الشاعر العايد بين حبه وعتابه     ( من قبل 48 أعضاء ) قيّم
الشاعر عاشق هيمان، والهيمان : عطشان ، يزوره الهيام ليلاً لا نجوم فيه من غير استئذان ، ولولم يكن هيمانَ ، عاشقاً، شديدالوجد، لما ذكر التهيام ، وصدق كُثيِّر : وإني ، وتَهيامي بِعَزّة بعدما** تخلّيتُ مما بيننا وتخلّتِ أما ( وادي الشعر) ، " فإنه وادي الصحراء يخلو فيه العاشق والشاعر ، ويقال: هو وادي الكلام". وقد عرتْه هزةٌ ، فانتفضت قافيته تتراقص كما العصفور بلله القطر، ثم فاض واديه ، وهو الطير الذي يشدو في مغانيه... سألها عن سحرها الجذاب الذي يخلب الألباب ، وتقف يد الشعر مغلولة لا تقد ر على الوصف.... وما أجملَ ( أسَرّحُ الطرْف) ! إنه يُطلق لعينيه العَنان بالغداة. أما ( دنيا الجمال)، فهي ( السَّرحة) : وهي دوحة مِحلال واسعة ، يحُلّ تحتها الناسُ في الصيف، ويبتنون البيوت ، وظِلها صالح : فيا سرحة الرُّكبان ، ظِلّكِ باردٌ ** وماؤكِ عذبٌ ، لا يحِلّ لواردِ والعرب تَكْني عن المرأة بالسَّرحة النابتة على الماء..... * أميرة الشاعر ( كميلة الحسن) : بمعنى كاملة: على أنه بعدما قد مضى ** ثلاثون للهَجر حولاً كميلا والكامل: من شطور العروض معروف ، وأصله ( متفاعلن) ست مرات ، سمّي كاملاً ؛ لأنه على أصله في الدائرة: ( أجزاء وحركات) ، وكان أكملَ من ( الوافر) ؛ لأنّ الوافر توفّرتْ حركاته ، ونَقَصت أجزاؤه. و( كامِل) : اسم فرس سابق لامرِىء القيس ، وفرس زيد الخير ، واسم فرس زيد الفوارس الضبي. وهكذا،فالكاف واللام والميم أصل صحيح يدل على تمام الشيء . إنها بَضة رقيقة مِـثلُ قَطْرِ المَاءِ مُنْسَكِباً من الغمام : وهو السحاب الأبيض[ بشائر] بعد الغم الذي يغُم السماء ؛ أي يسترها ، قال الحطيئة يمدح سعيد بن العاص: إذا غِبتَ غابَ عنا ربيعنا ** ونُسقى الغَمامَ الغُرّ حين تؤوبُ الغمام تهادى: والتهادي هو مشي النساء في تمايل وسكون. وإذا فعلتْ ذلك المرأة وتمايلتْ في مشيتها من غير أن يماشيَها أحد قيل : تهادى. أما ( هتون) فمِن( هَتَنَ، يهتِن): صَبَّ يصُبّ... وهو من المطر فوق الهَطْل ، أو الهَتْل . والتهتان: مطر ساعة، ثم يفتر، ثم يعود. ويقال: هتن المطر والدمع، وعينٌ هتون الدمع، وسحاب هتون. و(زكية): طيّبة طاهرة، وهكذا فالزاي والكاف والحرف المعتل يدل على نماء وزيادة. ويقال: الطهارة زكاة المال، قال تعالى: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتُزكّيهم بها"(9/103) ، وأرض زكية: طيبة سمينة. · أميرة خيال العايد ذكية تناسبه، أمّا أخوه ( شَن) فتناسبه ( طبَقة) : و( شن) : كان رجلاً من دهاة العرب وعقلائهم ،قال: والله لأطوفنّ حتى أجدَ امرأة مثلي أتزوجها. فبينما هو في بعض مسيرٍ إذا وافقه رجلٌ في الطريق ،فسأله شن: أين تريد ؟ فقال: موضع كذا. يريد القرية التي يقصِدها شن، فوافقه حتى أخذا في مسيرهما قال له شن: أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهلُ أنا راكبٌ وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني؟ فسكت عن شن وسارا حتى إذا قربا من القرية إذا بزرعٍ قد استحصد، فقال شن: أترى هذا الزرع أكل أم لا ؟ فقال له الرجل: يا جاهل ترى نبتاً مستحصداً فتقول أكل أم لا؟ فسكت عنه شن حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازةٌ،فقال شن: ترى هل صاحب هذا النعش حي أو ميت ؟ فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك ترى جنازة تسأل عنها أميّت صاحبُها أم حي؟ فسكت عنه شن فأراد مفارقته، فأبى الرجل أن يتركَه حتى يصير به إلى منزله، فمضى معه فكان للرجل بنتٌ يقال لها "طبقة" فلما دخل عليها أبوها، سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه وشكا إليها جهله وحدّثها بحديثه، فقالت: يا أبتِ ما هذا بجاهلٍ. أما قوله " أتحملني أم أحملك"؟ فأراد أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا. وأما قوله " أترى هذا الزرع أكل أم لا " فأراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا؟ وأما قوله في الجنازة فأراد :هل ترك عقِباً يحيا بهم ذِكره أم لا؟ فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال: أتحب أن أفسّر لك ما سألتني عنه. قال: نعم فسِّره. ففسَّره. قال شن: ما هذا من كلامك فأخبرني عن صاحبه. قال: ابنة لي. فخطبها إليه فزوّجه إياها وحملها إلى أهله فلما رأوها، قالوا: وافق شنٌّ طبقة، فذهبت مثلاً. يُضرب للمتوافقين. ** إنها ذات حسَب ونسب، والحسب هو الشرف الثابت في الآباء، وقد يكون الحسب المال. والرجل حسيب ، والمرأة حسيبة. وفي الحديث: " حسَبُ الرجل خُلُقُه وكرمه ودِينه. *هي تميمية ومن نسل قيس : تميم ترجِع إلى مضر بن نزار بن عدنان ؛ جد رسول الله، صلى الله عليه وسلم،... وقبيلة قيس عيلان بن مضر بن نزار بن عدنان.. شجرة مباركة . أما مضر بن نزار فكانوا أهل الكثرة والغلب بالحجاز من سائر بني عدنان، وكانت لهم رياسة بمكة فيجمعهم فخذان عظيمان، وهما خندف وقيس. ومعنى قيس : رجل الشدة ، وتقيّسَ الرجل: إذا تشبّه بقيس عَيلان، أو تمسك منهم بسبب : إما بِحِلْفٍ وإما بجِوار وإما بولاء. أرأيت الحسيبة النسيبة ؟ · المَيْس مِشيتها: الميس ضربٌ من الميَسان في تبختر تَهادٍ كما تميس العروس،قال لقيط بن زرارة : أتحلق القرونَ أم تميس ** لا بل تميس إنها عروس وفي حديث أبي الدرداء ، رضي الله عنه،:" تدخل قيساً وتخرج ميساً" والمَيس : شجرة من أجْود الشجر وأجود الخشب ؛ لصنعة الرِّحال ، ومنها تُتخذ رِحال الشام ، فلما كثر قالت العرب: المَيس الرحل. · وشْيُ الطواويس يحكيها وتحكيه: الوشي من النبات معروف. والوشي يكون من كل لون ، كقول الأسْود بن يعفر : حمتها رماح الحرب حتى تهوّلتْ ** بِزاهرِ نَوْرٍ مِثلِ وشْيِ النمارقِ هي رشيقة القَد : أرشقت الظّبْيَة ؛ أي مَدّتْ عُنُقَها، وجِيدٌ أرشق: منتصب. وناقة رشيقة : خفيفة سريعة ، والرشيقة : الخفيفة الجسم. · مليحة ، حوراء: المُلحة في الألوان بياضٌ، وربما خالطه سواد . والحَوَرُ: شِدة سوادِ المُقلة في شدة بياض الجسد. وليس في بني آدمَ من الرجال حَوَرٌ، وإنما قيل في النساء : حُور العين ؛ لأنهنّ شُبّهن بالظباء... وفي حديث صفة الجنة : " إنّ في الجنة لَمجتمعاً لِلحُور العِين". وقد جمع الشاعر( العايد) بين بيت مسكين الدارمي : قل للمليحة في الخمار الأسود** ماذا فعَلتِ بناسك متعبّد وبيت جَرير التميمي: إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ** قتَلْنَنا ثم لم يُحْيينَ قتلانا وأميرة الشاعر( هيفاء) : ضامرة البطن،ورقيقة الخصر. والهيفاء هي فَرَس طارق بن حَصَبة. وهي ( نجلاء) : والنَّجْل سَعَةُ شقّ العين مع حُسْن. وفي حديث ابن الزُّبَير: "عينَين نَجلاوَين". والنجل: الرمي بالشيء، وطعنة نجلاء ؛ أي واسعة... ويقال: هو كريم النجل ؛ أي الأصل والطبع. · تتعطل لغة كلام العاشق الولهان حين يسمع صوت حبيبته الشجي الرخيم... وامرأة رخيمة ورخيم: إذا كانت سهلة المنطق. وفي حديث مالك بن دينار: " بَلَغّنا أنّ الله تبارك وتعالى يقول لِداود : مَجِّدْني بذلك الصوت الحسن الرخيم"؛ هو الرقيق الشجي الطيّبُ النغْمة، وكلام رخيم ؛ أي رقيق ، قال امرؤ القيس: رخيمُ الكلامِ قطيع القيا مِ تفترّ عن ذي غروبٍ خَصِر قال الأصمعي: " أخذ عني الخليل ( معنى الترخيم) ، فقال لي : ما تُسمي العربُ السهلَ من الكلام؟ فقلتُ له: العرب تقول : جارية رخيمة إذا كانت سهلةَ النطق ، فَعَمِلَ باب الترخيم [ في المنادى] على هذا". والترخيم كذلك: التليين. وهكذا فالراء والخاء والميم أصل يدلّ على رِقّة وإشفاق. · (ورقاء): يقال للحمامة ورقاء؛ لِلَونِها، وهو الأُدمة: السُّمْرة ، ومنه قيل للرماد: أورقُ. والورقاء شُجيرة معروفة، تسمو فوق القامة، تنبت في الأودية، وفي جنباتها، وفي القيعان، وهي مرعى... انفجرت قافية شعر الشاعر ، وفاض الشعر في وادي الشعراء العشاق ، والمحبوبة الورقاء في الوادي دائمة البقاء.... |