نهر العذاب
الكامل
أبكي و مـا من سـامعٍ لبـكائي أو منـصـتٍ لشكـايتي و عنائي
أو مشفقٍ و الجسـم بــات كأنه مُتَـجَـمـَّـعَ الأرزاء و الأدْواءِ
ماذا وجـدتُ عـدا بديلاً محـرقًا عن مهجتي عن غربتي الـسوداءِ?
منـفىً بأرضٍ أسْتَطـيبُ بعـشقها منـفىً بلا قمـرٍ و لا أضـواءِ!
اعتـدت أن أبقى وحيـدًا باكيًا أو شاكـيًا أو عاشِـقًـا للـداءِ
دائي عظــيمٌ و الـدواء مُحَـرَّمٌ و بلاء سـقمي قد برى أعضائي
يَرْفَضُّ في جسـدي و ينْخُرُ ما بقى من هيـكلي المُتهـالك الأجـزاءِ
و خناجر الشـوق اللعين تمـددت في أضلعي..واسـتعذبت إِدْمـائي
ألمٌ على ألـم الفِــراق و عَـبْرَةٌ تضني الفـؤاد و تسْتَلِذُّ عـنـائي
نارٌ على النـيران توقـد من دمي و تهيج في روحي و في أحشـائي
عـودي لقد أضوى الفـُؤادَ تَغَرُّبي عن أعيـنٍ أنـوارهـنَّ غـذائي
عـودي فأنت صـديقتي و حبيبتي و سراج قـافيتي و روح إبـائي
لو أبصروا الأشواق تنهش في الجوى لَـدَرَوْا بأن المُسْتَـحيل شفـائي
ما الـداءُ إلا أنت يا ألـق الدنـا و الآه أنـت و أنـت خير دواءِ
في سحـرك القَـمَـريِّ إنّي ذائبٌ و مُتَيَّـمٌ بعبـــيرك الوَضّـاءِ
و مُسَـهَّدٌ أنّى ذكرتـك مُتْعـَبٌ مُتـَوَجِّـعٌ مُتَـلـَهِّفٌ للـقـاءِ
روحي تَرَنَّـحُ في هـواك و لم تزلْ في القلب تهصر مـهجتي أدوائي
لو طَبَّبـوا قلـبي بـذكرِ حبـيبتي ما ازدادتِ الأوجـاعُ غير نَمـاءِ
ما للصبـابـة مـن دواءٍ نافـعٍ إلا المنيَّـة و هي خـيرُ رجــاءِ
لو كـان داءً واحـدًا لقـهـرته لكـن حُبَّـكِ معـقـلُ الأدواءِ
في غربتـين..يُحَـدُّ عمـرٌ ضائعٌ و تـذوب أفئِــدةٌ بغير لقـاءِ
في غربتين تضيـع أحـلامٌ و تكـ بُرُ قصَّـةُ الأوهـام في أحشـائي
ما في الكنـانة للـفـؤاد حبـيبةٌ تُطْفي لهيب عـواطفي الهـوجاءِ
ما في الكنـانة غير نار صـبابـةٍ و سماء أوجـاعٍ و أرض جفـاءِ
غَنَّتْ علـى وَتَري المـآسي كلها حتى تقـطـَّعَ من أنـين غنـائي
و تراقـصت في مقلتيَّ مواجـعي غرقـانـة في صـبوة الشعـراءِ
لملمت كل مواجعي و هربت من شوقي و آثرت العـذاب لـوائي
فوجدت في أرض الكنانة موعدي مع كـل نـارٍ مَزَّقت أشـلائي
و شـواطِئٍ جَرَّت إليَّ مـواجعي و جـلامـدٍ أشْفَـقْنَ من إعيائي
يا للغريب إذا رمَتْـٌه يَـدُ النّوى تسقيه من كأس الردى السـوداءِ
تنفيه من قلـب الحـبيب لموطنٍ مـا فيه غير تغـرُّبٍ و شـقاءِ
لم أسألِ الكـونَ المُحالَ و إنَّما سـاءلت دمعي أن يرد بكـائي
و يُطَبِّبَ القلب المعَذَّبَ بعدمـا أفنـيت بحثًا عنك كـل دمـائي
أما الكنانـة فهْي جـنة عاشقٍ تسمو على الأوصـافِ و الأسماءِ
لكنهـا نهر العـذاب لمـهـجتي سجنٌ..يُذَكِّـرني الحبـيبَ النّائي
إني أتيتـكِ و الفــؤاد متـيَّمٌ بِيَدٍ تكـون من العيـاء شفـائي
ومددت جسر الود كي أطأ الثرى متبسِّـمًا.. من بعد طـول بكائي
و حملت رسمك بعد رسـم حبيبتي و جعـلت للقـلب الكريم ولائي
أَوَ أستجـير بموطني من غـربتي فتكون نـار المبعَـدين جـزائي?!
يا مصـر إني قد أتيـتك راعفـًا ضمّي فـؤادي.. لملمي أشـلائي
إني قضيت مدى الزمـان مُعَذَّبًا بـين الأسى و مـرارة الغـرباءِ
بحثًا عن القلب الذي منه ارتوت روحي،و سالت من دمـاه دمائي
بين الحـنـين لموطـنٍ لم يـأْوِني و حبيبةٍِ أعْطـت بكـلِّ وفـاءِ
ذاك العـذاب بصبوتي و تَغَـرُّبي فالحـب يبقى مِـلَّةَ الضعـفـاءِ
أتمنى أن تنال إعجابكم |