البيتان في «تلبيس إبليس» و«العقد الفريد» كن أول من يقيّم
تکلم ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» حول الباب الأربعين في إباحة الرقص قائلاً: واحتج لهم أبو عبد الرحمن السلمي على جواز الرقص بما أخبرنا به أبو نصر محمد بن منصور الهمداني نا إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك المؤذن نا أبو صالح أحمد بن عبد الملك وأبو سعيد محمد بن عبد العزيز وأبو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن قالوا ثنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ثنا محمد بن سعيد المروزي ثنا عباس الرقيقي ثنا عبد الله بن عمر الوراق ثنا الحسن بن علي بن منصور ثنا أبو عتاب المصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة مكة فسمع الأخضر الحداء يتغنى في دار العاص بن وائل بهذا : ( تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت به زينب في نسوة عطرات ) ( فلما رأت ركب النميري أعرضت وهن من أن يلقينه حذرات ) قال فضرب برجله زمانا وقال : هذا مما يلذ سماعه وكانوا يروون الشعر لسعيد بن المسيب قال المصنف : قلت هذا إسناد مقطوع مظلم لا يصح عن ابن المسيب ولا هذا شعره كان ابن المسيب أوقر من هذا وهذه الأبيات مشهورة لمحمد بن عبد الله بن نمير النميري الشاعر ولم يكن نمريا وإنما نسب إلى اسم جده وهو ثقفي وزينب التي يشبب بها هي ابنه يوسف أخت الحجاج وسأله عبد الملك بن مروان عن الركب ما كان فقال : كانت أحمرة عجافا حملت عليها قطرانا من الطائف فضحك وأمر الحجاج أن لا يؤذيه قال المصنف رحمه الله : ثم لو قدرنا أن ابن المسيب ضرب برجله الأرض فليس في ذلك حجة على جواز الرقص فإن الإنسان قد يضرب الأرض برجله أو يدقها بيده لشيء يسمعه ولا يسمى ذلك رقصا فما أقبح هذا التعلق وأين ضرب الأرض بالقدم مرة أو مرتين من رقصهم الذي يخرجون به عن سمت العقلاء ثم دعونا من الاحتجاج تعالوا نتقاضى إلى العقول أي معنى في الرقص إلا اللعب الذي يليق بالأطفال وما الذي فيه من تحريك القلوب إلى الآخرة هذه والله مكبر باردة ولقد حدثني بعض المشايخ عن الغزالي أنه قال : الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب وقال أبو الوفاء بن عقيل : قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال عز و جل : { لا تمش في الأرض مرحا } وذم المختال فقال تعالى : { إن الله لا يحب كل مختال فخور } والرقص أشد المرح والبطر أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق على وقاع الألحان والقضبان خصوصا إذا كانت أصوات نسوان ومردان وهل يحسن بمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ثم هو إلى إحدى الدارين صائران يشمس بالرقص شمس البهائم ويصفق تصفيق النسوة والله لقد رأيت مشايخ عصري ما بان لهم سن في تبسم فضلا عن ضحك مع إدمان مخالطتي لهم كالشيخ أبي القاسم بن زيدان وعبد الله بن بشران وأبي طاهر بن العلاف والجنيد والدينوري. وبالنسبة إلی البيتين، قال ابن عبد ربه في "العقد الفريد": تحدَثت الرواة أن الحَجاج، رأى محمدَ بن عبد الله بن نُمير الثقفي، وكان يُشبّب بزَينب بنت يوسف أخت الحجّاج، فارتاع مِن نظر الحجّاج إليه. فدعا به. فلما وقف بين يديه قال: فِدَاك أبي ضاقت بي الأرضُ رُحْبُها ... وإن كنتُ قد طوّفتُ كُل مَكان وإن كنتُ بالعنقاء أو بتُخومها ... ظننتك إلا أنْ تَصُد تَراني فقال له: لا عليك، فوالله إن قُلتَ إلا خيراً، إنما قلت هذا الشعرَ: يُخبئن أطرافَ البنَان من التُقى ... ويَخْرُجن وسطَ الليل مُعتجراتِ ولكن اخبرني عن قولك: ولما رأت رَكْب النّميري أعرضت ... وكُنُ من أن يَلقينَه حَذِرات في كم كنت؟ قال: والله إن كنتُ إلا على حِمار هَزيل، معي رفيق على اتان مثله. قال: فتبسِّم الحجّاج ولم يَعرض له. والأبيات التي قالها ابنُ نمير في زَينب بنت يوسف: ولم تَر عيني مثلَ سِرْب رأيتُه ... خَرَجْن من التَّنْعيم مُعْتمرات مَرَرْن بفَخِّ ثم رُحن عشيةً ... يُلبِّين لرحمن مُؤْتجرات تَضوّع مِسْكاً بطنُ نَعمان إذ مَشَتْ ... به زينب في نسْوة خَفِرات ولما رأت رَكْب النُّميري أعرضتْ ... وكُنَّ من أن يلْقَينه حَذِرات دَعَت نِسْوةً شُمَّ بدَناً ... نواضِرَ لا شُعْثاً ولا غَبِرات فأدْنين لما قُمْن يَحْجُبن دونها ... حِجاباً مِن القَسيِّ والحِبرَات أجل الذي فوق السَّموات عرشُه ... أوانسَ بالبَطْحاء مُعْتجرات يُخَبِّئْن أطراف البَنان من التُقي ... ويخْرُجن وسطَ الليل مُخْتمرات وكان الفرزدق قد عرَّض بهشام بن عبد الملك في شِعره. والبيتُ الذي عرض به فيه قولُه: يُقلِّب عينَاً لم تكن لخليفة ... مُشَوِّهةً حَوْلاء جما عُيوبُها فكتب هشام إلى خالد بن عبد الله القَسْريّ عامله على العراق يأمره بحَبسه، فحبسه حتى دخل جَرير على هشام فقال: يا أمير المؤمنين، إن كنت تُريد أن تَبْسط يدَك على بادي مُضر وحاضرها فأطْلِق لها شاعرهَا وسيّدها الفرزدق. فقال له هشام: أوَ مَا يسُرك ما أخزاه اللّه؟ قال: ما أريد أن يُخزيه الله إلا على يديّ. فأمر بإطلاقه. |