حول الإعجاز العلمي في القرءان الكريم كن أول من يقيّم
السلام عليكم ورحمة الله ، لنا ان نتساءل عن معنى الآية الكريمة المذكورة دليلا على الإعجاز العلمي عند من أنزلت عليهم أول مرة ، وماذا فهموا من معناها ، هم ، ومن تلاهم من اجيال ، حتى صار الناس يعرفون التناسب العكسي بين مقدار الضغط الجوي والارتفاع عن سطح الأرض ، واثره على ضيق الصدر من جهة التنفس . أما إحساسهم ، أي القدماء ، بالمشقة وضيق الصدر خلال صعودهم إلى قمة جبل ، أو ارتقائهم سلما طويلا مرتكزا على بناية عالية ، فهي معرفة اكيدة ، ولكن المفسرين القدماء لم يربطوا ، على حد معرفتي ، بين الآية وبين المشقة وضيق النفس الحاصل من معاناة الصعود إلى الأعلى ، بل إنهم فسروا " كانما يصّعد في السماء " بمحاولة الصعود إلى السماء دون القدرة على الصعود بالطبع ، وهذا ما روي عن ابن عباس ( رضي الله عنه) . وربما يقول قائل : إن القرءان الكريم يخبر الناس في كل عصر بما توصلوا إليه من معارف ، وهذا من الإعجاز الذي فيه . ولكن هذا القول يتطلب أن يوجد في القرءان كل ما توصل إليه الإنسان ، بإذن الله ، من معارف علمية ، وهذا غير معقول . والذين آمنوا من ملايين الناس السابقين لم يكونوا ، في معظمهم ، من علماء الطبيعيات ، بل إنهم كانوا من ذوي النوايا الحسنة ، الصادقين في إيمانهم ومحبتهم للحق ، وكرههم للباطل بكل اشكاله والوانه . ومعظمنا يعلم أن من يصعد في السماء قدُما حتى ينخفض الضغط كثيرا ، فإن ضغط دمه من داخل جسمه لا يجد ما يعادله ، فينفر دمه من جسمه إلى خارجه ؛ من انفه او من اذنيه أو عينيه أو اي مكان آخر . ولا ادري إن كانت هناك آية قرءانية كريمة تصف هذه الحال! ولقد سعى الإنسان بجهده ، وبإذن من الله تعالى ، في الصعود في السماء مراحل بالغة الطول ، واستخدم الطائرة والصاروخ ، والمراكب الفضائية ، وقام بمعادلة الضغط ، وحمل معه الهواء يتنفسه ، فلا ضيق صدر ، ولا حرج ، ولا مشقة ، فما فائدة الإعجاز المتوهم في الآية عند بعضنا إذن ؟ لقد خاطب الله سبحانه عباده وعبيده جميعا بما يرونه ويلمسونه حولهم من كون دقيق منتظم ، وفي نطاق خبرتهم اليومية ، ولفت انظارهم ، واجتلب اسماعهم ، وحض عقولهم على التفكر في بدبع ما أبدع ، ليصل بالتالي إلى أنفسهم ودواخلهم ، ينقيها مما يعلق بها من شهوات فاسدة ، ومن عجب وخيلاء واغترار بقوة ، حتى يضع خطاهم على السبيل القويم الذي في سلوكهم إياه خيرهم في دنياهم وآخرتهم . هذا هو الإعجاز الحقيقي ؛ أن تنظر في السماء وما فيها من كواكب ، واقمار ، ونجوم ، وان تتفكر في المطر تسوقه الرياح اللواقح للغيوم ، فتتلقاه الأرض الجديبة فتنبت من كل زوج بهيج . وما اجمل قول الشاعر! : ديمة سمحة القياد سكوب * مستغيث بها الثرى المكروب لو سعت بقعة لإعظام نُعمى * لسعى نحوها المكان الجديب . أو أن تنظر في نفسك كيف الله سواها ، فالهمها فجورها وتقواها ، لتعلم علم اليقين أن من يزكي نفسه يكون من الفالحين ، وان الذي يدسّيها فيترعها بالمعاصي والذنوب ، يكون من الفاشلين الخائبين . هذا هو الإعجاز المعجز . ومن الآيات الكريمات آية يظنها بعض الناس انها تتحدث عن انفتاق الكواكب عن الشمس ، وينسون أن هذه نظرية علمية ، أي انها لم تصل درجة ما يسمى بالحقيقة العلمية . والآية من سورة الأنبياء ، وهي : " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون.. " . هذه الآية ، من قدماء المفسرين من ذكرأنها تعني انفصال السماوات السبع عن الأرضين السبع ، ولم يذكروا على ذلك دليلا ، وهم بهذا مثل من يقول في عصرنا هذا الحاضر بالنظرية العلمية عن انفصال الكواكب عن الشمس ، وكلا الفريقين تفسيرهما غير دقيق . ولو تفكرنا في الآية قليلا لرأينا أن " أو لم ير " تعني الرؤية ُ فيها العلمَ المؤكد الذي لا حدس ولا تخمين فيه ، أو المعرفة بالمشاهدة ، أو بالنقل الموثوق ثقة مطلقة . قصة اصحاب الفيل مثلا ، والواردة في القرءان ، تبدا بـ ( ألم تر ) ، ومع ان حادثة الفيل لم يشهدها النبي عليه الصلاة والسلام إذ حدثت يوم مولده الشريف ، إلا ان أخبارها متواترة موثوقة ، من جهة حدوثها على الإجمال ، وتفصيلِ ما يلزم الناس منها قد ذكره الله تعالى . الله تعالى يخاطب الناس بما لهم قدرة على معرفته والتفاعل معه ، أو سبق لهم ان علموا عنه شيئا ، فيورده الله عبرة لهم وموعظة ، هذا ، وإن ادق تفسير واكثره إقناعا هو ما روي عن ابن عباس من فتق السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالإنبات ، وهذا إعجاز ما بعده إعجاز . إنني اتفق مع القائلين : إن الإعجاز العلمي في القرءان الكريم لا يتفق وهذا الفهم الذي نقرؤه في بعض الكتب ، وفي الشبكة العنكبوتية ، والذي يطلع علينا كل يوم بإعجاز جديد ، يُظن انه من الكتاب الكريم ، وما هو منه . وفي القرءان ما ينبئنا عن شيء سوف يحدث ، ونحن نؤمن إيمانا قاطعا بما ورد في كتاب الله . فإذا كان الإخبار بيّن الدلالة قطعيّها ، فالجدال فيه من باب المراء الذي لا يرضاه أي مؤمن . ومثال ذلك ما ورد من غلبة الروم على الفرس في بضع سنين ، وهذا ما حدث في وقته بلا ريب . ومن امثلته ايضا ما ورد عن بني إسرائيل في سورة " الإسراء " من الإفساد في الأرض مرتين . وعلى هذا فإننا ، مثلا ، نؤمن بيوم البعث ، وبالثواب وبالعقاب ، دون ان تقول لنا النظريات العلمية عن الأرض إنها إلى زوال ، ودون ان تقول لنا العديد من النظريات عن العديد من التنبؤات العلمية ، بل إن العلم الطبيعي لا يثبت اليوم الآخر ولا ينكره ، لأن هذا ما زال ليس من شأنه ، على الأقل في عصرنا ، ولا ندري رأيه في مستقبل الأيام . ومن الإعجاز الذي درج بعض الناس على ذكره ما يسمى بالإعجاز العددي ، وهم يبالغون فيه أحيانا مبالغة عظيمة ، ويخلطون بينه وبين حساب الجمل أو ماسمّي بعدّ أبي جاد ، الذي اخترعه القدماء ، واشتغلوا فيه حتى ظن بعضهم أنه حساب له اصل من الدين ، وقد ألف بعض المعاصرين كتبا فيها من التنبؤات المبنية على هذا الحساب ما فيها ، وما كان أغنانا عن إعجازات كهذه . ومن الإعجازالذي لا ريب فيه هو ان الله ينصر المؤمنين على الكافرين الذين يعتدون على المؤمنين ، وإن كان المؤمنون قلة ، لكنهم يأخذون بالأسباب . ومن العجيب أننا نجد على الشبكة أن سرعة الضوء مذكورة في القرءان الكريم ، وكأن قول آينشتين الذي قال بثبات سرعة الضوء قول لا يعتريه الباطل ابدا ، وكان سرعة الضوء قد عرفت بدقة نهائية ، مع العلم ان هناك من العلماء من يقول بوجود ما هو اسرع من الضوء . ويفوُت اولئك أنهم لا يجوز لهم ، عقلا أو شرعا ، قياس سرعة لأمر الله ، أو لملائكته ، أو لكل ما هو من الغيب المطلق ، فالمفاهيم البشرية للزمان والمكان والحركة لا تصلح لذلك ، حتى ولو كانت تعتمد على نسبية آينشتين ، أو غيره من علماء العلوم الطبيعية وفلسفتها . |