مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : ليوناردو دافينشى ..حكايات وأساطير    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :

 عبدالرؤوف النويهى 
20 - نوفمبر - 2010
ليوناردو دافينشى ..عصيٌّ على النسيان ،تتصدر لوحته الخالدة الموناليزا قاعة كبيرة من قاعات متحف اللوفر بباريس ..يشاهدها الملايين ..ولكن لى حديث يطول عن أحد مواهبه الخفية .

 1  2  3 

*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
أول الكلام    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 

من اهتماماتى فى سنوات التكوين ،الإطلاع على تاريخ الفن من نحت وعمارة تصوير وفنون تشكيلية .
كنت أحرص على زيارة المتاحف وأجمع نماذج من اللوحات العالمية والمصرية ،وكان دافنشى من الفنانين العظام الذين فتنت بهم وبأعمالهم .
عرفتُ ليوناردو دافنشى ..رساماً ذائع الصيت ولوحاته "الموناليزا ،العشاء الأخير ،ليدا والبجعة ....إلخ
ولدىّ موسوعة تارخ الفن الذى أصدرها الدكتور ثروث عكاشة ...وكتالوجات لكبار الفنانين عبر العصور ،ودراسات عن أعمالهم للنقاد العرب أو الأجانب مترجمة إلى العربية.

لكن الجديد ..فى هذا الفنان العظيم.. قدرته الفائقة فى القص واختراع الأساطير وسرد الحكايات .


فعلاً ..لم أكن مصدقاً وجود هذا النبوغ فى دافنشى ..لكنه كان حقيقياً وثابتاً بالكتابة .
ليوناردو دافينشى


 
حكايات وأساطير

 
شرح وإعداد

 
برونو ناردينى

 
الرسوم

 
أدريانا سافيوتزى ماتزا

 

ترجمة :أحمد يسرى عبدالكريم


 

الطبعة العربية

 

تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب


 

بالإشتراك مع مؤسسةجونتى للطباعة والنشر بفلورنسا -إيطاليا



وهذا الكتاب من القطع الكبير جداً ومن الورق المصقول 124صفحةوالرسوم بالألوان و72 حكاية وأسطورة .

*عبدالرؤوف النويهى
22 - نوفمبر - 2010
لاوقت للحب    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
ورغم النبوغ فى فن التصوير إلا أن لدافينشى جوانب أخرى .
ولنقرأ ماكتبه الدكتور ثروت عكاشة عن دافينشى ..المولود فى سنة 1452م والمتوفى فى سنة 1519م فى كتابه "فنون عصر النهضة 1-الرينيسانس" طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1987م ، من ص153إلى ص 158


'إن كل ما بلغه جوتو ومازاتشيو في تمثيل القيم اللمسية، وكل ما حقّقه فرا أنجيليكو وفرافيليبو في مجال التعبير، وكل ما ابتكره بولايولو في صعيد الحركة وفيروكيو في استخدام الضوء والظل، كل ذاك قد تمثّله ليوناردو Leonardo Da Vinci وزاد عليه، مُملياً عن موهبة وعن تجربة شأن غيره ممن سبقوه. فإذا استثنينا فيلاسكيز الإسباني ورمبرانت الهولندي فلن نجد مَنْ جَلّى القيم اللمسية على هذا النحو من الجلاء اللافت غير ليوناردو على نحو ما نرى في لوحته الشهيرة "موناليزا"، وإذا ما نحن خلّينا جانباً الفنان الفرنسي ديجا Degas فلن نجد مصوّراً طوّع عنصر الحركة مثل ما طوّعها ليوناردو في لوحته التي لم تتم عن "تقديم المجوس الهدايا للمسيح الطفل" التي يحتفظ بها متحف أوفتزي، كما لم يبلغ ليوناردو في تمثيله للأضواء والظلال على النحو الذي فعله في لوحة "القديسة حنّة والعذراء والمسيح الطفل"، فأنى لنا بمثل هذا الذي نراه في أعمال ليوناردو من سحر للشباب يستهوينا، ومن فتوّة للرجال تستغوينا، ومن وقار للشيخوخة يطوي أسرار الدنيا بين جوانحه؟ فلم يسبق ليوناردو مَنْ صوّر رقة العذرية ونقاءها وخَفَرها وهي تستقبل حياتها، أو مضاء حَدْس المرأة في عنفوانها وصدق خبرتها. وإذا تأمّلنا عجالاته التخطيطية عن العذراء فلن نجد لها ضريباً، فليوناردو هو الفنان الوحيد الذي يمكن أن يُقال عنه بأمانة وصدق إن ليس ثمّة شيء لمسته يداه لم يتحوّل إلى جمال باق سواء أكان رسم قطاع لجمجمة أو بنية نبتة من الأعشاب أو دراسة لمجموعة من العضلات، فهو بإحساسه العميق بالخط وبالأضواء والظلال قد حوّل هذه العناصر جميعاً دون قصد إلى قيم ناطقة بالحياة، فقد رسم ليوناردو معظم عجالاته البارعة لإيضاح مسائل علمية بحتة كانت عندها تستولي على تفكيره.


ومع أنه كان مصوّراً عظيماً نابغاً فلم يكن أقل قدرة منه نحّاتاً ومهندساً وموسيقياً ومخترعاً، وهذا الذي أنجزه من أعمال فنية أثناء حياته لم يستغرق غير لحظات اختلسها من وقته الذي وقفه ساعياً وراء المعارف العلمية والنظرية. والثابت أنه لم يكن ثمة ميدان من ميادين العلوم الحديثة لم يخطر بباله سواء أكان ذلك عن رؤى كالتي يراها الحالم أو إرهاصاً كالذي يسبق الرسالات، كما لم يكن ثمة مجال للتأمل الخصب لم يبرز فيه رجل حر التفكير مثله، ولم يكن هناك مجال من مجالات الجهر البشري لم يسهم فيه ويتفوق، فكل ما كان يبغيه من حياته هو أن تتاح له الفرصة لكي يحقق ما ينفع العالم ويفيده. وهكذا يبدو لنا أن انكفاء ليوناردو على التصوير لم يستحوذ على المقام الأول من نشاطه، بل لم يكن غير لون من ألوان التعبير يفزع إليه مَنْ له مثل عبقريته عندما يجد أنه لا شاغل له غير ذلك، وحين لا يكون غيرها هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن أسمى الدلالات الروحية من خلال أسمى الدلالات المادية.

وعلى الرغم مما كان يملك من قدرة فنية فائقة كان يملك إحساساً مرهفاً بكل ما له دلالة جوهرية يفوق تلك القدرة، الأمر الذي يقف به متريّثاً بين يدي تصاويره جاهداً في أن يعكس هذه الدلالات في تفصيل مفرط عن إحساسه الذي تعجز يده عن تجسيمه. من أجل هذا كان نادراً أن يمضي في الكثير من لوحاته إلى إكمالها، وبهذا فقدت البشرية جملة من التصاوير كمّاً لا كيفا. وكثيراً ما نذهب إلى أن العبقرية هبة واحدة تصدر عن موهوب واحد، ولكن في رأي البعض هي هبات مختلفة تصدر عن الموهوب نفسه. وهذا ما نعلّل به صدور تلك الأعمال المختلفة عن ليوناردو، علمية وهندسية وطبية ومعمارية إلى جانب أعماله التصويرية.

وما أبعدنا عن الإنصاف حين نأخذ على ليوناردو قلّة ما خلّفه من تصاوير، فلقد كان معنيّاً بما هو أجلّ من التصوير، وحسبه ما خلّفه من إنجازات فنية قليلة تعيش عليها الإنسانية إلى يومنا هذا. فلقد كان له فضل الكشف عمّا في تصوير الأسطح من جاذبية، ثم هو إلى هذا كان خبيراً بأصول التشريح مُلمّا بشؤون الطبيعة. وقد اجتمع فيه ما لا يجتمع لإنسان، فلقد كان على حظ من دقّة الملاحظة لا تعرف الملل، والسعي وراء الحقائق دون كلل، هذا إلى ما كان يستمتع به من حسّ فنّي مرهف. ثم كان ليوناردو مصوّراً لا يقف عند المظهر الخارجي للأشياء بل يتعمّق الأمور حتى ينفذ إلى داخلها مكلّفاً نفسه العناء في تعرّف الدوافع المحرّكة للمخلوقات. وهو بهذا يعدّ الفنان الأول الذي ابتدع الأسس العلمية لدراسات النسب في الإبداع عامة، وآلية الحركة. ثم إليه يُعزى أول تأليف في علم الفراسة حتى استطاع أن يخلص من تلك الدراسة إلى ما يعلّل الانفعالات، وهو ما يدلّنا بلا شك على صلة وثيقة بينه وبين المخلوقات. ويروي عنه في هذا الصدد المؤرّخ فاساري أنه كان يراه أحياناً في السوق يشتري الأقفاص من الطيور لا لشيء إلا ليُطلق سراحها. وإنا لنحسّ في تصاوير ليوناردو دقّة المواءمة فلا يفوته شيء وإن هان، ودليل ذلك عنايته بالجزئيات اليسيرة عنايته بما هو أهمّ، مثل تنويعات ظلاله وضيائه الرهيفة، كما فاق غيره في استخدامه الخطوط وسيلة من وسائل التعبير، مُضفياً عليها رهافة بالغة، حتى بتنا لا نلاحظ ما يماثل الحدود المحوّطة بأشكاله، تلك الحدود التي تتفاوت لمساتها إلحاحاً على اللوحة.

وكان الفن والعلم أشدّ ارتباطاً عند ليوناردو منهما في عصرنا الحالي، ولذا نظر إلى فنه على أنه ضوء للفلسفة والعلم. وحتى ظهور ليوناردو كانت مواهب الإنسان وملكاته في خدمة الدين، ومنذ أن كان ليوناردو غدت هذه المواهب والملكات في خدمة الحياة. وعند هذا كانت نهاية العصور الوسطى حين أصبح العالم تهيمن عليه القوى العلمية نفسها التي انبثقت عن العصور الوسطى. ولقد كان يرى فيما أنه ليس ثمة ارتباط بين الدين والعلم على العكس مما كان يرى غيره من علماء العصور الوسطى خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، فلا يعنّي نفسه بالتوفيق بين منطوق العلم ومنطوق الدين.
 
كان الفكر والرسم عند ليوناردو ليسا غير وسيلتين لتعرّف كنه الحقيقة بعد أن يوسعهما تحليلاً ليزيداه تبصيراً، بدءاً من الأسهل وانتهاء بالنظرة التركيبية..البدء بالجزئي وضمّ إليه مثله ليتكون منه الموضوع المراد تركيبه. وفي الفن هو ضم الجزئيات المكوّنة للرسم أو الصورة حتى يتكوّن منها شكلاً كاملاً. وذلك على العكس من المنهج التحليلي الذي يعتمد على الاتجاه من الكل إلى الأجزاء. (م.م.م.ث). ، فتتكشّف له ينابيع الإبداع الفني والعلمي، وهو النهج الذي احتذاه فيما يفكّر ويرسم. وعلى الرغم من أنه كان يهدف في أعماله الفنية إلى التعبير عن الجمال وفقاً لمفهوم "المثل الأعلى الجمالي" في عصر النهضة إلا أنه كان يرى الجمال لوناً من ألوان الفضول الذهني أكثر منه إشباعاً للروح، إذ كان الجمال بين يديه كاللغز عليه أن يحلّ طلاسمه. ومن هنا كان يسائل نفسه أنّى له أن يُفصح عن الجمال حتى يغدو حقيقة مُدركة، إفصاحه عن أية مسألة غامضة بعد أن يسبر غورها لتصبح هي الأخرى حقيقة واضحة. وهكذا حرّك اللغز الذي ينطوي على الجمال من فطنته بمثل ما حرّكته معمّيات التشريح والتحليق في الجو، فلقد كان حريصاً على أن يتعرّف كنه الجمال وسرّه لكي يؤتى القدرة على الإفصاح عنه حين يريد، وبهذا اطّرح جانباً ما يقوم على الرؤية التجريدية والنظرية، وعكف على المجالات التخطيطية إلى جانب الرسوم التفصيلية متجاهلاً النسق الهندسي للشكل، سابراً غور التجارب، فكان أن وقع على عنصر الزمن واستنبط أن كل المكوّنات في حركة دائبة وتغيّر متّصل.
لم يلتزم ليوناردو في الخطوط تفصيلاً ولا تحديداً، ففي هذا الالتزام قيد يجعل الشكل آلياً حرفياً، وكان هذا هو الفرق بين منهجه وأسلوبه ومنهج فناني العصور الوسطى وأسلوبهم الذي كان يخضع لتقاليد وأنماط موروثة. كذلك كان ليوناردو فيما يرسم شاعراً إلى جانب كونه مصوراً، فالمصور والشاعر كلاهما يُصْدر عن إيحاء ذهني لا يحرص على كمال المبني ولكن يحرص على تمام المعنى، وكلاهما مُبْدعٌ لا مقلّد محترف. ولكي تخرج الصورة من بين يدي المصور غاية في الإبداع عليه أن يعتمد الاعتماد كله على خياله موائماً بين حركات الجسم وما تنطوي عليه خلجات نفسه بِشْراً أو همَماً، سعادة أم بؤساً.
ولم يعرف ليوناردو الحب ولم يتذوّقه ولكنه استعاض عن هذا بما وُهب من عبقرية عمرت قلبه مكان العاطفة، لهذا كان أكثر واقعية مما عليه الواقعيون من مصوّري اليوم. وكان استقصاؤه للمعرفة أشدّ ما يكون توقّداً إذ كان شغله الشاغل، ما يكاد يقع على شيء حتى يتناوله بالدرس والتحليل وسبر الغور. وعلى الرغم من هذا التطلّع الدارس وانحسار العاطفة فلقد خرجت لنا تصاويره وعليها مسحة من شاعرية لا تقل شأناً عن تلك المسحة التي نراها لمشبوبي العاطفة من المصورين.
ولم يعرف ليوناردو الحب ولم يتذوّقه ولكنه استعاض عن هذا بما وُهب من عبقرية عمرت قلبه مكان العاطفة، لهذا كان أكثر واقعية مما عليه الواقعيون من مصوّري اليوم. وكان استقصاؤه للمعرفة أشدّ ما يكون توقّداً إذ كان شغله الشاغل، ما يكاد يقع على شيء حتى يتناوله بالدرس والتحليل وسبر الغور. وعلى الرغم من هذا التطلّع الدارس وانحسار العاطفة فلقد خرجت لنا تصاويره وعليها مسحة من شاعرية لا تقل شأناً عن تلك المسحة التي نراها لمشبوبي العاطفة من المصورين.
ولقد كلّفه هذا نضالاً شاقاً طويلاً ليتبوّأ منزلة ملحوظة بين رجال عصره كان سداها ولحمتها الهيبة لا المحبة، إذ كانوا مشدوهين بما يتم على يديه من كل مُعْجز خارق للعادة. والغريب أن هذا الرجل لم يلق حظّه بين معاصريه مصوّراً، فلقد كان لورنزو مديتشي حاكم فلورنسا التي على أرضها نشأ ليوناردو ينظر إليه باعتباره موسيقياً ومخترع آلات تستلفت النظر ولا عهد لأهل عصره بها. وكذا لم يجد فيه لودوفيكو سفورزا عاهل ميلانو غير معماري ومُعدّ للحفلات العامة. ووجدنا البابا ليو العاشر من أسرة مديتشي لا يُهيَئ لمواطنه الفلورنسي مكاناً بين المشرفين على المشروعات الفنية البابوية في روما، بل عهد إليه بما هو بعيد عن الفن فأناط به استصلاح أراضي مستنقعات جنوبي روما!
ولقد كان الفضل في ذيوع شهرته مصوّراً يرجع إلى أبيه الذي كان يمتهن المحاماة وتسجيل العقود إذ كان أول من أبرم له عقداً بينه وبين أحد رعاة الفنون حينذاك لعمل لوحة "تقديم المجوس الهدايا للمسيح الطفل". وكذا يعود الفضل في ذيوع صيته مصوّراً إلى لويس الثاني عشر ملك فرنسا الذي كان من حَدَبِه على ليوناردو واحتضانه إياه ظهور لوحة "العشاء الأخير" إلى الوجود. ولم نَر واحداً من حكام إيطاليا يرعاه ويحتضنه غير إيزابيلا ديستي، فأخذ يتجول هنا وهناك إلى أن انتهى به المطاف إلى فرنسا حيث مقام الملك لويس الثاني عشر الذي رعاه وضمّه إلى بلاطه.
وقد يعزو الدارسون هذا إلى ما كان بين ليوناردو وبين البيئة الفلورنسية التي كانت تُظلّه من تنافر فكراً وروحاً، فلقد كان لا شك غريباً على عصره، أعني عصر النهضة الذي عاش فيه بمُثُله ومذاهبه، وكان ما يزال متأثّراً بالتيار الفكري الذي شاع في نهاية العصور الوسطى. وهذا لا يعني أنه لم يكن ذا نظرة مستقبلية، فهو الذي أرسى القواعد لما جاء بعد أفول المبادئ الأفلاطونية التي أعقبت غروب عصر النهضة فكان بما أرسى يُعدّ البشير بإشراق فكر جديد. وهو على هذا لم يحظ بما حظي به أبناء علية القوم من تلقّي العلم على أيدي أساتذة عصره، فقد نشأ بجهده الذاتي فعلّم نفسه بنفسه، وإذا هو بذلك يخلق في نفسه روح التحدّي لهؤلاء الذين تلقّوا على أيدي الأساتذة، مردّداً عبارته المعروفة بأن الطبيعة هي معلّمه الأول والأخير الذي لقن عنه علمه وفنه.
أما عن آرائه الفلسفية فمن ورائها اثنان كان لهما أثران: الإيجابي والسلبي. أما عن الأثر الأول أعني الإيجابي فيُعزى إلى أرسطو الأثير بين الدارسين خلال العصور الوسطى، وكان ليوناردو يعتنق مذهبه. أما عن الأثر الثاني أي السلبي فمردّه إلى ما كان ليوناردو يأخذه على الفيلسوف اليوناني أفلاطون. فعلى حين نرى اسم أفلاطون لا يتردّد على لسانه فلا يجري به قلمه في مذكراته غير مرة واحدة، نرى أرسطو يكاد اسمه يتردّد مرات عشراً. ومما يُذكر في هذا الصدد أنه لم يتأثّر بما ترجمه مارسيليو فيتشينو رائد المذهب الإنساني عن أفلاطون وقتذاك، وكان يسخر من مؤلّفاته ويسفّهها لا سيما ما جاء عن أفلاطون في علوم الهندسة، ويُؤثر عنه أنه كان يقول: ما لأفلاطون والهندسة؟ فالهندسة علم يقاس بالمسطرة والفرجار لا بالرأي والفكر المجرد. ولقد رأى ليوناردو في الأرسطية مذهباً يقوم على التجارب الحسيّة لا على الأفكار المجردة التي كان يؤمن بها الأفلاطونيون الجدد في عصر النهضة ويرونها الأساس لكل شيء، وهي التي بنوا عليها نظرية "الجمال المثالي".
 
أما عن الآداب الكلاسيكية فلم يكن يعنى من بينها إلا بما هو حسّي لينفذ إلى الحقائق المادية، فانكب على قراءة أوفيد متأثراً بحكمه وتأمّلاته، وإذا هو يعجب بما ذكره الشاعر هوراس عن حركة الأفلاك، وكذا أعجب بوصف لوكريشيوس للأسلحة البدائية، وشغل بما وصف به فرجيل الدروع، وكان أشد إعجاباً بلوكيانوس فيما جاء عنه من وصف للمنجنيقات والمعابر المائية التي كانت تستخدمها الجيوش في الانتقال من شاطئ إلى شاطئ. ولقد شدّه إليهم المؤرخون مثل ليفي وجوستنيان أكثر مما شدّه إليه الشعراء، ولكن أكثر من كان يشدّه إليهم العلماء وخاصة بلينيوس الأكبر بكتابه "عن التاريخ الطبيعي".


*عبدالرؤوف النويهى
22 - نوفمبر - 2010
الورقة والمداد    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 

من حوالى خمسة عشر عاماً ،كانت بصحبتى ابنتى بسمة وتبلغ آنذاك 8سنوات ،وفى زيارة لأحد الأصدقاء وذهبنا إليه فى بيته ،فقالت لنا زوجته :إنه فى الغيط يروى الغلة "القمح" وأرشدتنا إلى الطريق .وسرت أنا وابنتى وأحكى لها عن الأرض والفلاح والزرع وأشير لها على الأرض المزروعة .

ووصلنا إلى أرض صديقى ووجدناه ..ملوث بالطين وملابسه متسخةومبلولة.. أشعث الرأس. مغبر السحنة . فنظرت ابنتى وهمست ببراءة الطفولة :
إنه متعاص بالطين وهدومه مبلولة وشكله وحش .
فضحكت وقلت لها :عمك ده أحسن من مليون واحد هدومه نضيفة..ده بيزرع الحياة وبيدى للدنيا كل الخير .

وتكلمت مع الصديق وبنتى واقفة تبص له فضحك وقال لها :أهلا يابسوم "اسم الدلع" معلشى أعمل إيه كان نفسى أبقى أفندى وأبقى لابس بدلة وكرافتة وشكلى يبقى حلو ،لكن أنا بحب الأرض وباعشق طينها .

وعدت أنا وابنتى ودخلنا حجرة المكتبة وقلت لها :هاتى كتاب حكايات وأساطير الموجود فى الرف الأول .

وفعلاً راحت وأحضرت الكتاب ،فقلت لها حاولى تفتحى الكتاب عند ص 15 وعايز أسمع منك حكاية"الورقة والمداد" يعنى الحبر .

وأخذت تقرأ :
"كانت قطعة من الورق موضوعة أعلى مكتب مع أوراق أخرى شبيهة لها،وذات يوم وجدت مليئة بالعلامات .فقد خط عليها قلم مبلل بمداد شديد السواد،العديد من الرسوم والكلمات.

-وقالت الورقة فى أستياء للمداد :ألم يكن فى وسعك أن توفر على هذه المهانة ؟لقد جعلتنى أتسخ بجحيمك الأسود ،لقد أتلفتنى إلى الأبد!!

-وأجابها المداد قائلاً: انتظرى ..أننى لم أجعلك تتسخين ،ولكننى كسوتك بالشعارات . إنك لست بقطعة من الورق الآن ،ولكنك أصبحت رسالة .إنك تحرسين فكر الإنسان ،لقد أصبحت أداة ثمينة .

والواقع أنه بعد فترة وجيزة ،لمح شخص وهو يعيد ترتيب الأشياء الموضوعة على المكتب ،تلك الأوراق المتفرقة وجمعها ليلقى بها إلى النار . ولكن فجأة انتبه إلى الورقة المتسخة بفعل المداد ومن ثم ألقى بالأوراق الأخرى ،وأعاد وضع الورقة التى كانت تحمل رسالة الذكاء إلى مكانهابحيث تسهل رؤيتها"

وانتهت ابنتى من القراءة وقمت بالشرح والتفسير وتوضيح الأمر بأن المظهر خداع وحاولى إلا تنخدعى بسهولة .

وذات يوم زارنا هذا الصديق ،فكانت بسوم أول من استقبلته و أدخلته البيت وسلمت عليه بل وجلست بجواره طول الزيارة .
*عبدالرؤوف النويهى
22 - نوفمبر - 2010
كم نحن صغار أمام العمالقة ..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
 
*abdelhafid
30 - نوفمبر - 2010
كلام آخر الليل    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
 
 
    أنت مظلومة يا بغداد، وأنا مظلوم يا بغداد، والظلم يجمع بين القلوب. نصرك الله ونصرني، ورعاك ورعاني، وعليك مني السلام.
 
هذه عبارات الأديب الدكاترة زكي مبارك الذي أحبّ العراق أكثر من حبه لبلده مصر. وكان يشعر بالجحود والغبن والمرارة ويقول: كتبتُ ألف مقال لا يتمكن كاتب أن يكتب مثلها ولو غمس يده في الحبر الأسود... ولكن كما قال لم يحصل بالمقابل إلا على مرتب لا يكفي آخر الشهر.
 
    وكان زكي مبارك قد تعرض لهجوم عنيف بسبب كتاباته التي كانت تتسم بالغرور والتحدي- كما فهمت وفسّرت- والخروج على ماهو مألوف من آراء تقدية ألّبت عليه أكثر أدباء عصره.
 
    تذكرتُ هذا الأديب عندما رأيتُ رسم المبحر في شفّافيّته الأستاذ عبد الحفيظ. وكنتُ قد قرأتُ في مجلة العربي ما كتبه الأستاذ شاكر خصباك عن زكي مبارك أنه ( أصيب في أواخر حياته بالإحباط فاهتزت شخصيته. ومرجع هذا الإحباط أنه لم يحقق من النجاح والشهرة ما حققه زملاؤه، وخصوصًا الدكتور طه حسين الذي كان يحسده على مكانته الأدبية والاجتماعية. وقد أثّرت تلك الخيبة على شخصيته، ولمست ذلك بنفسي حين رأيته في مقهى صغير في ميدان التوفيقية أواخر العام 1949، وكان جالساً وحده في وضع مزر في ملابسه وهيأته، يتناول ما يناوله النادل ويرفع عقيرته بالغناء بين حين وآخر. كما حضرت له محاضرة عامة عن الضحك، فإذا به يتحدث عن كل شيء إلاّ عن الضحك. وكان ينتقل من موضوع إلى آخر من دون أي رابطة، وهذا هو حال مقالاته في أعوامه الأخيرة التي كان ينشرها أسبوعيًا في «البلاغ» المسائية. ولهذا لم أنقل عنه إلاّ الصورة الواقعية التي شاهدتها بنفسي...)
 
    هذا الذي وقف كما ذكروا أسبوعا في دار المعلمين العالية ببغداد يشرح ويعرب قول الشاعر:
 
متى تملك القلب الذكيّ وصارما        وأنفا حميّا تجتنبك المظالم
 
    والذي شهر قلمه يوما في وجه محمد عبد الوهاب متوعّدا إياه إذا لم  يتوقّف عن الإسفاف والإفساد في الأغنية العربيّة ، فهذا القلم سيكون له بالمرصاد!
 
    وسيرة زكي مبارك تشبه في الكثير من وجوهها حكاية عبد الرحمن بدوي مع الوطن والسلطة وأدباء عصره. ونهاية الأثنين معا سقوط على رصيف مهجور، هذا في غربة الوطن، وذاك في وطن غريب. 
 
*صادق السعدي
1 - ديسمبر - 2010
كتابة على الرصيف ..    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
 
 سقوط على رصيف مهجور، هذا في غربة الوطن، وذاك في وطن غريب. 
 
*abdelhafid
5 - ديسمبر - 2010
إلى العزيزين ..الصادق السعدى وعبد الحفيظ الأكوح    ( من قبل 3 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 

من عجائب القدر وسخرياته المريرة ،والكفاح المستمر فى إستنبات بذرة جديدة تقاوم عوامل التعرية التى تصيب نفوسنا وتشد من أزرنا وتستعجل شمس يوم جديد ،كى تعود إلينا كرامتنا الإنسانية ونتحرر من طغيان أنظمة مستبدة تتحكم فى مصائرنا ونرفع رايات النصر بحريتنا المهدرة عبر عصور وعصور ،أننا نجد أنفسنا سجناء وطن يلفظ أنفاسه الأخيرة ،وأصبحنا مجبرين على العيش فيه ونطلب العون من الله على هذا العيش وهذه الحياة .

لقد استسلم الجميع وهرولوا وبدون وعى نحو الإرتماء فى أحضان حكومات جائرة ،بدلاً من الإتحاد فى وجه الظلم والفقر والمرض والفساد والمحسوبية والرشوة والنصب والاحتيال.

كنا فى بداية السبعينيات من القرن الماضى "طلاب جامعات " نبحث عن العدل والحق والخير ،جامعة القاهرة التى هزت عرش "السادات" وأزعجت مضجعه وأحداث يناير 1977م الخالدة . تشهد بثورة طلابية عارمة تجسّد فيه جسد الشعب هذا ،المترهل ،المشتت ،المتفكك،المحطم ،الضائع ،وقد استجمع كل قواه ليشكل كُلاً متجانسا ،لافرق بين صغير وكبير ولامسلم ولاقبطى ،فقد نهض مارداً عملاقاً ،فى شتى أنحاء البلاد ،فى وجه الظلام والجبروت والطغيان ،تحول الجبن إلى شجاعة ،والتفرق إلى وحدة ،والإنقسام إلى إتحاد ،والخمول إلى صحوة .

تجمعت إرادة الجماهير إرادة حرة لكى تقول لضعاف النفوس والمتشككين والمخانيث أشباه الرجال،هانحن ندافع عن وجودنا ،عن هويتنا ،عن ذواتنا ،عن حاضرنا ،عن مستقبلنا .

كنا جبالاُ بشرية تتحرك لتدك معاقل الشر .


تذكرت آنذاك ماقاله الشابى :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة ***فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلى *** ولابد للقيد أن ينكسر .
إنها إرادة شعب مأزوم ثائر يريد الحياة الحرة الكريمة .

لقد اندمج الجميع فى إرادة واحدة ..إرادة جبارة تستمد عونها ومددها من إرادة الله ،أصبحت إرادة قوية قادرة تقول للشيىء كن فيكون . فلم يجد السادات سوى الإحتماء بالجيش وحظر التجول واحتلال الدبابات الميادين والشوارع وتكميم الأفواه وفتح المعتقلات والمحاكمات العسكرية والتصريحات النارية وتخوين رجالها وسبهم بأقذع الشتائم وأحط الإتهامات ..كان يزعم أنها انتفاضة حرامية !!!
وقال التاريخ كلمته :أنهم ومن معه اللصوص والحرامية والقطط السمان التى مصت دماء الشعب .
كان حظى أن نلت ضربة قاصمة كادت تودى بى ،لكن المعجزات تصنع المستحيل ..
لقد عشتُ حتى اللحظة ..ومات الطغاة .

وها هو دافينشى يأتينى ،من عمق التاريخ ،ويحكى لى أسطورة من أساطيره الباهرة ،التى تعيد لى ذكرى حواديت جدتى يرحمنا الله وإيانا وإياكم ،التى تحض على الثورة ،فالثورة ضد الظلم مكون أساسى أبدى فى الطبيعة الإنسانية ،فلايصح القول ولايستقيم أن نصنف الشعوب ، أن هناك شعوب ثورية وشعوب غير ثورية .
ولنتأمل الثورات الهادرة "فى كل لحظة ، فى مشارق الأرض ومغاربها .


يقول دافينشى فى أسطورته ..الثور ..


"كان هناك ثور طليق يرتكب المآسى بين القطعان والجماعات . ولم تعد هناك شجاعة لدى الرعاة لكى يسوقوا الأغنام إلى المرعى،بسبب ذلك الحيوان المتوحش الذى كان يحضر فجأة هائجاً وقد خفض رأسه ،لكى يطعن بقرونه كل ما يصادفه فى طريقه . بيد أن الرعاة كانوا يعرفون أن الثور يكره اللون الأحمر ،ومن ثم قرروا فى يوم أن ينصبوا له شركاً.فلفوا قطعة كبيرة من القماش الأحمر حول جذع شجرة ثم اجتبئوا. ولم يجعلهم الثور ينظرونه طويلاً ،حيث حضر وهو ينفث من خياشيمه . وعندما رأى ذلك الجذع الأحمر ،خفض رأسه وانطلق فى ثورة ،ورشق قرونه فى الشجرة محدثاً دوياً كبيراً ،وأصبح عديم الحراك .

وهكذا قتله الرعاة "
*عبدالرؤوف النويهى
6 - ديسمبر - 2010
للصدق السعدى ..    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
من دفترى أنقل واحدة من مختاراتى لشاعر مغربى قدير.. محمد الميمونى
 
اختراع
 

أنا مثلك حائر مرتاب
تنال منى مثلما تنال منك
"الكيف " و"المتى" و"الأين"
دونما برهان
لعلنى أراك الآن عارياً
كما ترانى عاريا
فى ساحة الغبار .
فما جدوى "الكيف" و"الأين"
و"المتى "
إذا كنا معاً
جزءاً من حزن هذا العالم
فاختر لى اسماً ترضاه
أما أنا فاخترت أن أخترعك
بعيداً عن متاهة الأسماء .
*عبدالرؤوف النويهى
6 - ديسمبر - 2010
الحرية أو الموت    ( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
الحكايات والأساطير ،عبرالعصور وفى جميع البلدان،ينبوع ثرى لاينضب .تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل ،فيها الحكمة والموعظة والطرافة والفكر والفكاهة والسخرية والفلسفة .

ربما كان ابن المقفع فى خالدته "كليلة ودمنة " ممن حاولوا أن يقولوا رأيهم عبر حكايات الحيوانات ،خشية من النهاية المحزنة مع الطغيان الفكرى وسوء الفهم وكيّل الاتهامات بالزندقة والإلحاد والمروق عن الملة والردة والتفريق بين صاحب الرأى وزوجته وشيوع الاستبداد السياسى والسلطوى والقهر المنظم الذى ساد ويسود ،حتى اللحظة، لكل صاحب رأى وفكر يخالف رأى و فكر السلطان ،ورغماً عن ذلك ،كانت نهاية ابن المقفع أبشع نهاية لصاحب رأى وفكر .

كانت الحرية ..وكما أكدت فى العديد من سطورى ومواضيعى ومشاركاتى ..لاتوهب فهى لصيقة بالإنسان ،فالحرية هى الإنسان ،فهو المخلوق الوحيد من بين مخلوقات الله الذى حمل أمانة الحرية فهو حر .والمحكوم عليه بالحرية .
هكذا أراده الإله.
وهكذا خلقه .
الحرية أو الموت ..


ويسرد لنا دافينشى أسطورته الجميلة "عصفور الحسّون المغرد " فيقول :

عاد الحسون إلى عشه حاملاً دودة صغيرة بفمه ،ولم يجد صغاره .
أن شخصاً ما قد سرقهم أثناء غيابه .

وأخذ الحسون يبحث عنهم فى كل مكان وهو يبكى ويصرخ ،وكان صدى نداءاته البائسة يسمع فى جميع أنحاء الغابة ،ولكن لم يكن هناك من يجيب عليه .


وذات يوم قال له طائر البرقش:
يبدو لى أننى رأيت صغارك فوق منزل الفلاح.

وانطلق الحسون مفعماً بالأمل ،وبعد وقت قصير وصل إلى منزل الفلاح . وهبط على السقف ..لم يكن أحد هناك ،ونزل إلى الجرن ..لقد كان خاوياً . ولكنه لمح ،وهو يرفع رأسه ،قفصاً خارج النافذة . لقد كان صغاره سجناء بداخله . وعندما شاهدوه متعلقاً بقضبان القفص ،أخذوا يزقزقون طالبين منه أن يحملهم بعيداً،وحاول هو أن يحطم بمنقاره وساقيه حواجز السجن ،ولكن محاولته ذهبت هباء . وفى اليوم التالى ،عاد الحسون من جديد إلى القفص حيث كان أبناؤه ،ونظر إليهم عبر الحواجز وأطعمهم واحداً واحداً للمرة الأخيرة .


وواقع الأمر ،أنه قد حمل لصغاره العشب السام ، وهكذا لقيت الطيور الصغيرة حتفها .

*عبدالرؤوف النويهى
6 - ديسمبر - 2010
معذرة     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
سقط منى ،سهواً ، سطرين من أسطورة "عصفور الحسون المغرد "
 
وقال " من الأفضل أن يموتوا بدلاً من أن يفقدوا حريتهم".
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
7 - ديسمبر - 2010

 
   أضف تعليقك
 1  2  3