عنترة العبسي ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
فخر عنترة عنترة لم يفخرْ للفخر وحدَه ، وإنما ساقه لغرض آخَرَ نُدركه إذا أحَطنا بنشأته وحياته ، وقد نشأ، كما نعلم ، عبداً يرعى إبل أبيه ، ويُعَيّره قومُه بسَواد لونِه وضَعَةِ أصله من ناحية أمه ، ثم عشِقَ ابنةَ عمه عبلة ، وشبّ فارساً يذود عن قومه بسيفه وشعره حتى غدا سيّداً حُرّاً ، فإذا تمدَّحَ بكرمه وافتخر بشجاعته ، وصوّرَ مواقفَ بطولتِه ، فإنما يفعل هذا لِيَسترضيَ عبلة ، ويَفتِنَها بصورة بطولته بعد أن عَجَزَ عن فِتنتها بلونه وكرَمِ أصلِه ، وهويفتخر ؛ لأنه يُريد أن يُنفِّسَ عن صدره ، ويَمْحُوَ لونَه وضَعَةَ أصلِهِ ، ويظهرَ للناس فرسَ عبْسٍ وحاميتها . وإذا التمسنا مظاهر هذا الأمر في شعره وجدناه يُخاطب عبلةَ حيناً بعد حين ، فهو يخاطبها بصيغةٍ طلبيّة في قوله : أثني عليَّ بما عَلِمْتِ فإنني *** سَمْحٌ مُخالقتي إذا لم أُظلَمِ ويسألها أن تمدحَه بِما علِمتْ من صفاته ، ويَحُضُّها ثانيةً على السُّؤال بصيغة الماضي الذي هو بمنزلة الأمر ، ويُناديها في قوله : هلّا سألْتِ القومَ ياابنةَ مالكٍ *** إنْ كنتِ جاهلةً بِما لم تعلمي ولعلّنا إذا تعمّقنا قوله : ولقد شفى نفسي وأبرأَ سُقْمَها *** قِيلُ الفوارسِ وَيْكَ عنترَ أقدِمِ تَبَيّنَ لنا صِحّةُ ما قلناه في كلامنا عن فخره ، فهو مريضُ النفس ، بادي السّقم ؛ لِما عانى في نشأته من ظلم وامتهان، ولا يشفي نفسَه إلا أنْ يُنادي القومُ باسمه ، ويَلتَفَّ الفرسانُ حولَه ويُعوِّلوا عليه في الذّودِ عنهم ، ففخرُهُ صورةٌ لأزمة نفسيّة ترتكز على الصّراع الذي قام بين سواد لونه وضَعَةِ أصلِهِ من جهة ، وحُبِّهِ لِعبلةَ وتَوْقِهِ إلى التّحرُّر من جهة أخرى ، ومن هنا نُدرِك سِرَّ إقدامه في الحرب ومُخاطرته بنفسه في الوقائع ، وغُلُوَّه في وصْف المعارك ، فهو يخاطربنفسه ؛ لأنه متألّم ؛ ولأنه يريد أن يكسب المَجْدَ عن طريق الحرب. ولا ريب في أنّ حبّه لِعَبْلةَ بعثه على قول الشّعر ، وقوّاه في مواقف الحرب ، وجَعَلَهُ يُحقّقُ ذاتَهُ بِتحرير نفْسِه . وهو القائل : ولقد ذكرتُكِ والرّماحُ نواهِلٌ *** منّي وبِيضُ الهندِ تقطر من دمي فَوَدِدْتُ تقبيلَ السُّيوفِ لأنّها *** لَمَعَتْ كبارِقِ ثَغْرِكِ المُتَبَسِّمِ فهو شاعر الحرب والحُب ، وإذا كان حُبُّهُ لم يُرَوِّ نفْسَهُ ، فإنّ الحربَ رَوَّتْها ، ورَفَعتْ اسمَهُ ، وأقرَّتْ شجاعتَهُ في النّفوس ، وحرّرتْهُ من العبوديّة ، وجعلَتْهُ المَثَلَ الأعلى للفارس البطل. المراجع 1- أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام ، بطرس البستاني. 2- الأغاني ، طبعة دار الكتب ، 8/237. 3- بعث الشعر الجاهلي ، محمد مهدي البصير . 4- تأريخ الأدب العربي ، بروكلمان ، 1/90. 5- تأريخ آداب اللغة العربية ، زيدان ، م . الهلال 1911، 1/117. 6- تأريخ الأدب العربي ، أحمد حسن الزّيّات، ط 6 ص57. 7- جمهرة أشعار العرب ، القرشي ، ص149. 8- حديث الأربعاء ، طه حسين ، ج1ص141. 9- خزانة الأدب ، البغدادي ، 1/62، 2/217. 10- رجال المعلقات العشر ، الغلاييني ، ص212. 11- شرح شواهد المغني ، السّيوطي ، 1/481. 12- شرح القصائد السّبع الطّوال الجاهليات ، ابن الأنباري. 13- شرح القصائد العشر ، التّبريزي. 14- شرح المعلّقات السّبع ، الزَّوزني. 15- الشعر والشعراء ، ابن قُتَيْبَة ، 1/250. 16- شعراء النّصرانيّة ، الأب شيخو ، 2/794. 17- العِقد الفريد ، ابن عبد ربِّهِ ، 1/34. 18- عنترة ، الرّوائع ، العدد 27، فؤاد أفرام البستاني. 19- الفروسيّة للحمودي ، ص 275. 20- المفَصَّل في تأريخ الأدب العربي ، أحمد أمين ورفاقه ، ج 1ص67. |