البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات الشريف عمر ميهوبي

 1  2 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
في مجد الأمة وحب الوطن    كن أول من يقيّم

هذه الأمة إن كثر شاكوها فقد كثر عاشقوها:
   
    بالأمس أبكت الـــنوائب عنترا      واليوم أبـكت مثله مظفّرا
    ونزار كان في هواها القيصرا    والعاشقين لسحرها ماأكثرا

                         ===========

    وطني حين العيش فيك استحالا      أصبح الصبر آنذاك نـــــضالا
    فإذا جـــــــــــــرت زدتنا إقبالا       ومددت الوصال فينا حـــــبالا
    فإذا لم نكنك لسنا رجـــــــــالا        أو تكنّا في المنتهى صرت آلا         (الآل= السراب)
                      ============
                                                                                           
                                                                                                    الشريف عمر

28 - أبريل - 2008
دعوة إلى شعراء مجالس الوراق
تصحيح التصحيح    كن أول من يقيّم

هذا الشطر كان في الأصل المكتوب بخط اليد، هكذا:
 
يا أرضَها قُدُسِيّةً مُباركةً
 
فرجاءً تصحيحها في نص القصيدة. مع خالص الشكر للأستاذين الفاضلين: عمر خلوف، وصبري أبوحسين

28 - أبريل - 2008
قصيدة العناقُ الأبدي
النقد شكل من أشكال الإبداع    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

                                          النقد شكل من أشكال الإبداع

     لك كل الشكر والتقدير أخي الدكتور صبري على ماقدمته من انطباعات وتعليقات على بعض قصائدنا التي نشرت على موقع الوراق، فقد كنت في ذلك كالطائر الغريد في دوحة الشعر تطير من فنن لتحط على فنن، لتمزج بين رقصة الأغصان وجميل الألحان، ولا يقدر على هذا إلا ناقد فنان، له روح  وثابة  وعين  قلابة وأذن جلابة. والناقد الفنان هو المبدع الثاني للنص، وهو المؤهل لقراءة ما أراده وما لم يرده صاحب النص. ولذلك فالناقد المبدع هو الذي يرى  أن القصيدة أكبر من الوقوف عند الزحافات  والعلل، والبحث عما تحدثه من خلل،  وهي  أكبر من الحركة  والسكون، فهي - قبل ذلك  وبعد ذلك - شكل ومضمون، وهي موقف من الحياة والكون.  وهذا الموقف - أحيانا - يجعل بعض الشعراء يخرجون عن نمط القصيدة العمودية إلى القصيدة النثرية أوقصيدة الشعر الحر، أو من النمطية إلى اللانمطية، فيستعيضون بشكل اللغة وموسيقاها عن شكل البحر الشعري وموسيقاه، ليعطوا لأنفسهم مساحة لا تقيدها قيود ولاتحدها حدود.
    وأخي الدكتور صبري هو شاعرمبدع وناقد متذوق، وباستطاعته أن يميز بين نوعين من القصائد؛ قصائد نكتبها وقصائد تكتبنا، وشتان بين النوعين.
    أخيرا أحييك أخي (أبو حسين) على نشاطك الدءوب وعلى إطلالتك المستمرة علينا من خلال ساحة الوراق التي زادت بك إشراقا على إشراق.
                                                                                                       
                                                                                                        الشريف عمر

1 - مايو - 2008
قصيد / لك وحدك
القصيدة النثرية    كن أول من يقيّم

القصيدة النثرية
 
أخي الدكتور صبري أشكرك على اهتمامك وتعليقك على كثير مما يكتب من نصوص إبداعية أو تعليقات نقدية، ومما يعجبني في تعليقاتك هو صراحتك وحماسك ووثوقك فيما تكتب، وهذا لا يتأتى لكل الناس. أقول هذا بصرف النظر إذا كنت أتفق معك أولا أتفق في بعض ما تكتب، ولو اتفقنا لما كتبنا.
أما تعليقك على بعض ماجاء  في تعليقي:(النقد شكل من أشكال الإبداع) عن القصيدة النثرية، فما كنت أقصد ما فُهِم به كلامي لا من قريب ولا من بعيد؛ فأنا لم أحدد موقفا من القصيدة النثرية في تعليقي، وهذا بعض ما جاء فيه:(  فالناقد المبدع هو الذي يرى  أن القصيدة أكبر من الوقوف عند الزحافات  والعلل، والبحث عما تحدثه من خلل،  وهي  أكبر من الحركة  والسكون، فهي - قبل ذلك  وبعد ذلك - شكل ومضمون، وهي موقف من الحياة والكون.  وهذا الموقف - أحيانا - يجعل بعض الشعراء يخرجون عن نمط القصيدة العمودية إلى القصيدة النثرية أوقصيدة الشعر الحر، أو من النمطية إلى اللانمطية، فيستعيضون بشكل اللغة وموسيقاها عن شكل البحر الشعري وموسيقاه، ليعطوا لأنفسهم مساحة لا تقيدها قيود ولاتحدها حدود.(
        فكل ما ورد جاء في سياق الحديث، ولم يكن مقصودا لذاته. فأنا كنت أتكلم عن (الشعر/الموقف) وعن بعض الشعراء لا كل الشعراء، وقلت: (أحيانا) ولم أقل على (الإطلاق). أي أن الموقف الشعري يحتم أحيانا على بعض الشعراء (وأي شعراء؟ الفحول ذوي التجربة المطبوعين، الذين كتبوا القصيدة العمودية والحرة وأعقبوا ذلك بالكتابة النثرية. وليس من تعثروا في العمودي فتَنثَّروا) أن يستعيضوا بشكل اللغة وموسيقاها، عن شكل البحر الشعري وموسيقاه،ليمنح لنفسه شكلا آخر من أشكال التعبير(القصيدة النثرية)؛ يجمع بين روح الشعر وشكل النثر.
        وقد كتب شعراء كبار هذا النوع من الشعر(النثري) أمثال: أدونيس، والماغوط، وأنسي الحاج، وغيرهم. وصار لهذا النوع من الكتابة هواة ومؤيدون في عالمنا العربي.
          أما موقفي من (قصيدة النثر) فليس بالضبط كما أورده الدكتور صبري في تعليقه:
(  ولكن أرفض قبوله ما سماه(القصيدة النثرية)؛ فالشعر شعر والنثر نثر ولن يجتمعا. والشعر لا يحيا بلاقيود، وهذه المزعومة(القصيدة النثرية) بغي مَقُودة غرست قسرًا بين الأشكال الموسيقية الثابتة من بَيْتِيٍّ خليلي، وموشحٍ مقطعي، وسَطْرِِي حُر. إنها بلا ثوابت، بلا قيود!!!)
    فأنا لست في موقع القبول أو الرفض، والمسألة ليست في (نعم) أو (لا) أو (مع) أو (ضد) ولا أملك هذا الحق؛ لسبب بسيط وهو أن هذا النوع من الكتابة أصبح اليوم واقعا قائما بذاته، لا تلغيه جرة قلم ولا تحيله على العدم، فهو الآن ملك لمبدعيه وقرائه، ونحن لا نملك إلغاء النص أو تغييره، وإنما نملك أن يكون لنا رأي في تفسيره أو تأويله كقراء أو نقاد؛ لأنه موجه لنا. والسؤال الذي يطرح كيف نقنن هذا النوع من الكتابة، كيف ننظر إلى هذه التجربة الجديدة في كتابة الشعر العربي، هل نعدها إضافة جديدة لتجربة القصيدة العمودية أو الحرة، ورافدا من روافد هما؟ أم نعدها شكلا تعبيريا من أشكال النثر؟
      إن الإجابة عن هذه التساؤلات هي أكبر من التعليقات؛ لأن تجربة مرّت عليها سنوات وسنوات لا تستوعبها لحظات، ولا تسعها ساعات.
    والنظر في  هذه المسألة يحتاج منا أن نكون موضوعيين لا متحاملين، فلا نتعصب للقصيدة العمودية، ولا نتعصب على غيرها؛ لأن ما يجمع  بين أنواع القصيدة العربية أكثر مما يفرق؛ فالقائل عربي واللغة عربية والبيئة عربية ، وإن اختلفت التجربة وشكل القصيد. فالعمودية نبتة عربية أصيلة، عصية على الزمان، وعصية على الاقتلاع أو الذوبان، فلا خوف على هذه النخلة ذات الطلع النضيد، فأصلها ثابت وفرعها في السماء، سقتها أجيال من الشعراء وأجيال بعمر هذه الأمة، من روحها ودمها وحلمها، فزادتها نضارة و غضارة وجسارة وجدارة وصدارة.
أما ما جاء من تجارب شعرية في العصر الحديث(الحر والنثري)، فينبغي ألاّ ننظر إليها على أنها تهديد للقصيدة العمودية، وإنما ينبغي أن ننظر إلى ما ستضيفه إلى الشعر العربي، وماذا يولِّد الالتقاء بين تجربة يعد عمرها بالقرون وتجربة يعد عمرها بالسنين. فقد تكون التجربة الشعرية الحديثة سببا في الارتقاء بالقصيدة العمودية إلى ما هو  أرقى وأفضل، في ظل التنافس والاحتكاك والالتحام أحيانا بين التجربتين لدى الشاعر الواحد أو لدى شعراء العربية في هذا العصر، وقد يكون العكس من ذلك حيث يستفيد الحديث من القديم في إثراء تجربته الشعرية، ويكون المستفيد من ذلك؛ الشعر العربي، والشاعر العربي، والقارئ العربي، والعربية عامة .  وبالخصوص إذا كان كل ذلك في ظل الكلمة الأصيلة والثقافة الأصيلة، التي تربط أصيل الماضي بأصيل الحاضر من أجل استشراف المستقبل، والعمل على تحديد معالمه، وتأسيس بنيانه وتوطيد أركانه. ثقافة لا تتنكر لماض تليد، ولا تتعصب لحاضر جديد، بل مبدؤها الاعتدال وحسن الجدال.ويحضرني في هذا المقام قول أحد العلماء المعاصرين: (ليس الجديد الحق مبتور الصلة بالقديم منكرا له منسلخا عنه، ولكنه إضافة لبعض جوانبه، واستكشاف لغوامضه، وتنوير وإضاءة لكثير من معمياته. والجديد الذي لا يعتمد على قديم، ولا يستمد استمراره من أصوله، هو ضرب من القفز العشوائي في الظلام، قد لا يفيد شيئا، إن لم يكن تدميرا لكل شيء).
 
الشريف  عمر

5 - مايو - 2008
قصيد / لك وحدك
يا أرض جودي    كن أول من يقيّم

يا قصيدة جودي

        أشكر الأستاذين الفاضلين على قراءتيهما للقصيدة، وهما قراءتان تستحقان التنويه لما أضْفَتاه من ظلال وأبعاد،  تقتربان  حينا، وتتقاطعان أحيانا، وتتجاوزان  حينا  آخر  رؤى  صاحبها. ويفترض أن يكون الأمر كذلك؛ لأن النص؛ أي نص _ على  حد تعبير الأستاذ عبد الحفيظ بخيت_ مراوغ لايكشف عن نفسه من أول وهلة، مما يتيح تعدد القراءات أومحاورة النص على أكثر من صعيد. ولو كشف النص عن نفسه، أوكان وحيد القراءة، لما استحق أن يعيش  أكثر  من لحظة  ميلاده. فالنص ينبغي  أن يكون  محورا مستقطبا  لرؤى  متعددة  تسير  في فلكه  يمنحها  الدفء  والانتماء، وتمنحه الإشراق والوضوح. 
    وقراءة الأستاذين: صبري أبو حسين _ وعبد الحفيظ بخيت، للقصيدة السابقة أكدت ذلك؛ فكلاهما نظر إليها من الزاوية التي تعكس رؤياه للحياة وللوجود من حوله؛ فكانت مستقطِبة  ومستقطبَة، ومستكشَفة و مستكشِفة. فهناك تقاطع بين صاحب النص ( المنتج الأول له) وقارئ النص (المنتج الثاني له) في بعض الرؤى.   ولاأخفيكما أني استمتعت بالقراءتين وعدت إلى اكتشاف القصيدة من جديد.
    واسمحا لي أن أعيد بعض ما يلفت الانتباه فيهما:
    يقول الدكتور صبري :
(
يمتزج فيها الذاتي بالجماعي، في قالب من بحر المتقارب التام، المصرَّع المطلع، ذي القافية الدالية المكسورة الروي، الموحية بانكسار شمل الجميع:خاصًّا وعامًّا. جاءت فيه مفردات عجيبة وتعابير جديدة.

ولذا استحقت أن تكون نكرة(أرض) جلدًا لها، وأن تؤمر(جودي) حثًّا ورجاءً وأملاً....


ثم كان الختام:

وَتَمْضِي السِّنِينُ بِعُمْرِي تِبَاعًا             
                  
وَيُـورِقُ دَرْبِيَ بَـعْدَ جُـحُودِ
الذي أحس أنه غير المتوقع، وأن هذه القصيدة حبلى بقصائد!!!

وأن سؤال الشاعر الشريف في ذيله التوضيحي:

 فهل يورقُ الدَّربُ بعد طول غياب؟!!

يحتاج إلى إجابات شاعرية من شاعرنا الأشعر في إبداعه شكلاً ومضمونًا!!)

                                                       *    *    *   
   النهاية غير متوقعة فعلا وكان يفترض فيها أن تكون على الشكل التالي:
وَتَمْضِي السِّنِينُ بِعُمْرِي تِبَاعًا   أيُـورِقُ دَرْبِيَ بَـعْدَ جُـحُودِ
أي أن تكون النهاية مفتوحة؛ عبارة عن تساؤل لا نملك له إجابة. ولكن يقينا منّا بأن هذه الأرض معطاء ولود, وسيورق دربها ولوبعد جحود، فغلبت الواوُ الهمزة َ والإجابةُ التساؤلَ فجاءت:   وَيُـورِقُ دَرْبِيَ بَـعْدَ جُـحُودِ      _  أملا ورجاء.
وبعض مفاتيح النص يحملها الإهداء:(
إلى أرضنا العربية التي حوِّلت إلى أرض يباب، أُلجِمتْ خيولها عن معانقة السحاب، وعوَّض فيها دقَّ الطبول عزفُ الرَّبَاب، وجُعِلتْ رحلتُها رحلةَ سفر بلا إياب، فهل يورقُ الدَّربُ بعد طول غياب.)
                            *   *   *
 ويقول الأستاذ عبد الحفيظ بخيت، وما أعمق قوله، فهو يبدع حين  يكتب_  وقد  كسبنا  حقا  ناقدا  يجمع  بين  أصيل  الماضي  وحداثة الحاضر(أخي أبوحسين )_:
(
والمتأمل فى هذا النص يبدو له ان الشاعر اختار بساطة التركيب الاسلوبى والمفرده السهلة وأظن ان هذا النص البسيط نص مراوغ فهو على بساطة تركيبة يحمل معانيا عميقة ودلالات شعرية متفجرة واذا اتفقنا ان عنوان النص هو بوابته الشرعية للدخول الى المعنى المركزى فى النص فان العنوان ايضا يشبه سدى الحائك يظل يتوالد داخل النص الى ان يكتمل المعنى المركزى ويصبح العنوان متنا ومتن النص حاشية للعنوان وهذا متحقق فى نص الشريف عمر يا ارض جودى والعنوان هو خطاب الى الرض مصحوب برجاء فى ان تجود ولكن الشاعر وضعنا فى حيرة اية ارض يقصد؟ واى جود منها يريد؟ هل هى الارض العربية ام الرض بشكل عام؟وهل يريد منها ان نجود بالمطر؟ام بالحياة؟ ام بالثورة؟وهنا  يصبح النصاجابة عن هذه الاشئلة القلقة التى ولدها عنوان النص فالساعر يريد امطار الثورة التى تفجر الرض نيرانا تطهر فيها البشر مما علق بهم من غبار العفن والذل والخنوع ( خيولى تطال السحاب خطاها/
       تدك حصون الزمان القعود/ وتمضى سراعا الى مبتغاها/كومض تلألأ ليل رعود/ يشق سناه بهيم الليالى/ ويرسم فجرا بصحن الوجود/يضيئ الدنا من وراء الغمام/ كغيث اهل فيا ارض جودى) فالشاعر الذى فقد مكانا لخيوله المقاتلة فى الارض يذهب الى السماء/ مصدر الغيث مرتفعا فوق العهود فيضيئ الكون بومضه الثورى ليرسم للوجود فجرا جديدا يضيئ الدنا مثل الغيث الذى يضيئ وجه الارض وهنا لابد ان تجود الارض التى تحمل ما يلقى اليها تجود بانسان جديد وعهد جديد هذا العهد الذى يرسمه الشاعر فى احلامه(اعانق حرفا وسيفا وحلما /اشق مداى اجلى حدودى)والسيف والحرف والحلم هم ادوات الشاعر التى تجلى حدوده وتدفعه الى ان يمطر الارض بعلمة وفكره وشجاعته وقدرته على التغيير ولابد للارض ان تستجيب للتغير والارض بوصفها مكانا لا مكانا جغرافيا وانما هى مكان رمزى لعب دورا هاما فى تعميق المعنى الشعرى.
    من هنا يصبح النص على بساطته تفجيرا لوجدان الشاعر داخل وجدان المتلقى لان بساطة الخطاب الشعرى للنص تجعل الوجدانيين متساويين وهنا يتجلى معنى المراوغة الشعرية داخل النص تحية للشاعر الجميل الواعر والواعى لفنه)

الشريف عمر

12 - مايو - 2008
قصيد/ يا أرضُ جودي
الكتابة فعل إنساني وحضاري    كن أول من يقيّم

الكتابة فعل إنساني وحضاري
 
في البدء كانت الكلمة وكان الإنسان، وكانت اقرأ وكان القرآن، وكان الحرف ناطقا بالبيان.
 فتحية إلى كل من اخترق هدأة الصمت، وأضاء سديم السمت، فعانق الحرف عناقا أبديا، وحاوره حوارا سرمديا.
تحية إلى كل من عانق الحرف أخرسا فأنطق، وعانقه جرحا فأورق، وعانقه باهتا فأشرق، وعانقه صدئا فأبرق، وعانقه زاهدا فأغدق.
تحية إلى من حولوا الأبجدية إلى شموع تنير دروب هذه الأمة في ليلها المدلهم، ومنارات تهدي التائهين في بحرها المرتطم.
تحية إلى كل من حولوا يباب الأرض العربية إلى خضيلة ندية غناء ترقص فيها السنابل وتغني على رباها البلابل.
تحية إلى كل من عزفوا لحنها الأبدي فشكلوا منه سيمفونية وجودها المتناغمة.
          بداية أخي الفضل_ عبد الحفيظ بخيت_ أشكرك على اقتراحك هذا الموضوع، وكنت أتمنى أن تحدد بدقة سياق الكتابة. فهناك الكتابة بمفهومها العام؛ التي تعني شكلا من أشكال التعبير، وهناك الكتابة التي تعني الإبداع الفني الذي له شروط وضوابط فنية تقيده. وهذا التحديد يوجه مسار النقاش ويضعه في إطاره الصحيح.
والكتابة في هذا الموضوع ليس أمرها هينا، و أعتقد أنه لا يوجد من يملك إجابة يقينية في هذا الشأن. فوصف حالة الكتابة كوصف حالة السعادة أو الفرح أو الحزن، أو وصف الإحساس باللذة؛ فكلها حالات وأحاسيس تعجز الكلمات عن وصفها، حالات وأحاسيس تعتري الإنسان جسما وروحا يشعر بها ويعجز عن التعبير عنها؛ يخونه اللسان ويتخلى عنه البيان.
ولذلك أعلن عجزي منذ البداية عن الكتابة في الكتابة، وما أكتبه هو تعبير عن بعض الرؤى والتجارب؛ مثلي فيها مثل من يريد وصف عمق البحر ورحابته من الشاطئ، فهل يستطيع؟
الكتابة في جوهرها فعل إنساني وحضاري؛ تعددت أشكاله ومضامينه، فمنذ أن رُسِّم الإنسان في هذا الكون إنسانا، ووهب العقل والنطق والبيان، وهو يبحث عن نفسه ووجوده، وعلاقته بكل ما يحيط به من بني جنسه، ومن أشياء ومخلوقات وظواهر طبيعية، يبحث عن حقيقة وجوده وحقيقة ما يحيط به. فكانت الدهشة وكانت الحيرة وكان التساؤل وكان التفاعل، وأعقب كل ذلك الالتحام فالانسجام فالكلام، فكان التعبير وكان التصوير وكان التسطير، وبدأ الإنسان رحلة التنوير والبيان.
          والكتابة نوع من الإبانة عن النفس والوجدان، وعن علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالكون وما وراء الأكوان.
والكتابة رؤيا وموقف في الحياة ومن الحياة، وهي تفاعل وانفعال، وتشاغل وانشغال، وتفتُّح وانفتاح, وانقباض وانشراح, وإحجام وإقدام.
والكتابة بوح بالشكوى والأنين، والغربة والحنين؛ هي دعوة مفتوحة ليشاركك الآخرون.
والكتابة سفر للهوى عناق أبدي عشق أزلي، صبابة لوعة لذة احتراق ووجد, مخاض ووجع متجدد.
والكتابة اختراق لسطوة الزمان والمكان، استباق لموت أو حياة الإنسان،اختراق لجدار الألفة والعادة والنسيان.
والكتابة هي رؤيا لا رؤية؛ هي عالم بلُّوري شفاف تعيد بناءه خارج رتابة الزمان والمكان والإنسان, هي عالم من المرايا ولأطياف والألوان القزحية.
والكتابة هي حضور في غياب وصحوة في غفوة، هي عالم من أحلام اليقظة والمنام، هي ومضة ودفقة شعورية.     
          والكتابة رحلة أشبه برحلة الصوفي؛ فهي نوع من المكابدة والارتقاء والزهد، فحين تحين لحظة الكتابة يتحول المبدع من إنسان عادي إلى إنسان فوق العادة، يخرج من عالم الحواس والمحسوسات إلى عالم يصنعه الخيال والرؤى، ولحظة انتهاء الكتابة يعود من لحظة الصحو إلى لحظة الصحو مرورا بلحظة الغفو.
          والكتابة هي حالة ذاتية شعورية؛ يمتزج فيها الوعي باللا وعي،  والشعور باللا شعور، والمعقول باللا معقول، والذاتي بغير الذاتي، والداخلي بالخارجي، والوجود باللاوجود. فهي ولادة فنية يمتزج فيها كل ذلك.
          والكتابة هي تناصٌّ وتقاطع بين تجربتك وتجارب الآخرين؛ الغابرين والحاضرين والمنتظرين. هي  أن تعيش تجارب الآخرين، وأن تستحضر الآخرين في تجربتك.
          والكتابة مسؤولية ملقاة على عاتق الكاتب؛ لأن الكلمة كالرصاصة إذا خرجت فعلت فعلتها ولن تعود، فهي سلا ح ذو حدين؛ فقد يكون حاميا وقد يكون داميا.
فالكلمة هي البذرة الأولى في نشأة الثقافات، وهي اللبنة الأولى في بناء الحضارات. فالكلمة هي التي تمهد الطريق للحضارة. يقول الأديب التشيكي (فرانس كافكا ): ( إن الكلمات هي التي تمهد الطريق للأفعال وتثير انفجارات الغد).
والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا  كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها).(إبراهيم/24)
هذا بعض مما أتصوره عن الكتابة، وبعض مما أشعر به وقت الصبابة؛ قد يمثل بعضا من الإجابة، وقد لا يمثل شيئا عن الكتابة.
في النهاية أضيف إلى التساؤلين السابقين: لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ التساؤلين التاليين: كيف نكتب ؟ وماذا نكتب؟ حتى تكتمل حلقات الكتابة.
مع خالص تحياتي لكل المشاركين ولصاحب التساؤلين.
 
                                        الشريف عمر

14 - مايو - 2008
الكتابة
تحية    كن أول من يقيّم

الأستاذ زهير_ التحية وصلت،  مع  الشكر  والتقدير_  وفي  كل  تأخير  خير.

15 - مايو - 2008
الكتابة
أسئلة في الثقافة    كن أول من يقيّم

       منطق مقلوب

         أشكر الأستاذين الفاضلين_  صبري  أبو  حسين  وعبد الحفيظ  بخيت _  على إسهامهما  في موضوع الثقافة. ويبدو  أنني  نكأت  جرحا  يأبى أن يندمل في عمق كل مثقف أصيل يعزّ عليه أن يرى صفوة المجتمع وصحوته، وقدوته وقيادته، مهمشة مهشمة، لا مكانة لها ولا تمكين، فهي إما أن ترضى بالتدجيل والتدجين،  وإن أبت سلطـت عليها الجوازم التسكين.
     إننا في عهد جرفت فيه المثقفَ الأصيلَ السيول، وهاجرت فيه الفوارس وانتحرت الخيول، وغُيِّبت الرؤوس ونابت عنها الذيول. أفبهذا يمكننا الوصول؟
   
منطقٌ مقلوبٌ


لاَ تَلُمْنيِ إِنْ تَرَانيِ  مُتْـعَبَا
                     مِنْ حَيَاةٍ  قَدْ  تَرَاهَا عَـجَبَا
وَأَرَاهَا لاَ تُـسَاوِي  جُنْدُبَا
                     أَوْ تَرَاهَا حِيَن تُعْطِي مَكْسَبَا
وَأَرَاهَا مِـثْلَ  جُحْرٍ خَـرِبَ
                     أَوْ سَرَابًا  إِنْ  دَنَوْنَا ذَهَـبَا
قَدْ تَرَى فيِ الشَّمْسِ دِفْئًا وُهِبَ
                     وَأَرَاهَا حِـينَ تَبْدُو لَـهَبَا
قَدْ تَرَى الْفَـجْرَ ضـِيَاءً قَرُبَ
                     وَأَرَاهُ  مِثْلَ عُـمْرٍ غَـرَبَا

زُرْ بِلاَدِي تَـرَفِيهَا العَجَبَ

                     مَنْطِقُ  الأَشْيَاءِ  فِيهَا  قُـلِبَا
                *   *   *
زُرْ بِلاَدِي تَـرَفِيهَا العَـجَبَ
                     كُلُّ شَيْءٍ  عِنْدَنَا  قَدْ ضُرِبَا
صَارَتِ الأَخْلاَقُ  شَرًّا جُلِبَ
                     بَلْ هِيَ  الْعَارُ  عَلَيْنَا كُـتِبَا
وَالْبرَِيءُ !  صَارَ فِينَا مُـذْنِبَا    
وَغَدَا  الطَّاهِرُ  مِنَّا  جُـنُبَا
وَاسْتَحَالَ الصِّدْقُ هُوَّ الْكَذِبَ
                     وَالأَمِينُ
!  خَائِنًا  قَدْ حُسِبَا
وَالشَّرِيفُ !  عِنْدَ هُمْ مَنْ نهَبَ
                     وَالأَصِيلُ !  فِيهِمُ مَنْ  أَذْنَبَا     

                     *   *   *

 زُرْ بِلاَدِي تَـرَفِيهَا العَـجَبَ

                     مَنْطِقُ  الأَشْيَاءِ فِينَا انْقَـلَبَا
قَلَّدُونيِ إِنْ أَسَـأْتُ الأَدَبَ
                     بَارَكُـونيِ إِنْ رَأُونيِ  قُـلَّبَا
هَنَّأُونيِ إِنْ  رَكِبْتُ الحَـدَبَ
                     أَيَّـدُونيِ إِنْ رَأُونيِ مُـرْهِبَا
صَارَ مَنْ  نَاحَ  لَدَيْنَا  أَطْرَبَ
                     صَارَ مَنْ أَوْجَزَ فِينَا أَطْـنَبَا
صَارَ مَنْ جَدَّ كَمَنَ  قَدْ لَعِبَ
                     صَارَ مَنْ حَلَّ كَمَنْ قَدْ هَرِبَا.
        *    *    *

زُرْ بِلاَدِي تَـرَفِيهَا العَـجَبَ

                     وَانْسَ إِنْ كُنْتَ قَرَأْتَ الْكُتُبَا
أَفَيُغْنِيكَ عَنِ الْعَـيْنِ الـنَّبَا
                     أَوْ يُفِيدُ السَّمْعُ  مَنْ قَدْ جَرَّبَا
قَدْ يَصِيرُ الرِّيشُ يَوْمًا حَصَبَا
                     أَوْ يَصِيرُ الشَّوْكُ يَـوْمًا زَغَبَا    
قَدْ يَصِيرُ الرَّأْسُ  يَـوْمًا ذَنَبَا
                     أَوْ يَصِيرُ الْحَبُّ  يَوْمًا قِـبَبَا
قَدْ يَصِيرُ التِّينُ  يَوْمًا  عِنَبَا
                     أَوْ يَصِيرُ الطِّينُ يَـوْمًا ذَهَبَا
لَكِنِ الحَقُّ سَيَبْقَى الأَغْلَبَ
                     وَإِنِ الْبَاطِلُ فِـينَا  قَبْـقَبَا


الشريف عمر
     

19 - مايو - 2008
أسئلة في الثقافة
تأملات    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 تأملات في فضاء الثقافة

قبل مناقشة التساؤلات السابقة يمكن أن نتوقف _ ولو قليلا _عند مفهوم الثقافة وأهميتها في حياة الشعوب .
        فكلمة (( ثقافة )) تشعبت مفاهيمها ، و تنوعت  مضامينها ،وتعددت معالمها بتعدد الزوايا التي  نُظِر إليها من خلالها، و لكن رغم ذلك فقد ظل الإنسان و المجتمع هما المحورين اللذين تدور حولهما مختلف  التعريفات و المفاهيم وما يهمنا من كل ذلك هو إستنتاج تعريف للثقافة يعكس مفهومنا لها .
فالثقافة هي كل ما يعكس النشاط الفكري الفردي أو الجماعي في شتى الميادين، على أن يكون ذلك النشاط مرتكزا على التراث بمقوماته و خصائصه، من عادات وتقاليد وأعراف، ومعارف ومعتقدات، بحيث يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع الذي يعيش فيه، وفي إطارها تتشكل شخصيته لتصبح محتوى ومضمون هذه الشخصية،وبدونها يتعذر استمرار هذه الشخصية بخصائصها ومقوماتها المتميزة وبذلك تصبح الثقافة هي هوية الشعوب، والرمز الدال عليها واللحن المميز لسنفونيتها، تعكسها مظاهر التعبير الإنساني من خلال الآداب و الفنون و المخترعات، وتعكس مظاهر الحياة بكل تفاصيلها. فالثقافة كما يقول _ المفكر مالك بن نبي- : (( ليست علما خاصا لطبقة من الشعب دون أخرى بل هي دستور تتطلبه الحياة  العامة ، بجميع ما فيها من ضروب التفكير و التنوع الاجتماعي))
          ولا أجد تصورا أشمل لوظيفة الثقافة وأهميتها في المجتمع من تصور _ مالك بن نبي _ لها؛ حيث مثل وظيفتها في المجتمع بوظيفة الدم في الجسم: (( فهو يتركب من الكريات الحمراء والبيضاء وكلاهما يسبح في سائل واحد من " البلازما" ليغذي الجسد. والثقافة هي ذلك الدم في جسم المجتمع؛ يغذي حضارته، ويحمل أفكار "الصفوة" كما يحمل أفكار "العامة" ، وكل من هذه الأفكار منسجم في سائل واحد من الاستعدادات المتشابهة والاتجاهات الموحدة، والأذواق المتناسبة)).
          فأهمية الثقافة في حياة الشعوب كأهمية الدم لحياة الإنسان ؛ فهي التي تحصن شخصية الفرد  والأمة من الذوبان و الانحلال و تعطيها القوة و المتانة ، وتحميها من الانحراف .
 فهي الذخر الذي تعود إليه الشعوب عند الحاجة، و هي السند الذي تعول عليه في وقت المحن، وهي الرصيد الحقيقي الذي يسندها عند الملمات ، وهي المعين الذي لا ينض، تنهل منه الأجيال فيعطيها سر الحياة و البقاء، و يؤمن لها الاستمرارية، ويحفظ لها الاستقرار .
في ظل هذا الدور الذي تلعبه الثقافة في حياة الأمم والشعوب, فإنه يجد ر بنا اليوم أن نتساءل عن وضعية  الثقافة ودورها في مجتمعنا وعن مكانتها فيه .
          إن المتأمل في ثقافتنا اليوم تأملا هادئا يدرك أنها تمر بأزمة حادة، تتمثل أهم مظاهرها في عدم القدرة على العطاء، وعلى التواصل مع طموحات المجتمع وأهدافه؛ ولعل ذلك يعود إلى أسباب عديدة، منها أنه لا يوجد مشروع ثقافي واضح المعالم، له أهداف يتوخى تحقيقها على المدى البعيد، مشروع نابع من مقومات وأصالة هذا المجتمع ، ومن انتمائه الحضاري، متفتح على الثقافات الإنسانية، يراعى فيه جوانب الفعالية والإبداع والتجدد، لا يتوقف عند طابع النقل والتقليد، أو التبعية المطلقة لثقافات أخرى، بل يأخذ ما هو أصيل وفعال في تراثنا, وما هو جديد وبنّاء في حاضرنا, على أن يكون متماشيا مع طموحات وأهداف المجتمع, حتى لا تكون هناك قطيعة بين الحركة الثقافية, وما يحلم به المجتمع من نمو وتطور.
          ومجتمعاتنا العربية الصغيرة لها خصوصياتها التي ينبغي أن تراعي في أي مشروع, أو سياسة ثقافية, بحيث نبحث على جوانب التوافق والتكامل بين هذه الخصوصيات, لنصل في النهاية إلى وحدة المشروع, ووحدة الهدف, فيكون لهذا المشروع أبعاد هي: البعد الوطني, والبعد العربي الإسلامي, والبعد الإنساني, وهذه الأبعاد هي سلسلة مترابطة الحلقات, لا يمكن تجاوز إحدى حلقاتها, أو الاهتمام بإحداها على حساب الأخرى, بل كل لها أهميتها و دورها في هذه السلسلة.
          فالبعد الوطني, مثلا, يجسد اهتمامنا بكل ما في أوطاننا من خصوصيات, وأحداث ومنجزات ورموز, و آمال وطموحات, وأهداف تسعى لتحقيقها من أجل الرقي والتطور؛ أي الاهتمام بالتاريخ البعيد والقريب بمفهومه الواسع والشامل، بقدر الاهتمام بالحاضر المعيش والمستقبل المنشود.
          أما البعد العربي الإسلامي. فيجسد انتماءنا إلى الحضارة العربية الإسلامية التي شاركنا في صنعها, وأخذنا منها مقومات شخصيتنا, وأصالتنا, فصارت ثقافتنا امتدادا لمنتج هذه الحضارة, وكذلك انتماؤنا إلى ما يسمى اليوم بالعالم العربي الإسلامي الذي هو جزء منا ونحن جزء منه, فما يربطنا به الدين واللغة والتاريخ المشترك والمصير المشترك والجوار, والطموحات, والآمال, والأهداف ... إلخ.
          أما البعد الإنساني, فيتجسد في علاقاتنا بثقافات الشعوب الأخرى التي لا تدخل في إطار البعدين, الأول, والثاني, فمن الضروري أن نتفتح على ما يجري في العالم من حولنا فنتعرف على ما تنتجه تلك الشعوب في شتى ميادين العلم والمعرفة, لنواكب ما يحدث فيها من تطور وتقدم, لنثري ثقافتنا بكل ما هو جديد وفعال, على أن يكون تفتحنا محسوبا ومدروسا؛ بحيث لا يكون على حساب هويتنا وثقافتنا, كما هو الحال اليوم, تفتحا يرجى من ورائه التعرف على تلك الثقافات, والأخذ منها قدر الحاجة دون أن تكون غاية في ذاتها تجعلنا ندخل في إطار التبعية التي تهدد كياننا – كما هو شأننا اليوم-  أي الثقافة التي نختارها وليست التي تفرض علينا فرضا، فإذا سرنا في هذا الاتجاه بخطى مرسومة, وأهداف معلومة, حققنا ذاتنا, بل حددنا هويتنا مع تفتحنا على الثقافات الإنسانية الأخرى.
          عندما نصل إلى مشروع ثقافي تتفاعل فيه هذه الأبعاد وتتلاحم فإنه يمكننا أن نأمل في ثقافة متميزة, ثقافة أصيلة وواعية, ثقافة مدركة, ثقافة منتجة, ثقافة كالشجرة الطيبة, أصلها ثابت وفرعها في السماء تأتي أكلها كل حين, نسعد بنمائها, وننتعش باخضرارها ونستمتع بهوائها, ونستظل بظلها, فإذ حركنا أغصانها فلا نجني إلا ثمارها.
          فإذا نظرنا إلى واقع ثقافتنا اليوم انطلاقا من هذا التصور, وجدنا أنها لا تحقق هذه الأبعاد مجتمعة في حركتها, بل تحقق بعضها مع إهمال بعضها الآخر, إلى جانب اشتمالها على كثير من التناقضات. ولعل هذا هو ما جعلها تتعثر ولا تتماشى مع طموحات وأهداف المجتمع, انحرفت عن مسارها الصحيح, وعن أهدافها المرجوة, فانحرف عنها المجتمع, وراح يبحث عن قيم وثقافات أخرى عله يجد فيها ما لم يجده في ثقافته التي شوهت. وهذا هو الذي جعل مجتمعاتنا تتعرض لهزات متتالية وتقلبات متوالية في العقود الأخيرة؛ لأن ثقافتها لم تكن في مستوى التطلع والطموح الذي تصبو إليه.
إذن فثقافتنا اليوم موزعة بين هذه الأبعاد, ولا تمثلها مجتمعة في تفاعلها وتلاحمها, فهي تقف في مفترق الطرق, عين إلى الوراء, وعين إلى الأمام, إما الاحتماء بالماضي بكل إنجازاته ورموزه, لأنه يعطيها نوعا من الثقة, وإما الانتماء إلى ثقافة الغرب, والارتماء في أحضانه لتصل من خلال ذلك إلى ما توصل إليه من تقدم وتطور. وبين هذا وذاك ظلت ثقافتنا بين مد وجزر يتجاذبها تياران, فلا استطاعت أن توفق بينهما ولا استطاعت أن تحقق أحدهما, فصارت مثالا للتقهقر, وصورة للتبعية والاستلاب, لأنها لم تستطع المواجهة ولا الصمود أمام ثقافة الغرب, ولأنها لم تكن محصنة, وكانت تحمل في ذاتها أسباب مرضها فأصيبت بمرض فقدان المناعة, فاختلط فيها الأصيل بالدخيل, والفعال بالهزيل, لأن الثقافة كالإنسان, تدخل الفيروسات في جسمها فتدمر كل ما هو أصيل وفعال فيها.
          ولا تقوى أية ثقافة على رد تلك الفيروسات إلا إذا كان لها جهاز مناعة قوي, يرتكز على مقومات أساسية وثوابت أصيلة, تضرب بجذورها في أعماق التاريخ, لأنه لا يكتب البقاء ولا الامتداد إلا لكل ما هو ثابت في أصالته وقوي في فعاليته, أما الأفكار الدخيلة والأشياء المتغيرة فتظل غربية عن جسم المجتمع الذي يمثل تلك الثقافة, وغير ثابتة في حياته.
          وثقافتنا حملت معها فيروسات من الماضي غرسها في جسدها استعمار بغيض, كما دخل جسدها فيروسات أخرى بفعل الغزو الثقافي, وباسم التطور والتقدم الزائف.
          والحالة التي فيها ثقافتنا اليوم ما هي إلا صورة معبرة عن مجتمعنا, وما مجتمعنا إلا صورة صادقة لواقعنا الاقتصادي المتدهور, وحياتنا الاجتماعية والفكرية والثقافية المتأزمة, فلا ثقافتنا استطاعت أن تحصن مجتمعنا, ولا مجتمعنا استطاع أن يحمي ثقافتنا, فدخل الجميع غرفة الإنعاش, فهل أدركنا ذلك أم مازلنا نتوهم غير ذلك؟
          فكيف ننتظر من ثقافتنا اليوم في ظل هذه الأزمة أن تغير الواقع, أو تطور المفاهيم أو تحرر العقول, لتتحر السواعد؟ فكيف تحقق ذلك؟ وهي مهددة الانتماء, فاقدة العطاء, يميزها الاندفاع, وقلة الإبداع, تنقصها الفعالية وتسودها الانفعالية وتحكمها الارتجالية, مترهلة تعاني من السقم وتشتكي من العقم.
          كيف تحقق ذلك في ظل أوضاع اجتماعية مزرية يعشش فيها التخلف وتحكمها الأمية وتسودها التبعية, فوضع المثقف بفكره إذا أراد اختراق هذا الثلاثي الرهيب, لا يكون أحسن حالا من سيزيف وصخرته, فالأمية التعليمية تشل ثلث مجتمعاتنا, والأمية الثقافية تشل ثلثها الآخر, والتخلف والتبعية يتقاسمهما الجميع؟
          كيف نحقق ذلك, ومؤسساتنا الثقافية والتعليمية عاجزة عن تأدية رسالتها ودورها الحضاري والتربوي, مما كرس سيادة نوع معين من الثقافة, يغلب عليه الطابع الشعبي والفلكلوري المبتذل الذي تمليه المناسبات, فصارت مؤسساتنا الثقافية في كثير من الأحيان عبارة عن مؤسسات فلكلورية لا تفتح أبوابها إلا في المناسبات, وليست مؤسسات للإشعاع الفكري والثقافي, مما يؤهلها لأن تكون رافدا من روافد ثقافتنا الأصيلة تثريها وتساعد في تنميتها وتطويرها. وقد أسهمت تلك المؤسسات في إيجاد جمهور فلكلوري يحب المتعة الآنية وكل ما يثير عواطفه وأشجانه, جمهور يتخيل أكثر مما يفكر, يستخدم عواطفه ولا يستخدم عقله, يأبى الثقافة التي تنمي فيه الفكر, وتخاطب العقل, وترفع فيه من درجة الوعي.
          أما مؤسساتنا التعليمية فقد تخلت عن دورها التربوي, حيث أصبحت تهتم بالجانب التعليمي على حساب الجانب التربوي, وبالجانب الكمي على حساب الجانب الكيفي, مما جعلها مؤهلة لتخريج جحافل من حاملي الشهادات غير المحصنين بالثقافة التربوية, مما جعل كثيرا منهم يستهتر بقيمنا الحضارية وأصالتنا, ويعزف عن تاريخنا بكل إنجازاته ورموزه. أما اهتمامها بالجانب الكمي على حساب الجانب الكيفي فقد نتج عنه كثرة المتخرجين من حاملي الشهادات, ولكن مستوى كثير منهم لا يرقى إلى المستوى العلمي المطلوب, فقلما تجد من بينهم من هو مؤهل لأن يكون باحثا أو مبدعا أو مفكرا أو فيلسوفا, وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الفئة المبدعة.
          ولعل ما أسهم _كذلك_ في انحطاط المستوى, هو تأثر مؤسساتنا التعليمية بما يجري في المجتمع من تناقضات, فصارت تتأثر سلبا, ولا تؤثّر إيجابا، هذا إلى جانب القوانين التي تحكم منظومتنا التربوية, والبرامج التي تقدم من خلالها, ونوعية المعلم والأستاذ الذي يقوم بالتدريس فبرغم وجود من لهم القدرة والكفاءة من رجال التربية والتعليم، فإن منهم كذلك من هم دون مستوى, وأغلبهم يحتاج إلى إعادة تأهيل. فكيف تنتظر منهم تكوين جيل ناجح مؤهل في تعليمه وحياته؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.
          فوضع مؤسساتنا التعليمية هذا أسهم في انحطاط الثقافة العلمية والتربوية، التي تحصن التلميذ والمعلم والطالب والأستاذ والمؤسسة، من أي ثقافة أخرى هدامة, وتسهم في تغيير المجتمع وتنويره من ثقافة الدجل والشعوذة.
ضف إلى كل هذا فإن مؤسساتنا الإعلامية _برغم الدور الخطير الذي تلعبه_ قد ظلت دون المستوى المطلوب, ولم تكن أحسن حالا من المؤسسات الثقافية والتعليمية الأخرى.
فلم تعط تلك المؤسسات  للثقافة الجهد أو المساحة الإعلامية التي تستحقها, وحتى ما كانت تقدمه عرضا لم يكن كافيا, وكانت هي المسئولة في كثير من الأحيان على تجسيد الرداءة وتشجيعها من خلال تغطيتها لما هو غث ومبتذل ودخيل, يسهم في فساد الذوق, وانحطاط الثقافة الأصيلة الفاعلة, أكثر ما يساعد على إثرائها وإنمائها. فلو أنها اهتمت بالثقافة قدر اهتمامها بالسياسة والرياضة, لكانت حققت ما لم تستطع المؤسسات الثقافية تحقيقه ولو أنها اهتمت بالمثقف قدر اهتمامها بالسياسي والرياضي, لما وصلنا إلى ما نحن فيه, لأن الاهتمام بالمثقف يعني الاهتمام بالثقافة.
ويوم أن تصل وسائل إعلامنا إلى تغطية الحركة الثقافية ونشاطات المثقفين وتسخر جزءا من إمكاناتها البشرية والمادية لخدمة الثقافة, مثل ما تفعل مع الرياضة ونشاطات الرياضيين, على سبيل المثال, نقول يومها إن إعلامنا بخير, فقد بدأ يسير في الاتجاه الصحيح.
والحديث عن الثقافة يعني الحديث عن المثقفين بانتماءاتهم المختلفة, إما إلى الثقافة الأصيلة- من الأصل-  أو الثقافة الدخيلة, فأغلبهم لم يخرج عن دائرة التبعية والتقليد إلى طريق الإبداع والابتكار والتجديد, لأن الفئة الأولى ظلت تتغنى بأمجاد الماضي وتعيش أحلامها من خلاله, محاولة استحضاره في كل موقف, لتقيس الشاهد على الغائب لتحقيق رغبة عجزت عن إدراكها في الواقع المعيش, دون أن تستلهم العبرة من الماضي وتأخذ منه كل ما هو أصيل وفعال, تتبناه وتضيف إليه من حاضرها لتنطلق في بناء مستقبلها, لا أن تعيش على الذكرى, وتحاول إعادة ما مضى ولن يعود, وحتى ما حاولت أن تضيفه من ثقافات أخرى كان عن غير وعي, بحيث لم تنتق فلم ترتق.
أما الفئة الثانية, فظلت, كذلك, تتغنى بثقافة الغرب, وما حققه من تطور وتقدم, فتبنت لغته وثقافته محاولة تقليص المسافة بين المجتمع الذي تعيش فيه والمجتمعات الغربية, ولكنها فشلت, لأنها لم تكن تمثل من ثقافة الغرب إلا الجانب الشكلي, وما لفظته تلك الثقافة, ونسيت هذه الفئة أن أصول التقدم والتطور, لا تهدى أو تؤخذ انتسابا, وإنما تنبت إنباتا وتؤخذ غلابا. فكم من مجتمع تبنى لغة الغرب وثقافته يعيش اليوم فقرا مدقعا, وتخلفا مفزعا, والأمثلة على هذا كثيرة ( بعض دول آسيا وإفريقيا), وكم من مجتمع طور لغته, وحقق ذاته, وسخر إمكاناته هو ينافس الغرب اليوم, إن لم يكن قد تجاوزه في كثير من الأمور, وبعض دول آسيا دليل على ذلك.
إلا أنه يمكن أن نستثني من الفئتين السابقتين مجموعة من مثقفينا, استطاعت أن تبرز بإنتاجها الجيد, وطرحها الجاد, في الميادين الفكرية والعلمية والأدبية, وأثبتت وجودها على الصعيد الوطني, والعربي, وحتى العالمي, إلا أن هذه المجموعة لا تمثل القاعدة وإنما تمثل الاستثناء, لأنها قليلة إذا ما قيست بالفئتين السابقتين, ومع قلتها, فمنها من يحاول التنفس بصعوبة في جو الرداءة الثقافية التي نعيشها اليوم, وفي ظل الأوضاع التي تعرفها مجتمعاتنا, وفي ظل ظروف اجتماعية ومهنية صعبة, ويحاول بالرغم من ذلك أن يقاوم ليدحض الرديء بالأصيل, في ظل أوضاع سائدة, وقيم مبعثرة, ومفاهيم مشوهة مغروسة, ومذاهب غامضة مجلوبة, وشعارات مضللة رائجة تتطلب جميعها صراعا فكريا وكفاحا نفسيا. وهذه المجموعة كأنها اتبعت المثل الذي يقول: لا تخش السير ببطء ولكن احذر التوقف. ومنها من هاجر داخليا وخارجيا؛ أما الهجرة الداخلية, فنحو الانزواء والانطواء والاستسلام للأمر الواقع, بعدما همّش عن قصد أو غير قصد, وبعدما شعر بالعجز اتجاه المجتمع, وعدم الانسجام معه, واتساع الهوة بين أوضاع المجتمع الراهنة وما يتمناه ذلك المثقف, فجعله هذا يعيش نوعا من الاغتراب النفسي أو الغربة الداخلية. وهذا النوع من المثقفين يصدق عليه قول أبي حيان التوحيدي ((أغرب الغرباء من صار غريبا عن وطنه)).
أما من هاجر إلى الخارج, فهروبا من واقع اقتصادي واجتماعي وثقافي لا يشجع على الاستقرار أو التواصل ولا يحقق للمثقف ما يحلم به في مجتمعه أو بلده. فاختار الهجرة نحو مجتمعات تقدر المثقف الجاد, وتهتم بقدراته, وتسخر له الوسائل والإمكانات التي يحقق بها ذاته, والتي لم يستطع أن يتحصل عليها في بلده, مجتمعات تحفظ للثقافة مكانتها, وتضعها على رأس أولوياتها, ولكن الهروب يبقى هروبا, ولا يحل مشكلة المثقف, فهو علاج مؤقت لا يدوم. ولكن قبل أن نلوم الهارب يجب أن نلوم الذي دفعه للهرب.
هذه هي وضعية ثقافتنا ومثقفينا كما نراها اليوم بشكل مجمل _ وقد يكون لغيرنا رأي آخر محالف أو مخالف _ وهي بلا شك نتيجة سياسة ثقافية متبعة أثبتت فشلها وعقمها. وإذا أردنا أن ننهض من كبوتنا وأن نصحو من غفوتنا, ينبغي أن نعيد النظر في سياستنا الثقافية, وأن نبحث عن مشروع ثقافي جلي المعالم واضح الرؤى يسهر المثقفون على إنجازه ويشرفون على تنفيذه, وحتى يتحقق ما نتمناه, نقول لمثقفينا ما قاله شكسبير ((إن الليل الذي لا يعقبه فجر لليل طويل)) وما تقوله الآية الكريمة:((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).
 أليس الصبح بقريب؟
                                      وكل عام وأنتم وثقافتنا بخير.
الشريف عمر

19 - مايو - 2008
أسئلة في الثقافة
نشيد اللقاء/ الفراق    كن أول من يقيّم

نشيد اللقاء/ الفراق

        اللغة ليست حيادية، والمشاعر ليست حيادية ، والرؤى والأفكار ليست حيادية، وما يكتبه الوعي أقل مما يكتبه اللاوعي، فكلاهما يتجاذبان كتابة القصيدة؛ فنكتبها أوتكتبنا. وكلمات القصيدة هي علامات أودوال على رؤى وأبعاد حاضرة غائبة، تختزل الزمان والمكان لتمتد في صيرورة الأبدي، إلى المطلق.فكل لقاء يعقبه فراق،  وكل  لقاء  يعقبه رحيل،  وكل  رحيل  مؤقت  هو  امتداد  للرحيل  السرمدي، فالكون  بمن فيه وما فيه  هو في حالة رحيل، وكل رحيل له نهاية؛ رحلة الأشياء ، رحلة الكائنات. فكل بداية معلقة بنهايتها.
       وإسرارالإنسان على النسيان لهذه النهاية، يجعله يعيش بحلمه وخياله وآماله وطموحاته أكثر ممايعيشه بعمره الافتراضي مرات ومرات، ينشد الخلود وينشد كل شيء يؤدي إلى الخلود، وعلى رأس مايخلد الإنسان أعماله التي يتركها بعد رحيله.  وردة فعل الإنسان هذه  قد يعيها  وقد  لايعيها.
        أعود إلى أخي الأستاذ _عبد الحفيظ بخيت _في تعليقه على القصيدة لأقول:  إنك غواص محترف  لا يعجبك ولا يقنعك  الوقوف  على  الشاطئ   وانتظار  ما تجود به  الأمواج  من صيد،  فهذا عمل الهواة،  فاحترافك  للغوص  يدفعك إلى المغامرة  في  الأعماق والاستئثار بأسرارها واستخراج حليها من لآلئ ومرجان، فيكون صيدك أوفر وأثمن.  وهذا ماتفعله في  كل مرة  عندما تعلق  على قصائدي، فلا يغريك سطحها بل يغريك عمقها، ولا يغويك جسدها بل تغويك روحها؛ لأن جاذبية السطح  مؤقتة قد تزول بعد لحظة الانبهار الأولى، لكن جاذبية العمق تظل تتوالد في خفاء وسرها أنها لا تكشف عن نفسها مرة واحدة، ولا تكشف عن نفسها لكل الناس إلا لمن أحسن التأمل وأجاد القراءة وأحكم التأويل.
    وماأجملك_ أخي عبد الحفيظ_ حين تحلل وحين تؤوِّل  وحين تعلل، وما أحسن تأملك وماأجود قراءتك. وقد كبرت بتحليلك قصائدي.
    أما ذكر المناسبة أوالإهداء فأنا معك فلا أحبذ وجودها مع القصيدة ولاأذكرها في كتاباتي إلا نادرا، لأنها تحيل القارئ منذ البداية وتوجهه إلى قراءة واحدة، وتقتل عنده لذة الاكتشاف والمجهول. ولكني كذلك أؤمن بشيء ذكرته في بداية هذ التعليق وهو أن النص مهما  وُجِّه  من قبل صاحبه  يظل كالفرس الحرون  إن سارت خطو ة إلى الأمام فإنها تتراجع خطوتين إلى الخلف، وإن وجهه بوعيه فإن اللا وعي  يعاكسه في توجيهه.  وهذه القصيدة رغم توجيهها إلى فئة معينة ومناسبة معينة، فإنك استطعت أن توجهها توجيها ينأى بها عن التوجيه الأوَّلي، توجيها تستحقه القصيدة، وتوجيها تستحق_أنت_ عليه التحية والتقدير والاحترام.

الشريف عمر


20 - مايو - 2008
نشيد اللقاء
 1  2