مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : حِكَايَةٌ مِنَ حِكَايَاتِ الزَّمَنِ الْمُرِّ    قيّم
التقييم :
( من قبل 5 أعضاء )
 ابو هشام 
16 - مايو - 2009
 
حِكَايَةٌ مِنَ حِكَايَاتِ الزَّمَنِ الْمُرِّ
 قرأْتُ عَنْ رجلٍ يعْملُ مُدَرِّسَاً فِي إحدى مدارس  الأنروا  (وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين) في غزة ، لهذا المدرسِ زوجةٌ وستَّةُ أطْفالٍ ، فَعِنْدَما صَارَ الْهُجُومُ الهمَجيُّ الصُهْيونيُّ على غزة ، أَتَتْ على بيتِهِ قَذِيفَةُ مَدْفَعٍ ، أوْدَتْ بحياةِ الزَّوْجَةِ والأبْناءِ السِّتةِ ، وبِلَمْحِ البَصَرِ بَقِيَ المدرِّسُ وحيداً لا زَوْجَة ولا أَوْلاد ، كأنه لم يتزوج ولم يكن له أطفال !! أَيْنَ الأَطْفَالُ الَّذِينَ مَنَحُوه وِسَامَ الأُبُوَةِ ؟!!..كلُّ ما يملكُهُ بقايا بيتٍ أركانُهُ خاويةٌ درسة كالأطلال ، نظر المدرِّسُ حواليه بصمت يَذْهَلُ الكونُ أمامه ثم خَرجَ هائماً على وجهِهِ ، لا أحَدَ يعْلمُ وجْهَتَهُ.... صَار َأَهْلُهُ يَبْحَثُونَ عَنْهُ ، لَكِنْ دُونَ جَدْوَى .
         إنَّ البنتَ الفلسطينيةَ تحْلمُ بالزَّواجِ كَسائرِ بناتِ العالمِ ، وتَعْلَمُ  عِلْمَ اليقينِ إنَّها سوفَ تنْجبُ أطفالاً ، ولكنَّها ـ فِي نَفْسِ الوَّقْتِ ـ تَعْلَمُ إنَّ أطفالَها فلِذَة كبدها سيقْتلونَ وهمْ فِي مهدهِم في حُضْنِها رُضَّعاً أو حَبْواً  .. فالبنْتُ تَمْتلكُ حَدَسَاً فتَحْسِبُ للشَّرِ الدَّاهمِ قبْلَ وقوعِهِ، فتقومُ في الليْلِ مِنْ حِلْمِهَا مفزوعةً ، وتتعاملُ مَعَ هَذا الحلمِ كأنَّهُ حقيقةٌ (لأنَّهُ فِي نظرِها حقيقةٌ ) بالفعلِ حقيقة ..لأنَّ هذا الحالَ ليْسَ فِي سنةٍ أوْ سنتن بلْ أكْثَر مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ وَنَيِّفٍ ،  .. وكذلك الشَّابُ خاطبُ البنْتِ.. عِنْدَهُ نَفْس الحدَسِ عَدَم الأُبُوَةِ بالرُّغْمِ إنَّهُ يُنْجِبُ أَطْفَالاً ، إنْ ظلَّ هَذا الحَالُ (نَفْسُ الحالِ) .. 
بِنْتٌ بِكْرٌ مثل العسجدْ
بِنْتٌ بِكْرٌ مثل العسجدْ            مخطوبةْ للرَّجل الأمجدْ
بِنْتٌ فِي بَيْتٍ مَخْطُوبَةْ             بنت بِكْرٌ سَـ تِتْزَوُّجْ
 شَهْرَاً ترقبْ يأتي المعْرِسْ     أمجدْ ، تَسْعَدْ تَرْكَبُ هَوْدجْ
كابوسٌ في ليلٍ أسود              حلمٌ علمٌ موتٌ مزعجْ
نامت بنتٌ صارت تحلم    
قَامَتْ فِي لَيْلٍ مَذْعُورَةْ             صَارَتْ تَبْكِي، صَارَتْ تَنْهَجْ
صَارَتْ تَصْرُخْ ،صَارَتْ تَنْدُبْ    نحلت، ضعفت مثل العوسج
ابْنِي فِي بَطْنِي فِي الْغَيْهَبْ ؟!!         لا يسمع صوتا لا ينهج
سقط الصَّاروخُ عَلى طِفْلِي   قَصْفُ الْمَدْفَعْ.. صَارُوخٌ أَهْوَجْ
وَلَدِي منثورٌ أشلاءٌ                        أمعاءٌ بطنٌ قدْ يُهْبَجْ
ابْنِي!!،ابني من موتٍ لا يسلمْ
جَاءتْ الأمُّ عَلى الْبِنْت         بنتٌ ثَكْلَى أو مَكْلُومَةْ
تَبْكِي تَصْرَخْ..آآهٍ ..  آآآهْ ..     أَمْعَاءٌ باتَتْ مَنْثُورَةْ
بِنْتٌ تَنْشُجْ عَيْنٌ تَدْمَعْ          رِجْلٌ قَدْ صَارتْ مَبْتُورَةْ
لَهَبٌ مِنْ صَارُوخٍ أَخْرَقْ      وَسِهَامُ الليْلِ الْمَسْمُومَة
وَقَذائِفُ فُسْفُورٍ أَبْيَضْ         أَدْمَـتْ قَلْباً للْمَخْطُوبةْ
 أَرْدَتْ بِـ ابنٍ لَمْ يُعْلَمْ
سَأَلَتْهَا الأُمُّ عَنِ النَّوْحي :           لا تُخْفِي عَنِّي الْبَوْحي
قَالَتْ الْبِنْتُ الْمَخْطُوبَةْ :         قَصْفٌ للْمَدْفَعِ في صخبِ
وَرَصَاصٌ مَسْكُوبٌ يَلْمَعْ        قَدْ يَسْقُطُ عَـ فَلْذَةْ كَبْدِي
يَذْهَبُ بِالابْنِ فَلا يَرْجِعْ!!!         حتى يُطوى طولَ العمرِ
نُورٌ للشَّمْعَةِ قَدْ أظْلَمْ
جُرْحِي فِي قَلْبِي لا يَشْفَى    مَاتَتْ نَفْسِي يَبْلَى جِسْمِي
آآهٍ  .. آآهٍ  يَا أُمِّي.. قَلْــــبِي مكلومٌ يهمي بدَمِي
ازْدَادَ النَّوْحُ عَلَى الْبِنْتِ       ابْنِي؟ لا يصبِحُ لا يمسي
في كلّ الوقت فلا أدري         وقفت أيّامي أم تجري؟؟
وأنا في همَّي لا أكتُمْ
أمٌّ حَزِنَتْ صَارَتْ تَبْكِي          والبِنْتُ فعيناها تَدْمَع
كلٌّ يَبْكِي ابْنَاً لَمْ يُخْـــلَقْ لَمْ يُولَدْ حَتَّى يَرْضَع!!!
مسمار يغرز في جسمي         وعدوٌّ في أرضي يطمع
ابْنٌ لَمْ يُخْلَقْ!!!... لَمْ يُعْلَم!!!
قَدْ جَاءَ الأَبُّ عَلَى عَجَلٍ       وَلَهُنَّ خِطَابٌ مِنْ رَجُلِ :
نَوْحٌ وعويلٌ فِي بَيْتي        مَوْتٌ فِي الدَّارِ وَلا أَدْرِي؟!!
ابْنٌ للْبِنْتِ فَلمْ يُوْلَدْ!!                ابْنٌ أسمته على اسمي
الْبِنْتُ فَـ أَسْمَتْهو مَكْرَمْ
قَدْ قَالَ كَلامَاً فِي أَلَمٍ :              حُزْنٌ للْجَدِّ فلا يَكْفِي
قد تلقى شيخـا محزونا        من صبح اليوم إلى الغسقِ
الموتُ رحيمٌ بالمسلمْ
فهنا الأبواب مشرَّعةٌ                   البيت فمفتوحٌ مأْتَمْ
مَا أَفْظَعَ مَوْتٍ فِي الدُّنْيا!!      مَا أَبْشَعَ قَتْلٍ فِي العَالَمْ !!
طِفْلٌُ في الغيب وَلمْ يُخْلَقْ!!        لم يَتْرُكْ مِنْ طِفْلٍ مَعْلَمْ!!
القاتل مجنونٌ مجرمْ
جَدٌّ جَالِسْ وَجْهٌ عَابِسْ           تَدْمَعْ عينٌ قَلْبٌ يَجْزَعْ
قَدْ جَاءَ النَّاسُ يُعَزُونَهْ          طَيْرٌ فِي الْخُلْدِ لَهُو أَنْفَع
خَفِّفْ مِنْ دَمْعٍ يَا جَارِي     عُصْفُورُ الْخُلْدِ فَقَدْ يَشْفَعْ
ولرائحة الفردوس نشمْ


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
تابع للقصة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
المعرِسُ زارَ عروستهو             وبِحُزْنِ الْبِنْتِ فَلا يَعْلَمْ
الْبَيْتُ مَلِيئٌ بالنَّاسِي               حُزْنٌ في الْبَيْتِ فَقَدْ خَيَّمْ
تَعْرِيفُ الْجَدُّ عَلَى الْخَاطِبْ       اجْلِسْ فَتَعالَ أبو مَكْرَمْ
قَدْ قَامَ النَّاسُ وَعَزُّوهو                يَرْحَمْ رَبِي مَا فَاقَدْتُمْ
حُكْمُ الْبَارِي فِينَا نَافِذْ       اصْبِرْ.. الصَّبْرُ جَمِيلٌ للْمُسْلمْ
فِي الفِرْدوسِ الأعْلى يَنعمْ
فيقولُ الخاطبُ فِي النَّاسِ             ابْنِي جُزءٌ مِنْ أنْفاسِي
ابنِي يَتَهادى فِي موتهْ                يأْوي في عيني في سمعي
ابني رمزٌ ابني شرفٌ                الناسُ سَتَحْكي عَنْ اسمي
يَتَسَلَّلُ حُزْنٌ في فِكْري              يَتَغَلْغَلُ في عُمْقِ الصَّدْرِ
يا عيني جُودي بالدَّمعِ                 ابني مَدفونٌ فِي قَلْبِي
يا ربِّي زِدْني إيْمانا                    يا ربِّي قوِّيْ لِي صَبْري
ابني مقتولٌ مَظْلومْ
المعرسُ عادَ إلى بَيْتِهْ      عَبراتٌ تذرفُ مِنْ عَيْنِهْ
فَيُكَفْكِفُهَا وَيُداريها        حَتَّى يُخْفيها عَنْ أهْلِهْْ
دمعُ المحزونِ فَلا يُكتمْ
سَأَلَتْ الأمُّ عَن الدَّمْعِ:   لـِمَ  تَدْمَعُ عَيْنُكَ يَا وَلَدِي ؟!
فدموعُ أبِيٍّ منهمرةْ           مِنْ عين شُجَاعٍ في بيْتي؟!!
قد قالَ الخاطبُ : يا أمِّي      حاولْتُ على خبْتِ الدَّمعِ
لكنَّ العين قَدِ استعصتْ          هطلتْ دمعا جبرا عنِّي
مقتولٌ ابْني يا أمِّي                 والموتُ مُذيبٌ للنفسِ
موت مدهونٌ بالعلقم
هذا حالي حتَّى زوجيْ       والْقاتلُ مجروبٌ مُعديْ
أيامُ الخطبةِ قدْ تَمَّتْ     دعواتُ العرسِ عَلى وشكِ
تأتي المخطوبةُ في الهودجْ     صارتْ الزُّوجةُ فِي أملِ
أنْ تنجبَ طِفْلا مُنْتَظَراً        لِيُساعدَ أهلاً فِي كِبَرِ
ويكونُ لنا نورُ الظُّلَمْ
المدفعُ يقصفُ في بيتٍ            بقذيفةِ موتٍ مجنونةْ
حرقتْ أرضاً قتلتْ مكرمْ    لا تسلمُ سلمى المزيونةْ
بقرتْ بَطْنَاً.. قطعتْ رَأْسَاً        والْيَدُّ لبنتٍ مَبتورةْ
والعالمُ لا يسمعُ أبكمْ
*ابو هشام
17 - مايو - 2009
يتبع القصة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
آآهٍ .. آآهٍ ..آهْ يَا أُمِّي           باتتْ العينُ لنا تدمعْ
أبكي ولدي دوما أنحب          ابْنِي يَتَقَطَّع مِنْ مَدْفَعْ
أشْجَانِي أحْزَنَنِي طِفْلي     وَعَلى حُكمِ الباري نَخْضَعْ
وأصلِّي ليلاً فِي الدُّلجِ          ولربِّ الكونِ أنا أركعْ
مَوْتُ الْمَدْفَعْ عِنْدَ الْمَوْلَى     فِي الخُلْدِ على فننٍ يرتعْ
الرحمة من رب منعم
وَجَمَتْ أمٌُّ لَمَّا سَمِعَتْ        سَكَنَتْ صَارَتْ الأمُّ حَزِينَةْ
لا يشفيني إلاَّ النصرُ               فيداوي جرح المكلومة
يَدْمِي قَلْبِي جُرح ٌ مُؤْلِمْ
وأَبٌ للْخَاطِبِ فِي الدَّارِ      دوما يَتَقَصَّى الأخْبارِ
فَيُشاهِدُ أحزانَ المعرسْ        فالحرقةُ تَحْرقُ كالنَّارِ
وَلَدِيْ افْتَحْ أُذُنَكَ واسْمَعْ    وانقلْ عنِّي  كُلَّ الخبرِ
الفجرُ سَمَا فوقَ الظَّالِمْ
زَوْجِي يَا أهلي  َيَا إبْنِي       ولَكُمْ مِنِّي كُلُّ البِشْرِ
اسْمَعْ مِنِّي . اثلجْ صَدْرَكْ     النصر يغذي أفكاري
ِقدْ ولَّى الليْلُ عَلى وَلَجٍ         وارفعْ أعْلاما للنَصْرِ
لِنُعيدَ لِحاضِرنا مَجْدا            قَدْ نَامَ عَدوٌّ فِي قَهْرِ
والشَّمْسُ تُنَوِّر لا تُظْلمْ
ابْنَكْ يَا إبْنِيْ سَيَعِيشْ             ويحققُ نَصْرا فِي نَصْرِ
ويُعيدُ مَحاسنَ ماضِينا               يُبْعِدْ عنّا كُلَّ الشَّرِ
أرضٌ يَزْرَعْ يركعُ غاصبْ       يَتَسامى فجرٌ عَنْ فَجْرِ
ثَكَناتُ عَدوٍّ مُخْترقَةْ            نَفَقٌ مُتَواصِلُ فِي الْحَفْرِ
فِي جُنْحِ الليْلِ وَظُلْمَتَهو        وَقَعَ الْجُنْدِيُّ عَلى أسْرِ
وَعَدوٌّ فِي تِيهٍ يَنْعَمْ
وَعَدوٌّ مُخْتالٌ أحْمَقْ            لا يَعرفُ شَعْبا لا يُقْهَرْ
قَدْ حَاولَ يَقْتُلُ أولادا             وَلَدٌ يَأتي فِيهمْ فَجَّرْ
وَلَنَا صٌاروخٌ نرجمهو      يَسْري فَوْقَ الشَّفَقِ الأحْمَرْ
وَبُيوتُ المجرمِ قَدْ تُهْدَمْ 
زَغْرِدِي ..زَغْرِدِي يَا سَلْمى   .. غَنِّي .. غَنِّي يَا هَاجَرْ
وارْقُصْ وافْرَحْ يَا وَلَدِي      وعروسك ما زالت هاجرْ
في هَذِي الْفَرْحَةِ .. يَا وَلَدِي     مجدٌ يَهْوَى فَجْرَاً مُقْمِرْ
قَدْ صَارَتْ هَاجَرُ لا تَحْلَمْ
*ابو هشام
17 - مايو - 2009
** حرقة قلب :    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أقدم إليك تحياتي أخي عمر ، على  نسمات كلماتكم التي تعبق بالطيب والعنبر  حقيقة إنها بلسم  .. أخي عمر الذي بأمتنا ليس بالقليل ولا نعرف ماهو القادم ونرجو الله تعالى أن يكون خيرا ..
** حرقة قلب :
    اعتلى المنبرَ وفِي العينِ دَمْعَةْ، لخطْبَةِ صَلاةِ الجمْعَةْ ، المسجدُ مكتظٌ بالسمعةِ ، يحضرهُ رجالٌ وَنِسَاء ، واسمُ الْمَسْجِدِ" سهيل بن عويضة الخولي[1]"  في الدارِ البيْضَاء ، والخطبةُ عن براءٍ وولاء ، براءٌ مِنْ مَنْ يوالي الأعْدَاء ، وَمَنْ يُعَادي اللهَ ورسولَهُ فَمِنْهُم بَرَاء ، فكانَ على لبنان اعتداء ، والصواريخُ تمطرُ الأطفالَ والنِّساء .. مِنَ البحرِ الأرضِ والسماء ،فانفعلَ الإمامُ لما يحدثُ مِنْ تقتيلِ الأبْنَاء , وتمزيقٍ للأحْشَاء ، وحصدِ مئاتِ الأبْرْياء ،وما أصابَ العربُ مِنْ تخاذلٍ وَجَفَاء ..فَقَلْبُ الخطيبِ عبد السلام المودن[2] لم يتحملْ وَهْوَ يتكلمُ عَنْ مشاهدَ تقتيلِ الأطفالِ والشيوخِ والنساء ،فَسَقَطَ شَهِيدَاً مَعَ نِهايةِ خطْبَتِهِ العَصْمَاء.. وأسلم الروح لخالقها عن سن تناهز الثالثة والستين عاما.
وقال الصولي[3]: من الطويل
فلا تنكرن لون الدموع فإنها ... يبيضها تصعيدها من دم القلب
ومثله لأبي العباس الضبي: من البسيط
لا تحسبن دموعي البيض غير دمي ... وإنما نفسي الحامي يصعده



[1]  - عن موقع إسلام أون لاين بتصرف .     -   خطبة الجمعة 21-7-2006
 - منقول عن جريدة التجديد المغربية بتصرف [2]
[3] - التذكرة الحمدونية 
*ابو هشام
18 - مايو - 2009

 
   أضف تعليقك