سوق السراي ببغداد ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
على كتف دجلة من جانب الرصافة يمتد ما كان يعرف في بغداد القديمة " سوق الوراقين " الذي غُير اسمه الى سوق السراي لقربه من " القشلة " وهي مقر الحامية العثمانية. سوق السراي المتصل بشارع المتنبي ، كان يضم والى سنوات قريبة ، أقدم المكتبات العراقية التي توفر لرواده مائدة شهية من الكتب والمطبوعات قبل ان يطال الالاف منها مقص الرقابة ومنها : مكتبة الحيدري التي كانت للمرحوم السيد عبد الامير الحيدري ثم أدارها بعده ولده المرحوم السيد كاظم الحيدري ، ومكتبة الزوراء للمرحوم حسين الفلفلي ثم ادارها أولاده محمد وأكرم ومكتبة المثنى للمرحوم قاسم محمد الرجب والمكتبة الاهلية للمرحوم السيد شمس الدين الحيدري والمكتبة العصرية للمرحوم محمود حلمي وغيرها كثير. وقبل تركي للعراق كنت أزور هذا السوق باستمرار ، وأتذكر أني كنت يوما أقف في مكتبة السيد الحيدري الذي ذهب حينها لاداء الصلاة في جامع السوق وروادتني فكرة تنظيف رفوف المكتبة من الأتربة والغبار العالق فيها خدمة لصاحبها ، وحينما عاد من الجامع استغرب ما اقوم به وطلب مني التوقف عن كنس الغبار عن رفوف مكتبته فقلت له " لكنه غبار كثير قد يضر بصحتك " فاجاب قائلا : " انت تسميه غبارا مضرا أما أنا فأسميه عطر التاريخ !". كان في السوق شخص يدعى أحمد الحجية رحمه الله ، له مكتبته الصغيرة التي يبيع فيها المجلات والصحف المستعملة والقديمة . هذا الرجل كان يتولى ادارة بيع مجاميع الكتب والمكتبات الخاصة على أصحاب المكتبات في السوق فيروح ويجيء بين الفلفلي والحيدري وحلمي والقاموسي وغيرهم وهم بدورهم يتنافسون على شراء المجموعة المعروضة للبيع. سوق السراي الذي يعتبره البعض مركزا يلتقي فيه الادباء والكتاب والمثقفون كان مورد اهتمام العديد من الصحف والمجلات ومحطات التلفزة المحلية والعربية التي أعدت عنه او عن شخصياته البارزة تحقيقات ممتعة وغنية تتناول تاريخ السوق وطبيعة الحياة فيه. لا اريد الاطالة ، لكني أود الاشارة الى أن هذا السوق الذي لا يزال قائما في بغداد فقد خلال العشرين سنة الفائتة الكثير من بريقه لأسباب منها : القوائم التي لا تعد ولا تحصى من الكتب التي منعتها وزارة الثقافة والاعلام في العراق ، ومنها ايضا أن بائعي القرطاسية امتدوا في السوق وشتروا العديد من مكتباته وحولوها لبيع الدفاتر والأقلام وغيرها من مواد القرطاسية. هذا السوق كان ملمحا جميلا من ملامح بغداد ، لا أدري ان كان هناك من يود توسيع الحديث عنه . |