"حياتي مركولة في صندوق" كن أول من يقيّم
هذه تكملة الروايه في صباح جديد يطل على هذا البيت الصغير خرجت "أمل"لأحد الملاجئ التي ضمت بعض أطفال الحرب المفقودين ,وبدأت في إجراءات الكفالة ,اختارته ذكراً في نفس عُمْر "أمجد"حتى تشعر بقربه منها . وعادت بهذا الطفل والدنيا تبتسم لها، وهي في قمة السعادة ,دخلت البيت، وكان "أيمن" في انتظارها رأى وجهها، وهو يتلألأ فرحاً فتهللت أساريره؛كان خائفاً من عدم اقتناعها بهذه الفكرة، ولكن هذه الفرحة على وجهها تدل على سعادتها بهذا الأمر دخلت وأخذت تضم الطفل أنظر يا"أيمن"إنه يشبه "أمجد"أليس كذلك؟ سأطلق عليه اسم "أمجد" ما رأيك؟ أطرق "أيمن"رأسه وغشته بعض الخيبة - ما زلنا في "أمجد" إذن لم يتغير شيء- ورد عليها: جميل"أمجد"جميل. **** مرت على وجود "أمجد"في هذا البيت عشرة أعوام من أسعد أيام عمره بين أمٍ حانية وأب ودود. وما فرحت "أمل" بعد ولادة "أمجد" بفرحة أكبر من دخول"أمجد"هذا البيت فقد بدد ذلك الحزن ونشر السرور والهدوء وأراح قلب "أمل" من نزيف مستمر، فكلما عادت الذكرى تطرق قلبها المحزون فاجأها حب هذا الولد بمخزون من القوة والاحتمال. **** عادت "أمل" كما عرفها "أيمن" تلك الفتاة المحبة للحياة تلك التي ملأت حياته حبًّا وسرورًا... تلك المشاكسة التي يشبهها دومًا بخلية نحل لا تسكن أبدًا. ولكن لم تستمر فرحة "أيمن" طويلاً فقد تعرضت "أمل" لمرض شديد وبدت كأنها تعيش آخر أيامها. كان "أيمن" يحاول أن يفعل المستحيل؛ لكي لا يفقد رفيقة صباه وملهمته معنى الحياة... **** كان "أمجد" يتخبط في ذلك المنزل خوفًا من نبأ مشئوم . جلس "أيمن" بجانب "أمل" يتأمل آثار المرض على ذلك الوجه الشفاف فبادرته بالحديث، وهي تحاول تحريك شفتين يعلوهما الجفاف :"أيمن" لديَّ رغبة عارمة أن أرى ما في الصندوق . "أيمن" :أي صندوق ؟!! "أمل":الصندوق الذي أحضرته مع "أمجد"عندما عدت من الملجأ. "أيمن":وما الذي ذكَّرك به الآن.؟!! "أمل":وهل نسيته كي أتذكره ؟ وهل نسيت "أمجد"ابني الذي ولدته ما بين حياة وموت حتى أتذكره؟ قالت هذه الكلمة وحشرجة عارمة تتراقص مع كلماتها، حتى لا تكاد تُفهم، ودموع غزار تتساقط على وجه مثقل بالألم . "أيمن":أرجوك. لا داعي لكل هذا سأحضر الصندوق وأمري لله . جاء "أيمن" بالصندوق مثقل الخُطى وهو يتمنى ألا تفتحه، فهو لا يريد أن تستمر في تعذيب نفسها حتى في لحظاتها الصعبة هذه. ولكن"أمل"تصر على فتحه، ويستسلم "أيمن" حتى لا يثير جدال هو في غنًى عنه . اقترب ووضع الصندوق بين يديها . فتحته بيدين مرتعشتين مثقلتين، وهي ترتجف كأنها في شتاء قارص . و"أمجد"يرمقها من بعيد، وكل منهم في نفسه يدور حوار . -"أمجد": هل ستتغير نظرة أمي تجاهي بعد فتحها الصندوق . -"أمل": أشعر أن هذه آخر لحظاتي ولن يغير في الأمر شيء ما في الصندوق فحبي "لأمجد " يساوي حبي "لأمجد"ابني تماماً، ولكن هو شعور غريب ورغبة شديدة . وقطعت صرخت "أمل" كل هذه الحوارات عندما رأت كرة "أمجد"عليها آثار السواد والحروق , وقميصه الأحمر مع بنطاله ألكحلي وعليها آثار نيران نهشتها هنا وهناك .. وأقبل الجميع ليرى مفاجأة ما كانت على الحسبان . حاولت "أمل"أن تقف على قدميها لتحتضن "أمجد" ولكن المرض كان أقوى منها فجثت على ركبتيها، وهي تشير إليه بالاقتراب ودموعها تتساقط كما تتساقط أوراق الخريف على الأرض وصوت نحيبها يعزف سيمفونية مؤلمة في أنحاء الغرفة. اقترب "أمجد" وهو في ذهول من ما رأى . احتضنته وهي تردد :""تركت حياتي مركولة في صندوق""،كل هذه السنين . وقف "أيمن" مذهولًا كأنه قطعة في هذه الغرفة.. لم يقوَ على الحركة ولم يحركه من هذا السكون إلا سقوط "أمل" على الأرض دون حراك. |