من حوالى خمسة عشر عاماً ،كانت بصحبتى ابنتى بسمة وتبلغ آنذاك 8سنوات ،وفى زيارة لأحد الأصدقاء وذهبنا إليه فى بيته ،فقالت لنا زوجته :إنه فى الغيط يروى الغلة "القمح" وأرشدتنا إلى الطريق .وسرت أنا وابنتى وأحكى لها عن الأرض والفلاح والزرع وأشير لها على الأرض المزروعة .
ووصلنا إلى أرض صديقى ووجدناه ..ملوث بالطين وملابسه متسخةومبلولة.. أشعث الرأس. مغبر السحنة . فنظرت ابنتى وهمست ببراءة الطفولة :
إنه متعاص بالطين وهدومه مبلولة وشكله وحش .
فضحكت وقلت لها :عمك ده أحسن من مليون واحد هدومه نضيفة..ده بيزرع الحياة وبيدى للدنيا كل الخير .
وتكلمت مع الصديق وبنتى واقفة تبص له فضحك وقال لها :أهلا يابسوم "اسم الدلع" معلشى أعمل إيه كان نفسى أبقى أفندى وأبقى لابس بدلة وكرافتة وشكلى يبقى حلو ،لكن أنا بحب الأرض وباعشق طينها .
وعدت أنا وابنتى ودخلنا حجرة المكتبة وقلت لها :هاتى كتاب حكايات وأساطير الموجود فى الرف الأول .
وفعلاً راحت وأحضرت الكتاب ،فقلت لها حاولى تفتحى الكتاب عند ص 15 وعايز أسمع منك حكاية"الورقة والمداد" يعنى الحبر .
وأخذت تقرأ :
"كانت قطعة من الورق موضوعة أعلى مكتب مع أوراق أخرى شبيهة لها،وذات يوم وجدت مليئة بالعلامات .فقد خط عليها قلم مبلل بمداد شديد السواد،العديد من الرسوم والكلمات.
-وقالت الورقة فى أستياء للمداد :ألم يكن فى وسعك أن توفر على هذه المهانة ؟لقد جعلتنى أتسخ بجحيمك الأسود ،لقد أتلفتنى إلى الأبد!!
-وأجابها المداد قائلاً: انتظرى ..أننى لم أجعلك تتسخين ،ولكننى كسوتك بالشعارات . إنك لست بقطعة من الورق الآن ،ولكنك أصبحت رسالة .إنك تحرسين فكر الإنسان ،لقد أصبحت أداة ثمينة .
والواقع أنه بعد فترة وجيزة ،لمح شخص وهو يعيد ترتيب الأشياء الموضوعة على المكتب ،تلك الأوراق المتفرقة وجمعها ليلقى بها إلى النار . ولكن فجأة انتبه إلى الورقة المتسخة بفعل المداد ومن ثم ألقى بالأوراق الأخرى ،وأعاد وضع الورقة التى كانت تحمل رسالة الذكاء إلى مكانهابحيث تسهل رؤيتها"
وانتهت ابنتى من القراءة وقمت بالشرح والتفسير وتوضيح الأمر بأن المظهر خداع وحاولى إلا تنخدعى بسهولة .
وذات يوم زارنا هذا الصديق ،فكانت بسوم أول من استقبلته و أدخلته البيت وسلمت عليه بل وجلست بجواره طول الزيارة .