مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : القضاء والقدر    قيّم
التقييم :
( من قبل 11 أعضاء )
 د يحيى 
8 - أبريل - 2009
                            القضاء والقدر
 
لغة :  القضاء هو الحكم والفصل بين الناس - يقال قضى يقضي قضاء فهو قاض.. إذا حكم وفصل القاضي .
واصطلاحاً: هو ما قدره الله تعالى وقضاه علّى العالمين في علمه الأزلي مما لا يملّكون صرفه عنهم- وهذه العقيدة جاءت بها جميع الرسالات الإلهية، وليست خاصة بالمسلّمين- يقول ابن حزم: " ذهب بعض الناس- لكثرة استعمال المسلّمين لهاتين اللّفظتين إلى أن ظنوا فيهما معنى الإكراه والإجبار- وليس كما ظنوا- وإنما معنى القضاء- في لغة العرب التي بها خاطبنا الله ورسوله  ، وبها نتخاطب ونتفاهم- أنه هو "الحكم" فقط، ولذلك يقولون: "القاضي" بمعنى الحاكم، و قضى الله عز وجل بكذا" أي- حكم به؛ ويكون أيضا بمعنى "أمر" ، قال تعالى :] وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً [ (الإسراء23 )، إنما معناه بلا خلاف أنه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلا إياه؛ ويكون أيضا بمعنى "أخبر"- قال تعالى : و قضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين [ (الحجر 66)- بمعنى أخبرناه أن  دابرهم مقطوع في الصباح.. وقال: ويكون أيضا بمعنى "أراد"- وهو قريب من معنى "حكَم "
] إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون[ (آل عمران 47).
 وقضى ذلك: حكم بكَونه فكوَّنَه. .
 ومعنى "القدر"- في اللّغة العربية- الترتيب والحد الذي ينتهي إليه الشيء- قال تعالى: ] وقدر فيها أقواتها [ (فصلت 10) بمعنى: رتب أقواتها وحددها؛ وقال:
 ] إنا كل شيء خلقناه بقدر [ (القمر 49)؛ أي برتبة واحدة.. وعلى هذا- فمعنى: "قضى وقدر": "حكم ورتب "- ومعنى القضاء: حكم الله في شيء بحمده أو ذمه وبكونه وترتيبه على صفة كذا وإلى وقت كذا فقط ".
وقد ذهبت طائفة من الناس إلى أن الإنسان مجبر على أفعاله وأنه لا استطاعة له أصلا، وهو كالريشة، في مهب الريح، وإنما تنسب الأفعال إليه مجازاً، والفاعل في الحقيقة- هو الله  كما تقول: أمطرت السماء، وليست السماء هي الفاعل للّمطر وإنما الفاعل هو الله- وهذا قول "الجبرية"، وعلّى رأسهم "جهم بن صفوان" وطائفة من "الأزارقة"- وقد ذهب "المعتزلة" إلى نقيض ذلك، فالإنسان- عندهم- يملّك حرية الإرادة، وهو مختار في أفعاله، وهو الخالق لها، ومن ثم كان التكلّيف والثواب والعقاب وإلا فكيف يكلّف الإنسان بفعل لا يفعلّه هو، إنما يفعله غيره وكيف يثاب أو يعاقب على فعل لا يفعله هو وإنما يفعله غيره - وهو الله ، أما " الأشاعرة "  فيرون أن الإنسان لا يخلق أفعاله الاختيارية، وإنما الخالق لها هو الله لأنه ] خالق كل شيء[ (الأنعام 102)، وليس للإنسان في أفعاله الاختيارية سوى "الكسب" - وهو: "مقارنة قدرة العبد للفعل من غير تأثير لها فيه "- وهذا الكسب هو مناط التكليف والمسؤولية والثواب والعقاب. وأما " الماتريدية" فهم كالأشاعرة- إلا أنهم يفسرون "الكسب " بأنه "العزم والتصميم على الفعل "- وهذا هو مناط التكليف والثواب والعقاب- وهو ما يدل عليه حديث رسول الله r: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"  (رواه البخاري).
والقرآن الكريم يوبخ الذين يتعللون بالقدر في كفرهم وعصيانهم:
 ] سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء [، (الأنعام 148) ، وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء [  (النحل 35) - ذلك لأن القدر من الأسرار التي استأثر الله تعالى بعلمها- وقد حاول أصحاب الديانات السابقة أن يجدوا حلا لهذه المعضلة- وهى التوفيق بين مسئولية الإنسان عن أفعاله والقول بإرادة الله المطلقة  وقدرته الشاملة- وكانت نتيجة محاولاتهم الفشل الذريع، وثبت لهم أن هذا بحث لا يؤدى إلى نتيجة محققه يمكن الاتفاق عليها ولهذا أمرنا في الإسلام أن لا نخوض في مسألة القدر إذ إن الخوض فيها إضاعة للوقت سدى. والسبب في عجز الإنسان عن حل هذه المعضلة- أننا لكي نصل إلى حكم صحيح على أصل الخير والشر والحسن والقبيح والعدل والظلم- يجب علينا أن نلم بحقيقة الخليقة، وحكمة الله في الخلق وتدبير الأمور، وماهية الوجود، والأصول التي بني عليها نظام هذا الكون، وغرض الخالق من ترتيب الأمور بعضها على بعض، ومعنى الثواب والعقاب، والعوامل المتضادة التي تتنازع الإنسان- إلى غير ذلك مما لا يمكن أن يستقل العقل الإنساني بإدراكه؛ ومن ثم فنحن نؤمن بأن لا قدرة لمخلوق مع قدرة الخالق، وأن لا عمل إلا بتوفيق اللّه ومشيئته، ونكل أمر هذه المشكلة. إلى الله- طالبين منه أن يؤتينا فيها علماً يثلج صدورنا، ويطمئن نفوسنا..
أ‌.   د/ صفوت حامد مبارك
 
المراجع
1- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد.
2- دانرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي
3- تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة
4- الفصل في الملل والأهواء والنِحَل، لابن حزم.
5- شرح المقاصد، لسعد الدين التفتازاني.
6- تاريخ المذاهب الإسلامية، للإمام محمد (أبو زهرة).
 المصدر: الأزهر


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بكة !!!!!! سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر!    ( من قبل 9 أعضاء )    قيّم
 
انظروا إلى www.holymystries.com
*د يحيى
9 - أبريل - 2009
أفعالنا مخلوقة لله    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
قال العلامة الشيخ محمد السفاريني في منظومته :

أفعالنــا مخلـــــــــوقة لله
لكنها كسب لنا يا لا هـي
وكل ما يفعــله العبــــــاد
من طاعة أو ضدها مراد
لربنا من غير ما اضـطرار
منه لنا ، فافهم ولا تمـار
*محمد
11 - أبريل - 2009

 
   أضف تعليقك