مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً........    قيّم
التقييم :
( من قبل 17 أعضاء )

رأي الوراق :

 د يحيى 
20 - يوليو - 2009
الإسراء والمعراج
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً
عبدُه ورسولُه من بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً. بلّغ الرسالة وأدّى الامانة ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه. صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرْسَلَه.
أما بعدُ، عبادَ اللهِ فأوصيكم ونفسيَ بتقوى الله العليّ العظيم. يقولُ اللهُ تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (سورة الإسراء/1).
الإسراء والمعراج
إخوةَ الإيمان، إن الإسراء والمعراج من معجزاتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
أما الإسراء فثبَتَ بنصِّ القرآنِ والحديثِ الصحيحِ، فيجبُ الإيمانُ بأنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَسرى الله بهِ ليلاً من مكَّةَ إلى المسجدِ الأقصى.
وقد جاء في تفسيرِ الآيةِ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} السَّبْحُ في اللُّغَةِ التَّباعُدُ ومعنى سَبِّح اللهَ تعالى؛ أي بَعِّدْهُ ونزِّهْهُ عمّا لا ينبغي.
وقوله {بِعَبْدِهِ} أي بمحمَّد
ونِسبةُ النبيِّ الى ربِّه بوصفِ العبوديّة غايةُ الشَرفِ للرسولِ لأنَّ عِبَادَ اللهِ كثير، فَلِمَ خَصَّهُ في هذهِ الآيةِ بالذكّرِ؟ ذلك لتخصيصهِ بالشَّرفِ الأعظم.
وقولُهُ تعالى {لَيْلاً} إنَما قال {لَيْلاً} مع أنَّ الإسراء لا يكونُ إلا في الليل؛ لأنه أراد به تأكيد تقليلِ مدةِ الإسراءِ فإنَّهُ أُسريَ بهِ في بعضِ الليلِ من مكةَ إلى الشام.
وقولُهُ تعالى {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} إنّما سُمّيَ المسجدَ الحرامَ لحُرمَتِهِ؛ أي لشَرَفِهِ على سائرِ المساجدِ؛ لأنَّه خُصَّ بأحكامٍ ليسَتْ لغيره.
والمسجدُ الأقصى إنما سُمِّيَ بذلكَ لبُعْدِ المسافةِ بينَهُ وبينَ المسجدِ الحرامِ.
وقولُهُ تعالى {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} قيلَ: لأنّه مَقَرُّ الأنبياءِ ومَهبِطُ الملائكةِ، لذلكَ قالَ إبراهيمُ عليهِ السلام {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}؛ أي إلى حيثُ وجَّهنِي ربِّي أي إلى بَرِّ الشامِ لأنهُ عَرَفَ بتعريفِ اللهِ إياه أنَّ الشامَ مَهْبِطُ الرَّحماتِ وأنَّ أكثرَ الوحْيِ يكونُ بالشامِ وأنَّ أكثرَ الأنبياءِ كانُوا بها.
قال تعالى {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}؛ أي ما رأى تلكَ الليلةَ من العجائبِ والآياتِ التي تَدُلُّ على قدرةِ الله.
الإسراء والمعراج
إخوة الإيمان، لقد أجمعَ أهلُ الحقِّ على أنَّ الإسراء كان بالروحِ والجَسَدِ وفي اليقظةِ ومن أنكرهُ فقد كذّبَ القرآن.
وقد كانت تلكَ المعجزةُ العظيمةُ في السنةِ الخامِسَةِ قبلَ الهجرةِ فقد جاءَهُ جبريلُ ليلاً إلى مكَّةَ وهو نائمٌ ففتَحَ سَقْفَ بيتِهِ ولم يهبِطْ عليهِم لا ترابٌ ولا حجرٌ ولا شيءٌ وكان النبيُّ حينَها في بيتِ بنتِ عمّه أمّ هانىءٍ بنتِ أبي طالبٍ أختِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ في حيّ اسمه أجياد، كان هو وعَمّه حمزةُ وجعفرُ بنُ أبي طالب نائمين والرسولُ كانَ نائماً بينهما فأيقظَهُ جبريلُ ثم أركبَهُ على البُراقِ خلفَهُ وانطلقَ بهِ والبُراق دابةٌ من دوابِّ الجنّةِ وهو أبيض طويلٌ يضَعُ حافِرَهُ حيثُ يَصِلُ نظرُهُ ولما يأتي على ارتفاعٍ تطولُ رجلاهُ ولما يأتي على انخفاضٍ تقصُرُ رجلاه، وانطلقَ بهِ البُراقُ حتى وصلا عندَ الكعبةِ حيثُ شُقَّ صدرُه من غيرِ أن يُحِسَّ بألم ثم أُعيد كما كان وذلك بعد أن غُسِلَ قَلبه وملىء إيماناً وحكمة وكل هذا؛ إعداداً للأمر العظيم الذي يسقبله ثم انطلقا حتى وصلا إلى أرضِ المدينةِ فقالَ له جبريلُ " انزِل " فنزل فقالَ له "صلِّ ركعتينِ" فَصَلّى ركعتين، ثم انطلَقَ فوصَلَ بهِ الى بَلَدٍ اسمُها مَدْيَن وهي بلدُ نبيِ اللهِ شُعَيب فقال له انزِل فَصَلِّ ركعتينِ ففعَلَ ثم مثل ذلِكَ فَعَلَ في بيتِ لحمٍ حيث وُلِدَ عيسَى ابنُ مريمَ عليهِ السلام.
ثم أتى بيتَ المقدِسِ فربَطَ البُراقَ بالحَلَقَةِ التي يَرْبِطُ بها الأنبياءُ ثم دخلَ المسجدَ الأقصى فصلَّى فيهِ ركعتين.
وصلّى بالأنبياء إماماً، الله جمَعَهم له هُناك كلّهم؛ تشريفاً له، ولما خرج جاءهُ جبريلُ عليه السلام بإناءٍ من خمرِ الجنةِ لا يُسكِرُ وإناءٍ من لبَنٍ فاختَارَ النبيُ اللبنَ فقال لهُ جبريل "اخترتَ الفِطرةَ "؛ أي تمسَّكْتَ بالدين.

 1  2  3 

*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الإسراء......والمعراج (2)    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم
 
ومن عجائبِ ما رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الإسراء ما رواه الطبراني والبزّارُ من أنّهُ رأى المجاهدينَ في سبيلِ اللهِ وكيف كان حالهم، ورأى تاركي الصلاة وكيف كان حالُهم، والذين لا يُؤدونَ الزكاةَ وكيف كانَ حالُهم، والزُناةَ وكيف كان حالُهم، والذين لا يؤدّون الأمانة وكيف كان حالُهم، وخطباءَ الفتنةِ وقد رآهم تُقَصُّ ألسنتهم بمِقَصَّاتٍ من نارٍ وما أكثرَهم في أيّامنا هذه.....
ورأى الذين يتكلمونَ بالكلمةِ الفاسدةِ وما أكثرَهم في أيّامنا هذه، ورأى إبليسَ ورأى الدنيا بصورةِ عجوزٍ.
ورأى آ كلي الّربا وكيفَ كان حالُهم، ورأى آ كلي أموال اليتامى وكيف كان حالُهم ،ورأى شاربي الخَمْرِ وكيف كان حالُهم، والذين يمشُونَ بالغيبةِ وكيف كان حالُهم. ثم شمَّ رائحةً طيبةً من قبرِ ماشطةَ بنتِ فِرعون وكانت مؤمنةً صالحةً وجاء في قصتها أنها بينما كانت تمشِطُ رأس بنتِ فِرعون سَقَطَ المِشْطُ من يدِها فقال " بسم الله " فسألَتْها بنتُ فرعون " أو لكِ رَبٌّ إلهٌ غيرُ أبي " فقالتِ الماشِطَةُ " ربي وربُّ أبيك هو الله " فقالت "أأُخبرُ أبي بذلِك " قالت " أخبريهِ " فأخبرتُهُ فطلبَ منها الرُّجُوعَ عن دِينها فأبتْ فحمَّى لها ماءً حتّى صارَ شديدَ الحرارةِ مُتَنَاهياً في الحرارةِ فألقى فيهِ أولادَها واحداً بعد واحدٍ ثم لما جاءَ الدورُ إلى طفلٍ كانت تُرضِعُهُ تقاعَسَتْ؛ أي صار فيها كأنها تتراجَعُ ازدادَ خوفُها وانزعاجُها وقلقُها فأنطق اللهُ تعالى الرضيعَ فقال " يا أمّاهُ اصبِري فإنَّ عذابَ الآخرةِ أشدُّ من عذابِ الدنيا فلا تتقاعسي فإنّكِ على الحقِّ ".
فتجالَدَتْ فرمَى الطِفْلَ فقالتْ لفرعون "لي عندك طلب أن تجمعَ العظامَ وتدفِنَها " فقالَ " لكِ ذلِكَ " ثم ألقاها فيه.
ثم نُصِبَ المعراج والمعراج مِرقاة شِبْهُ السُّلَّم درجةٌ من ذهبٍ
 وأما المعراجُ فقد ثبت بنصِّ الأحاديثِ، وأما القُرآنُ فلم ينُصَّ عليه نصَّاً صريحاً لا يحتمل تأويلاً، لكنّه وردَ فيه ما يكادُ يكونُ صريحاً وهو قولُهُ تعالى { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} (سورة النجم/14-15-16).
ثم صَعِدَ به جبريلُ حتى انتهيَا الى السماءِ الأُولى، وفي السماءِ الأولى رأى آدَمَ وفي الثانيةِ رأى عيسى ويحيى وفي الثالثةِ رأى يوسُفَ.
قال عليه الصلاةُ والسلامُ " وكان يوسُفُ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ " يعني نِصْفَ جَمَالِ البشَرِ الذي وُزِّعَ بينهم وفي السادسةِ رأى موسى وفي السابِعَةِ رأى إبراهيمَ وكانَ أشْبَهَ الأنبياءِ بسيدنا محمد من حيث الخِلْقَةُ ورآهُ مُسْنِداً ظهرَهُ إلى البيتِ المعمُورِ الذي يدخُلُه كُلَّ يومٍ سبعُونَ ألفَ مَلَكٍ ثم لا يعُودونَ إليهِ
ثم ذُهِبَ برسولِ اللهِ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى وهي شجرةٌ عظيمةٌ وبها من الحُسْنِ ما لا يستطيعُ أحدٌ من خَلْقِ اللهِ أن يَصِفَهُ، وجَدَهَا يغشاها فَراشٌ من ذَهبٍ وأوراقُها كآذانِ الفيلَةِ وثِمارُها كالقِلالِ والقِلالُ جمْعُ قُلَّة وهي الجَرَّةُ، وهذه الشجرةُ أصلُها في السماء السادسةِ وتمتدُ إلى السابعةِ ثم سارَ سيدُنا محمد وحدَهُ حتى وصَلَ إلى مكانٍ يسمَعُ فيهِ صريفَ الأقلامِ التي تنسَخُ بها الملائكةُ في صُحفِهَا من اللوحِ المحفوظِ ثم هُناكَ أزالَ اللهُ عنْهُ الحِجَابَ الذي يَمنعُ من سَماعِ كلامِ اللهِ الذي ليسَ حرفاً ولا صوتاً، أسمَعَهُ كلامَهُ.
ثم هناك أيضاً أزَالَ عن قلبِهِ الحجابِ فرأى اللهَ تعالى بقلبِهِ أي جَعَلَ اللهُ له قوَّةَ الرُؤيةِ والنظَرِ بقلبه، فرأى اللهَ بقلبهِ ولم يَرَهُ بعينَيْ رأسِهِ لأنَّ اللهَ لا يُرَى بالعينِ الفانِيَةِ في الدنيا وإنما يُرى
بالعينِ الباقيةِ في الآخرةِ كما نصَّ على ذلك الإمامُ مالِكٌ رضي اللهُ عنه.
ولو كان يراهُ أحدٌ بالعينِ في الدنيا كان رآه سيدُنا محمد، لذلك قال عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "واعلَمُوا أنَّكُم لن تَرَوا ربَّكُم حتّى تموتوا ".
ثم إنّ نبينا لما رجَعَ من ذلِكَ المكانِ كان من جملةِ ما فَهِمَهُ من كلامِ اللهِ الأزليِ أنّهُ فُرِضَ عليه خمسون صلاة ثم رجَع فوجد موسى في السماءِ السادسةِ فقال له " ماذا فرضَ اللهُ على أُمَّتِكَ" قال: " خمسين صلاة " قال "ارجِع وسلْه التخفيف" أي ارجع الى حيثُ كُنْتَ وسَلْ ربَّكَ التخفيف فإني جرَّبْتُ بني اسرائيلَ فُرِضَ عليهم صلاتان فلم يقُوموا بهما" فرجعَ فَطَلَبَ التخفيفَ مرةً بعد مرَّةٍ إلى أن صاروا خمسَ صلواتٍ.

وهذا فيه دليلٌ على أن الأنبياءَ ينفعُونَ بعدَ موته
وليُعلم أنَّ المقصودَ بقولِهِ تعالى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} جبريلُ عليهِ السلام حيثُ رآهُ الرسولُ وله سِتُّ مِئةِ جَنَاحٍ سَادَّاً عُظْمُ خَلْقِهِ ما بينَ الأفُقِ، فإنَّ جبريلَ اقتربَ من سيِّدِنا محمدٍ فكان ما بينهما من المسافَة بمقدارِ ذراعينِ بل أقرَب.
ولا يجوزُ تفسيرُ الآيةِ بأنَّ محمداً دَنَا مِنَ اللهِ لأنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكان ولا أحَدَ قريبٌ منهُ بالمسافةِ.
ثم إنَّ الرسولَ لمّا رَجَعَ أخبرَ قومَهُ بما حَصَلَ مَعَهُ فقالُوا له "من هنا إلى هناكَ مسيرةُ شهرٍ" وكان فيهم من يعرِفُ بيتَ المقدِس فقالوا له "كم باباً ببيتِ المقدِس" كان هو بالليلِ ما تأكّدَ عدَدَ الأبواب تضايقَ ثم كشَفَ اللهُ له فأراهُ فصارَ يعدُّ لهم وهو ينظرُ إلى الأبواب واحداً واحداً فسكتوا، ثم أبو بكر قيلَ لهُ " صاحبُك يدّعي أنّه أُسريَ به " قال " إنّهُ صادقٌ في ذلك.

عن خبرِ السماءِ أنا أُصَدِّقُهُ فكيف لا أُصدقُهُ عن خبر الأرض".
إخوة الايمان، إنَّ الواحدَ مِنَّا ينبغي لهُ أن يَعْمَلَ لآخرتِهِ وكأنَّهُ سيمُوت غَداً وينبغي لَهُ في كُلِّ أيّامِهِ أن يذكُرَ الموتَ وأنهُ قريبٌ حتى لا يَغفُلَ فينجَرَّ إلى ما يُرضي اللهَ خصوصاً وأنَّ كثيراً من الناسِ تزدادُ غَفْلَتَهُم في هذهِ الأيامِ فيغرَقُونَ في المعاصي والمُنكَراتِ بَدَلاً من أنْ يعتبِروا ويقُولوا قد مضَى من عُمُرنا كذا وكذا من السنين فماذا أعدَدْنا ليومِ المعادِ ومن أخطأنا معه لنستسمحه، وكأن بعضَهُم لم يسمَعْ بجهنمَ وما أوعَدَ اللهُ بهِ أهلَها.

النارُ أي جهنمُ يا عبادَ الله حقٌ فيجبُ الإيمانُ بها وبأنّها مخلوقةٌ
الآن وقد أُوقِدَ عليها ألفُ سنةٍ حتى احمرَّتْ وألفُ سنةٍ حتى ابيضتْ وألفُ سنةٍ حتى اسودّت فهي سوداءُ مظلِمة. وقد جعل اللهُ فيها عَقَارِبَ كالبِغَالِ وحيّاتٍ الحيةُ الواحِدةُ كالوادي وجعَلَ طعام أهلِها من ضَرِيعٍ وهو شجرٌ كريهُ المنظرِ كريهُ الطعمِ وجَعَلَ شَرابَ أهلِها مِنَ الماءِ الحارِ المتناهي الحرارة الذي تتقطَّعُ منهُ أمعاؤُهُم وجعلَ ما بينَ منكِبَيِ الكافرِ مسيرةَ ثلاثةِ أيامٍ وذلك ليزدادَ الكافِرُ عذاباً. فهل من مُعْتَبِرٍ؟
*د يحيى
20 - يوليو - 2009
يارب اهدنا في من هديت......    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم
 
إخوتي الكرام سراة الوراق....
وإذ إن اليوم هو السابع والعشرون من شهر رجب (الإسراء والمعراج)، فإنه ليسعدني أن أهنئ حضراتكم بهذه المناسبة التي هي نعمة من نعم الله علينا . قال تعالى :
" وذكّرهم بأيام الله".
وأحب أن أسترعيَ انتباهكم يا إخوتي الأفاضل بأن المقال الآنف منقول برمته من أحد المواقع، فجزى الله صاحبه خيراً . وكلّ عام وأنتم إلى الله أقرب.
*د يحيى
20 - يوليو - 2009
" إن الحسنات يذهبن السيئات " . صدق الله العظيم    ( من قبل 10 أعضاء )    قيّم
 
http://news.google.com/news?q=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A1+%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%AC&rls=com.microsoft:en-us:IE-Address&oe=UTF-8&sourceid=ie7&rlz=1I7ACEW_enUS332US332&um=1&ie=UTF-8&hl=ar&ei=PGFkSuWIIILQtgO-3cjxAQ&sa=X&oi=news_group&ct=title&resnum=4
*د يحيى
20 - يوليو - 2009
مناسبة مباركة    ( من قبل 10 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله إنه هو السميع البصير" .
أشكر شيخي العزيز أبا بشار على هذه التهنئة بهذه المناسبة المباركة ؛ داعيا الله العلي القدير أن يعيدها علينا ونحن بحال أقرب إلى الله تعالى وكتابه وسنة نبيه ، إنه سميع مجيب . المسجد الأقصى المبارك يشكو شكوى مرة مما حل ويحل به من عدوان عليه وعلى ما حوله من ارض مباركة ، فعسى أن تكون هذه المناسبة الشريفة مدعاة إلى اهتمام المسلمين الفعلي بحال المسجد الأقصى التي هو فيها .
والآن إلى هذا التعليق:
ومن أنكرهُ فقد كذّبَ القرآن.
فتوى منقولة من هنا :
سؤال : هل كانت حادثةالإسراء والمعراج للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بالروح فقط أم بالروح والجسد معا؟
الإجابة من المفتي الشيخ عطية صقر :
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر:
 اختلف العلماء في الإسراء والمعراج : هل كان بروح النبي -صلى الله عليه وسلم- وجسده أو كان بروحه فقط؟
والصحيح أنه كان بالروح والجسد معاً ، كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والمتكلمين وذلك لما يأتي :
 1 - أن الله -تعالى- قال: { أسرى بعبده } ولفظ العبد لا يطلق في اللغة على الروح فقط، بل على الإنسان كله: روحه وجسده، كما جاء ذلك في مواضع كثيرة من القرآن الكريم مثل قوله تعالى { أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى } [ العلق: 9 ، 10 ] وقوله { وأنه لما قام عبد الله يدعوه } [ الجن: 19 ] .
2 - أن الإسراء بالروح فقط ليس أمرًا خارقًا للعادة، بل هو أمر عادي يحصل للناس في فترة النوم حيث تكون للروح جولات بعيدة في الكرة الأرضية تقضيها بوسائل غير عادية في مدة لا تحسب بالزمن العادي لحركة الجسم، ولو كان كذلك فلا داعي لأن يجعله الله تكريمًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويصدّر الخبر بقوله { سبحان } وما فيه من معنى العظمة والجلال الذي يقرن دائمًا بكل أمر عظيم .
 3- أن الله -تعالى- قال { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } [ الإسراء: 60 ] أي امتحانًا واختبارًا لهم كيف يصدقونها، وذلك لا يكون إلا إذا تمت الرحلة بالجسد والروح معاً، فليس في إسراء الروح فقط فتنة ولا غرابة، ولذلك حين سمع المشركون خبرها كذبوا أن تتم في ليلة مع أنهم يقطعون هذه المسافة على ظهور الإبل في أيام عدة.
 4 - أن الإسراء بالروح والجسد معًا هو فعل الله - سبحانه - وليس فعل سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - والعقل لا يحيل ذلك على قدرة الله، فهو على كل شيء قدير، وليس هناك ما يمنع قبول الخبر الموثوق به في حصوله بالروح والجسد معًا .
 هذا ومن قال: إن هذه الرحلة كانت بالروح فقط - استند إلى قوله تعالى { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } [ الإسراء: 60 ] حيث قال : إن الرؤيا مصدر "رأى" الحُلْمية لا البصرية، فإن مصدر " رأي " البصرية هو رؤية. لكن أجيب على ذلك بأن الرؤيا والرؤية مصدران لرأى البصرية مثل: قُرْبى وقُرْبة، قال المتنبي وهو من كبار الشعراء:
  ورؤياك أحلى في الجفون من الغمض
وإن كان ابن مالك وغيره خطؤوه في ذلك، لكن ليس كلامهم حجة حتى لو كان كلام المتنبي غير حجة. وقال ابن عباس في تفسير الآية : إنها رؤية عين، كما رواه البخاري .
كما استدل القائل بأن الإسراء كان بالروح فقط بقول عائشة رضي الله عنها:
ما فُقد جسده الشريف ، لكن رد هذا بما يأتي :
1 - أن هذا الحديث ليس ثابتًا عنها؛ لأن سنده فيه انقطاع وراوٍ مجهول، وقال ابن دحية: إنه موضوع.
 2 - أنها لم تُحدّث به عن مشاهدة، بل عن سماع؛ لأنها لم تكن قد تزوجته إذ ذاك، بل لم تكن ولدت على الخلاف في زمن الإسراء متى كان .
3 - أنها كانت تقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير ربه رؤية عين؛ وذلك لاعتقادها أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد معًا، ولو كان ذلك منامًا أي بالروح فقط لم تنكره، وما دام الحديث المنسوب إلى عائشة غير صحيح فلا داعي للتحايل في تفسيره بقول بعضهم: إن معنى: ما فقد جسده الشريف، ما تركت الروح جسده الشريف والمهم أن الإسراء قد تم، وقد أخبر الله عنه في القرآن الكريم، وهذا هو القدر الواجب اعتقاده، أما أن يكون على كيفية كذا أو كذا فذلك ما لا يتحتم اعتقاده، ولكل أن يختار ما يشاء، مع اعتقاد أن الله على كل شيء قدير، وأن رؤيا الأنبياء حق باتفاق العلماء، ولا داعي للخلاف في هذه النقطة، ومن أراد الاستزادة من المعرفة فليرجع إلى كتاب " المواهب اللدنية " للقسطلاني في المقصد الخامس الخاص بالإسراء والمعراج مع شرح الزرقاني (ج 6 ص 3 وما بعدها ) .
 والله أعلم .أ.هـ

يتبين من الفتوى المذكورة أن من يقول بأن واقعة الإسراء والمعراج كانت بالروح دون الجسد لن يكون من المكذبين بالقرءان الكريم ، ولو كان كذلك لكان من الكفار المرتدين ؛ ولكنه اجتهد متأولا معاني الآيات بأدلة تغاير أدلة غيره .
 ونحن ، وإن كان معظمنا على رأي الجمهور في هذه الواقعة العظيمة ، فإننا لا يمكننا القطع بأي الأدلة هي الصحيحة ، وندع الخلاف في ما لا جدوى من الخلاف فيه كما ورد في الفتوى التي نقلتها .
ولقد رأيت أن من المناسب هنا أن اذكر ما طالعته قبل أيام في موضوع " التكفير" مما قاله الإمام الشوكاني رحمه الله ، في " الروضة الندية... " ، وكرره في " السيل الجرار..." قال : " وأما قول بعض أهل العلم أن المتأول كالمرتد ، فهنا تسكب العبرات ، ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر ، لا لسنة ولا لقرآن ، ولا لبيان من الله ولا لبرهان" .
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
21 - يوليو - 2009
كيف ؟    ( من قبل 11 أعضاء )    قيّم
 
ونحن ، وإن كان معظمنا على رأي الجمهور في هذه الواقعة العظيمة ، فإننا لا يمكننا القطع بأي الأدلة هي الصحيحة" .
 
 
*"... بعبده..." .  !!!!
 
هل بعد كلام الله كلام ؟
*د يحيى
21 - يوليو - 2009
من كتابي : النحو القرآني ، الملخص من كتاب (دراسات....)    ( من قبل 10 أعضاء )    قيّم
 
(سوف) أشد تراخياً في الاستقبال من السين
في المُفَصَّل (2/210) : « وفي (سوف) دلالة على زيادة تنفيس ».
وفي شرح المفصل لابن يعيش (8/148-149) : « معناها التنفيس في الزمان ، فإذا دخلا على فعل مضارع خلصاه للاستقبال ، وأزالا عنه الشياع ، إلاّ أنّ (سوف) أشدّ تراخياً في الاستقبال من السين وأبلغ تنفيساً ».
وفي شرح الكافية للرضي (2/208) : « و(سوف) أكثر تنفيساً من السين... ».
مسألة في الاستثناء
إذا قال : له عليَّ عشَرةُ دراهمَ غيرَ درهمٍ [ بنصب غير ] ، فيكون قد أقرَّ له بتسعة. وإذا قال : له عليَّ عشَرةٌ غيرُ درهمٍ  [ برفع غير ] ، فيكون قد أقرَّ بعشَرة ؛ لأنّ غيراً مع النصب استثناء ، ومع الرفع صفة وليست باستثناء.
[منثور الفوائد للأنباري ، المسألة 101 ص52 ، المغني ص169 ط1 المبارك].
                                                                                                      [ لـقـد ]
يرى جمهور النحويين أن الفعل الماضي المثبت الواقع في جواب القسم حقُّه اللام و(قد) ، فإنْ ذُكر أحدهما ، قُدِّر الآخرَ :
في سيبويه (1/474 ب) : « ولكنه على إرادة اللام ؛ كما قال عزّ وجل : « قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا » وهو على اليمين . وكان في هذا حسناً حين طال الكلام ».
وفي المقتضب ( 2/335-336 ) : « فأما قولك : والله لكذب زيد كذباً ما أحسب الله يغفره له – فإنما تقديره : لقد ؛ لأنه أمر قد وقع ».
وفي ص337 : « فأمّا قوله : « وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا » فإنما وقع القسم على قوله : « قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا » ، وحذفت اللام لطول القصة ؛ لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل ».
وفي المغني 2/170-171 : « وقال الجميع : حق الماضي المثبت المجاب به القسم أن يقرن باللام و(قد) ، نحو : « تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا » ... ».
وفي المغني 1/149 : « ذكر ابن عصفور أن القسم إذا أجيب بماض متصرف مثبت فإنْ كان قريباً من الحال جيء باللام و(قد) جميعاً ؛ نحو : « تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا » ، وإنْ كان بعيداً جيء باللام وحدها ، كقوله :
انظر : [ البحر 4/320 ، الكشاف 2/67 ].
اللام من ( لـقـد )
 هي لام التوكيد ، وتسمى لام الابتداء. ويحتمل أن تكون جواباً لقسم محذوف.
انظر : [ البحر 1/345 ، 3/130 ، 6/106 ].
*د يحيى
22 - يوليو - 2009
الخلاف في الكيفية لا يكفر احدا    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
   حادثة الإسراء والمعراج لا تكفي مئات الصفحات للكتابة فيها ؛ لذا يمكن القول ، وبإيجاز :
لا أحد من المؤمنين بالله تعالى وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر يقول إن بعد كلام الله كلام . وكلمة " بعبده " لم يغفل عنها الذين روي عنهم القول بان الإسراء كان بالروح ( على افتراض أن الروح يقصد بها النفس )، ومنهم من السلف ،على ما ذكرته الروايات ، السيدة عائشة ، ومعاوية ، والحسن البصري ، غفر الله لهم ورضي عنهم . المهم في الأمر أن هناك خلافا . ولو كانت كيفية الإسراء معلومة بشكل قاطع الدلالة لما اختلف في كيفيتها اثنان ؛ لذا فإن القول بالراجح عند الجمهور من الروايات التي ذكرت أن الإسراء كان بالروح والجسد لا يعني أن من يخالفها مكذب بالقرءان الكريم . أما الذي ينكر حادثة الإسراء من أصلها ، فإنه بذلك ينكر آية من آيات القرءان ، وهذا الذي يمكن الحكم عليه بأنه يكذب القرءان .
   ((وأما من أنكر الإسراء بالجسم؛ فهو لا يكفر؛ لأنه قال به بعض السَّلف؛ قالوا‏:‏ إنَّ الإسراء بالرُّوح فقط، يقظة لا منامًا‏.‏ وإن كان هذا القول مرجوحًا وضعيفًا، لكن من أخذ به؛ فإنه يكون مُخطئًا، ولا يكفر بذلك‏.‏)) (من فتوى منسوبة للشيخ صالح بن فوزان ) .
ولو أنكر مسلم أن عصا موسى عليه السلام انقلبت إلى حية تسعى عندما أمر الله تعالى عبده موسى عليه السلام بإلقائها ، لكان مكذبا بما أنزل الله من القرءان ؛ ولكن إن اختلف الناس في كيفية حدوث ذلك الانقلاب ( لو كان هناك داع للبحث في تلك الكيفية) فإن اختلافهم لا يجعل منهم مكذبين بالقرءان أبدا . المهم هو البحث في دواعي الاختلاف في ما هو غيبي ، وما هي الحاجة إليه .
   رأي متواضع :
الخلاف في كيفية الإسراء وما يشبهه من أمور غيبية يمكن أن يكون ناتجا من الخلاف حول التشبيه الذي يمكن أن يؤدي إلى التجسيم ، و المجاز الذي يمكن أن يؤدي إلى التعطيل . فالذي يقول ، مثلا : إن لله تعالى يدا ولكننا لا نعرف هيئتها يتعارض قوله مع من يقول : إن يد الله تعالى هي مقدرته وسيطرته وهيمنته . وواقعة الإسراء ، سواء كانت بالروح والجسد ، أو بالروح وحدها ، وكانت في اليقظة او كانت في المنام ، فهي حادثة فيها من الإعجاز ما فيها ولا يُنقص من إعجازها الخلاف في كيفيتها . وليس غريبا أن تجد من يقول : إن الإسراء حدث مرتين ؛ في المنام مرة ، وفي اليقظة مرة أخرى . أقول هذا بعد أن طالعت في إحدى المواقع ما يلي :
" وذهبت طائفة ثالثة منهم شيخنا القاضي أبو بكر [ بن العربي ] رحمه الله إلى تصديق المقالتين وتصحيح الحديثين وأن الإسراء كان مرتين إحداهما : كان في نومه وتوطئة له وتيسيرا عليه كما كان بدء نبوته الرؤيا الصادقة ليسهل عليه أمر النبوة فإنه عظيم تضعف عنه القوى البشرية وكذلك الإسراء سهله عليه بالرؤيا ، لأن هوله عظيم فجاءه في اليقظة على توطئة وتقدمة رفقا من الله بعبده وتسهيلا عليه ورأيت المهلب في شرح البخاري قد حكى هذا القول عن طائفة من العلماء وأنهم قالوا : كان الإسراء مرتين مرة في نومه ومرة في يقظته ببدنه - صلى الله عليه وسلم – " . والله تعالى اعلم .
   " بعبده " :
ما يهمنا من معنى " بعبده " هو مقام العبودية ، وما أعظمه من مقام!! فالعبد من المفترض فيه طاعته سيده دون نقاش ولا جدال ، وهذا ما كان عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع الله مولاه جل جلاله . ويشبه الخلاف في كيفية حادثة الإسراء الخلاف في كيفية وفاة سيدنا عيسى عليه السلام ومعناها .
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
22 - يوليو - 2009
ضوء الصباح يغني عن المصباح    ( من قبل 27 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
" حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن السائب، عن أبـي صالـح بن بـاذام عن أمّ هانىء بنت أبـي طالب، فـي مسرى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، أنها كانت تقول: ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ وهو فـي بـيتـي نائم عندي تلك اللـيـلة، فصلـى العشاء الآخرة، ثم نام ونـمنا، فلـما كان قُبَـيـل الفجر، أهبَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلـما صلـى الصبح وصلـينا معه قال: " يا أُمَّ هانِىءٍ لَقَدْ صَلَّـيْتُ مَعَكُمُ العِشاءَ الآخِرَةِ كمَا رأيْتِ بهَذَا الوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ فَصَلَّـيْتُ فِـيهِ، ثُمَّ صَلَّـيْتُ صَلاةَ الغَدَاةِ مَعَكُمُ الآنَ كمَا تَرَيْنَ "

قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم:
" بَـيْنا أنا عِنْدَ البَـيْتِ بـينَ النائمِ والـيَقْظانِ، إذْ سَمِعْتُ قائلاً يَقُولُ، أحَدُ الثلاثَةِ، فأتِـيتُ بطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِـيها مِنْ ماءِ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرِي إلـى كَذَا وكَذَا قال قتادة: قلت: ما يعني به؟ قال: إلـى أسفل بطنه قال: فـاسْتَـخْرَجَ قَلْبِـي فغُسلَ بِـمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أُعِيدَ مَكانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إيـمَاناً وَحِكْمَةً، ثُمَّ أتِـيتُ بِدَابَّةٍ أبْـيَض " ، وفـي رواية أخرى: " بِدَابَّة بَـيْضَاءَ يُقالُ لَهُ البُرَاقُ، فَوْقَ الـحِمارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فحُمِلْتُ عَلَـيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقْنا حتـى أتَـيْنا إلـى بَـيْتِ الـمَقْدِسِ فَصَلَّـيْتُ فِـيِه بـالنَّبِـيِّـينَ والـمُرْسَلِـينَ إماما، ثُمَّ عُرِجَ بِـي إلـى السَّماءِ الدُّنْيا " .. فذكر الـحديث
 
" بَـيْنا أنا نائمٌ فـي الـحِجْرِ جاءَنِـي جبْرِيـلُ فَهَمَزَنـي بِرجله، فجَلَسْتُ فَلَـمْ أرَ شَيْئا، فَعُدْتُ لِـمَضْجَعي، فجاءَنِـي الثَّانِـيَةَ فَهَمَزَنِـي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَـمْ أرَ شَيْئاً، فَعُدْتُ لِـمَضْجَعي، فجاءَنـي الثَّالِثَةَ فَهَمَزَنِـي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأخَذَ بعَضُدِي فَقُمْتُ مَعَهُ، فخَرَجَ بِـي إلـى بـابِ الـمَسْجدِ، فإذَا دَابَّةٌ بَـيْضَاءُ بـينَ الـحِمارِ والبَغْلِ، لَهُ فِـي فَخِذَيْهِ جَناحان يَحْفِزُ بِهما رِجْلَـيْهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِـي مُنْتَهَى طَرْفهِ، فحَمَلَنـي عَلَـيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مَعي، لا يَفُوتُنـي وَلا أفُوتُهُ " .( الطبري).
 
 
"...والظاهر أن هذا الإسراء كان بشخصه ولذلك كذبت قريش به وشنعت عليه، وحين قص ذلك على أم هانىء قالت: لا تحدث الناس بها فيكذبوك ولو كان مناماً استنكر ذلك وهو قول جمهور أهل العلم، وهو الذي ينبغي أن يعتقد. وحديث الإسراء مروي في المسانيد عن الصحابة في كل أقطار الإسلام، وذكر أنه رواه عشرون من الصحابة. قيل وما روي عن عائشة ومعاوية أنه كان مناماً فلعله لا يصح عنهما، ولو صح لم يكن في ذلك حجة لأنهما لم يشاهدا ذلك لصغر عائشة وكفر معاوية إذ ذاك، ولأنهما لم يسندا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا حدّثا به عنه. وعن الحسن كان في المنام رؤيا رآها وقوله: { بعبده } هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أبو القاسم سليمان الأنصاري: لما وصل محمد صلى الله عليه وسلم إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعارج أوحى الله إليه: يا محمد بمَ أشرِّفك؟ قال: يا رب بنسبتي إليك بالعبودية، فأنزل فيه { سبحان الذي أسرى بعبده } الآية انتهى. وعنه قالوا: عبد الله ورسوله، وعنه إنما أنا عبد وهذه إضافة تشريف واختصاص. وقال الشاعر:
لا تدعني إلا بيا عبدها
   
لأنه أشرف أسمائي
وقال العلماء: لو كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة". ( البحر المحيط).
 
" يمجد تعالى نفسه، ويعظم شأنه؛ لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره، ولا رب سواه، { ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم { لَيْلاً } أي: في جنح الليل { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وهو مسجد مكة { إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } وهو بيت المقدس الذي بإيلياء؛ معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جمعوا له هناك كلهم، فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين". (ابن كثير).
الآن :
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ): [ شيعي]
".....ثم ساق الحديث إلى أن قال " فلما انتهيت إلى بيت المقدس إذا ملائكة نزلت من السماء بالبشارة والكرامة من عند رب العزة وصليت في بيت المقدس, وفي بعضها, بشَّر لي إبراهيم في رهط من الأنبياء ثم وصف موسى وعيسى ثم أخذ جبرائيل (ع) بيدي إلى صخرة فأقعدني عليها فإذا معراج إلى السماء لم أر مثلها حسناً وجمالاً فصعدت إلى السماء الدنيا ورأيت عجائبها وملكوتها وملائكتها يسلّمون عليَّ, ثم صعد بي جبرائيل إلى السماء الثانية, فرأيت فيها عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا, ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فرأيت فيها يوسف, ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فرأيت فيها إدريس, ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فرأيت فيها هارون, ثم صعد بي إلى السادسة فإذا فيها خلق كثير يموج بعضهم في بعض وفيها الكروبيون, ثم صعد بي إلى السابعة بأبصرت فيها خلقاً وملائكة ".
وفي حديث أبي هريرة " رأيت في السماء السادسة موسى ورأيت في السماء السابعة إبراهيم (ع) قال ثم جاوزناها متصاعدين إلى أعلى عليين " ووصف ذلك إلى أن قال " ثم كلَّمني ربي وكلمته ورأيت الجنة والنار ورأيت العرش وسدرة المنتهى ثم رجعت إلى مكة فلما أصبحت حدثت به بالناس فكذَّبني أبو جهل والمشركون " وقال مطعم بن عدي: أتزعم أنك سرت مسيرة شهرين في ساعة أشهد أنك كاذب.

قالوا: ثم قالت قريش أخبِرْنا عما رأيت فقال:
" مررت بعير بني فلان وقد أضلوا بعيراً لهم وهم في طلبه وفي رحلهم قعب مملوء من ماء فشربت الماء ثم غطيته كما كان فسألوهم هل وجدوا الماء في القدح قالوا هذه آية واحدة " قال: " مررت بعير بني فلان فنفرت بكرة فلان فانكسرت يدها " فسألوهم عن ذلك فقالوا هذه آية أخرى. قالوا: فأخبرنا عن عيرنا قال: " مررت بها بالتنعيم " وبيَّن لهم إجمالها وهيئاتها وقال: " تقدَّمها جمل أورق عليه قرارتان محيطتان ويطلع عليكم عند طلوع الشمس " قالوا: هذه آية أخرى " ثم خرجوا يشتدون نحو التيه وهم يقولون لقد قضى محمد بيننا وبينه قضاء بَيِّنا وجلسوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبوه فقال قائل: والله إن الشمس قد طلعت وقال آخر والله هذه الإِبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فبهتوا ولم يؤمنوا.
وفي تفسير العياشي بالإِسناد عن أبي بكر عن أبي عبد الله (ع) قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء الدنيا لى يمر بأحد من الملائكة إلا استبشر قال ثم مرَّ بملك حزين كئيب فلم يستبشر به فقال: " " يا جبرائيل ما مررت بأحد من الملائكة إلا استبشر بي إلا هذا الملك فمن هذا " فقال هذا مالك خازن جهنم وهكذا جعله الله قال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا جبرائيل اسأله أن يرينيها " قال فقال جبرائيل (ع) يا مالك هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شكا إليَّ فقال ما مررت بأحد من الملائكة إلا استبشر بي إلا هذا فأخبرته أن هكذا جعله الله وقد سألني أن أسألك أن تريه جهنم قال فكشف له عن طبق من أطباقها قال فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى قبض".
 
 
 
*د يحيى
22 - يوليو - 2009
سنة وشيعة وزيدية وإباضية !!!!!    ( من قبل 22 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
* تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ).
 ( زَيْدي).
قال الله سبحانه: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد } الآية، أسري به بعض الليل من مكة الى الشام مسيرة أربعين ليلة، واختلفوا في المكان الذي به أسري، فقيل: هو المسجد الحرام بعينه وهو الظاهر، وقيل: أسري به من دار أم هاني بنت أبي طالب، والمراد بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد، وروي أنه أسري به بعد العشاء، وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " أتاني جبريل وأنا بمكة، وقال: قم يا محمد، فقمت معه، وإذا بالبراق فوق الحمار ودون البغل، خده كخد الإنسان، وذنبه كذنب البعير، وعرفه كعرف الفرس، وله جناحان، خطوه منتهى طرفه فقال: اركب، فركبت، ومضيت حتى انتهيت إلى بيت المقدس، وإذا ملائكة نزلت من السماء بالبشارة، وصليت في بيت المقدس، ثم صعد بي إلى السماء فرأيت عجائب، ثم صعد بي جبريل إلى السماء الثانية فرأيت فيها عيسى ابن مريم، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فرأيت فيها يوسف، ثم صعد بي إلى الرابعة، ثم صعد بي إلى السابعة، فنظرت فيها خلقاً وملائكة، ورأيت الجنة والنار وما فيها، ورأيت العرش، ورأيت سدرة المنتهى، ثم رجعت إلى مكة، فلما أصبحت حدثت الناس فكذبني، أبو جهل والمشركون، فقال: فأخبرنا عن عيرنا، فقال: مررت بها في التنعيم يقدمها جمل أورق، وتطلع عليكم عند طلوع الشمس " وروي أنه ارتد جماعة ممن كان قد أسلم وسألوه عن صفة المسجد فوصفه لهم والتبس شيء فيه فرفع له حتى حكاه، وجلسوا ينتظرون مطلع الشمس فيكذبوه، فقال قائل: والله إن الشمس قد طلعت، وقال آخر: والله إن الإِبل قد طلعت يقدمها بعير أورق لونه مثل لون الرمان، وجاءتهم وقت طلوع الشمس فلم يؤمنوا إلا أن قالوا: هذا سحر مبين، واختلفوا هل كان رؤيا أو في اليقظة، وكان ذلك قبل الهجرة بسنة، قالوا: والوجه إنه لم يكن رؤيا إلا أنه أسري به وهو في اليقظة، السري والأسرى: الذهاب في الليل، تعليلاً للوقوف، وقيل: ليلاً دل على وسط الليل ذكره في الغرائب والعجائب أعني وسط الليل،..." .
 * تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ):
( إباضي)
" ذكروا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
" بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين. فأُتِيتُ، فَانْطُلِقَ بِي. فأُتِيت بطست من ذهب، فيها من ماء زمزم، فشُرِح صدري إلى مكان كذا وكذا. [قال قتادة: فقلت للذي معي: ما يعني] قال: يعني إلى أسفل بطني. فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، ثم كنز أو قال حشي إيماناً وحكمة، ثم أعيد مكانه.
ثم أُتيت بدابة أبيض يقال له البراق، فوق الحمار ودون البغل، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحُملت عليه. ثم انطلقا حتى أتينا السماء الدنيا. فاستفتح جبريل؛فقيل:من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد عليه السلام. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. ففتِح لنا، فقالوا: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. قال: فأتيت على آدم، فقلت لجبريل: من هذا؟ قال أبوك آدم. فسلّمت عليه فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبيّ الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثانية، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل؛ قيل: ومن معك؟ قال: محمد عليه السلام. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. ففتح لنا، وقالوا: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على يحيى وعيسى، فقلت: يا جبريل، من هذان؟ قال: هذان يحيى وعيسى، وأحسب أنه قال: ابنا الخالة. فسلّمت عليهما فقالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثالثة، فكان نحو هذا من كلام جبريل وكلامهم. فأتيت على يوسف، فقلت: يا جبريل: من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، فسلّمت عليه، فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الرابعة. فأتينا على إدريس فقلت: من هذا يا جبريل، فقال: هذا أخوك إدريس، فسلّمت عليه، فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح "
وعندها قال:[قتادة] قال الله:وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِياً }[مريم:57] " فانطلقنا حتى أتينا السماء الخامسة، فأتينا على هارون، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك هارون. فسلّمت عليه، فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السادسة، فأتيت على موسى فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، فسلّمت عليه فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. فلما جاوزته بكى؛ فقيل له: وما يبكيك؟ قال: رَبِّ، هذا غلام بعثته بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السابعة فأتينا على إبراهيم، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم. فسلّمت عليه فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رفع لنا البيت المعمور بحيال الكعبة فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لا يعودون فيه أخر ما عليهم. ثم رفعت لنا سدرة المنتهى؛ فحدّثَ نبيُّ الله أن ورقها مثل آذان الفِيَلة، وأن نبقها مثل قلال هجر.
وحدّث نبيّ الله أنه رأى أربعة أنهار يخرجن من تحتها: نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت يا جبريل ما هذه الأنهار؟ فقال: أما النهران الباطنان فنهران بالجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. وأُتِيت بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر، فعُرِضا عليّ فأخذت اللبن؛ فقيل لي: أصبت، أصاب الله بك أمتك على الفطرة. وفُرِضَت عليّ خمسون صلاة، أو قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. فجئت بهن، حتى أتيت على موسى فقال لي: بِم أُمرت؟ فقلت: بخمسين صلاة كل يوم. فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك؛ إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، ارجع إلى ربك وسله التخفيف لأمتك. فما زلت أسأل ربي ويقول لي موسى مثل مقالته هذه حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم. فلما أتيت عليه قال لي: بم أمرت. قال: فقلت بخمس صلوات كل يوم. فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك. إني قد بلوت الناس من قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، راجع ربّك واسأله التخفيف لأمتك. فقلت: لقد راجعت ربي حتى لقد استحييت، ولكني أرضى وأسلِّم. قال: فنوديت، أو نادى منادٍ: إني قد أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي وجعلت الحسنة بعشر أمثالها
فانتهى هذا الحديث إلى ها هنا.
ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أُتِي بالبراق ليركبه استصعب، فقال له جبريل: اسكن، فوالذي نفس محمد بيده ما ركبك مخلوق أكرم على الله منه. قال: فارفضّ عرقاً وقرّ.
وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" مررت ليلة أسري بي على رجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالخير والبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون " .
" فماذا بعدَ الحقِ إلا الضلالُ" ؟
*د يحيى
22 - يوليو - 2009
الخلاف والاختلاف ..    ( من قبل 6 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
أو الفصل بين الواحد والمتعدد
 
custom image
يميز المشتغلون بأصول الفقه عادة بين أربعة مستويات في تناول النص ومحاولة الإحاطة بدلالاته. فالنص عندهم يكشف عن معانيه من خلال عبارته أو إشارته، أو يقوم بذلك من خلال اقتضائه أو دلالته، ولكل مستوى من هذه المستويات سيرورة وحكم وغاية. يتعلق الأمر بمساءلة النصوص بغية استيفاء حاجات إنسانية متنوعة تكشف عنها الدلالات التي تُبنى استنادا إلى تمثيل رمزي لا إلى رغبة في استعادة واقع مفقود. " فأصول الفقه إنما هو بحث في الدلالات لفظا وجملة، ونصا وسياقا، وذلك عن طريق مبدأ التلازم بين قوانين اللغة في فهم الخطاب، وضوابط السياق في تحديد دلالاته، وبين قواعد الشرع في توجيهها على نحو مخصوص" (1).
ولا ريب في ذلك، فمن شروط الاجتهاد التفقه في اللغة : الاجتهاد توسيع لدائرة السياقات الممكنة من خلال الكشف عن قصديات جديدة، أما التفقه فهو، في معناه العام، الإحاطة بإواليات اللغة وتحديد طريقتها في التعيين والتسمية والتقطيع المفهومي، وطريقتها أيضا في الكشف عن العوالم التي تُبنى ضمن المتخيل والمحتمل والقابل للإسقاط. فبدون امتلاك القدرة على تحديد مجمل الذاكرات القريبة والبعيدة التي تحبل بها الكلمات أو بعضها على الأقل، سيظل فهم النصوص ناقصا أو مبتسرا أو عاجزا عن الذهاب بالتأويل إلى أقصى حالات التدليل التي يمكن أن تستثيرها نصوص جامحة، كما هي حالة النصوص الدينية مثلا.
وهذا ما تؤكده النظرة الأصولية للوقائع النصية. فالأصوليون يركزون على الطابع المفتوح للطاقات الدلالية التي تختزنها وحدات اللسان العربي. وليست النصوص سوى بناء يتم استنادا إلى هذه الوحدات ووفق إكراهاتها." فالقرآن أُنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة، وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تُخاطب بالعام يُراد به ظاهره، وبالعام يُراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، وبالظاهر يُراد به غير الظاهر – وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام يُنبئ أوله عن آخره، أو أخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يُعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد " ( 2).
 ولا يتسع المجال هنا لتحديد أنماط التدليل هذه ( تجب العودة إلى كتب أصول الفقه ففيها تفصيل لهذه الدلالات)، ونكتفي بالإشارة إلى أن الأصل في هذا التمييز هو الاعتراف صراحة أن النص ( كل الوقائع الإنسانية في واقع الأمر) لا يفشي أسراره بسهولة، فهو غامض ومبهم بالطبيعة والاشتغال، غموض وتعدد الحاجات الإنسانية ذاتها. وأمر ذلك بين وجلي، فالنص يبني عوالمه الدلالية استنادا إلى وحدات تشتمل بشكل سابق على ممكنات دلالية هي في الأصل سلسلة من السياقات المضمرة من طبائعها الاحتمال والإمكان والكمون، فهي لا ترى بالعين المجردة، ولكنها تُبنى ضمن إكراهات الثقافة وضرورات المخيال الإنساني وتوجيهات التصنيفات المسبقة. وهو ما يعترف به الأصوليون حين يؤكدون تعدد وجوه المعنى وتنوع حالات تجسده كما يشير إلى ذلك الشاطبي أعلاه.
بل هناك ما هو أبعد وأعمق من هذا. فقد كان الأصوليون حريصين على الفصل الصارم بين التأويل باعتباره مساءلة " بريئة " للنصوص بغية الكشف عن دلالاتها استنادا إلى ما تبيحه ممكناتها الدلالية الأولى، وبين الاستعمال (3) باعتباره بحثا عن دلالات تمكن من توظيف النصوص خدمة لغاية معينة. " فلا يجوز في العمل الأصولي تطويع النص الشرعي تعضيدا لمذهب لغوي أو انتصارا لقاعدة نحوية، كما لا يجوز عندهم الأخذ بالنقل الحرفي للمقرر في الكتب اللغوية إذا تعلق الأمر بالمفاهيم الأصولية" ( 4).
ولقد رد بعض الأصوليين ذلك إلى ما يسمى ب" شرف العربية وعبقريتها"، أو إلى قدرتها التعبيرية التي تفوق كل اللغات في تغطية حاجات الإنسان ومناطقه الأكثر غموضا وإبهاما. فالقرآن، في نظر هؤلاء، " نزل بلسان العرب دون غيره لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها " (5)، لأنه " جل ثناؤه خص اللسان العربي بالبيان، وسائر اللغات قاصرة عنه وواقفة دونه "(6). وهذا أمر عار من الصحة، وليس هناك من دليل يثبت ذلك، ولا يمكن أن يقبل به الحس السليم أحرى أن تتبناه النظرة العلمية الدقيقة. وبيان الأمر أننا أمام خاصية لسانية كونية تشترك فيها ألسنة العالم أجمع، بحكم ارتباط هذه الألسنة بتعددية الأبعاد المشكلة للكيان الإنساني. فوجود مناطق للنفعي والعارض، وأخرى للانفعال الخارجي  أو الأحاسيس الثابتة، يقتضي وجود مستويات في التعبير، وطرقا مختلفة في تغطية هذه الحاجات، وهو ما يعني أيضا غياب التلازم بين المنطوق الظاهر وبين القصديات الضمنية التي تتسرب في غالب الأحيان إلى هوامش النص ومحيطاته البعيدة في غفلة من لحظة التلفظ وبعيدا عنها.
ذلك أن " وجوه الفضل معروفة، وإنما هي بعمل أو اختصاص ولا عمل للغة، ولا جاء نص في تفضيل لغة على لغة"، كما يرى ذلك ابن حزم في إحكامه (7). فلا وجود للسان تقف وحداته التمثيلية عند حدود الوصف الخارجي للأشياء، ولا تخبئ داخلها سوى حالات التعيين المباشر. فاللسان في المقام الأول شكل رمزي، أي استعادة مجردة لمعطى موضوعي يستعصي على الضبط خارج ما تبيحه آليات التمثيل الرمزي. فالثابت علميا أن كل لسان له طريقته في تقطيع المدرك الموضوعي استنادا إلى خصائصه هو لا إلى خصائص الموجود في العالم الخارجي. ولو كان الأمر على عكس ذلك لثبت المثنى في كل اللغات، كما هو ثابت في العربية مثلا، ولتوحدت رؤيتنا للألوان والأعداد أيضا، ولكان لأشياء الكون جميعها موقع واحد في كل الألسنة. وهذا أمر لا يقبله واقع الحال ولا يجيزه المنطق أو التجربة المشتركة.
 وما هو أساس هنا لا يكمن في إثبات أحقية هذه اللغة في التعبير عن كلام الله دون سواها، فهذا أمر لا إجماع حوله، وهو بالإضافة إلى ذلك لاتاريخي ولاإنساني ولا علمي، وحكم القرآن في هذا المجال بين وصريح " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " ( إبراهيم)، بل يكمن في التسليم باستحالة الإحالة الدلالية الواحدة والوحيدة. وتلك ميزة كل اللغات، فالمعنى ليس معطى قبليا، بل هو بناء بعدي، كما تشير إلى ذلك تصنيفات الأصوليين أنفسهم للدلالة. فالمعطى الموضوعي أوسع من التمثيل وأغنى منه. والقول بخلاف ذلك، معناه ادعاء القدرة على الإحاطة بمعنى كلي صافي ونقي ومودع في النص في غفلة من القارئ وفي غفلة من التاريخ والممارسة الإنسانية.
 وفي جميع الحالات، فإن هذا أمر تأباه طبيعة المعنى وتأباه آليات التمثيل ذاتها، فلا وجود لتأويل كلي نستطيع من خلاله " وضع اليد " على كل الدلالات الممكنة، إلا إذا كان بإمكاننا الادعاء بوجود زاوية نظر واحدة ووحيدة نطل من خلالها على كل مكنونات الذات الإنسانية. وهذا أيضا أمر لا يمكن القبول به، وقد رفضه تراث الإسلام من قبل، رفضه في الفقه وعلم الكلام ورفضه في التفسير أيضا. وهنا أيضا يؤكد النص القرآني ما يجحد في قبوله الكثيرون من المشتغلين بتأويله " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب" ( آل عمران آية 7). وهي دعوة إلى التأويل لا نهي عنه، كما يبدو ذلك من ظاهر النص. فما دام التأويل الصحيح ( أي المعنى الحقيقي للنص ) لا يعلمه إلا الله، فإن كل تأويل إنما هو بحث عن جزئية دلالية ممكنة مدرجة ضمن سيرورة تبنى ضمن السياقات المتنوعة، لا ادعاء بامتلاك لكلية الدلالة المودعة في النص.
فما تستبعده الآية وتدينه هو الاستعمال المغرض، أي التأويل الهادف إلى زرع الفتنة  زعزعة القناعات : " فأما الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله " (آل عمران آية 7)، فالزيغ ليس خطأ ولا يمكن أن يكون زلة، إنه قصد سيء مسبق ومشبوه غايته من التأويل استنبات توجه على حساب آخر أو تبرير هذا السلوك دون ذاك. وهو ما لا يدخل في إطار الخلاف الذي يتحدث عنه الأصوليون، بل هو حصيلة استقطابات إيديولوجية تروم تحقيق غايات " أرضية" صريحة ولا تبحث عن ثواب يأتي من السماء.
والحاصل، كما يقر بذلك الأصوليون وكل العارفين بأسرار اللسان، أن المعنى في ذاته لا متناه. " فحكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة " (8). وهذا ما يبيح لنا النظر إلى المعنى باعتباره سيرورات تبنيها الغايات التأويلية، وليس كما سابقا ومكتف بذاته. ولو كان الأمر غير ذلك لصح القول بالقراءة الواحدة والمعنى الواحد، والسياق الوحيد، وهو ما يفنده تنوع المذاهب وتنوع أحكامها بل تؤكده الصراعات والتنكيل بالفقهاء والأئمة في التاريخ الطويل للإسلام. لذلك، وجبت النظرة إلى المعنى باعتباره كيانا متعددا ومتشعبا في الوجود و المسارات والتحقق، فالفكر الإنساني ناقص بطبيعته، ويشتمل على الضمني والممكن والمحتمل كما يؤكد ذلك بورس.
وبناء عليه، فإن الأحكام ليست معطى جاهزا وقائمة بذاتها وتتمتع بوجود قبلي مثواه النصوص وليس فعل التأويل ( وإن وجد هذا الوجود فهو وجود في ذات الله لا خارجها، باعتباره الذات الكلية التي تنتهي عندها كل تناقضات الوجود). استنادا إلى هذا، فإن الأحكام هي نتاج سيرورة أخرى؛ إنها مبثوثة في اللغة، بسياقاتها القريبة والبعيدة، بشكل صريح أو خفي أو متوار أو يستعصي مطلقا على الإدراك والضبط، إلا ما يبيحه الاجتهاد، أو يشير إليه التأمل الصوفي، أو ما يمكن الوصل إله من خلال مضاعفة فرضيات القراءة وتنويعها.
وهو ما يعني، من جهة ثانية، أن الفعل الإنساني ذاته، وهو أصل الأحكام ومبررها الأول والأخير، لا يدرك من خلال تحققاته المحسوسة ( النسخة التي ترى بالعين المجردة)، وإنما يتم تدبره من خلال صورته داخل اللغة وقوانينها، ولسنا في حاجة هنا أيضا للوقوف عند تباينات التقطيع المفهومي استنادا إلى المعطى الموضوعي الواحد، وهو الأمر الذي يترتب عنه القول إن كل تمثيل يشتمل بالضرورة على جزئية تأويلية، فما يُرى وما يُسمع ويدون باعتباره كذلك إنما يتم استنادا إلى مصفاة هي الموحد للرؤى والضامن للتواصل وهي الخالقة للصورة المجردة كذلك. لذلك، فإن ما يُمثل لا يعيد إنتاج صورة أصلية عن الممَثل، بل يقوم برسم حدود صورة مجردة لا يستقيم وجودها إلا حين تتخلص من كل أشكال تحققها. ولهذا السبب، يسلم الناس بأن الفعل يصاغ ويدرك ويؤول باعتبار موقعه داخل اللسان وضمن إكراهاته، لا ضمن الفعل الإنساني المباشر، فالقاعدة التي تصدق إلا على حالة واحدة لا يمكن أن تكون مبدأ عاما أي قانونا علميا منه تستنبط الأحكام. لذلك، فنحن لا يمكن أن نعرف عما وصلنا من الوقائع، التي هي أصل التشريع وأصل القياس والاستنباط أو الافتراض أو التناظر، إلا ما يسمح به هذا  اللسان ويجيزه.
وهذا ما يبرر القول إن استنباط الأحكام هو حصيلة فعل للتدبر ( قراءة تبحث عن العام أو القابل للتعميم)، فلا وجود لحكم سابق على القراءة أو متعال عليها : لقد ألغيت في التاريخ الطويل للإسلام أحكام كثيرة أو استبدلت بأخرى أو استحدثت أحكام جديدة ( يحرم على النساء سياقة السيارات في السعودية، ولن يطول بنا الزمن كثيرا حتى نرى من يحلل السياقة ويستحسنها). وفي هذه الحالة أو تلك، فإن الأمر يتعلق باستعادة لقصدية لا تقبلها بعض القراءات، ولكنها ممكنة ضمن أخرى، وهي التي ستكون الأصل في الحكم الجديد ومبرر وجوده. وبعبارة أخرى، فإن الاقتراب التأويلي، لكي يكون كذلك، لا بد له من الاستناد، كما يقول الأصوليون، إلى " دليل معتبر" هو مفتاح الفهم والتأويل، وعليه الاعتماد من أجل استخراج قاعدة للفعل. وهو ما يعني بعبارة أخرى استنبات النصوص ضمن سياقات جديدة هي غير سياقاتها الأولى، وهو ما تتطلبه الشروط الحياتية الجديدة.
ومع ذلك، فإن " الدليل المعتبر" ذاته ليس معطى مفصولا عن سياق نظرة المؤول وأهوائه ومبررات الاستعمال أيضا. وحكم الاستعمال ليس هو حكم التأويل، فالثاني يخضع للتوجيهات الأولية للموضوع، أما الأول فيكيف المعطى وفق ما يقتضيه الموقف المسبق. إن التأويل كشف عن طاقة دلالية داخلية مهدها عناصر النسق التعبيري ذاته، أما الاستعمال الحر فهو إثارة للمخيلة، أو هو قراءة مرتبطة باستراتيجية أخرى – إيديولوجية، سياسية، دينية – لا علاقة لها بالقصديات التي يمكن أن تشتمل عليها الوقائع (9). ولهذا السبب، فإن الاجتهاد ذاته يستند، لكي يتحقق، إلى فرضيات مسبقة هي أصل التأويل واتجاهه وغاياته، وهو ما يتحكم في طبيعة الأحكام ويحدد سعتها أو ضيقها، شدتها أو لينها. إن التأويل يتم في هذه الحالة وفق غايات نفعية، أو فرضيات مسبقة، أو هو كذلك في حدود وجود فرضيات للقراءة.
وما يعود إلى " رفع الضرر" و" سد الذرائع" وغيرهما من الحالات المشكلة لأصول الأحكام لا يمكن أن يخرج عن دائرة استراتيجيات الاستعمال هذه. وهي أحكام تستبق الضرر ولا تكتفي بمعاقبته، وما كان لأحد أن يخلط بين " الضرر" أو "الذريعة" في حجمهما الحقيقي، وبين صورتهما المجردة التي تتخذ منطلقا لاستنباط الحكم. فالضرر حقيقي ومرئي وملموس، أما قياس حجمه وامتداده وتأويله فهو من تقدير المؤول. إلا أن المؤول ليس استراتيجية كلية توجد خارج كل الأهواء ولا تحكمها  " مصالح " الوجود الإنساني ذاته. لذلك فهو لا يكتفي بتأويل ما في النصوص، بل يؤول ما في نفسه من مسبقات مصدرها التوجه الفكري والميل والاستعداد والأهواء. وهنا مكمن الخلل ومصدر كل التباينات في قراءة النصوص وخطر تحويل اتجاهها خدمة لمبدأ " كل ما من شأنه".
وهناك ما هو أهم من كل ما سبق. إن موضوع التأويل ليس نصا من نصوص الأرض، فالنص الديني خلاف نصوص الدنيا، إنه عميق وعام وشديد الكثافة ويحكمه هاجس السمو والتعالي واعتناق كل السياقات الممكنة. إنه بذلك يطمح أن يكون عابرا لكل الأزمان ( أي لا زمني). وذاك سر معناه المضاعف ( أو معانيه المضاعفة)كلما اقتربت منه ازداد تشعبا وتملصت معانيه وانتشرت في كل الاتجاهات. لذلك يعتقد البعض ( المتصوفة مثلا) أن تحريره من السياقات المباشرة هو السبيل الوحيد نحو الدفع به إلى أن يسلم دلالات أخرى مخبأة في الوجه الخفي للحكايات أو في صور مشخصة تمثل أمامنا على شكل جزئيات حياتية مألوفة. لذلك لا يكترث المتصوف في تأويله لوجود أو غياب قاعدة للفعل، فاللذة عنده هي الكشف عن حالات التسامي المبثوثة في لغة النص ذاتها.
والثابت في هذا الأمر أن الكم الدلالي لا يمكن الوصول إليه من باب التصريح والمنطوق المباشر، بل يجب الإمساك به من باب الإشارة والإيحاء والتلميح. والفرق جلي بين نشاط يقوم على استنطاق معطيات نصية ليست محكومة بهاجس الوصول إلى قاعدة للفعل، وبين تأويل يستند إلى غايات استعمالية. ولنا في التاريخ الإسلامي ما يبرر ذلك ويؤكده. فالفرق بين " الفرق " لا يستند، ولم يستند، إلى خلاف حول التأويل. إنه يقوم، على العكس من ذلك، على تباين في الخلفيات والمصالح التي تتحكم في الآليات التأويلية، الإيديولوجية منها والسياسية، وربما الطائفية أيضا.
ومن هنا كان الخلاف الذي يتحدث عنه الأصوليون ويبحثون عن سبل لتدبيره. والاعتراف بوجود الخلاف وضرورته هو اعتراف بجزئية القراءة ونسبية الأحكام، واعتراف بتضارب المصالح أيضا: مصالح السلطة والجماعة والفرقة وربما الفرد أيضا. وهو كذلك اعتراف بضرورة الفصل بين مقولتي " الصواب " و " الحق " كما يرى ذلك الأصوليون عن حق، فالصواب أو الخطأ هما حصيلة لفعل التدبر، وبذلك وجب إدراجهما ضمن زمنية معدودة تلغي وتضيف وتعدل وتؤجل وتعجل، وتتقدم وتتراجع وتكيف الحكم وتراعي " خصوصية السبب وعموم الحكم "، وتراعي كل ما يؤكد تعددية الأبعاد الإنسانية وغناها. أما الحق فمجرد وعام، أو هو صيغة مثلى لفعل إنساني كلي غير قابل للتحقق. وهو بذلك متعدد التجليات والمظاهر. لذلك، فإن طريق الحق لا يمكن أن يكون واحدا، وإلا أتلفت الغاية من التكليف، فالتكليف ليس خلقا للتطابق بين البشر، بل هو إسقاط لفكرة التنوع في التحققات التي هي وحدها ما يغني الوجود ويقوده إلى الرقي المتصاعد.
لذلك فالخلاف، بما هو " تضاد " و" تقابل" و" تباين" في الرؤى والمصالح والتقديرات الشخصية، لا يتم داخل البناء الثقافي الواحد، ولا تجب إدارته بالعودة إلى تأويل أصلي واحد تتوحد داخله كل الرؤى. إن القيام بذلك يقودنا حتما إلى البحث عن تقابل أصلي بين حالات للتشابه وأخرى للاختلاف، حيث يُربط الوجود الشرعي والمقاصدي بفكرة التشابه كحالة نهائية مثلى لا شيء بعدها، وينظر إلى الخلاف باعتباره ما يأتي من العرضي والزائل، أي كل ما يمكن أن يكون نتيجة تأويل خاطئ. إنه بحث عبثي في جميع الحالات.
والحال أن التشابه لا يمكن أن يكون أصلا، فهو في أحسن الحالات علاقة شبيهة بالعلاقات الأخرى، فهذا الشيء يتشابه مع هذا الشيء في حدود اختلافهما مع شيء آخر وليس في اتحادهما. والحاصل أن التشابه هو علاقة وليس أصلا، أي نقطة بداية لا شيء قبلها، وهو بذلك شبيه بعلاقات أخرى منها التقابل والتضاد والتناظر وما شئتم من العلاقات التي يصاغ وجداننا وفكرنا وميولاتنا، نحن البشر، داخلها ومن خلالها، ونتحدد باعتبارنا كائنات منتجة للاختلاف لا التطابق. وستظل الرغبة في الوصول إلى دائرة تنتهي عندها كل العلاقات الممكنة حلما يسعى من أجله الإنسان ويكد ويجتهد ويصارع ويقاوم : سيرورة تقود إلى مآل.
لذلك، فإن " الأصل"  هو حالة افتراضية للعمل، وليست حقيقة موضوعية. فالله تعالى يسقط حالة مثلى لا يمكن أن تتم ضمن الزمن المرئي ومن خلال الفعل الإنساني، وهي الحالة الكلية التي يمثلها العالم الآخر حيث يتم الفصل النهائي بين طرفي الوجود الشر والخير باعتباره – أي الفصل- حكما نهائيا يستعيد طولية الزمان على شكل دائرتين تشيران إلى كمال كلي مجسدا في عالمين لا رابط بينهما : الشر في جهة والخير في جهة أخرى. إن الأمر لا يتعلق بحالة إيجابية ضمن إيجاب مطلق، بل " فصل بين الخير والشر والقضاء نهائيا على قوى الشر لكي يعود العالم طيبا ونقيا وكاملا كما كان، أو من أجل الارتقاء به من حالة الوجود المادي إلى حالة الوجود الروحاني " ( 10).
وعلى هذا الأساس، إذا كان الحق واحدا، فإن السبيل إليه لا يمكن أن يكون كذلك. فطرق شتى تقودنا إلى تملي عظمة الكون وخالقه. لذلك وجب ربط الخلاف بتعدد السبل المؤدية إلى الحق. ومتى تم ذلك، ثبت أن الخلاف أصل وليس عرضا، وهو جوهري وليس تفاوتا في التقدير. وحينها سيتحول الخلاف إلى اختلاف، وحكم الخلاف ليس هو حكم الاختلاف. فالخلاف مضادة وتقابل وتنازع حول الحق في امتلاك هذا المعنى دون ذاك، أو هذه المعاني دون تلك، بل قد يكون صراعا يقود إلى التطاحن والاقتتال وتنظيم حملات القمع والترهيب كما تشهد على ذلك الكثير من الوقائع التي عرفها التاريخ الإسلامي. لذلك، فإن الخلاف يستدعي جوابا تقبله الثقافة وترضى عنه وتجيزه باعتباره يمثل حالة توازن قائمة على التسامح العرضي لا الاختلاف المبدئي.
أما الاختلاف فشيء آخر، بل هو نقيض الحالة الأولى. إنه تعدد وتنوع في الرؤية وتباين في توزيع المضامين واستثارة ردود الأفعال. إن الخلاف مرتبط بإدارة شأن محلي لا تُفهم مراميه وغاياته إلا ضمن الثقافة التي أنتجته، أما الاختلاف فهو موقف أو حالة وعي يجيز كل الثقافات الإنسانية بما هي إفراز لسلوك تحكمت فيه عوامل متعددة منها التاريخ والجغرافيا واللغة والمعتقدات.
 إن الأمر يتعلق بعودة صاحية إلى ماهية الإنسان ذاته. فإنسانية الإنسان، كما يقول الشيخ حسين فضل الله، سابقة على الكفر والإيمان " لذلك فالعدل لا دين له، فالعدل لكل الناس، والظلم لا دين له فهو مرفوض من كل الناس".(11) ولهذا السبب كُرم الإنسان لإنسانيته قبل أن يتم له ذلك استنادا إلى مبدأ يعتنقه أو عقيدة يؤمن بها. " فالإنسان، وإن كان موجودا من قبل علل كثيرة، فإن علته التي هو بها موجود بذاته هي الإنسانية، لأنه إنسان بذاته " (12). ولا شيء في الوجود يمكن أن يعد ضمانة على هذه الإنسانية أكثر من الاختلاف الذي يجيز كل الخلافات إلا ما يمس إنسانية الإنسان.
www.saidbengrad.com
 
الهوامش
1- محمد سالم أبو عاصي: الدلالات وأثرها في تفسير القرآن، دار علي للطباعة والنشر، 1997 ص 8.
2- أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات، الجزء الثاني دار المعرفة بيروت، المجلد الثاني، ص64-65.
3-  Umberto Eco : Lector in fabula, éd Grasset 1985, p76
4- عبد الحميد العلمي : مسالك الدلالة بين اللغويين والأصوليين،  2000 ص11 ويحيل المؤلف إلى كتاب بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية.
5- الشافعي: الرسالة، ص 50 ذكره عبد الحميد العلمي، المرجع السابق ص 6.
6- ابن فارس :  الصاحبي ص 16، ذكره  عبد الحميد العلمي، المرجع السابق ص 5.
7- ابن حزم الظاهري: الإحكام في أصول الأحكام، دار الكتب العلمية، المجلد 1-4 ص 35.
8- الجاحظ : البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر ، المجلد الأول ص76.
9- انظر سعيد بنكراد :  التأويل بين الكشف والتعدد ولانهائية الدلالات، علامات 25 ، 2006، ص 14.
10- فراس السواح : الرحمن والشيطان، دار علاء الدين ، 2000، ص 11.
11- مجلة الوعي المعاصر، حوار مع الشيخ حسين فضل الله، العدد 8-9 ربيع 2002.
12- ابن رشد : تفسير ما بعد الطبيعة، ذكره محمد المصباحي في : "  الحرية عند ابن رشد، بين العقل النظري والعقل العملي"، عالم الفكر المجلد 33 يناير مارس 2005 ص57.
 
 
 
 
*abdelhafid
23 - يوليو - 2009

 
   أضف تعليقك
 1  2  3