تحية طيبة أساتذتي الأكارم وأخص بالذكر هنا أستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان لأني أردت أن أهديه هذا الملف الذي جمعت مواده منذ أشهر خلت ثم نسيت الرجوع إليه، إلى أن ذكرني به موضوعه الشائق الرائق والذي جمع فيه أحلى ما قيل من شعر في السواك والأراك.
فأما (قبلة الصباح) فلم أر في كتب الأدب والمجاميع الشعرية من أفرد بابا لها، وهو موضوع طريف لا يكاد يخلو منه ديوان من دواوين الجاهلية وما يليها، وربما انفرد العرب في وصف هذه القبلة وطعمها ومذاقها وميقاتها ومتى تصح ومتى لا تصح، وشبهوها بكل ما عرفوا من الأنبذة والخمور حتى إنك لتهتدي إلى أنواع الخمر وأسماء القرى والبلدان التي امتازت بصناعتها من خلال مراجعة ما ورد في الشعر العربي حول (قبلة الصباح) واما ميقاتها فقد حددوه ببرد السوار، أي: عندما يبلغ السوار في يد المرأة أقصى برودته، ويكون ذلك:
(إِذا اِستَقَلَّ عَمودُ الصُبحِ فَاِعتَدَلا) و(إِذا النجم وسط السماء اعتدل) و(إذا آضت كواكب الأسد) و(إِذا جَعَلَت أَيدي الكَواكِبِ تَضجَعُ) و(إِذا طربَ الطائِرُ المُستَحِر) وهذا الوقت هو ميقات متعة هذه القبلة، لعذوبة الرضاب في ذلك الوقت وبرد الأنياب، فإذا فات الوقت سخن الريق وزالت برودته وحلاوته ، وأما قول عمر بن أبي ربيعة (طروقا إن شئت أو بالمقيل) فهو من قبيل الغزل والمبالغة في التحبب إلى محبوبته.
وأفتتح هذا الملف بهذه القطعة وهي على الأرجح من شعر (أبي هاشم) خالد بن يزيد بن معاوية، ولكني لم أقف على من نسبها إليه، وذلك اجتهاد مني لورود اسم زوجته في مطلعها وهي (رملة بنت الزبير بن العوام) تزوجها بعد مقتل أخيها عبد الله، وقصتها مشهورة، وخالد هذا مؤسس أول دار للترجمة في الإسلام، وأمير حمص وباني مسجدها، له مؤلفات جمة في العلوم البحتة، وكان شاعرا مفلقا، لا يزال شعره مبعثرا في كتب الأدب وقد جمع البلاذري قدرا منه في (أنساب الأشراف) وهو القائل:
أرى زمـنـاً ثـعـالبه iiقيام
على الأشراف تخطر كالأسود
وكان الثعلب الضباح iiيرضى
بما يرث الكلاب من iiالصيود
وانقل هنا رواية الحصري للقطعة في (جمع الجواهر) قال:
وقال جرير بن حازم: كنت في مسجد الجهاضم فقرضت بيت شعر، فقالوا: ما نراك إلا قد أحدثت فتوضأ، فذعرني قولهم؛ فأتيت ابن سيرين وقد قام إلى الصلاة فقلت: رويدك يا أبا بكر! فقال: مَهْيَمْ (1) فعرفته، فقال: هلا رددت عليهم:
ديـارٌ لـرملة إذ iiعيشنا
بها عيشة الأنعم الأفضل
وإذ ودّها فارغٌ iiللصدي
ق لـم تتغيّر ولم iiتذبل
كأنّ الثلوج وماء iiالسحا
ب والـقـرقفيّة iiبالفلفل
وماء القرنفل والزنجبي
ل شيب به ثمر iiالسنبل
يصبّ على برد iiأنيابها
قبيل الصباح ولم iiينجل
(1)مهيم على وزن مرهم: كلمة يمانية بمعنى (ما أمرك وما هذا الذي أرى بك ؟)