في البحث عن الإضراب كن أول من يقيّم
بسم الله الرحمن الرحيم
حول :مفهوم السنة المضرب عند الشيخ محي الدين ابن العربي.
المداخلة رقم -2-
الأستاذ زهير
تحية وبعد. لو أنك أيها العزيز عليّ رجعت إلى كتاب الشيخ محمود الغراب "الفقه عند الشيخ الأكبر" قبل أن تكتب هذا البحث لاستفدت منه الكثير ، ولتوضح لك مذهب الشيخ محي الدين الفقهي ، فأكثر القارئين لعلوم الشيخ الأكبر فات عنهم أن الشيخ فقيه وصاحب مذهب فقهي ،وقد أوسع الشيخ محمود الغراب إيضاح مذهب الشيخ الأكبر ، في هذا الكتاب وأزال ما توهمت فيه أنه اضطراب ، بل ظهر مذهب الشيخ الأكبر متسلسلا مرتبا مبوبا في كل المسائل سواء في الأصول أو العقيدة أو الأحكام الشرعية .بل ينبغي على كل من لديه شبهة في عقيدة الشيخ أن يدرس هذا الكتاب قبل يلقي إتهاماته على الشيخ جزافا، وهي أمانة في عنق كل من يتعرف عليها أن يبلغها من لايعلمها ، وقد بدأ "الأزهر" في القاهرة بقبول دراسات في الفقه عند الشيخ محي الدين ابن العربي وقد نال أحد الطلبة شهادة الدبلوم أو الماجستير وهناك من يحضر لنيل شهادة الدكتوراه .
فبين الشيخ محمود الغراب في كتابه أن الشيخ محي الدين ابن العربي إمام مجتهد مطلق صاحب مذهب مستقل أتى باجتهادات فقهية على طريقة أصحاب المذاهب من مصادرها, حيث أظهر الشيخ محي الدين فهما في بعض النصوص لم يسبق إليه، واتسم مذهبه بالتيسير على الأمة، فما من رخصة قال بها الشارع إلا وأثبتها في موضعها، وإذا كان في المسألة قولان أختارالأيسر منهما توسعة على الأمة ورفعا للحرج عنها. وبذلك كان كتاب "الفقه عند الشيخ الأكبر" خير معين يعتمد عليه من يريد إنصاف الشيخ في مذهبه الفقهي.
ومع فرض أتك لم تسمع بهذا الكتاب وهو مطبوع منذ نحو عشرين سنة فلا أدري كيف غابت عنك أقوال الشيخ الأكبر وأنت الذي قضيت وقتا طويلا مع الفتوحات المكية وغيرها وكتبت بطاقات "الفتوحات المكية تحت المجهر" وغيرها من المقالات .
ألم تقرأ قول الشيخ الأكبر:" لاطريق لنا إلى الله إلا ماشرعه، فمن قال بأن ثم طريقا إلى الله خلاف ما شرع فقوله زور ، فلايقتدى بشيخ لا أدب له وإن كان صادقا في حاله" ج2/366
وقوله :" فالشرع حكم الله ، لاحكم العقل كما يراه بعضهم " ج/348,347
وقوله:"
إن الشريعة حد ما له عوج |
عليه مقامات العلى درجوا |
|
ج2/561 |
وقوله : " ما ثم حقيقة تخالف شريعة ... فعين الشريعة عين الحقيقة " ج2/563
وقوله :" فمن ادعى حقيقة من غير شريعة فدعواه لاتصح " ج4/ 419
وقوله :" من ادعى نبوة التشريع بعد محمد e فقد كذب بل كذّب وكفر بما جاء بها الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم ج2/24
وقوله :" فلا يتعدى كشف الولي في العلوم الإلهية فوق ما يعطيه كتاب نبيه ووحيه ، قال الجنيد في هذا المقام: " علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ، وقال الآخر: "كل فتح لايشهد له الكتاب والسنة فليس بشيء ، فلا يفتح لولي قط إلا في الفهم في الكتاب العزيز" ج3/56
وقوله:" فإياك أن ترمي ميزان الشرع من يدك في العلم الرسمي ، والمبادرة إلى ما حكم به ، وإن فهمت منه خلاف ما يفهمه الناس مما يحول بينك وبين إمضاء ظاهر الحكم به فلا تعول عليه ، فإنه مكر نفسي بصورة إلهية من حيث لا تشعر " ج2/234
ويقول في حق من رجح كشفه على الحكم المقرر:" وهذا ليس بشيء عندنا ولا عند أهل الله ، وكل من عول عليه فقد خلط ، وخرج عن الإنتظام في سلك أهل الله ولحق بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحيات الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" ج2/234
وغيرها أكثر بكثير مما تعج به الفتوحات وكلها توضح أن الشيخ محي الدين رضي الله عنه لم يجعل السنة بمنزلة الرهبانية في النصرانية ( كما يسميها علماء المسلمون) ومن يتوهم أنه جعل السنة بمنزلة الرهبانية لأنه ذكر حكم الله في الأمم السابقة لدى ابتداعهم أعمالا لم يكلفهم الله بها فسماها لهم رهبانية وأن شرعنا سماها لنا بدعة حسنة بنص الحديث النبوي إنما هو ضعف في فهم الكلام ونوع من أنواع المغالطة في صور القياس الفاسد الذي أشرت له في مقالتي عن " المغالطات العشر "،إذ لايوجب ورود مسألتين في الكلام تساويهما في الحكم ، لتعدد الإحتمالات الرابطة بينهما ولايقول بهذا أي مرجع معتمد .
أما اتهامك للشيخ بأنه نسخة سافرة من القاديانية ولم تقدم دليلا على ذلك فلننقل للقراء ماهي القاديانية وما تعريفها كما جاءت في أقوال العلماء.
تقوم القاديانية على مايلي :
1- ادعى صاحبها النبوة والرسالة والتأييد من الله .
2- صاغ لنفسه وحيا كالقرآن .
3- ابتنى لنفسه مسجدا سماه " المسجد الأقصى " ، وسمى بلدته " مكة المسيح " .
4- سمى زوجاته أمهات المؤمنين .
5- أعلن أن ظواهر الكتاب والسنة مصروفة إلى الإستعارات والتآويل المختلفة، وأخذ يحرف شرع الله وحكمه.
6- نسخ حكم الجهاد ولاسيما مع الإنكليز .
هذه عقيدة القاديانية نقلا من كتاب " العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر" للدكتور سعيد رمضان البوطي ط/7ص 88-89 منشورات جامعة دمشق _ بالتصرف " . فأين قال الشيخ محي الدين مثل هذا الكلام حتى وجدته نسخة سافرة من القاديانية أتحسب أن هذا الإتهام يا أخ زهير يوم القيامة هينا ?! ، وهلا قدمت أدلة على هذه التهمة مما كتبه الشيخ في كتبه المعتمدة ليطلع عليها القراء ويعذرونك ? .
ثم لنأت على البهائية ونقدمها للقراء من نفس المصدر السابق( بالتصرف أيضا) ، فنجد أن الأسس التي تقوم عليها البهائية هي:
1- يدعى صاحبها النبوة والرسالة .
2- القول بأن مجموع الكائنات المتنوعة هي الله ذاته.
3- لا توجد عندهم جنة ولا نار ، بل الأتقياء والأخيار يرجعون إلى الله ويحيون في ذاته ، أما الأشرار فيفنون وينتهون .
4- إن النبوة والرسالة ليستا إلا من بعض مظاهر اللإتحاد بين الله وعباده .
5- الصلاة لها مظهر خاص وتقام مرة كل شهر .
فهل هكذا هي عقيدة الشيخ محي الدين ? أين النص الذي قال الشيخ فيه أن الموجودات هي الله ذاته?
ألم تقرأ له في الفتوحات تصريحه بالشهادتين التي ذكرهما في ج1 / 36? حيث ذكر إيمانه واعتقاده بالله سبحانه وتعالى وصفاته وبالنبوة والرسالة والملائكة والجنة والنار وغير ذلك .
أين قال الشيخ أنه لاتوجد جنة ولا نار ? هل صدقت الذين يكذبون على الشيخ ويتهمونه بالحلول والإتحاد وهو البريء من ذلك? إياك يا أخي أن تكون ممن يهرف بما لايعرف ! .
ألم يظهر معك "تحت المجهر" قول الشيخ : "ما قال بالإتحاد إلا أهل الإلحاد "ج3/372.
وقوله عن الباطنية : " كل ما يؤدي إلى هدم قاعدة دينية مشروعة فهو مذموم بالإطلاق عند كل مؤمن " ج2/240 .
وقوله رضي الله عنه:" من قلب أحكام الله فقد كفر وخسر " ج4/168
ألم يصلك قوله:"إن الإتحاد محال أصلا فلا اتحاد البتة لامن طريق المعنى ولا من طريق الصورة " كتاب الياء /66
وقوله:"إذا كان الإتحاد يصير الذاتين ذاتا واحدة فهو محال " المسائل /مسألة43.
هل قدمت أدلة من كلام الشيخ في كتبه المعتمدة على اتهاماتك له ? .
ليتك يا أخ زهير قرأت كتاب :" شرح كلمات الصوفية والرد على ابن تيمية " للشيخ محمود الغراب لتبين لك كيف أخطأ من اتهم الشيخ محي الدين بأنه يقول بالحلول والإتحاد وماشابه ذلك من كلام الضلال الذين يتهمونه بوحدة الوجود ومعناها الفاسد .
هل يحق لي أن أسأل أكان فهمك في نقل عبارات الشيخ هو الذي فيه اضطراب كما تبين في المداخلة رقم -1- أم الذي قرأناه في نقلك يوصف بأنه فيه اضطراب .
الأخ زهير كلامك الذي سطرته شهادة عليك وكلامي مع المراجع التي ذكرتها شهاة ليّ وكلانا يقول الله سبحانه وتعالى فيينا وبأمثالنا :﴿ ستكتب شهادتهم ويسألون﴾ . فماذا أعددنا للجواب ?!.
جعلنا الله وإياك من أهل حفظه وعنايته .
﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾
المحب لك فريد
|