الظّالم كن أول من يقيّم
أستاذي العزيز زهير ظاظا آسفة عن التّأخير في الرّد .وإنّه لشرف عظيم أن يحظى الموضوع باهتمامك .أمّا الأستاذ محمد هشام فأراه قد اجتهد في تحسّس الإجابة وبدأ
يحرك نحوي بيادقه لكن حسبك يا أستاذ فخيلي لم تترادف بعد.
وقبل أن أشرع في شرح المفردة أريد أن أشير إلي أنّ قصيدة "نشيد الجباّر أو هكذا
غنّي بروميثيوس" هي صرخة في وجه الظّلم والظّلمة وصوت يستنهض الهمم,ووصيّة
كتبها شاعر بماء الذّهب ذاك الشّاعر يدعى الشّابي تاج على رأسي وعلى رأس كل
إنسان حرّ شريف لايرتضي الذّل والمهانة.
وإليكم أساتذتي الكرام وصف ولادة هذه القصيدة التي أوردها الشّابي أواخر رسائله إلي صديقه الحلوي
"...ولكنّي على كلّ حال قد ربحت من تلك الأزمة التّي مرت بي قصيدا هو" نشيد الجبّار"فإني في ليلة من ليالي هذه الأزمة النّفسية المرهقة ولعلّها ليلة كتبت لك رسالتي الأخيرة نمت معذّب النّفس مهموم القلب ثمّ استيقظت نحو السّاعة الواحدة بعد منتصف اللّيل فلجّت بي الآلام وضربت بي في كلّ سبيل حتّى لقد كاد رأسي ينفجر وأحسست أنّي لابدّ مشرف على الجنون ولو دام بي ذلك
الحال إلى الصّباح وتطوّرت نفسي في غمرة الألم فبعدأن كانت معذّبة باكية في ظلمة
أحزانها تكاد تجن من الأسى انقلبت ثائرة هائجة واثفة من نفسها ساخرة(...)بالدّاء والأعداء و كلّ آلام الحياة. وتحت تأثيرهذه الحالة النّفسية نظمت "نشيد الجبّار"فذابت
آلام نفسي وشعرت بالحريّة والانطلاق كأنّما ألقيت عن منكبي عبئا ثقيلا يهد القوى
وقد نظمتها في تلك اللّيلة ولكن نفسي لم تنهض لكتابة ولو كلمة منها. وفي نحو الفجر نمت مرتاح النّفس مطمئنّا وأفقت من الغد فلم أجدني قد نسيت منها كلمة واحدة فكتبتها و
ولم أزد عليهاإلاّ نحو بيت أو بيتين وبعض التّنقيحات رأيت أنه لابدّ منها."
الرّسالة التّاسعة والعشرون
رسائل الشّابي
دار المغرب العربي تونس 1966ص130 |