مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : التعصب- دراسة قرآنية للمفهوم وأثره الاجتماعي والتاريخي- الجزء الثالث والأخير    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 يوسف  
5 - أغسطس - 2009
التعصب بالأمس واليوم وغداً
 
لا نعلم على وجه الدقة التاريخ الحقيقي لبداية لمسألة التعصب، غير أن كثيراً من أحداث التاريخ العربي تحمل في طياتها سواء ظاهراً أم باطناً شكلاً واحداً على الأقل من أشكال التعصب، ولعل البداية كانت بعد وفاة النبي مباشرة بإعلان احتكار قريش للسلطة مروراً بالاحتكار الأموي ومن ثم العباسي للحكم أضف إلى ذلك المئات من الدويلات التي قامت كلها على مبدأ العائلة أو القبيلة الواحدة، الأمر الذي دفع مفكراً مثل ابن خلدون إلى اعتبار العصبية أحد مقومات الدولة. لماذا لم يستطع العرب والمسلمون حتى اليوم التخلص من هذا الأمر في حين استطاع غيرهم؟ ولعل الأدهى في هذا الموضوع أن العصبية لم تتم على مستوى الممارسة وحسب بل وصلت إلى مستوى النظرية أيضاً، ففيما عدا أبي حنيفة يصر الفقهاء المسلمون على أن "الإمارة لا تكون إلا لقرشي" وزاد أحدهم بقوله "حتى إذا غلب عليها بالسيف وجبت له الطاعة" وهو ما تم تطبيقه وتداوله رغم أن القرشيين أنفسهم لم يكونوا عصبية واحدة، فالمذابح التي قادها العباسيون ضد الأمويين كانت على درجة من الشناعة وصلت حد نبش قبور الخلفاء الأمويين في دمشق، ناهيك عما قام به قبل ذلك فرعا بني أمية لدى انتقال الخلافة من أبناء أبي سفيان إلى مروان بن الحكم وأبنائه فيما بعد وغير ذلك كثير.
 
ما أستغربه في الواقع هو الطوباوية التي يصف المؤرخون بها التاريخ الإسلامي عبر قيامهم بالحديث عن قيم التسامح والمساواة والعدالة والتي يبدو أنها لم توجد سوى في فترة حكم عمر بن الخطاب، فإذا أضفنا إليها المرحلة المدنية من عهد النبي كان المجموع 22 عاماً من أصل 1423 عاماً هي التاريخ الإسلامي حتى اليوم وهنا يبرز حجم هذا الإرث الثقيل والمثقل بالأخطاء والتجاوزات التي تم التغاضي عنها ببساطة لأن المؤرخين والمنظرين والمفكرين كانوا على الدوام أبناء بيئتهم وعصرهم وعاشوا في جو الإرهاب الفكري ذاته الذي يعيشه مؤرخو ومنظرو ومفكرو اليوم مع أطنان إضافية من غسيل الدماغ والنفاق وسيعيشه هؤلاء غداً طالما انتفت إرادة التغيير.
 
يقول الشيخ أمين الخولي: "التجديد هو قتل القديم بحثاً" وبالنظر إلى الحجم الهائل لهذا القديم والذي يعيش في الهواء الذي نتنفسه وفي الطعام الذي نأكله وفي الماء الذي نشربه، يبدو أن الأمر بات يحتاج إلى ثورة اجتماعية من نوع خاص، ثورة تقضي على الموروثات الفاسدة والعصبية والقبلية لتنشئ مفهوماً جديداً للسياسة والحياة، مفهوماً للمجتمع يقوم على قيم العدالة والمساواة لا على قيم القرابة والنسب. إن مجتمع "أكرمكم عند الله أتقاكم" يبدو بعيد المنال كما كان دائماً ولكن التاريخ مليء بالتضحيات التي قدمها رجال ونساء كثيرون في سبيل أفكارهم وعلى رأسهم الأنبياء أنفسهم. هل نبدأ اليوم بخطوة في مشوار المليون ميل؟ يبدو أن الوقت قد حان.


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الرؤى والأحلام    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن النفس البشرية تشتاق وتتطلع إلى معرفة ما يحدث لها في مستقبلها من تغيرات وأحوال. ولما كان أمر الغيب وما يكون في أيامه ولياليه مما استأثر الله - تعالى - بعلمه وحجبه عن خلقه، قال - تعالى -: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:59]. وقال - تعالى -: وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [هود:123]. وقد انساق بعض الناس إلى التطلع إلى معرفة الغيب عن طريق: السحرة والكهان، والعرافين، والرمالين، والمنجمين، وقراءة الفنجان، ومتابعة الأبراج وغيرها، فضلُّوا وأَضلّوا بما أقدموا عليه من أمر محرم، قال: { من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - } [رواه أبو داود]. وقال: { من أتى عرافاً أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - } [رواه أحمد والبيهقي]. وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي عن النبي صلى الله عله وسلم قال: { من أتى عرّافاً فسأله عن شيء فصدّقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً }.
 
هذا مع أن هؤلاء السحرة والكهان لا يعلمون الغيب بنص كتاب الله - عز وجل - ولكنهم يزينون للناس الباطل.
 
أما أهل الإيمان فقد جعل الله لهم رؤى صادقة تبشرهم بالخير وتنذرهم عن الشر.
ومما يُبشر به العبد بعد عمله الصالح الرؤيا الصالحة يراها العبد أو تُرى له. كما أخبر بذلك النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم قال: { لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات؟ قال: { الرؤيا الصالحة } [رواه البخاري].
وما يراه النائم على ثلاثة أنواع: رؤى ومفردها (رؤيا) وهي من الله - تعالى - وهي أصدق ما يرى النائم في نومه، وتتميز هذه الرؤيا بوضوح رموزها وسهولة تعبيرها.
والقسم الثاني: فيما يراه النائم وهو الأحلام ومفردها "حلم" وهي من تلاعب الشيطان بالإنسان خاصة إن كان نائماً على غير طهارة أو نام دون أن يذكر الله.
أما القسم الثالث: مما يرى النائم فهي بعض الصور والمواقف التي غلب عليها فكر الإنسان حال يقظته كأمنية يتمناها وكذلك ما ينتج عن الإكثار من الطعام وامتلاء المعدة وما يحدث من ضيق التنفس وغيرها. عن عوف بن مالك أن النبي قال: { إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها مايهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة } [رواه ابن ماجه].
 
والغالب أن الرؤى في الخير والحلم في غيره وهذا التفريق مقتبس من قول النبي: { الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان } [رواه البخاري].
أما حقيقة الرؤيا فقد قال ابن القيم - رحمه الله -: (إنها أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره ويعبر منه إلى شبهه).
والرؤيا منزلتها في الإسلام رفيعة قال: { الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة } [رواه البخاري].
وعن أنس قال: قال رسول الله: { إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي } قال: فشق ذلك على الناس - أي انقطاع النبوة والرسالة - فقال: { لكن المبشرات } قالوا: يا رسول الله، ما المبشرات؟ قال: { رؤيا المسلم هي جزء من أجزاء النبوة } [رواه الترمذي]. وقد ضل بعض الناس في هذا الأمر فجعلوا الرؤى مصدر تشريع، وقد أنكر عليهم العلماء ذلك، قال الشاطبي: (فلربما قال بعضهم: رأيت النبي في النوم، فقال لي كذا وكذا، فيعمل بها معرضاً عن الحدود الموضوعة في الشريعة وهو خطأ، لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحلام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا.. }.  
وأصدق الناس رؤيا أهل الايمان والصلاح والخير قال: { إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً } [رواه البخاري]. قال في فتح الباري: (وقد ينذر في المنام أحياناً فيرى الصادق ما لا يصح، ويرى الكاذب ما يصح، لكن الأغلب خلاف ذلك والعلم عند الله).
ومن أراد أن تصدق رؤيته فقد قال ابن القيم: (ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأوامر والنواهي، ولينم على طهارة كاملة، مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عينه، فإن رؤياه لا تكذب البتة، وأصدق الرؤيا ما كان بالأسحار فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العتمة (وقت صلاة العشاء) عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية). ومن آداب الرؤيا الصالحة ما وجه إليه النبي حيث قال: { إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها، وليحدث بها. وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره } [رواه البخاري].
أما إذا رأى مكروهاً فليفعل ما أمره النبي: { وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً، فإنها لا تضره } [رواه البخاري]. وفي الحديث الذي رواه مسلم: { وإذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه }. وقال: { لا يحدثنّ أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه } [رواه مسلم].
فإذا رأى المسلم الرؤيا الطيبة فليسأل من يثق بعلمه ودينه وصلاحه، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي كان إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه، فقال: { هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ } [رواه البخاري]. وقال: { إن الرؤيا تقع على ما تعبر به، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً } [رواه الحاكم]. وقال القرطبي عند قوله - تعالى -: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ [يوسف:5]. هذه الآية أصل في ألا تقص الرؤيا على غير شقيق، ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها.
وينبغي للمسلم أن يحذر المغالاة في هذا الباب فلا يلقي باله للأضغاث ولا يكثر السؤال عنها. ولا يطلب سؤال رؤيا إلا ما رأى أنها تستحق التعبير، وإن ترك السؤال مطلقاً فلا حرج.
فالرؤيا تقع على ما تعبر به كما قال: { الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت } [رواه أحمد].
وقد حذر النبي من الكذب في حال اليقظة وفي إدعاء الرؤى، وتوعد بالعذاب الذي يكذب في حلمه لأن الرؤيا جزء من النبوة، قال: { من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل.. } [رواه البخاري].
وقال: { من أفرى الفرى أن يري عينه ما لم ترى } [رواه البخاري].
اللهم وفقنا لعمل الخيرات واجعلنا من أهل البشرى في الدنيا والآخرة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين."
( من موقع مداد).
*د يحيى
11 - يناير - 2010

 
   أضف تعليقك