بسم الله الرحمن الرحيم ( إضاءة ) - لا مماراة : لا مشاراة - 1- الحمد لله الذي ما جعل علينا في الدين من حرج . والصلاة والسلام على نبيِّه المبعوث بالحنيفية السمحة ، والذي تركنا على المحجَّة البيضاء . وعلى أصحابه المبشرين ، الداعين إلى الله على بصيرةٍ ، أما بعد : 2- فإن مما ينبغي لكل مُسْلِمٍ ومُسْلِمَةٍ معرفتَه وعلمَه ؛ معرفةً نيِّرةً بأدلَّةِ السمع ، وعلمًا مُطْمَئِنًّا بشواهد النظر ؛= هو الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته إيمانًا صادقًا عن طبيعة الفطرة . 3- ولذا ؛ كان من المستحَبِّ كتابةُ هذه الكلمة تقديرًا لأهمية الموضوع الداعيةِ إلى الكلام عنه ، والداعيةِ أيضًا : إلى عدم الإكثار من هذا الكلام = إيلاءً لما يجب لهذا الموضوع من وقارٍ واحترامٍ، فمن شأن الكلام الكثير : أن يكون مَغْلَطةً للفهم ، مَقْطَعةً للْوُدِّ . 4- قال الله تعالى في سورة الشورى : (( ليس كمثله شَيْءٌ وهو السميع البصير )) ، هذه الآية الكريمة تبيانٌ وفرقانٌ في حقيقة الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته ، فقد أثبت الله تعالى في هذه الآية الكريمة اسمين من أسمائه الحسنى ؛ هما اسمي : (السميع) و(البصير) ، المتضمِّنان لصفتي : (السمع) و(البصر) ، ونفى - عزَّ وجلَّ - في الآية ذاتها : مشابهةَ أيِّ شيْءٍ لله . وعلى هذا القياس في ضوء الآية الكريمة : ينبغي أن يفهم المسلم والمسلمة كُلَّ ما يَمُرُّ بهما من آيات الصفات وأحاديثها ؛ بإثباتها لله تعالى ، لائقةً بجلاله، مفهومةً على الظاهر من معناها اللغويِّ، موكولةً إلى الله حقائقُها المنطوية التي حجبها عنا ، وقصر معرفتنا دونها . 5- وهذا التسليم والانقياد بكل ما فيه من رِضًا واطمِئْنانٍ ، ومن راحةٍ وأمانٍ = هو الغاية التي لا مناص عن الصيرورة إليها بعد الاجتهاد والإجهاد في أيِّ مطافٍ . إن هذا التسليم والرضا لَهُو مبدأٌ جميلٌ من يُسْرِ الإسلام وسماحته ، ولقد جاء في الأثر النبويِّ : ((إن هذا الدينَ يُسْرٌ، ولن يُشَادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدُوا وقاربوا وأبشروا))، أما أن يُكَلِّفَ الإنسانُ نفسَه ما لم يُكَلِّفْه الله به ، ولم يجعله في طوق مقدرته - مثلثة الدال - ؛= فهذا عنتٌ وتضييقٌ ، وقد نهى الله الإنسان عن ذلك-فقال تعالى في سورة الإسراء : (( ولا تقف ما ليس لك به عِلْمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً )) . إن هذا المبدأ الجميل لهو مشرعٌ عَذْبٌ صافٍ لكُلِّ من أراد لفطرته القويمة أن ترتوي منه ارتواءً لا عُطاش معه ، ومن الخير أن يظلَّ هذا المشرع الصافي بعيدًا عن كدورة التعقيد ، وملوحة التأويل . 6- قد يكون في سياق آيةٍ أو حديثٍ ما يقتضي أن يُصْرَف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز صرفًا واجبًا ؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم أنت عضدي ونصيري ، بك أصاول وبك أحاول وبك أقاتل )) ، فلفظة عضدي مصروفةٌ إلى المجاز صرفًا واجبًا بدلالة السياق الواضحة التي لا تأويل فيها . أما ما عدا ذلك من الآي والأحاديث ؛ فلا حجة ناهضة للمتأوِّل فيها إلا أن يَعْتَسِفَ ويتمحَّل ، ووراءك - بنعمة الله - أوسع . 7- إن المتدبِّرَ في التاريخ حَقَّ التدبُّر: ليعلم عِلْمًا ليس بالظن، وليوقن يقينًا لا يساوره الشك؛= أن أمة الإسلام لم تَضْعُفْ بِشَيْءٍ مثلما ضعفت بالرؤوس الناتئة من الفتن الناجمة في العقيدة . [ فَتَصَدَّعَتْ مِن يَوْمِ ذَاكَ عَصَاهُمُ و - شُقَقًا ، وَأَصْبَحَ سَيْفُهُم مَّفْلُولا ] 8- ومن نصح لنفسه ، وأشفق عليها ، والتفت إلى قلبه فعمره بالتقوى ، وإلى جوارحه فحجزها عن الرِّيَب والشُّبَه ، وإلى لسانه فعقله عن قالة السوء والخوض فيما لا يعنيه ، وإلى ماله فثمَّره بالعمل الحلال وطهَّره بالزكاة ؛= كان سعيدًا مغتبطًا بهذه القناعة من اليسر والسماحة والبشاشة في الإسلام . [ بُنَيَّ ! ؛ إِنَّ الْبِرَّ شَيْءٌ هَيِّنُ : - اَلْمَنْطِقُ اللَّيِّنُ ، وَالطُّعَيِّمُ ] 9- بقي تطريفٌ أخيرٌ لهذه الكلمة : إن من سعة رحمة الله ، ومن يسر الإسلام وسماحته ؛= أَنْ مَنَحَ المخطئ في اجتهاده لإصابة الحق في أمرٍ من أمور الدين : أجرًا واحدًا ، تقديرًا لنَبَالة قَصْدِه وسناءِ مطلوبه ، ومنح المصيب : أجرين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . نعم لا يُوَافَق المخطئ ، بل قد يُقَاتل الباغي ، ولكن البغي هنا ليس بالوصف المذموم - كما يُعْلَم من مطالعة كتب الفقه ؛= نَظَرًا لكونه مُتَأوِّلاً . [ أَقُولُ لِلنَّفْسِ تَأْسَاءً وَتَعْزِيَةً : - إِحْدَى يَدَيَّ أَصَابَتْنِي ، وَلَمْ تُرِدِ ! ] 10- ولذلك ؛ فإن المسلم والمسلمة لا يذكران سلف الأمة إلا بكُلِّ خيرٍ ، سواءٌ مخطئهم ومصيبهم ، ويعمُّون الجميعَ بالترحُّم والاستغفار والترضِّي . وهما في ذلك يمتثلان قول الله عز وجل في سورة الحشر : (( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ )) . [ تَمَّتْ ] |