البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إيبش

 1  2  3 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
مزالق علم اشتقاق الأسماء    كن أول من يقيّم

علم اشتقاق الأسماء فرع هام للغاية من علوم اللسانيات وفقه اللغة، ولقد صنف فقهاء اللغة لكل اسم أو لفظة ثلاثة معان: فهناك معنى اشتقاقي، ومعنى عرفي، ومعنى اصطلاحي. وينبغي لمن يتصدّى لمثل هذا النوع من الأبحاث أن يحيط بعدد وافر من اللغات، المشرقية منها والأوروبية على حد سواء. وبالنسبة إلى دراسة التاريخ الحضاري لثقافتنا العربية، فلا بدّ من الإلمام بهذه اللغات: العربية، الفارسية، التركية، الأوردية، السريانية، الآرامية. هذا ما خلا لغات أوروبا التي وضع بها المستشرقون أبحاث لا حدّ لها ولا حصر، تخص تاريخنا الحضاري.
ومن يتوسع في تحليل اشتقاق أي اسم بإمكانه أن يضيع في متاهات لا حصر لها من المعاني.. ولكن هذا غلط! المطلوب معرفة السياق الموضوعي الذي يرتبط بعملية الاشتقاق، وهذا السياق يحسم الخلاف.. فمثلاً: حضرت نقاشاً لشخص يدّعي أن اسم قبيلة قريش مصدره الاشتقاقي (القرش)، بمعنى أن أهل هذه القبيلة كانوا من التجار، فلازمهم هذا الاسم..! قلت له: فإن أفدتك أخي أن (القرش) وهو العملة النقدية القديمة المعروفة قد أتانا في القرن السادس عشر عن طريق الدولة العثمانية، وأن أصله نمساوي، ففي اللغة الألمانية: Groschen.. كيف إذاً تستقي قبيلة قريش اسمها منه?
نأتي إلى اسم يارا:
لا ريب ولا شك ولا مشاحّة أن الاسم فارسي صرف: (يار) ويعني هنا كاسم علم: حبيب، محبوب.. دعك عن معانيه الأخرى، ومن مزايا الفارسية التي جعلتها من كبريات لغات الأدب والشعر، أن كل اسم فيها يحتمل لا أقل من 10 معان، وفي ذلك مزالق وعرة لمن يتسرّع في التفسير.
لكن كيف انتقل الاسم إلى العربيّة?
كان ذلك طبعاً عن طريق التركية العثمانية. ففي العصور الوسطى، إبّان وجود الترك المسلمين في أواسط آسيا، كانت لغتهم التركية بمثابة لغة عامية محكية، بينما كانت لغة الثقافة والكتابة والشعر هي الفارسية، ولذا كان لا بدّ لأي حاكم أو أديب أو تاجر من تعلمها.. وبالتالي كانت هي المعين الثقافي واللغوي للغة التركية آنذاك.. التي ما زال إلى اليوم تزدحم بالألوف من الألفاظ الفارسية (مثال: برده، بنجره، ياز، دوست، خسته، سياه، بهلوان). أما عقب فتح العثمانيين لمدينة القسطنطينية عام 1453 م ومجاورتهم للبلاد العربية، وحكمها، فلقد غلب دور العربية على الفارسية في التأثير على الثقافة اللغوية للترك.. وما برحت اللغتان العربية والتركية تتقارضان (أي تتبادلان التأثير) في آلاف من الألفاظ الباقية إلى اليوم في اللغتين كليهما (مثل كلمة: دومري، التي فشل الجميع في تعبير مصدر اشتقاقها). فمن الألفاظ الشائعة كلازمة لفظية في الأغاني التركية بالقرن التاسع عشر: (جانم يار) أي: روحي حبيبي.. فكانت تردّد عقب كل مقطع غنائي من بعض أوزان الموسيقى الشائعة آنذاك.
وإذا رحنا نردّ الاسم إلى معان تركية، فإننا نضيّع القارئ، كأن نقول: في التركية: يار تعني الفتى والحدث، ومنها قولهم: (يارن) أي بُكرة، الغد. إنما هذا كله تحميل زائد لأصل التسمية، ومعناها كما قلنا محسوم: حبيب. غير أن علينا أن ننبّه إلى أن التركية لا تعرف جنساً للأسماء ولا حتى الضمائر.. فقولك: sen يعني أنت للمذكر والمؤنث، وقولك: o يعني: هو، هي. وعلى ذلك فاسم يار لا مؤنث له.. وما إدخال ألف التأنيث عليه إلا عملية نحت تمت بالقياس.. وهذا مما يستطرف. النكتة في الأمر أن الألف ليست دوماً أداة التأنيث (كالعربية والللاتينيةوالإيطالية والإسبانية والبرتغالية)، بل هي مثلاً في السريانية أداة التذكير! مثال ذلك: يلدا (ولد)، ملكا (ملك)، جبرا (رجل). بينما أداة التأنيث فيها تاء وألف: ملكتا (ملكة)، مرتا (امرأة، سيدة)، قدشتا (مقدسة).
يذكرني هذا البحث الاشتقاقي كله بالاسم الشهير: دانة، دانا.. فما رأيكم? وهل تدرون أنه أيضاً اسم فارسي أتانا عن طريق التركية?
وشكراً

د. أحمد إيبش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يسعدنا الترحيب في مجالسنا بالدكتور أحمد إيبش الكاتب والباحث المتميز في جيل الشباب وصاحب " دفاتر شامية عتيقة " المنشور في الوراق . والدكتور إيبش بحسب تعبير شاعرنا الأستاذ زهير ظاظا هو " من مفاخر العرب في العصر الحديث " ، كما يسعدنا الترحيب به في سراة الوراق آملين منه المزيد من المشاركات الغنية والممتعة كالتي هي  بين أيدينا اليوم . كل التحية لك مجدداً أستاذنا الكريم وتقبلوا منا فائق التقدير ( ضياء ) .

  

9 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
يارا واسم شهر أيار    كن أول من يقيّم

تحية طيبة:
أولاً أقدم تحيتي وامتناني للأستاذة المحترمة ضياء وأشكر لها ترحيبها الكريم، وأرجو قبول مشاركاتي في مجالس الوراق، الموقع الرائد في ثقافتنا العربية وتراثنا المجيد.
حول العلاقة المفترضة من قبل الدكتور فاروق بين اسم (يارا) واسم شهر أيار:
لا علاقة على الإطلاق، برغم التشابه اللفظي. فلقد رأينا أن الاسم فارسي مولد وقد تم تأنيثه ليوائم نكهة العربية وذائقتها اللسانية. وأما اسم شهر أيار بالسريانية فمصدره مختلف تماماً، وأصله كنعاني من جذر (ي ر ا)، ففي الكنعانية (ومنها الفينيقية): ياران، تعني السرور والفرح، ومنها اشتق اسم العلم المذكر: (يارون) أي فرحان، سعيد.. وجميعنا سمع بهذا الاسم الذي تسمّى به إحدى قرى جنوب لبنان. نرى إذاً أن المصدرين والمعنيين يختلفان تماماً. ولو شئنا نشتق من التسمية الكنعانية صيغة الاسم المؤنث: سعيدة أو سعدى، لكان الاسم عندها: (يرنيت).. وأداة التأنيث في الكنعانية الياء والتاء (لاحظ أسماء القرى: تعنيت، عمريت، فجليت، دانيت).
يذكرني هذا المبحث اللغوي الاشتقاقي بما كنت قمت به قبل 11 عاماً حينما فصلت في معاني اشتقاق اسم مدينة دمشق.. أحد الأسماء الملغزة، والذي تيسّر لي مؤخراً حل مغاليقه بتفسير جديد أظنه الحاسم. ولو اتسع صدر القراء لمثل هذا البحث المطول، لنشرته على أديم (الورّاق).. غير أنني ألبث بانتظار الإشارة والإذن من أستاذتنا المحترمة.
وشكراً جزيلاً.

9 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
قريش والقرش واشتقاق أسماء البلدان    كن أول من يقيّم

حضرة الأخ الدكتور فاروق المحترم:
أولاً كل عام وأنتم بخير.. ويسرني أن أتعرف بحضرتك وبالأصدقاء الأكارم أسرة مجالس الورّاق.. وهذا تعارف طيب على أثير الإنترنت قد طال انتظاره، ولكن ها نحن أولاء نلتقي أجمل لقاء، على مباحث الأدب والفكر.
الواقع أنني في تعليقي السابقين كنت أكتب من الذاكرة من أوروبا، وليس بين يدي أي من كتبي ومراجعي. غير أنني البارحة عدت إلى بيروت.. والآن سيكون بوسعي المتابعة أفضل من ذي قبل (وكتبي بالشام). وسوف أقدّم ما كنت وعدت به حول اشتقاق اسم (دمشق) الذي أتمنى أن نتباحث به معاً.. ولم لا نتداول دورياً في كل فترة اسماً من أسماء مدننا العربيّة القديمة فنبحث في اشتقاقه?? أليس هذا ممتعاً?
حول تسمية قبيلة (قريش) ومعنى (القرش) أنا واثق أن البحث بحاجة إلى إعادة نظر.. فالقرش كعملة نقدية معدنية لم نسمع به أو نقرأه في مصادرنا القديمة، ولا أركن الآن إلى أن المصدر اللاتيني Grossus Denarius مصدره عربي أو حتى سامي.. بل علينا أن نقرّ أولاً أن تسميات العملات العربية بأسرها أتتنا من أوروبا (بأصول يونانية ولاتينية).. لنستعرض قليلاً:
فالدينار لاتينية: Denarius وترد في نصوص الإنجيل باليونانية، وأجزاؤه: Quadrans.
والريال من الإسبانية Real أي العملة الذهبية الملكية (وتسمية فريق ريال مدريد يعني فريق مدريد الملكي).
أما الدرهم فيونانية معروفة: دراخما.
الجنيه: من الإنكليزية، تسمية قديمة Guinea.
الليرة: من الفرنسية Livre (بصيغة المؤنث)، والإيطالية Lira.
ولنلاحظ أخي الكريم أن مفردة Grossus اللاتينية كمصطلح تجاري دخلت العربية العامية الدارجة عن طريق الإيطالية Grosso إذ يقال لدينا بدمشق: كروز (أي بضاعة جملة).. ونقيضها: مفرّق، أو فلت.
أما اشتقاق اسم قبيلة قريش الكنانية المضرية من اسم القرش (والجمع والكسب) فهذا لا يمكن أبداً.. أسماء القبائل كلها تشتق من أسماء أعلام أجدادها، قولاً واحداً لا خلاف فيه.. ولا يقعد الناس لينظروا في معنى يبتدعونه لاسم عشيرتهم. الآن أنا في مقهى إنترنت وليس بين يدي أية مراجع، لكنني أعد أن أبحث في اسم قبيلة قريش.. الذي لا بدّ أن يكون اسم جد قديم للغاية (كقولك: مضر، قيس، عدنان، قحطان، وائل، كنانة). حتى أسماء المدن في محيط مكّة لبست تخلو من أسماء الأعلام (والأغلب عادة الأوصاف الجغرافية)، فمن المدن التي سميت بأعلام: "حائل" كما في نقش نبطي قديم.. دعك مما يقولون ويفبركون، فعادة الناس قديماً الخجل من قول: "لا أدري"..
هذا كله أقوله هنا كبداية، ولم أدخل بعد لا في اشتقاق اسم (قريش) ولا (القرش)..
وللحديث صلة.. وهو ممتع ومفيد.
ولاحظ أن موضوعك (اسم يارا) قد استدعى تعليقات كثيرة ومفيدة.. فهلمّوا بنا إلى ميدان الكلمة وساحة الفكر نتابع ونستزيد.. ولي عودة قريبة جداً. ودمت.

14 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
حول اسم دمشق    كن أول من يقيّم

حضرة الأخ الدكتور عبد الحفيظ المحترم:
تحية طيبة واحتراماً..
تأكد سيدي أن دمشق لم تبن على عجل أبداً، فعمرها على أديم هذه الأرض أكثر من 10 آلاف سنة..
إلا أن هذا ما وقر في ظن لغويينا القدامى فقدموه على عجل وقالوا فيه ما قالوا بغير روية أو تبصّر.
وأسماء مدن بلاد الشام (سورية، لبنان، فلسطين، الأردن) في الأغلبية الساحقة منها كنعانية (وفينيقية) وآراميّة. إلا أن طائفة من لغويينا المعاصرين رأوا في ذلك افتئاتاً على العربيّة، فحاولوا قولبة الأسماء ومواءمتها لتوافق البيان العربي تحت عنوان (اليمن هي الأصل).. أقول: التمسّك بالعروبة أمر طيّب وأنا من أنصاره، ولكن في المنهج العلمي أرفع معيار وأسمى هدف هو الحقيقة المجردة قبل كل شيء.. وعلم الفيلولوجيا لا يعرف المحاباة.
أرجو أن تمهلني بضعة أيام لكي أنشر بحثي أمامكم حول اسم دمشق.. وكم سيلذ لي أن نتداوله معاً، ويكشف لي السادة سراة الوراق وقرّاؤه ما خفي عن علمي..
ولدي تشوق كبير لقراءة آراء الدكتور فاروق والدكتر عرفان شهيد (كما يحب أن يصوغ العبارة بمنطوقها الإنكليزي)، وطبعاً رأيكم الكريم أستاذي الفاضل.. وساعتها يكتمل سروري ورغبتي العلمية بالاستفادة من هؤلاء الأستاذة الكرام الأفاضل.
ودمتم سيدي..
أحمد إيبش

14 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
استدراك سريع على مصدر القرش    كن أول من يقيّم

أوردتم أخي الدكتور فاروق مقارنة من معجم (בן שושן بن شوشان) للغة العبرية، عبارة: גרוש بالعبرية (جروش Grosh)، فأرجو ملاحظة أنها تبدأ بحرف (ג جيمل) وليس (ק قوف).. مما يجعلها تنتمي إلى جذر آخر لا علاقة لاسم قريش به (ق ر ش)، بل هي مجرد عَبرَنة للعبارة الجرمانية Groschen المستقاة من اللاتينية Grossus، وما أكثر ما اقترضت العبريّة (وابنتاها اليديشية واللادينو) من المفردات الجرمانية والسلافية والقشتالية، ومؤخراً الفرنسية والإنكليزية (عدا عن كونها تفيض بالألفاظ الآرامية). هذا لا صلة له في الواقع ببحث اسم قريش، وشتّان بين قريش والقرش.
ولنلاحظ مثلاً أن الجذر قد يتشابه كثيراً بمبناه الشفوي في عدة لغات، فمثلاً في الآرامية: قرشا (بفتح القاف، وعذراً لعدم وجود حروف آرامية هنا حيث أرسل) تعني الشديد البرودة (تتقارض مع القارِس بالعربية، ومنها اسم: عين الكرش بدمشق = عين قرش، بفتح القاف)، لكن ما صلة ذلك بالمطلوب? هذه هي المزالق التي حذرت منها، وما أكثر ما تتشابه الجذور الثلاثية ويتشابك المعنى ويقع الالتباس.
ما زال علينا أن نستفتي كتب الأنساب والاشتقاق.. والبحث في اسم قريش لا أظنه أمراً صغيراً، بل فيه مساحة جيدة من البحث، ثم إن من شأن ذلك أن يبيّن لنا معطيات تاريخية جديدة ذات قيمة.
هذه مجرد ملحوظة سريعة، وللكلام صلة.
تحياتي للجميع وللأخ الأستاذ الكريم عبد الحفيظ.. كلنا طلاب علم، والألقاب ليست الأصل أبداً.

15 - أكتوبر - 2007
يــارا - هذا الاسم الجديد على العربية
رولى، رولة، روالة.. أيها الأصح?!    كن أول من يقيّم

الأخ الدكتور فاروق المحترم:
حسناً تفعل بإثارتك التساؤلات حول الأسماء المحدثة في لغتنا العربية الدارجة. وهذا اليوم اسم "رولة" الشائع بخاصة في ديارنا الشامية.
لي هنا بضعة تعليقات أرجو أن يكون فيها فائدة. أقول: إن مبتداً استخدام "رولة" كاسم علم مؤنث في بلاد الشام كان في مطلع الستينيات من القرن العشرين، ولم نسمع بهذا الاسم من قبل. وتأكيداً على كلامك أقول: نعم، الغالب أن قصيدة الشاعر قيصر المعلوف (عصام ورولة) هي التي أطلقت التسمية.. وإن كان ذلك بشكل محوّر ومقولب، بما يناسب المنطوق السهل للاسم، فهو ليس في الفصيح ولا لهجات العرب كذلك: Rula بل Rwalah (رْوَلَه)، بتسكين الراء الأولى وتفخيمها تفخيماً بالغاً، مع تفخيم اللام كذلك.
أصل التسمية:
لا ريب عندي أنه قولبة من اسم العشيرة العنزية المشهورة من عشائر ضنا مسلم، والذين يعرفون بالجلاس (بتسكين الجيم).. التي لها في بلاد الشام تاريخ حافل ووقعات مشهورة، ومرويات رائعة من الشعر خلدت أخبارها وحوادث شيوخها وعقدائها، مثل: الدريعي بن مشهور، وسطام الشعلان، وخلف الأذن، والنوري بن هزاع الشعلان. وبشهادة الرحالين الأجانب الذين أقاموا في مرابع العشيرة (من الجوف وآبار شقيق وبادية النفود والقريّات إلى وادي السرحان والحماد وبادية تدمر والقريتين بديرة حمص)، نقرأ أن الرّولة كنت من العشائر القحة، التي لا ترتضي لها منازل إلا البادية، وحياتها كانت تقوم أساساً على تربية الإبل بالدرجة الأولى، وتتناوب النجعة غرباً والتشريق شتاءً، فهذه كانت علائم البداوة وفارقها الكبير عن الحضر.
وفي تاريخ الرّولة ووقائعها المهولة ما يدل على أنها كانت الأبعد نجعة والأكبر امتداداً والأشد مراساً بالطعان بين عشائر الشمال في بادية الشام، لا يضارعها في ذلك ويوازيها إلا شمّر الفرات بقيادة آل الجربا (يعرفون بآل محمد). ومن أشد الدلائل على قوة الرّولة أنهم ما فقدوا (عطفتهم) في حرب قط.. والعطفة لمن لا يعرفها مركب كالهودج المنصوب، مزيّن بريش النعام، يعدّ بمثابة شعار العشيرة وعنوان كرامتها.. يستبسل في الدفاع عنه أبطال العشيرة ويموتون دونه بغير تردد. وكان من عادات العرب أنهم متى وقعت (عطفتهم) بيد عدو غاز، فقدوا الحق في اتخاذ عطفة سواها، وانثلم شرف عشيرتهم انثلاماً لا برء له. وكانو عند اشتداد المعارك و(المناخات) يصعدون أجمل بنات العشيرة أو بنت الشيخ إلى العطفة، فتحث فرسان القبيلة للطعان والضراب (تنخيهم، باللفظ الدارج). ومن العشائر القليلة جداً في تاريخ البداوة التي ما فقدت عطفتها قطّ عشيرة الرّولة. وكنتُ أسهبت في البحث بتاريخ هذه العشيرة، نقلاً عن أفواه مشايخها (آل الشعلان)، وأخصّهم الشيخ نواف بن فواز بن نواف بن النوري بن هزّاع.
نأتي الآن إلى التسمية:
فأما قياس الاسم على قول لغويينا القدامى أنه من (الروال) أي اللعاب، أو (المرول) أي الرجل الكثير اللعاب، فهذا افتئات على علم الاشتقاق.. وأحب أن أؤكد على أن "تاج العروس" للمرتضى الزبيدي و"لسان العرب" لابن منظور الأفريقي يمثلان مرحلة متأخرة من عمر لغتنا العربيّة، ولا يمكن الاعتداد بما ذكراه عند اشتقاق الأسماء القديمة، التي تنتمي: إما إلى لغات أخرى (كاليونانية والآرامية والكنعانية) في أسماء البلدان. أو إلى لهجات عربية (شمالية أو جنوبية) لا تنطبق دوماً على منطوق العربية الفصحى وقواعدها الصرفية والبيانية!
فمثلاً: اسم (الرّوَلة) لا يمكن أبداً استنباط اشتقاقه من قواميس العربيّة المعتادة.. فأولاً: نلاحظ أن مبناه يتبع لهجة بدوية مغايرة: فالأسماء المبنية على وزن (فعلة) بفتح الفاء وتسكين العين وفتح اللام، ترد في لهجة بدو الشمال بتسكين الفاء وفتح الفاء وفتح اللام. مثال ذلك: سَخلة = سْخَلة، نَملة = نْمَلة. ومن أسماء العشائر العراقية التي تتبع المبنى ذاته: الدّوَلة (بتسكين الدال وفتح الواو). هذه لهجة محلية ولا تنطبق على الفصيح، وما أشبهها ببعض مباني الكلمات المضارعة في اللغات الساميّة الغربية، مثال: النملة في العبريّة: נמלה نمالاه (بتسكين النون).
استفتينا أبناء العشيرة أنفسهم (الرّولة)، فقالوا لنا إن الاسم أتى من عبارة: تراوَل القوم، أي أسرعوا في المسير. ولكن ما زال التفسير غير مقنع. ومن تعابير بعض مجتمعات الخليج اليوم: الرّولة (بضم الراء وتسكين الواو)، التي تدل على الحلبة، إنما نظنها محدثة نحتوها من عبارة roller.
فليت شعري، ما الصحيح إذاً? دوماً أميل إلى ضرورة البحث في المصادر القديمة جداً ما قبل عصر الإسلام.. وأرجّح أن نرى للاسم أثراً في لهجات العربية الدواثر (وعددها 43 لهجة)، من اليمن جنوباً إلى وادي الشام والصّفا شمالاً بأكناف بادية الشام. آتي بمثال: قصر (خربة البيضا) الواقع بين الحماد والصفا، بأحواز وادي الشام، شمالي النمارة وبير الرصيعي، حار العلماء في أصله وقالوا إنه من قصور آل جفنة أمراء غسّان، وذهب البعض إلى أنه من آثار الرومان (وبناؤه محكم وجميل بحجارة بيضاء مقصوبة)، وادّعى آخرون أنه من آثار الوليد بن عبد الملك بن مروان. ففوجئت بأني أكتشف له ذكراً في بعض نقوش اللغة الصفأية القديمة بخربة الصفا باسم واضح وجديد ومغاير للغاية: (قصر نقعة).. ومن الرائع أن نعلم أن من المواقع الأثرية القريبة منه: منقع الرحبة، الذي يضارعه في التسمية. هذا مثال، والاسم لا أثر له في أي نص تاريخي مكتوب.
فهكذا اسم عشيرة الرّولة، أظنه مشتقاً من اسم أجداد العشيرة، أو إحدى صفاتها، ثم دال أصله مع الأيام واختفى مصدر اشتقاقه.. ولا أتوقع أبداً أن نعثر له على أصل جازم في مصادرنا التاريخية.. إلا باستفتاء لهجات العربية القديمة، ونقوشها الكثيرة التي ما برحت إلى اليوم نهباً للضياع والتخريب، أو جهلنا بها - نحن أصحابها- في أحسن الأحوال. 
أخيراً.. حول اسم (عليا) الوارد في قصيدة المعلوف، ننبّه إلى أنه دلالة على صيحة (نخوة) الرّولة، وهو: (راعي العليا رويلي).
وقصارى القول: إن دلالة اسم (رولة - رولى) الحالي على اسم هذه العشيرة الكبيرة والعريقة، لهو كاف بحدّ ذاته على طيب معناه، وإن كان أصل اشتقاقه ما يزال غامضاً.
عذراً على الإطالة، ولكم أطيب تحية.
د. أحمد إيبش

18 - أكتوبر - 2007
رلـــى - في صحبـــة اسمــها ....
معاجمنا العربية وعلم اشتقاق الأسماء    كن أول من يقيّم

حضرة الأخ الدكتور فاروق المحترم:
تحية طيبة، واحتراماً، وبعد:
أرجو ألا تأخذ كلامي على محمل المجادلة، أبداً، ولو لم أر كتاباتكم متميزة لما هممت بالتعليق عليها أصلاً. الواقع أنني لما رحت أحاول إنكار اشتقاق اسم (الرّولة) من المعجم، فإنما أردّ بذلك على قول المرحوم أحمد وصفي زكريا (رغم أنه كان صديق أبي)، ولست أنقض كلامكم أخي الكريم. هذه المسألة جرى نقاشها بكثير من الإسهاب في مضافة الشيخ نوّاف الشعلان، والرولة يردّون كلام زكريا. هذا علماً أن الرجل كان باحثاً فاضلاً، وكتابه عن عشائر الشام هو الأول من نوعه، وإن كنت سمعت حول صحة ما يرد في كتابه نقداً مستفيضاً من أعيان أكثر من عشيرة في ديارنا الشامية.
قولكم إن في فلسطين نساء سُمّين "رُلى" في الخمسينيات جديد علي، ولدينا بدمشق لم نسمع بالاسم أبداً إلا في مطلع الستينيات (ومثله اسم رشا). فهذه معلومة مفيدة.
 
إنما نأتي إلى لبّ الموضوع، والذي هو كما أكرّر ليس شخصياً، ولست أناقض أحداً:
يتردّد دوماً لدينا في الأوساط العلمية والثقافية اللجوء التلقائي إلى معاجم العربية حصرياً عند التصدّي لقضيّة اشتقاق الأسماء: سواء كانت أسماء بلدان أو مواضع أو أعلام قديمة. هذا لا يجوز، ولا يفي بالمطلوب، صحيح أن العربيّة كانت وما تزال اللغة الأصل الأم والوحيدة في (جزيرة العرب)، ومنها تفرّعت كما قلنا 43 لهجة قديمة. ولكنها وإن توسّدت سدّة الصدارة بين اللغات المصطلح على تسميتها (ساميّة) بحسب تصنيف شلوتسر Schloetzer، فهذا لا يعني بالضرورة أنها كانت اللغة الوحيدة في الشرق، وأن الكل كان ناقلاً عنها..
فأين تذهب إذاً بقية اللغات الساميّة القديمة: الأمورية، الكنعانية (وفرعها الفينيقي)، والآرامية، ووليدتها السريانية (بلهجتيها الشرقية والغربية) والنبطيّة? لا مشاحّة أن البحث في علاقة هذه اللغات بعربيّتنا (الفصحى والمحكيّة) يقدم أبعاداً وغنى ومادة ثرّة للمقارنة والتحليل والشرح، تتضاءل كثيراً فيما لو اقتصرنا على العربية عند التصدّي لمبحث اشتقاق الأسماء. هذا ناهيك عن بعض اللغات الأخرى (الأوروبية) التي عاشت على أديم مشرقنا قرابة الألف عام (333 ق.م - 635 م)، وتركت به كتابات وتأثيرات لغوية (حتى في القرآن الكريم).. أعني بها: اللاتينية واليونانية.
ومن نافل القول أن أسماء البلدان في بلاد الشام أكثرها كنعاني (مثل: فلسطين، لبنان، صور، صيدا، بيروت، دمشق)، أو آرامي (مثل: كفر سوسية، كفر بطنا، داريّا، رشميّا، قزحيّا)، أو يوناني (مثل: سورية، لاذقيّة، إسكندريّة، طرطوس، بانياس)، أو لاتيني روماني (مثل: قيصريّة، حمص، بترا، طبريّة).
كان أستاذي الكبير علامة اللغات الساميّة المرحوم أنيس فريحة وضع كتاباً مهماً وشيقاً حول اشتقاق أسماء (المدن والقرى اللبنانية)، جال فيه على هذه اللغات كلها وأبدع.. ففوجئنا بعد عقود من نشر الكتاب ببحث لكاتب هو: فرج الله صالح ديب، عقده بعنوان: (اليمن هي الأصل: الجذور العربية للأسماء).. أنكر فيه على فريحة كل ما أتى به، ونسف بضربة قلم واحدة كل أثر لغوي إلا للعربية وحدها، فراح يشتق أسماء مدن لبنان وقراه من العربية فقط!!! ما هكذا يا "فرج الله" تورد الإبل.. حبّ العربيّة شيء، والبحث عن الحقيقة المجرّدة مطلب آخر.
على ذلك، أجدد اعتذاري حضرة الأخ الكريم، لست في موضع الهجوم، بل إنني باحث في الفيلولوجيا والإتيمولوجيا والطوبونوميا، أحببت أن أنبّه إلى نقاط قد تكون مفيدة، لا أكثر ولا أقل.
أما حول اشتقاق الاسمين (قريش، وروَلة) فبعد لم أرجع إلى الشام، ومكتبتي هناك.. وكل ما أكتبه الآن من الذاكرة في مقهى إنترنت. ولي عودة إليهما إن أحببتَ ورغبتَ، وإلا فإني أقنع من الغنيمة بالإياب.. وأعود للاعتذار.
وأخيراً: أنا طبعاً لم أقل إن ثمة اسماً لا معنى له (أسماء الجدود).. مثل هذا الكلام لا يقوله "فيلولوجيست" مثلي.. بل عنيت: إن تسمية القبائل لا تأتي لاحقاً.. بل دوماً تكون الأسماء تلقائية وقديمة قدم مسمّياتها.. وبالطبع لها معنى.. لكن السؤال: أمن العربية الفصحى بهجة تميم? أم من النبطيّة? أم الآراميّة، أو الصفأية، الثموديّة، اللحيانيّة، القتبانيّة، الحميريّة، السينائيّة، اليمنيّة الجنوبيّة، السبئيّة?? كل هذه الاحتمالات واردة في الأسماء القديمة.. ومنها كما قلت اسم "حائل". 
لك مني أطيب تحيّة أيها الأخ الحبيب، وأنتظر جوابك الكريم.
أحمد

19 - أكتوبر - 2007
رلـــى - في صحبـــة اسمــها ....
ألفاظ يونانية ولاتينية في القرآن الكريم?    كن أول من يقيّم

نعم، بالضبط.. وهذا يدخل في مبحث: غريب لغة القرآن الكريم.
وأما الخوض في هذه المسألة فيتطلب مني أن أفتح موضوعاً جديداً في مجالس الورّاق بعنوان:
غريب لغة القرآن.. الألفاظ غير العربيّة في متن الكتاب العزيز.. دلالات وأبعاد جديدة.
هذا الموضوع كنت ألقيت حوله محاضرة في ندوة علمية دولية أقيمت بدمشق في شهر آب (أغسطس) الماضي، حول: "القراءة الغربيّة للقرآن الكريم - الاستشراق".
وفيه مكتشفات جديدة ونظرية جريئة حول الترميزات الفيلولوجية والسيمولوجية لهذه الألفاظ.
أرجو أن يتاح لي الوقت لذلك قريباً.
أحمد

19 - أكتوبر - 2007
رلـــى - في صحبـــة اسمــها ....
أسماء الأماكن في فلسطين    كن أول من يقيّم

حضرة الأخ الدكتور فاروق المحترم:
لا تتخيل أخي الكريم وأستاذي الجليل مدى سعادتي اليوم إذ قرأت كلماتكم الطيبة هذه، فإنني والحق خشيت كثيراً أن أكون أسأت العبارة أو ألححت في النقد، ولكن ردكم الكريم كان فيه الراحة لصدري، وبه زال حمل كبير عن كاهلي.. فأنا أؤكد أنني ما قصدت إلا تقديم بعض الفائدة، ليس إلا.. وفي شغفكم بالحوار وغرامكم بالمادة العلمية ما يشجع على التداول في آرائكم ومواضيعكم الشيقة والهامة.
وكم قد شاقتني قراءة مادتكم المرفقة عن أسماء الأماكن في فلسطين الحبيبة.. الأمر الذي لم أخض فيه أبداً في الواقع، رغم أنني مهتم بكل ما له صلة بأبحاث الطبوغرافيا التاريخية في بلاد الشام عموماً.. والسؤال الذي يبتدرني هنا: ألم تصدر دراسات وافية يا ترى حول اشتقاق أسماء البلدان الفلسطينية؟ ليس عندي أدنى فكرة، ولكنني أرجح وجود مثل ذلك. وسبب عدم اقترابي من هذا المبحث أمران: أولهما أن في فلسطين عمالقة من الباحثين والمثقفين، لا يجدر ولا يستقيم أبداً مزاحمتهم في شؤون تاريخ ديارهم.. وهنا أذكر بكل الإجلال أستاذي الكبير الدكتور إحسان عباس (رحمه الله) ، الذي أحمل لذكراه كل تقدير، ولا يمكن أن أنسى ما له علي من كبير تجلة وفضل.
الأمر الثاني، هو استحالة معاينة أرض فلسطين على أرض الواقع لغير القاطنين بها. ومن نعم الله علي أنني قد رأيت القدس الشريف بأمّ العين، ولكن ذلك كان في ربيع عام 1967 ولم يكن لي من العمر سوى أربع سنوات. على ذلك فلا سبيل - مع الأسف - إلى المحاولة بالإسهام في أبحاث من هذا النوع.. غير أنني أتمنى أن يكون هناك حقاً من وفى الموضوع حقه من أبناء فلسطين، وأكاد أجزم بوجود مثل ذلك.
أخيراً، أعد أنني في أقرب وقت سوف أقدّم على صفحات الورّاق بحثي حول اشتقاق اسم دمشق، وأرجو أن ينال استحسان السادة سراة الورّاق، ويتم إثراؤه بآرائهم وإضافاتهم الثمينة.
ومزيد التحية والامتنان لكم يا دكتور فاروق.

22 - أكتوبر - 2007
رلـــى - في صحبـــة اسمــها ....
أسماء البلدان الفلسطينية    كن أول من يقيّم

حضرة الأخ الدكتور فاروق المحترم:
ولكم أيضاً مزيد التقدير والاحترام..
وثمّة متعة ونكهة خاصة كل يوم في انتظار موادكم وتعليقاتكم.
بصراحة، هي مفاجأة لي.. أنا كنت قرأت كتاب الأستاذ الدبّاغ عن بلدانيات فلسطين المحتلة، وطبعاً ليس به ما يروي الظمأ حول مبحث اشتقاق الأسماء. أما د. إحسان عبّاس فلم يكن ذلك بالطبع من مجال اهتمامه، إنما أتيت بذكره للدلالة على مدى قيمة علماء فلسطين في الساحة الثقافية العربية، وهذا أمر لا ينكره أحد.
على ذلك أرى أن هنا ثمّة فراغاً لا بدّ من سدّه، وهو بصراحة مغر للغاية.. ودوماً ألمح في أسماء مدن وقرى فلسطين صيغاً شديدة التجذر باللغتين الكنعانية والآرامية (والسريانية الشرقية)، فلا ريب أن البحث في هذا المطلب بحث شيق جداً وليس بالعسير أبداً. بصراحة أقول أيها الأستاذ الأديب: هذا موضوع بالغ الأهمية والتشويق.
سوف أقوم خلال بضعة أيام بنشر بحثي عن اسم مدينة دمشق، ويكون نموذجاً لما يمكن تقديمه حول بحث اشتقاق أسماء البلدان الفلسطينية على النحو ذاته والأسلوب العلمي المتبع عادة في هذه المباحث. فإن آنستُ اهتماماً من سراة الوراق ببحثي المرقوم، فإنني أشرع بعد ذلك بالبحث في طائفة منتقاة من أسماء البلدان في فلسطين، نتداول به الرأي معكم ومع من لديهم مثل هذا الاهتمام من أدبائنا في فلسطين.. ومن يدري؟ لعل ذلك يكون نواة لكتاب واسع؟
ما رأيكم بهذه الفكرة؟
هاكم محاولة بسيطة:
الدّاروم: بالكنعانية معناها: الجنوب.
يافا: الجميل. ودوماً الألف علامة التذكير في الآرامية.
زيتا: الزيتون. آرامية محضة.
جينين: بإهمال الياء الأولى وكسر الجيم: جِنين: الرياض والبساتين بالآرامية.
رام، رامة، رامين: من جذر آرامي - كنعاني مشترك: الذروة، القمة المشرفة.
رمّون: اسم إله وثني آرامي.
العارور: آرامية: مجرى السيل الصخري.
جت: آرامية: معصرة.
معليا: آرامية: المرتفع والمشرف.
أنا والله استهوتني المسألة.. وأنتظر تعليقكم عليها.
ولكم مزيد الشكر والتقدير.
أحمد
 
 

23 - أكتوبر - 2007
رلـــى - في صحبـــة اسمــها ....
 1  2  3