واصلي على المبعوث رحمة وضياء للعالمين صلاة وسلاما لا عد لهما ولا حصر, يارب صلي عليه وسلم وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه .
أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, على بركة الله نتابع سيرة الرجل المعجزة مولانا سعيد بديع الزمان النورسي رضي الله عنه وأرضاه.
مع القرآن الكريم:
في عام 1894 تناهى إلى سمعه أن وزير المستعمرات البريطاني (غلادستون) وقف في مجلس العموم البريطاني، وهو يحمل المصحف الشريف بيده، ويهزه في وجوه النواب الإنكليز، ويقول لهم بأعلى صوته: (ما دام هذا الكتاب موجوداً، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان. لذا، لا بد لنا من أن نعمل على إزالته من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به). فصرخ العالم الشاب سعيد النورسي من أعماقه: "لأبرهنن للعالم أجمع، بأن القرآن العظيم شمس معنوية لا يخبو سناها، ولا يمكن إطفاء نورها".
رؤيا صادقة:
ورأى النورسي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلم، وسأله أن يدعو الله له: أن يفهمه القرآن، ويرزقه العمل به، فبشره الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بذلك، قائلاً له: سيوهب لك علم القرآن، شريطة ألا تسأل أحداً شيئاً.
وأفاق النورسي من نومه، وكأنما حيزت له الدنيا بل أين هو من الدنيا، وأين الدنيا منه.. أفاق وكأنما حيز له علم القرآن وفهمه، فقد آلى على نفسه ألا يسأل أحد شيئاً، استجابة لشرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد وهبه الله ما تمنى، وصار القرآن أستاذه، ومرشده وهاديه في الدياجير التي اكتتفت تركيا الكمالية.
بديع الزمان في مهب الأعاصير:
نستطيع تمييز مرحلتين في حياة الإمام سعيد النورسي:
الأولى: مرحلة سعيد القديم، وتبدأ من مولده حتى نفيه إلى بلدة (بارلا) عام 1926، وهذه المرحلة هي مرحلة الإعداد الذاتي لنفسه، ومرحلة العمل الفردي، وخوض المعارك السياسية، مدافعاً عن الخلافة، وعن القرآن والإسلام، مهاجماً أعداء الإسلام وأعداء الخلافة والقرآن.
وفي هذه المرحلة:
وفي هذه المرحلة سافر إلى إستانبول عام 1896 ليقدم مشروعاً لإنشاء جامعة إسلامية حديثة في شرقي الأناضول بلاد الأكراد وأطلق عليها اسم (مدرسة الزهراء) لتكون على منوال (الأزهر) في مصر، غير أنها تختلف عن الأزهر بتدريس العلوم الحديثة إلى جانب العلوم الشرعية والعربية، وذلك من أجل النهوض بالأكراد المسلمين المهملين الذين يفتك بهم الجهل والفقر والتخلف، ولكن النورسي لم يلق قبولاً من السلطان عبدالحميد ومن وزير داخليته.
وفي عام 1907 سافر مرة أخرى إلى إستانبول، للغرض ذاته، وقابل السلطان عبدالحميد، وانتقد الاستبداد ونظام الأمن واستخبارات القصر (يلدز) فأثار عليه حاشية السلطان، وأحالوه إلى محكمة عسكرية.
وكان النورسي في منتهي الشجاعة في التعبير عن رأيه أمام القضاة العسكريين، الأمر الذي جعل رئيس المحكمة يحيله إلى الأطباء النفسانيين، للتأكد من سلامة قواه العقلية، وكانت لجنة الأطباء المؤلفة من طبيب تركي، وآخر أرمني، وثالث رومي ومن طبيبين يهوديين (!!!) قررت وضعه في مستشفى (طوب طاش) للمجانين) (!!!).
وعندما حضر طبيب نفساني إلى المستشفى، لفحص قواه العقلية، بادره النورسي بحديث رائع عميق يأخذ بالألباب، فما كان من الطبيب إلا أن يكتب في تقريره: لو كانت هناك ذرة واحدة من الجنون عند بديع الزمان، لما وجد عاقل واحد على وجه الأرض.
يتبع:يتبع