنهار ظلمة أو نورا خلقهما لمصالح خلقه فلا شك أنهما فانيان هالكان، وكما قال (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ويعني بذلك أنها عميت فذهب ضوءها وذلك عند قيام الساعة، وهذا ما لا يحتاج إلى الإكثار فيه ويقر به جميع أهل التوحيد من أهل الإسلام وأهل التوراة والإنجيل والمجوس، مقرون بأن الله عز وجل محييهم بعد فنائهم وباعثهم بعد هلاكهم إلا قوم من عبدة الأوثان فإنهم يقرون بالفناء وينكرون البعث. معلوم أن أي مخلوق لا بد له من خالق والمحدث لا بد له من مؤلف، والمجتمع من شيئين أو أكثر أو من تفريق شئ له مفرق أو جامع، ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شيء وهو على كل شيء قدير، فهو بارىء الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات وأنه محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله وأن في قوله تعالى (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، لأبلغ الحجج وأدل الدلائل لمن فكر بعقل واعتبر بفهم على قدم بارئها وحدوث كل ما جانسها وأن لها خالقا لا يشبهها، وذلك أن كل ما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض والإبل، فإن ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم غير ممتنع عليه شيء من ذلك، ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد تصريفه فلم يوجده من هو مثله ولا هو أوجد نفسه، وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شيء أراده ولا يمتنع عليه إحداث شيء شاء إحداثه، وهو الله الواحد القهار فإن قيل اثنين أنكرنا ذلك لتمام الخلق فلو كان المدبر اثنين لم يخلوا من اتفاق أو اختلاف، فإن كانا متفقين فمعناهما واحد وإنما جعل الواحد اثنين وإن كانا مختلفين كان محالا وجود الخلق على التمام والتدبير، لأن المختلفين فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر، فكان محالا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه من التمام وفي قول الله عز وجل (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ، إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، أبلغ حجة وأوجز بيان وأدل دليل على بطلان ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله، وذلك أن السموات والأرض لو كان فيهما إله غير الله لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف كما قال ربنا جل وعلا (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فتبين إذا أن القديم بارىء الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شيء وهو الكائن بعد كل شيء، والأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، وأنه كان ولا وقت ولا زمان ولا ليل ولا نهار ولا ظلمة ولا نور إلا نور وجهه الكريم، ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شيء سواه محدث مدبر مصنوع انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا معين ولا ظهير، سبحانه من قادر قاهر. عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إنكم تُسألون بعدي عن كل شيء، حتى يقول القائل هذا الله خلق كل شيء فمن ذا خلقه، إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: الله خالق كل شيء والله كان قبل كل شيء والله كائن بعد كل شيء، فإذا كان معلوما أن خالق الأشياء وبارئها كان ولا شيء غيره، وأنه أحدث الأشياء فدبرها وأنه قد خلق صنوفا من خلقه قبل خلق الأزمنة والأوقات وقبل خلق الشمس والقمر اللذين يجريهما في أفلاكهما، وبهما عرفت الأوقات والساعات وأرخت التأريخات وفصل بين الليل والنهار، فلنقل فيم ذلك الخلق الذي خلق قبل ذلك وما كان أوله؟. | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | ت10 كن أول من يقيّم قال عبادة بن الصامت: سمعت رسول الله يقول: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات، وعن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله قال: إن أول شيء خلق الله القلم وأمره أن يكتب كل شيء، وعن عطاء قال سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حضره الموت قال: دعاني فقال: أي بني، اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله ولن تبلغ العلم حتى تؤمن به وحده والقدر خيره وشره، إني سمعت رسول الله يقول: إن أول ما خلق الله عز وجل، خلق القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب، قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وبما هو كائن إلى الأبد، وقد اختلف أهل السلف في ذلك فقال بعضهم بنحو الذي روي عن رسول الله فيه ومنهم ابن عباس. وقال آخرون: بل أول شيء خلق الله عز وجل من خلقه: النور والظلمة، ومنهم ابن اسحاق حيث قال: كان أول ما خلق الله عز وجل النور والظلمة، ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا ويقول الله عز وجل (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، فكان كما وصف نفسه عز وجل، إذ ليس إلا الماء عليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والإكرام، فكان أول ما خلق الله النور والظلمة، أما قول ابن عباس إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئا، فكان أول ما خلق الله القلم، فهو خبر منه أن الله خلق القلم بعد خلقه عرشه، وقول ابن عباس أثبت لروايته ذلك عن رسول الله (ص) وهو أعلم قائل، وذلك من غير استثناء منه شيئا من الأشياء أنه تقدم خلق الله إياه خلق القلم، بل عم بقوله إن أول شيء خلقه الله القلم كل شيء من غير استثنائه من ذلك عرشا ولا ماء ولا شيئا غير ذلك. إن الله جل جلاله خلق بعد القلم وبعد أن أمره فكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة، خلق سحابا رقيقا وهو الغمام الذي ذكره جل وعلا في محكم كتابه فقال (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، وذلك قبل ان يخلق عرشه، وبذلك ورد الخبر عن أبي رزين العقيلي قال قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه فقال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء، وعن عمران بن الحصين وكان من أصحاب رسول الله (ص) قال: أتى قوم رسول الله فدخلوا عليه فجعل يبشرهم ويقولون: أعطنا، حتى ساء ذلك رسول الله ثم خرجوا من عنده، وجاء قوم آخرون فدخلوا عليه فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله ونتفقه في الدين ونسأله عن بدء هذا الأمر فقال (ص): فأقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا، قالوا: قبلنا، فقال رسول الله (ص): كان الله لا شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر قبل كل شيء ثم خلق سبع سموات، ثم اختلف في الذي خلق تعالى بعد العماء فقال بعضهم خلق بعد ذلك عرشه وقال ابن عباس: إن الله عز وجل خلق العرش أول ما خلق فاستوى عليه، وقال آخرون: خلق الله عز وجل الماء قبل العرش ثم خلق عرشه فوضعه على الماء، وقال وهب بن منبه: إن العرش كان قبل أن يخلق السموات والأرض على الماء، فلما أراد أن يخلق السموات والأرض قبض من صفاة الماء قبضة ثم فتح القبضة فارتفعت دخانا، ثم قضاهن سبع سموات في يومين ودحا الأرض في يومين وفرغ من الخلق في اليوم السابع. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش، لصحة الخبر الذي ذكر عن أبي رزين العقيلي عن رسول الله (ص)، فأخبر أن الله خلق عرشه على الماء، ومحال إذ كان خلقه على الماء أن يكون خلقه عليه والذي خلقه عليه غير موجود إما قبله أو معه، فإذا كان كذلك فالعرش لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون خلق بعد خلق الله الماء، وإما أن يكون خلق هو والماء معا، فأما أن يكون خلقه قبل خلق الماء فذلك غير جائز صحته، وقد قيل إنه كان بين خلقه القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام، فلما أراد جل جلاله خلق السموات والأرض خلق فيما ذكر أياما ستة فسمى كل يوم منهن باسم غير الذي سمى به الآخر، قال الضحاك بن مزاحم عن زيد بن الأرقم: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام ليس منها يوم إلا له اسم: أبجد - هوز - حطي - كلمن - سعفص – قرشت، وقال آخرون ومنهم ابن عباس قال: إن الله خلق يوما واحدا سماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الإثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ثم خلق خامسا فسماه الخميس. | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع11 كن أول من يقيّم عن ابن عباس أن نبي الله (ص) قال: إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور لله فيه في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة، يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء، وقال ابن عباس: اللوح المحفوظ لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه معقود بالعرش وهو في حِجْر ملك إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة، ، وقال أنس بن مالك وغيره من السلف: اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل، وقال مقاتل: هو عن يمين العرش. عن ابن عباس قال: وضع البيت العتيق على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحت البيت، وعن عبدالله بن سلام قال: إن الله تعالى خلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل، فتلك الساعة التي تقوم فيها القيامة. أن مدة ما بين أول خلق خلقه الله تعالى إلى قيام الساعة وفناء جميع العالم أربعة عشر ألف عام من أعوام الدنيا، وذلك أربعة عشر يوما من أيام الآخرة، سبعة أيام من ذلك وهي سبعة آلاف عام من أعوام الدنيا مدة ما بين أول ابتداء الله جل وتقدس في خلق أول خلقه إلى فراغه من خلق آخرهم وهو آدم أبو البشر صلوات الله عليه، وسبعة أيام أخر وهي سبعة آلاف عام من أعوام الدنيا من ذلك مدة ما بين فراغه جل ثناؤه من خلق آخر خلقه وهو آدم إلى فناء آخرهم وقيام الساعة، وعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شيء غير القديم البارىء الذي له الخلق والأمر الذي كان قبل كل شيء، فلا شيء كان قبله والكائن بعد كل شيء فلا شيء يبقى غير وجهه الكريم فإن قال قائل: وما دليلك على أن الأيام الستة التي خلق الله فيهن خلقه كان قدر كل يوم منهن ألف عام من أعوام الدنيا دون أن يكون ذلك كأيام أهل الدنيا التي يتعارفونها بينهم، وإنما قال الله عز وجل في كتابه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فنقول أن الله تعالى قال (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، فاليوم عند الله ألف سنة ولكن سماه يوما فهو الخالق وسماه كما شاء. | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع14 كن أول من يقيّم
فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض العيون على عجلتها ومعها ثلاثمائة وستون ملكا، ناشري أجنحتهم يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار، ليلا كان أو نهارا، فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية من الآيات فيستعتبهم رجوعا عن معصيته وإقبالا على طاعته خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر وهو الفلك، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم وهو المنتهى من كسوفها، فإذا أراد أن يجعل آية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة فهو كسوف دون كسوف وبلاء للشمس أو للقمر وتخويف للعباد واستعتاب من الرب عز وجل، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين، فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة، والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس وهم في ذلك يقرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات الليل، ليلا كان أو نهارا في الصيف كان ذلك أو في الشتاء او ما بين ذلك في الخريف والربيع لكيلا يزيد في طولهما شيء، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك وجعل لهم تلك القوة، والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة يحمدون الله على ما قواهم لذلك، ويتعلقون بعرا العجلة ويجرونها في الفلك بالتسببيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين فتسقط من أفق السماء في العين، ثم قال النبي وعجب من خلق الله: وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك، وذلك قول جبرئيل عليه السلام لسارة (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)، ... يتبع | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع15 كن أول من يقيّم
وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين أحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح، اسم التي بالمشرق بالسريانية مرقيسيا وبالعربية جابلّق، واسم التي بالمغرب بالسريانية برجيسيا وبالعربية جابرس، ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب ما بين كل بابين فرسخ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراس، عليهم السلاح لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فوالذي نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاث أمم: منسك وتافيل وتاريس ومن دونهم يأجوج ومأجوج، وإن جبرئيل عليه السلام انطلق بي إليهم ليلة أسري بي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وإلى عبادته فأجابوا، فأصبحوا إخواننا، من أحسن منهم فهو مع محسنكم ومن أساء منهم فأولئك مع المسيئين منكم، ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه فكفروا بالله عز وجل وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار، فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة وتسجد معها الملائكة الموكلون بها فيحدر بها من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر، وإذا انحدرت من بعض تلك العيون فذاك حين يضيء الصبح، وإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذاك حين يضيء النهار، وجعل الله عند المشرق حجابا من الظلمة على البحر السابع مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ثم يستقبل المغرب، فلا يزال يرسل من الظلمة من خلال أصابعه قليلا قليلا وهو يراعي الشفق، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغ المغرب، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق فضم جناحيه ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق، فيضعها عند المغرب على البحر السابع، فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور وانقضت الدنيا، فضوء النهار من قبل المشرق وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما إلى ارتفاعهما إلى السماء السابعة العليا إلى محبسهما تحت العرش حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد، فإذا كان ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش، ... يتبع | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع16 كن أول من يقيّم
فكلما سجدت واستأذنت من أين تطلع لم يحر إليها جواب حتى يوافيها القمر ويسجد معها ويستأذن من أين يطلع فلا يحار إليه جواب، حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض، وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين في هوان من الناس وذلة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاة فيصلي ورده كما كان يصلي قبل ذلك، ثم يخرج فلا يرى الصبح فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر، ثم يقول فلعلي خففت قراءتي أو قصرت صلاتي أو قمت قبل حيني، ثم يعود أيضا فيصلي ورده كمثل ورده الليلة الثانية، ثم يخرج فلا يرى الصبح فيزيده ذلك إنكارا ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من الشر، ثم يقول فلعلي خففت قراءتي أو قصرت صلاتي أو قمت من أول الليل، ثم يعود أيضا الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة فيصلي أيضا مثل ورده الليلة الثالثة، ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل، فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة، فيستلحمه الخوف ويستخفه البكاء ثم ينادي بعضهم بعضا وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة والغافلون في غفلتهم، حتى إذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين أتاهما جبرائيل فيقول: إن الرب عز وجل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور، فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت وخوف يوم القيامة، فبينما الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من المغرب أسودين مكورين كالغرارتين، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك، فيتصايح أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها والأحبة عن ثمرة قلوبها فتشتغل كل نفس بما أتاها، فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك لهم عبادة، وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك عليهم خسارة، فيرتفعان مثل البعيرين القرينين ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا، حتى إذا بلغا سرة السماء وهو منصفها أتاهما جبرائيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون ولكن يغربهما في باب التوبة، | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |
 | تابع17 كن أول من يقيّم
قال بن عباس فقال عمر بن الخطاب (ر): أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله، فما باب التوبة؟، قال: يا عمر، خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف المغرب مصراعين من ذهب مكللا بالدر والجوهر، ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاما للراكب المسرع، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترفع إلى الله عز وجل، فقال معاذ بن جبل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وما التوبة النصوح؟، قال: أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع، فيرد جبرائيل بالمصراعين فيلأم بينهما ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام، إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك، فذلك قوله عز وجل (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)، فقال أبي بن كعب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك، وكيف بالناس والدنيا؟، فقال: يا أبي إن الشمس والقمر بعد ذلك يكسيان النور والضوء ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار ويغرسوا فيها الشجر ويبنوا فيها البنيان، وأما الدنيا فإنه لو اشترى رجل مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور، فقال حذيفة بن اليمان: أنا واهلي فداؤك يا رسول الله، فكيف هم عند النفخ في الصور؟، فقال: يا حذيفة، والذي نفس محمد بيده، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه ولا يتبايعانه، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها، ولتقومن الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه، ثم تلا رسول الله (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، فإذا نفخ في الصور وقامت الساعة وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد، إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال، ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين فيقولان: إلهنا قد علمت طاعتنا ودؤوبنا في عبادتك وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا فإنا لم ندع إلى عبادتنا ولم نذهل عن عبادتك، فيقول الرب تبارك وتعالى: صدقتما، وإني قضيت على نفسي أن أبدىء وأعيد، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه، فارجعا إلى ما خلقتما منه، فيقولان: إلهنا ومم خلقتنا، فيقول عز وجل: خلقتكما من نور عرشي، فارجعا إليه، فيلتمع من كل واحدة منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نورا فتختلط بنور العرش، فذلك قوله عز وجل (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ)، ... يتبع | 19 - أبريل - 2010 | نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء |