القصيدة لأبو ذؤيب الهذلي التي رثى فيها نفسه لفقده خمسة من أبنائه
مطلعها
أمن المنون وريبه تـتـوجـع والدهر ليس بمعتب من يجزع
القصيدة عموماً معبرة ومؤثرة جدا والمعاني فيها صادقه وقوية لبراعة الوصف وبلاغة الحكمة والإحساس فيها صادق, ممزوج بحنان الأبوة ولوعة الأسى والفراق .
ولقد حرصت بأن أدافعَ عنهم
فإذا المنية أقبلت لا تُدفع
ولقد: أراد الشاعر أن يؤكد على انه قد عقد النية مسبقا في أمره على الدفاع عنهم.
حرصت: في هذه الحروف الأربعة يتجسد شعور الأب على أبنائه وهو الحرص في جلب محبوبٍ أو دفع مكروهٍ,كأن يحرص على أن يحفظهم القرآن أو أن يحرص على ألا يصاحبوا الأشرار. فهذا شعور متجسد في الأب وهو نبع التصرفات ومبدأ أي سلوك من الأب والأم.
بأن:حرف الباء الخفيف أتى بدلاً من على الطويلة النطق وألحقت بأن مما جعلها توحي بسرعة الحركة وردة الفعل.
أدافع : فهو الفعل المتفجر المتجدد والمتكرر في حدوثه إنه على وزن أفاعل فما ظنكم أن صاحبه فاعل بمن أراد الشر بأبنائه كأنه يقول :يا أعدائي إني لن أدافع عنهم مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا بعدد أبنائي إني سأدافع عنهم حتى يهلك الأعجل منا:.
عنهم: عن فلذات كبده, إن لم يدافع عنهم أبيهم فمن ذا الذي سيستقتل في الدفاع عنهم غيره.
فإذا: إنه الفاء الذي يفيد الجمع والترتيب ولكن للأسف بدون فاصل زمني.
المنية: إنه الموت الذي كل نفسٍ على وجه الأرض ستذوقه.
أقبلت: كأن الشاعر كان يرى الموت قادم من بعيد وهو ماكان حيث أن أبناؤه الخمسة قضوا في سنة واحدة وكان سبب موتهم الطاعون ,فعلا أن المنية مقبلة لمن أصابه الطاعون فكيف تكون وأنت ترى شخصاً قد ضرب عليه الموت حصاراً فلا خروج لك منه ولكنه ينتظر الوقت لكي يهجم هجومه الأخير. إذا المسألة مسألة وقت فقط . فعلا إنه كان يرى المنية قادمة بخيلها ورجلها.
أما لا تدفع: فهي الكاوية الحارقة هي الحسرة والرحمة والحيرة والعطف والأسى والشفقة والحنان مع الخوف ,هي الشعور بأنه ميت قد فاضت روحه ولكنه لم يزل يتنفس أو أنه الشعور بأنه مازال يتنفس إلا أنه في عداد الموتى.إنها كمن يرى أبنه يذبح أمامه والإبن ينظر إليه بنظرة فيها إستغاثة ولكنه لا يستطيع فيموت ثم الإبن الذي بعده ثم الذي بعده فالذي بعده خمس مرات يقتل بها خمس من أبناءه. هو القاتل نفسه والسلاح نفسه وبالطريقة ذاتها وفي العام ذاته. ومع ذلك أنت لاتقدر على فعل شيء.إنه الموت الذي لا يدفعه حتى ملك الموت نفسه.
فالعين بعدهم كأن حداقها
سملت بشوك فهي عور تدمع
فالعين:إنها بوابة الروح ولكنها من غير بواب , العين هي أول وأسرع وأصدق الحواس التي عبرة عن ألمها وحزنها ,إنها العين التي سُبقت بفاء ,فسبقت حتى لسان الشاعر في وصف ماحل به من بلوى . أما عن مدى حزنها فما يترجمه إلا النهر الجاري الذي لم ولن ينضب . فأقل أوصافها أنها تدمع.
بعدهم: بعد فرقاهم.
كأن: هنا يريد تشبيه حالها.بعد فرقة ابناءه . وكان من حقه أن يشبهها أولا فهي التي رأت أبناءه يموتون أمامها.
حداقها سملت بشوك: أعتقد لو سألت الشاعر ماكنت تتمنى وأنت تشاهد أبنائك وهم يموتون أمامك, فسيقول تمنيت أن تسمل عيني بشوكٍ على أن أراهم يموتون أمامي وأنا عاجزعن نجدتهم لاأستطيع دفع مايحصل عليهم كأني مكتف اليدين . ولو قالها لن ألومه أبدا.أما عن إختياره للشوك, فالشوك لا يأتي إلا بالألم .فهو مايحسه من ألم حتى كأن العين تشاركه الألم.
فهي عور تدمع: يشبه الشاعر المخضرم حال عينه بعد فراقهم كأنها جرحت بشوكة فهي من ألم تبكي وتدمع, حتى وإن لم يكن بها ألم فلن يستطيع أن يوقف إنهمار الدموع لأن العين حساسه مرهفه فلو مر بها هواء فيه ذرات من الغبار المتطاير لسال الدمع وإنهمر , هذا لو لم يمر بها إلا ذرة غبار فما بالك بشوك قد سملها وجرحها فكيف يكون حال جريان الدمع.أعتقد أن الأمل في وقوفه وإنقطاعه بعيد.فوق هذا كله لم يكن ماجرى لها من الألم والبكى يكفي بل رغم أنها تتألم وتدمع إلا أنها أصيبت بالعور فهي لم تعد ترى , فإن لم تكن العين تبكي من هول منظر الشوك وهو قادم لها , وإن لم تكن تبكي من الألم , فعلى الأقل تبكي لفقدها رؤية النور . وهو هنا يعبر عن نفسه وعن شدة الضغوط التي يعاني منها.فلأي مصاب يبكيه, أمِن فقد الأول أم لفقد الثاني أم للثالث أم للرابع أم للخامس أم لما رأى من قهر الموت, وعجزه عن رده . لا شك أن مصابه جلل.وهذا هو صدق الشعور بعينه متجسداً في هذا البيت.
|