الحلقة الثالثة كن أول من يقيّم
الحلقة الثالثة ما الاكتئاب الايجابي ؟ و كيف لنا ان نفهم من خلاله معنى (رفاهية الاكتئاب)؟ ان الاكتئاب الايجابي هو حالة شعورية واعية و هي واقع موعى به . كيف ذلك؟ و كيف لي ان افهم تلك المصطلحات الجديدة ؟ سأحدثك صديقي المكتئب : ان للاكتئاب درجات مختلفة باختلاف مسببات الاكتئاب و الاحباط و بتفاوت الطموحات و الاحلام فهناك طموحات صغيرة و غيرها كبيرة و هناك من يقنع بالقليل من الاحلام و هناك من يسبح في أحلام لاحدود لها . عندما يشعر الانسان بالعجز عن تحقيق طموحاته فيحس بالالم النفسي . لكن : هل ياترى -صديقي- ان كل الناس عندما يصلوا الى هذه المرحلة يقعوا فريسة احباط لاحدود له؟ يتنوع الاكتئاب بتنوع المكتئبين ( قوي - ضعيف) 1- فترى الضعيف قد يسوقه اكتئابه الى الموت كحل مريح و رفاهية لاحدود لها او قد يسقط فريسة أحلام اليقظة التي لا طائل لها و يكون بذلك قد عوض جزء مما فقده في واقعه الحزين و مع الوقت نراه قد انتقل الى حالة فصام للشخصية فيضيع بين حياته الحقيقية و بين احلام يقظته التي اصبحت جزء من شخصيته فيضيع بذلك عقله. أنا ................ لن ادعك - صيقي المكتئب الضعيف - تسقط في تلك الهاوية فقبل ان اتحدث عن النوع الثاني اتوجه بالحديث اليك لأقول: انا افضل الحلول العملية و ان كانت مؤقتة وهي ان تحارب اكتئابك بالعمل . كيف يا استاذ ماهر ؟ اقمت سابقا مقاربة بين الرفاهية و العمل و اكدت ان الرفاهية هي الخروج من جو الروتين القاتل (العمل المألوف) الى حالة استرخاء نفسية لذلك عندما يكتئب الشخص يصبح اكتئابه جزء من روتين حياته (انا اتحدث عن هذا النوع تحديدا) و لا ينكسر الا بطريقة واحدة - و ان كانت غير علمية - و هي ان يبحث المكتئب عن جو آخر يبعده عن هذا الجو من التفكير الغير منقطع النظير الذي يجعل من حياته تراجيديا من اعلى المستويات لذلك : عليك اولا ان تملئ كل لحظات يومك بالعمل الشاق ؟ نعم؟؟؟؟؟ أي عمل كان ... تحبه ،لاتحبه ، المهم هو عدم الاستسلام لفيروس الاكتئاب ...... و عندما لا تترك لاكتئابك فرصة لكي يسيطر عليك و يصبح فيروس تبدأ انت بجمع ما تبقى لك من طاقات لمعالجة اكتئابك بنفسك ... و انا اصر على علاج الاكتئاب ذاتيا ........ فللاكتئاب عمر يطول او يقصر و هذا مرتبط بدرجة استسلام الشخص له و عندما تقبض عليه بيديك يصبح بامكانك التخلص منه تدريجيا ......... 2- اما حامل الاكتئاب الايجابي فسوف اسميه ( المكتئب المتمرد) ان هذا المكتئب هو اولا يدرك تماما سبب اكتئابه و يضع في حسبانه ان من حوله يشعرون به كمكتئب و انه يؤثر بمن حوله ........ و نقطة الوعي تلك ستدفعه الى ان يجد لنفسه مكانا في هذا العالم بعد تحطم آماله ان اهم ما يوصف به - صديقنا - هذا انه مكتئب في اعلى مستويات الاكتئاب و اقصد أنه كان يمتلك طموحا لامحدودا و أحلاما كبيرة و امام تحطم هذه الاحلام سيفضل اولا الانكفاء الذاتي على نفسه و العزلة عن الناس ، لكن هذه العزلة لن تودي به الى فصام أو انتحار ، بل سيزداد تمسكه بالحياة لينقض و يحول هزيمته الى انتصار و خموله الى نشاط جاعلا من هذا الاكتئاب و تلك العزلة و ذاك الانكفاء وقفة مع الذات يكسر فيها روتين حياته الذي اصبح واقع هزيمة ، عاش في تلك المرحلة بعيدا عن العمل و بعيدا عن الروتين ليصبح لحظة من لحظات الرفاهية .... تلك هي رفاهية الاكتئاب التي لاتظهر الا مع هذا النوع من البشر (وما أكثرهم) انها لحظة يحتاجها كل انسان لكي يبدع و لكي ينتصر على ذاته و يمحو من ذاكرته فكرة اليأس من الحياة ............ ((فها هو (جمال عبد الناصر) كما حدثنا عنه الدكتور الكبير *أحمد برقاوي* : شهد فساد السلطة الملكية و تبعية مصر للأجنبي و نكبة 1948 في فلسطين و حوصر في الفالوجة لكنه حول احباطه الى فعل متمرد و انتج ثورة 1952)) اذن : في اللحظة التي يولد فيها الاكتئاب كحالة يرثى لها عند بعض الناس و تدفع بهم الى التهلكة ، يدفع الوجود الواعي و الفهم العميق للحظة الاكتئاب - كحالة ايجابية و مستوى من مستويات الرفاهية - بالبعض الآخر الى ان يتمردوا ليبدعوا........... وما أجمل ان اختم حديث هذه الحلقة عن الاكتئاب الايجابي بقول آخر للدكتور (برقاوي) في كتابه ((الأنا)) :* ان الذين لا يعيشون الوجود المأساوي ليسوا أكثر من أشياء ، فالانسان الشيء هو الوحيد الذي لايعيش لحظة الالم المتولد من الاحباط ، الوحيد الذي تتحول لديه الحياة الى عالم مبتذل .* هذا ما أسميه الاكتئاب الايجابي و هو على المستوى الفردي - كما قدمنا - و السؤال هنا : الا نستطيع التحدث عن اكتئاب ايجابي و رفاهية على المستوى الجماعي ؟ هل يمكن لاكتئاب من هذا النوع ان يصيب مجتمع بأكمله؟ الجواب على هذا السؤال هو موضوع الحلقة الرابعة من سلسلة ((رفاهية الاكتئاب)) انتظروني ....................... |