السلام على الاحبة من زوار وسراة الوراق ورحمة الله وبركاته كثيرة هي البحوث والدراسات التي تتناول المعاني الروحية والنفسية للصوم ، لكن ما يستوقفني أكثر تلك البحوث القليلة والمتناثرة هنا وهناك عن المعاني العرفانية والصوفية لهذا اللون التعبدي. لقد قرأت لبعض العارفين أن "الصوم هو الغيبة عن رؤية الخلق برؤية الحق جل وعلا" وأن الصوم هو " إشارة إلى الامتناع عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف العبد بصفات صمدية" وأن الصوم بحسب شرع القوم المتصوفين هو" الإمساك عما سوى محبوبهم" والمقصود هنا هو الذات الإلهية. في التجربة الروحية نجد تأكيدا ملحا على الجوارح أكثر من سواها فالباحث محمد غازي عرابي مثلا عبر عن الصوم في كتابه "النصوص في مصطلحات التصوف" بأنه : "فطم النفس عن شهواتها وهي حاجة ملحة لخروج النفس من قمقمها المادي بمعنى كسرها إياه لا بمعنى المفارقة" والصوم عماد الدين بعد الصلاة ، هو توأمها ورديفها الثاني ، فمن دون الصوم لا يمكن للعبد أن يتفكر في ما اعتاده في حياته من عادات ثابتة . وفيما يعتبر " العاديون من امثالي" شهر رمضان شهراً للطاعة وطلباً للمغفرة وشهراً لغسل الذنوب وشهر مثوبة يراه العارفون على انه شهر نكران الذات والتخلي عن كل شي إلا الله تعالى ومعرفة ذلك معرفة حقيقية والتمسك بكونها إرادة إلاهية. وللصوم أنواع كما يرى الشيخ محمد الكسنزان الحسيني في موسوعته "موسوعة الكسنزان" فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان قال : للصوم في الطريقة أنواع عديدة منها : الصوم عن الذنوب ، الصوم عن الغيبة ، الصوم عن النفاق الصوم عن البهتان ، الصوم عن الحسد ، الصوم عن النظر الحرام ، الصوم عن التجسس ، الصوم عن تخريب البلاد ، إلى غير ذلك من الأنواع ، وكلها تجعل حياة المريد في صوم روحي دائم فليس الصيام أن تترك الطعام والشراب فقط وإنما الصيام أن تترك الذنوب والمعاصي فالصيام في جوهره صيام الجوارح . ولكن ما الرمزية الصوفية لفوائد الصوم ؟ يقول جعفر بن محمد الصادق "الصوم يميت مراد النفس وشهوة الطبع ، وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء .
رحلة تتعمق في الفهم الواعي للعبادة عموما ، فهل من اضاءات تنير دواخلنا في هذا الدرب يا رعاكم الله؟ مودتي لكم لا تنقطع
|