من تعريفات التصوف: أن يميتك الله عنك، وأن يحييك به.
أن يميتك الله عن ذاتك وأن يحييك بربك، فلا ترى لنفسك وجوداً إلا من خلال ارتباطك بربك، تريد ما يريد، وتفعل ما يريد. وفي هذا إشارة إلى لحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه).
من تعريفات التصوف أيضاً: اليأس فيما في أيدي الخلائق. أن تيأس من الخلق وتعتمد على الحق، فأنت تطلب من الناس صورة، لكنك تطلب من الله حقيقة.
من التعريفات أيضاً: التصوف كله أخلاق فمن زاد عليك بالأخلاق، زاد عليك بالتصوف. وحديثهم عن الأخلاق من خلال نقطتين: التخلي عن الأخلاق السيئة، والتحلي بالأخلاق الحسنة.
فالأنانية والبغضاء والحقد والشحناء والعداوة والإرهاب والتطرف والشدة والقسوة أمراض يجب أن يتخلى عنها من يريد أن يسلك طريق الصوفية التربوية السلوكية، وأن يتحلى بالحب والتسامح والسعادة والطمأنينة وإشعار الآخرين - مَنْ كانوا - بمحبتهم، وأن يتسامح مع كل الناس، بل حتى مع الجماد والحيوان.
يقول سيدنا الإمام علي الذي هو مَشعُّ الصوفية: "ما نظرتُ شيئاً إلا رأيت الله قبله وبعده وعنده" فكيف سيتصرف من يرى الله قبل الشيء وبعده وعنده. سيتصرف معه تصرفاً رحموياً. وأهم ما يركز عليه الصوفيون السلوكيون والتربويون خلق الرحمة، ويقولون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة، فلنكن رحماء. ولا يمكن لصوفي أن يكون كذلك إلا إذا كان رحيماً. عندما قرأت قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) قلت بأن الأرض هي التي نعيش عليها، هذا أولاً، وثانياً: إن الصالحين الذي يستحقون أن يرثوا الأرض هم الراحمون، لأن الآية التي بعدها فسرت الصالحين بقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
أما تعريف الرحمة، فبعد أن تقصّيت هذا المصطلح قلت: الرحمة عطاء نافع برفق. والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "إنما أنا رحمة مهداة"، وقال عن نفسه: "أنا نبي الرحمة"، وقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقال: "بشروا ولا تنفروا"، ووصفه الله في القرآن بأنه الرؤوف الرحيم.
- تجليات الإسلام ودلائله هي الصلاة والصيام والزكاة، وهذه والحمد لله لا نعاني منها، والناس اليوم يصلون أكثر مما كان الصحابة يصلون، ويصومون أكثر مما كان الصحابة يصومون، لكن المشكلة ليست في تجليات الإسلام، بل في تجليات الإيمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" وقال أيضا: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن: من لا يأمن جاره بوائقه" أياً كان هذا الجار مسلماً أم مسيحياً أم بوذياً... وبوائقه يعني أدنى الشر. فدلائل الإيمان أخلاق.
- ونحن نقر اليوم بوجود صحوة إسلامية، ولكن المشكلة في عدم وجود صحوة إيمانية، ونحن بحاجة إلى هذه الصحوة الإيمانية من أجل أن يتراحم الناس فيما بينهم ويعطفوا على بعضهم.
- سيدنا علي رضي الله عنه أرسل إلى واليه في مصر مالك بن الأشتر قائلاً: "والناس صنفان، إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق". وهذا الذي أسَّس للصوفيه، فهم يبحثون في المعاني والحقائق. هم لا يبحثون في الصلاة وأحكامها، بل يبحثون في تحقيق الصلاة لأغراضها من خلال إخلاص العبد لربه عز وجل، ومن خلال امتناعه عن الفحشاء والمنكر، وكفِّ أذاه عن الناس.
- للفعلة مستويان: شكلي ومضموني، وحين اهتمَّ الفقهاء في المستوى الشكلي، اهتم الصوفيون بالمستوى المضموني، وقد نبهنا الله إلى أن الأهمَّ هو الأسلوب فقال: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى).
- لذلك كان التصوف إحساناً، والإحسان هو الأسلوب الأمثل لأداء ما وجب علي أداؤه. وتحسين الأسلوب يكون عندما يستشعر الإنسان بأنه مراقب: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".