قيلولة يوم الثلاثاء (2) ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
عند عودتها ، كانت الأم بانتظارها لتناول طعام الغداء . قدمت إليها قطعة من الجبن ، نصف رغيف من طحين الذرة ، وقطعة من الحلوى الجافة ، ثم أخرجت من الكيس البلاستيكي لنفسها الشيء عينه . أثناء تناولهما الطعام ، اجتاز القطار ببطء شديد جسراً حديدياً ، ثم عبر قرية مشابهة تماماً للقريتين اللتين كان قد اجتازهما سابقاً ودون أن يتوقف هذه المرة رغم وجود جمهرة كبيرة من الناس في ساحة القرية .
كان هناك فرقة موسيقية تعزف لحناً راقصاً تحت أشعة الشمس المحرقة . في الجهة الأخرى من القرية ، في السهل الذي كانت أرضه قد تشققت من شدة الجفاف ، كانت نهاية المزارع .
توقفت المرأة عن الأكل : " انتعلي حذاءك " قالت .
نظرت البنت إلى الخارج ولم تر غير السهل الخالي الذي كان القطار يقوم باجتيازه . أعادت إلى الكيس ما كان قد تبقى معها من الحلوى ثم انتعلت حذاءها بسرعة . قدمت المرأة إليها مشطاً : " سرحي شعرك " قالت لها .
كان القطار يطلق صفيره بينما كانت البنت تقوم بتمشيط شعرها . مسحت المرأة بأصابعها حبيبات الدهن التي كانت تعلو وجهها ، والعرق الذي كان يبلل رقبتها ، وعندما انتهت البنت من تسريح شعرها كان القطار قد توقف على مشارف قرية أكبر حجماً من سابقاتها إلا أنها أكثر كآبة .
" إذا كنت ترغبين بالذهاب إلى المرحاض فافعلي حالاً ، قالت المرأة ، أما فيما بعد ، فلا تطلبي شربة ماء حتى ولو مت عطشاً ، والأهم من كل هذا هو أن لا تبكي . "
وافقت البنت بإشارة من رأسها . هواء جاف وشديد السخونة دخل من باب المقصورة مرافقاً لضجيج صفارة القطار وضوضاء عجلات عرباته القديمة . جمعت المرأة ما تبقى لديها من طعام داخل الكيس البلاستيكي ودسته في حقيبتها . لبرهة وجيزة ، القرية بتمامها لمعت من خلال زجاج نافذة القطار نهار ذلك الثلاثاء من شهر آب .
لفت البنت زهورها بورق الجريدة المبلول بالماء ثم ابتعدت عن الباب وهي ترقب أمها التي أجابتها بنظرة حانية . كفَّ القطار عن الصفير ، خفف سرعته ، ثم توقف .
كانت محطة القطار خالية تماماً . في الجهة الأخرى من الطريق ، وعلى الرصيف الذي كان يستظل بشجرات اللوز ، وحدها صالة البلياردو كانت مفتوحة . القرية كلها كانت تعوم في قيظ محموم . ترجلت المرأة والبنت من القطار واجتازتا المحطة الخالية التي كان بلاطها قد بدأ يتشقق بسبب العشب النابت تحته ، وعبرتا إلى جهة الظل .
كانت الساعة قد اقتربت من الثانية بعد الظهر ، وكانت القرية في ظل ذلك الخدر المهيمن عليها تأخذ قيلولتها . المتاجر والمكاتب والمدرسة العمومية كانت جميعها مغلقة ومنذ الحادية عشرة صباحاً ، ولن تعود لتفتح أبوابها إلا قبيل الرابعة بقليل ، موعد عودة القطار . وحدها صالة البلياردو ، والحانة ، التابعتان للفندق الواقع بقرب المحطة ، ومكتب البريد الواقع بمحاذاة الساحة العامة ، لم تغلق أبوابها أبداً . بيوت القرية التي كانت جميعها قد بنيت على نموذج متشابه هو الطراز الموحد لشركة الموز ، كانت قد أحكمت إغلاق أقفالها وشبابيكها مع أن الحر كان خانقاً لدرجة أن بعض السكان كانوا يتناولون غداءهم في الفسحة أمام البيت ، بينما اتخذ البعض الآخر لنفسه موقعاً على الرصيف ، تحت ظلال شجر اللوز ، ليأخذ قيلولته هناك وهو جالس في الطريق العام .
|