| نبذة عن الموشح ومكتشفه ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم الموشح: أحد الفنون السبعة التي استحدثها المولدون ونظموا منها، ولا يقال لها شعر وهي ( الدوبيت والسلسلة والقوما والموشح والزجل والكان كان والمواليّا )
واتفقت كلمة شيوخ الأدب على أن مولد هذا الفن في الأندلس وأن مخترعه
مقدم بن معافر القبّري المولود عام 225 هجرية والمتوفى سنة 299
وطوره من بعده تلميذه ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد ثم عبادة القزاز شاعر
المعتصم بن صمادح ..
قال ابن خلدون في المقدمة: (وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتفخرون منهم فناً منه سموه بالموشح، وينظمونه أسماطاً أسماطاً وأغصاناً أغصاناً، يكثرون منها، ومن أعاريضها المختلفة. ويسمون المتعدد منها بيتاً واحداً ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتالياً فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات. ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد. وتجاروا في ذلك إلى الغاية واستظرفه الناس جملة، الخاصة والكافة، لسهولة تناوله، وقرب طريقه. وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم ابن معافر القبريري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني. وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه، صاحب كتاب العقد، ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر، وكسدت موشحاتهما. فكان أول من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية...إلخ).
ويمتاز الموشح بتعدد أشطاره وقوافيه وربما تعددت بحوره أيضاً ، إلا أن جماعة من
المهتمين به تكلفوا ضبط بعض أوزانه ، ومنهم الخفاجي في كتابه " القصيدة العربية "
ص 86 فعد في أوزانه ( مستفعلن فاعلن فعيل )
وهو مخلع ما في ذلك من شك
ومن الأوزان التي اختارها ( فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن )
وهو بحذف التفعيلة الأخيرة رمل
واستشهد لذلك بالبيت : كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى
والصحيح أن الموشح مصطلح فني لا علاقة له بالعروض، وهو يختلف عن
مفهوم الموشح عند الموسيقيين الذي ربما يجري على الكثير من الأوزان الخليلية وربما ينطلق متفلتاً من كل قيودها
وهذا ما جعل ابن سناء الملك يقول : ( ومنه الموزون ومنه غير الموزون وهو الكثير
والجم الغفير والعدد الذي لا ينحصر والشارد الذي لا ينضبط
وليس لها عروض إلا التلحين ولا ضرب إلا الضرب ولا أوتاد إلا الملاوي ولا أسباب إلا الأوتار )
قال فوزي سعد عيسى في كتابه " العروض العربي " ص 98 : ولذلك جعل اللحن لا
العروض المعيار الأساسي في نظم الموشحات وذهب إلى أن أكثر الموشحات لا يوزن بغير ميزان التلحين
وقد راجت هذه الفكرة في أوساط المستشرقين ، فذهب ماسنيون إلى ذلك بقوله : ليس
من وزن للموشح سوى اللحن والموسيقى
واتخذها بعضهم دليلاً على أن الموشحات تستند في أوزانها إلى العروض الأسباني
ومن أقدم الموشحات الباقية موشح " لما بدا يتثنى " وهو مجهول النسب ، مقام نهاوند
وهو على الأغلب مصطلح له عند شيوخ الموسيقى والأدب تعريفات لا علاقة لها
بالعروض ومثال ذلك قصيدة ( ته دلالاً ) لابن الفارض
فقد لحنت بثلاثة أنماط من الألحان مختلفة القالب ، فلحنها عبده الحامولي على نظام
القصيدة العادي أي مرسلة اللحن لا إيقاع لها ، ثم لحنها إمام المنشدين الشيخ علي
محمود على طريقة الابتهالات الدينية ، وأخيراً لحنها الفنان الراحل الشيخ فؤاد محفوظ على قالب الموشح = التذوق الموسيقي ص 104 =
وقد أريد بالموشح كما يقول صاحب كتاب التذوق الموسيقي إخضاع الشعر للنغم لا كما كان يفعل الشرقيون من إخضاع النغم للشعر ، وقد بدأت هذه المشكلة منذ عهد أفلاطون الذي كان يرى أن الموسيقى هي التي تنجب الشعر ، وهي النظرية التي اعتنقها سيد درويش الذي شارك في صياغة كلمات نشيد مصر الوطني مع الأديب الراحل مجد الدين حفني ناصف ومؤلفه محمد يونس القاضي ، وكانت لجنة إعداد النشيد قد ارتأت أن تكون فاتحة النشيد مطلع خطبة مصطفى كامل المشهورة
( بلادي بلادي ، لك حبي وفؤادي )
ولما قيل لسيد درويش إن فقرة بلادي بلادي لا تعادل وزن " لك حبي وفؤادي " قال:
سأعالجها بالوزن فجاء الوزن سليما من جهة عدد الموازير = الكلمات الموسيقية =
وقد أتينا في كتابنا (موسوعة البحور) على ذكر الخلاف القائم بين أصحاب الغناء وعلماء العروض ، فمن ذلك ما ذكره الأصفهاني في أخبار أبي النضير = عمر بن عبد الملك البصري الجمحي بالولاء = قال : ( كان أبو النضير يزعم أن الغناء على تقطيع العروض ويقول : هكذا كان الذين مضوا يقولون . وكان مستهزئاً بالغناء حتى تعاطى أن يغني ، وكان إبراهيم الموصلي يخالفه في ذلك ويقول : العروض مستحدث والغناء قبله بزمان )
قال : وكان عبد الله بن هارون العروضي يقول أوزاناً من العروض غريبة في شعره
وهو من موالي قريش من أهل البصرة أخذ العروض عن الخليل بن أحمد فكان مقدماً فيه ، ثم أخذ ذلك عنه ونحا نحوه رزين العروضي فأتى فيه ببدائع جمة وجعل أكثر شعره من هذا الجنس
فمن ذلك قصيدته في مدح الحسن بن سهل التي مطلعها
قربوا جمالهم للرحيل # غدوة أحبتك الأقربون
ومن ذلك ما قاله أبو العتاهية عندما خرج عن قواعد العروض في قصيدته التي يقول
فيها
للمنون دائرا # تٌ يدرن صرفها
ثم ينتقيننا # واحداً فواحدا
فقيل له : هذا ليس من أوزان العروض ? قال : أنا أكبر من العروض
وكذلك لمّا قال مسلم بن الوليد أبياته التي منها
يا أيها المعمود # قد شفك الصدود
قيل له : هذا ليس بين أوزاننا ? = انظر الخفاجي القصيدة العربية ص 27 =
وأرى من المناسب هنا أن نختم الحديث عن الموشح ببيان الفرق بينه وبين الدور والطقطوقة
قال عدنان بن ذريل في كتابه " الموسيقى في سورية ص 271 " : ( حدثني المنشد سعيد فرحات قال : إننا في سورية لا نعرف الأدوار لأن الدور بالأحرى بضاعة مصرية أو اختراع مصري ، في حين نحن في سورية خدمنا القصائد والموشحات فقد لحن عمر البطش وحده 140 موشحاً
قال : والدور اليوم في مصر نفسها بحكم المنقرض تماماً ولا أحد يلحن فيه )
وهو ملك الفاصل الغنائي التقليدي كما قال عبد الحميد زكي ومعناه عود الشيء حيث
كان ، حيث يلتزم فيه الملحن بضرورة العودة إلى اللحن الأساسي بعد جولة غنائية يتم
بعدها الاستقرار على المقام الرئيسي أو أحد فروعه
وقد بني أصلاً ليكون تطويراً للموشح ، إذ يبدأ الدور بلحن أساس ثم يتكرر اللحن هذا
في مقطع ثان فيطور اللحن إلى أن تبدأ الآهات التي تدفع بالتطوير إلى ذروة الدور حين يظهر ما يذكر باللحن الأول من جديد
وهو من حيث كلماته نوع من الزجل ينظم متحرراً من فصاحة اللغة والأوزان
العروضية الشائعة ، ويسمى الجزء الأول منه بالمطلع وهو بمثابة المذهب في الطقطوقة
وكان الشيخ محمد عبد الرحيم الشهير بالمسلوب أول وأهم ملحني الأدوار في حقبة
العهد الذهبي للدور ، وساعده على ذلك أنه عاش مائة وخمسة وثلاثين عاماً أعطى
خلالها الموسيقى المصرية ما يقارب المائة دور وتوفي عام 1928
أما محمد عبد الوهاب فلم يضع في حياته سوى خمسة أدوار منها ( القلب يا ما انتظر )
ولم يغن إلا موشحاً واحداً سنة 1927 وهو ( يا حبيبي أنت كل المراد )
= انظر كتاب السبعة الكبار تأليف فكتور سحّاب ص 164 =
وأما الطقطوقة أو الأهزوجة : فهي نمط من الغناء البسيط الذي لا يعنى تمام العناية
بتلحينها تلحيناً فنياً دقيقاً ، ومن هنا كان العرب يقولون إن فلاناً لا يجيد إلا الأهازيج
وغالباً ما تكون لغتها هي لغة الشعب الدارجة ، فهي من الزجل لا الشعر الفصيح ،
وكانت في الأصل من أغاني النساء خاصة ، ولكنها أصبحت مما ينشده الرجال أيضاً
وتتألف الطقطوقة من مقطعين هما المذهب والأغصان ، فتبدأ المجموعة بغناء المذهب
ثم ينفرد المطرب بغناء أحد الأغصان ثم تعود المجموعة لترديد المذهب
ومن أمثلتها ( زروني كل سنة مرة ) " شعر : محمد يونس القاضي وألحان سيد
درويش "
وطقطوقة ( الحنة ) بلحنها القديم ولعلها أقدم طقطوقة وصلتنا منذ أكثر من ألف عام وقد ألفت بمناسبة زفاف قطر الندى بنت خماروية إلى المعتضد العباسي وهي :
( الحنة يالحنة يا قطر الندى )
وممن غناها السيدة فاطمة شاكر المشهورة باسم شادية
ومن الطقاطيق الوطنية طقطوقة ( يا بلح زغلولي ) التي لحنها سيد درويش وغنتها
منيرة المهدية إثر نفي سعد زغلول
إلا أن أشهر الطقاطيق التي سمت إلى مستوى القالب المصري " الدور " نظماً ولحناً
وأداءً هي طقطوقة ( ليه يا بنفسج ) تأليف محمود بيرم التونسي ، ألحان السنباطي
= انظر كتاب التذوق الأدبي لعبد الحميد توفيق زكي ص 117 =
وقد جمع الأستاذ أحمد شفيق أبو عوف الكثير من الأدوار والطقاطيق في كتابه
" التراث الموسيقي والغناء العربي "
وكذا الأستاذ مجدي العقيلي في كتابه " السماع عند العرب "
والأستاذ نديم الدرويش في كتابه " من كنوزنا " في الموشحات والسماعيات
| *زهير | 12 - أبريل - 2005 |