مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : قيلولة يوم الثلاثاء    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )
 ضياء  
4 - ديسمبر - 2008
 
يعتبر " غابرييل غارسيا ماركيز " أقصوصة " قيلولة يوم الثلاثاء " ( la sieste du Mardi ) أفضل ما كتبه ، وكان قد تخيلها ذات مرة رأى فيها امرأة وبنتاً ترتديان ثياب الحداد ، وتعبران الشارع تحت وطأة شمس حارقة في إحدى القرى الكولومبية النائية . هكذا لاح في فكره خيال هذه الشخصية ( الأم ) الحزينة والمسحوقة التي تحاول أن تواجه ظروف حياتها المهينة بكل شجاعة للاحتفاظ بما تبقى لديها من كرامة وتقدير لذاتها ، كما تحاول الإبقاء ، بكل حب ، تمنحه على طريقتها الخاصة ، على أواصر الاحترام والتضامن بين أفراد عائلتها .
أما لماذا اختار ماركيز وقت القيلولة ؟ فلأنه وقت له طقوسه القدسية في تلك البقعة من العالم بحيث أنه يرتبط بالحاجة إلى النوم والسكون ، يفرضه المناخ الشديد الحرارة والذي يبلغ ذروته القصوى عادة في هذه الفترة من النهار ، والذي لا يعكر صفوه معكر ، إلا في حالات نادرة واستثنائية .
ولماذا يوم الثلاثاء ؟ فلأن ليوم الثلاثاء في المعتقدات الشعبية لتلك البقعة من العالم موقع خاص ضمن باقي أيام الأسبوع ، فهو يوم نحس ، وغالباً ما تحدث فيه ، بحسب المخيلة الجماعية لهذه الشعوب التي تحمل الثقافة اللاتينية ، الأشياء التي لا نتمناها ، ولذلك ، عادة ما يحاول سكان تلك المناطق تفادي القيام بأعمال مهمة ومؤثرة في مجرى حياتهم في يوم الثلاثاء .
كنت قد قرأت هذه الأقصوصة ضمن مجموعة صدرت حديثاً بالفرنسية عن دار " غراسية " (grasset ) بعنوان ( Les Funérailles de la Grande Mémé ) لكن المجموعة قديمة جداً وكانت قد صدرت بالإسبانية لأول مرة عام 1962 وترجمت إلى الفرنسية أول مرة في العام 1977 وترجمت إلى أكثر لغات العالم ومنها اللغة العربية كما عرفت ودون أن أقرأ الترجمة العربية .
سأقوم بترجمة هذه الأقصوصة عن الفرنسية إذن ، وكما قرأتها وأثرت في نفسي ، وسأحاول نقلها لكم بقدر ما أستطيعه من الأمانة للغة والنص والمشاعر التي أثارتها في وجداني معرفتي بهذه الأم الثكلى وتعاطفي معها . وإذا كان غابرييل غارسيا مركيز قد نجح في نقل خياله إلى لغته ، ونجح المترجم الفرنسي ( Claude Couffon ) في نقلها إلى لغته الأم ، فلسوف أحاول بدوري إعادة ترجمة هذه " الواقعة " إلى لغتنا العربية رغم أجوائها الغريبة عن ثقافتنا ومفاهيمنا  لما يحمله الموقف بنظري من معان ودلالات عميقة تتجاوز حدود اللغة والمفاهيم الاجتماعية والثقافية إلى موقف أعم وأشمل على الصعيد الإنساني . 
 
 
 


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
قيلولة يوم الثلاثاء (1)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
خرج القطار من الممر المترجرج بين الصخور الحمراء النارية ودخل في المساحات الهندسية المتوازية والمتشابهة لمزارع الموز التي تمتد إلى ما لا نهاية . أصبح الجو عندها رطباً ولم نعد نشتم عبق نسيم البحر ، وفي الوقت الذي دخلت فيه طبقة كثيفة من الدخان عبر باب المقصورة . على الطريق الموازية لسكة الحديد ، كانت تسير عربات يجرها البقر ، محملة بأقراط الموز الأخضر . في الجهة الأخرى ، وعلى مساحة من الأرض بدت وكأنها قد تملصت بأعجوبة من هيمنة الأرض الزراعية ، كانت تلوح للناظر مكاتب الإدارات بمراوحها الكهربائية ، ومبان من الطوب الأحمر ، ومنازل أمامها شرفات وضعت عليها مقاعد وطاولات بيضاء اللون ، وسط النخل وشجيرات الورد التي تراكم من فوقها الغبار . كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً ، وسهام الشمس المحرقة لم تشتد وطأتها بعد .
 
" سوف يمتلىء شعرك بالفحم ، قالت المرأة ، من الأنسب أن تغلقي الشباك . "
 
امتثلت البنت للأمر ، لكن ستارة النافذة الصدئة ظلت محصورة ولم تفتح .
 
كانتا المسافرتين الوحيدتين في هذه المقصورة المتواضعة من الدرجة الثالثة ، وكان الدخان لا يزال يتسرب إلى داخل المقصورة عبر الباب . نهضت البنت ، ثم وضعت على المقعد الذي كانت تجلس عليه ، الأشياء التي تحملها معها : كيس من البلاستيك يحتوي على شيء من الزاد وباقة زهور ملفوفة بورق الجريدة ، ثم ذهبت لتجلس عكس النافذة ، مقابل أمها . كلتاهما كانتا ترتديان ثياب الحداد السوداء ، إلا أنها كانت ثياباً رثة .
 
كانت البنت في الثانية عشرة من العمر وتسافر للمرة الأولى في حياتها . المرأة ذات العيون المعروقة والجسد النحيل الذي كان يبدو رخواً وبدون معالم واضحة تحت ثوبها المنسدل فوقه كجبة راهب ، كانت تبدو كبيرة السن لكي تكون أمها . وكانت طوال الرحلة ، قد ألصقت ظهرها بقوة إلى مسند المقعد الذي كانت تجلس عليه وهي تمسك بكلتا يديها ، فوق صدرها ، حقيبة من الجلد اللامع الذي تشقق بفعل الزمن . كانت تبدو على وجهها سيماء الطمأنينة الورعة لأولئك الذين اعتادوا الفقر في حياتهم .
 
بدأت الحرارة تشتد قرابة الظهر . توقف القطار لمدة عشر دقائق في إحدى المحطات الخالية للتزود بالماء . في ذلك السكون الغريب لمزارع الموز ، كانت الظلال التي نراها خارجاً تبدو نقية ، بينما يفوح من الهواء المتجمع داخل عربة القطار ما يشبه رائحة الجلد المسلوخ . لم يعد القطار يغذّ السير . توقف في قريتين متشابهتين تماماً طُليت بيوتهما بالألوان الزاهية . دلدلت المرأة رأسها فوق صدرها وراحت في سبات عميق . نزعت البنت حذاءها وتوجهت إلى دورة المياه لكي تضع زهورها الذابلة في الماء . 
 
*ضياء
4 - ديسمبر - 2008
قيلولة يوم الثلاثاء (2)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
عند عودتها ، كانت الأم بانتظارها لتناول طعام الغداء . قدمت إليها قطعة من الجبن ، نصف رغيف من طحين الذرة ، وقطعة من الحلوى الجافة ، ثم أخرجت من الكيس البلاستيكي لنفسها الشيء عينه . أثناء تناولهما الطعام ، اجتاز القطار ببطء شديد جسراً حديدياً ، ثم عبر قرية مشابهة تماماً للقريتين اللتين كان قد اجتازهما سابقاً ودون أن يتوقف هذه المرة رغم وجود جمهرة كبيرة من الناس في ساحة القرية .
كان هناك فرقة موسيقية تعزف لحناً راقصاً تحت أشعة الشمس المحرقة . في الجهة الأخرى من القرية ، في السهل الذي كانت أرضه قد تشققت من شدة الجفاف ، كانت نهاية المزارع .
توقفت المرأة عن الأكل : " انتعلي حذاءك " قالت .
نظرت البنت إلى الخارج ولم تر غير السهل الخالي الذي كان القطار يقوم باجتيازه . أعادت إلى الكيس ما كان قد تبقى معها من الحلوى ثم انتعلت حذاءها بسرعة . قدمت المرأة إليها مشطاً : " سرحي شعرك " قالت لها .
كان القطار يطلق صفيره بينما كانت البنت تقوم بتمشيط شعرها . مسحت المرأة بأصابعها حبيبات الدهن التي كانت تعلو وجهها ، والعرق الذي كان يبلل رقبتها ، وعندما انتهت البنت من تسريح شعرها كان القطار قد توقف على مشارف قرية أكبر حجماً من سابقاتها إلا أنها أكثر كآبة .
" إذا كنت ترغبين بالذهاب إلى المرحاض فافعلي حالاً ، قالت المرأة ، أما فيما بعد ، فلا تطلبي شربة ماء حتى ولو مت عطشاً ، والأهم من كل هذا هو أن لا تبكي . "
وافقت البنت بإشارة من رأسها . هواء جاف وشديد السخونة دخل من باب المقصورة مرافقاً لضجيج صفارة القطار وضوضاء عجلات عرباته القديمة . جمعت المرأة ما تبقى لديها من طعام داخل الكيس البلاستيكي ودسته في حقيبتها . لبرهة وجيزة ، القرية بتمامها لمعت من خلال زجاج نافذة القطار نهار ذلك الثلاثاء من شهر آب . 
لفت البنت زهورها بورق الجريدة المبلول بالماء ثم ابتعدت عن الباب وهي ترقب أمها التي أجابتها بنظرة حانية . كفَّ القطار عن الصفير ، خفف سرعته ، ثم توقف .
كانت محطة القطار خالية تماماً . في الجهة الأخرى من الطريق ، وعلى الرصيف الذي كان يستظل بشجرات اللوز ، وحدها صالة البلياردو كانت مفتوحة . القرية كلها كانت تعوم في قيظ محموم . ترجلت المرأة والبنت من القطار واجتازتا المحطة الخالية التي كان بلاطها قد بدأ يتشقق بسبب العشب النابت تحته ، وعبرتا إلى جهة الظل .
كانت الساعة قد اقتربت من الثانية بعد الظهر ، وكانت القرية في ظل ذلك الخدر المهيمن عليها تأخذ قيلولتها . المتاجر والمكاتب والمدرسة العمومية كانت جميعها مغلقة ومنذ الحادية عشرة صباحاً ، ولن تعود لتفتح أبوابها إلا قبيل الرابعة بقليل ، موعد عودة القطار . وحدها صالة البلياردو ، والحانة ، التابعتان للفندق الواقع بقرب المحطة ، ومكتب البريد الواقع بمحاذاة الساحة العامة ، لم تغلق أبوابها أبداً . بيوت القرية التي كانت جميعها قد بنيت على نموذج متشابه هو الطراز الموحد لشركة الموز ، كانت قد أحكمت إغلاق أقفالها وشبابيكها مع أن الحر كان خانقاً لدرجة أن بعض السكان كانوا يتناولون غداءهم في الفسحة أمام البيت ، بينما اتخذ البعض الآخر لنفسه موقعاً على الرصيف ، تحت ظلال شجر اللوز ، ليأخذ قيلولته هناك وهو جالس في الطريق العام .
 
*ضياء
4 - ديسمبر - 2008
قيلولة يوم الثلاثاء (3)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
دخلت المرأة والبنت القرية دون أن تعكرا صفو قيلولتها وهما تبحثان عن الاحتماء بظلال شجرات اللوز . توجهتا مباشرة إلى الأبرشية . نقرت المرأة بإصبعها على حديد الشباك . انتظرت قليلاً ، ثم أعادت الكرة . صوت أزيز مروحة كهربائية كان يتردد داخل الغرفة . لم يُسمع وقع خطى وإنما فقط صوت صرير الباب ومن بعدها بقليل ، بالقرب من حديد الشباك ، صوت يسأل بمنتهى الحذر : " من أنتما ؟ " كانت المرأة تحاول النظرمن خلال فتحة شباك الأبرشية .
 
" أريد مقابلة الخوري ، قالت .
ــ إنه نائم .
ــ الأمر عاجل " ، أصرت المرأة .
 
كان صوتها هادئاً وفيه نبرة مصممة .
 
فُتح الباب بحذر ، وبدون ضجة ، لتظهر فيه امرأة متوسطة السن ، بدينة ، شاحبة اللون ، وقد ابيض شعر رأسها . أما عيناها ، فلقد بدتا صغيرتين جداً من وراء الزجاج السميك لعدسات نظارتها .
 
" ادخلا " قالت ، وهي تفتح الباب على مصراعيه .
 
دخلتا إلى قاعة قد تشربت برائحة الزهور منذ أمد طويل . قادتهما المرأة نحو مقعد من الخشب وطلبت إليهما الجلوس . جلست البنت بينما بقيت الأم واقفة تتأمل وهي تحتضن حقيبتها وتضمها إلى صدرها بكلتا يديها . لم يكن هناك أية ضجة تُسمع خلف طنين المروحة الكهربائية .
 
عادت المرأة للظهور من خلال الباب الموجود في أقصى القاعة ، وهي تعلن بصوت خفيض :
" يقول إنه بإمكانكما العودة عند الساعة الثالثة ، لقد رقد منذ خمس دقائق ليس أكثر .
ــ سوف يعود القطار عند الثالثة والنصف " ، قالت الأم .
 
كان جوابها حازماً ومختصراً ، غير أن نبرة صوتها الهادئة لم تخف حزنه . ولأول مرة ، أخذت المرأة تضحك لهما .
 " حسناً " ، قالت .
 
عندما أغلق الباب الداخلي من جديد ، جلست الأم بقرب الفتاة . كانت القاعة صغيرة ومعدمة لكنها نظيفة ومرتبة . في الجهة الأخرى منها ، حيث منصة من الخشب كانت تقسمها إلى قسمين ، كان هناك مكتب صغير مغطى بقماش مشمَّع ، فوقه آلة كاتبة من الطراز القديم وبقربها إناء فيه بعض الزهور . سجلات الأبرشية كانت قد صُفَّتْ وراء المكتب بانتظام ، وكان من الممكن الاستنتاج بسهولة بأن هذا المكتب يحظى بعناية امرأة عازبة .
 
 
*ضياء
4 - ديسمبر - 2008
قيلولة يوم الثلاثاء (4)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
فُتح الباب الموجود في أقصى القاعة ليدخل منه الخوري وهو يمسح زجاج نظارته بمنديل . ولما أعاد وضعها فوق أنفه ، كان من الممكن التكهن للحال بأنه أخو المرأة التي فتحت لهما الباب .
" ماذا تريدان ؟ سألهما .
ــ مفاتيح المقابر " قالت المرأة .
 
كانت البنت جالسة فوق المقعد ، وقد وضعت باقة الزهور فوق ركبتيها ، وهي تعقد رجليها تحت المقعد . نظر الخوري إليها ، ثم إلى المرأة ، ثم وعبر قضبان حديد النافذة ، نظر إلى السماء المتوهجة والتي لا يبدو فيها أثر لأية غيمة .
" أفي هذا الحرِّ القائظ ، قال ، كان بإمكانكما الانتظار إلى حين غروب الشمس . "
هزت المرأة رأسها بصمت . مشى الخوري نحو الطرف الآخر من المنصة ، أخرج من الخزانة دفتراً مجلداً بغلاف من البلاستيك ، مقلمة من الخشب ، ومحبرة ، ثم جلس إلى المكتب . الشعر الذي اختفى عن رأسه ، كان قد نبت فوق يديه بكثرة .
" قبر من ترغبان بزيارته ؟ سألهما .
ــ قبر كارلوس سانتينو
ــ من ؟
ــ كارلوس سانتينو " ، أعادت المرأة .
مع هذا لم يفهم الخوري قولها .
" إنه اللص الذي قُتل هنا الأسبوع الفائت ، قالت المرأة بذات النبرة ، أنا أمه . "
 
حدَّق الخوري بها جيداً . وهي حدَّقت به بثقة وهدوء وبحيث شعر أنه يحمرُّ خجلاً . أطرق رأسه ليكتب . وفي الوقت الذي كان يقوم به بملء استمارته ، طالباً منها المعلومات حول هويته ، كانت تجيبه بدقة وبدون تردد ، وكأنها تقرأ ما كانت تقوله . أخذ الخوري يتصبب عرقاً . البنت الصغيرة كانت قد فكت رباط حذائها الأيسر وأخرجت منه كعب قدمها لتسنده إلى الحافة السفلية للمقعد ، ثم فعلت الشيء عينه بقدمها اليمنى .
 
*ضياء
4 - ديسمبر - 2008
قيلولة يوم الثلاثاء ( 5)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الحكاية كانت قد بدأت في يوم الإثنين من الأسبوع المنصرم ، عند الثالثة صباحاً ، وعلى بعد بضعة أرصفة من هنا . ربيكا ، أرملة تعيش وحيدة في منزل مليء بالتحف ، كانت قد سمعت من خلال طرق المطر المتساقط بأن هناك من يحاول كسر قفل باب المدخل .
 
كانت قد نهضت من سريرها ، وأخذت تتلمس في خزانتها بحثاً عن مسدس قديم لم يستخدمه أحد منذ عهد الكولونيل " بوينديا " ، ثم توجهت ، ودون أن تشعل النور ، نحو غرفة الطعام . كان الخوف الذي ربته بداخلها خلال العشرين سنة المنصرمة التي عاشتها وحيدة يقودها أكثر مما كانت تقودها أصوات الخربشة المتأتية من قفل الباب . وكانت قد استطاعت أن تقدر بحدسها ، ليس فقط موضع الباب ، بل وأيضاً ، الموقع المحدد تماماً منه للقفل . ثم ، وهي تطبق على السلاح بكلتا يديها ، وتغمض عينيها بقوة ، ضغطت على الزناد . كانت أول مرة في حياتها تطبق فيها على زناد مسدس . لم تسمع أية ضجة بعد إطلاق النار مباشرة سوى صوت خشخشة المطر فوق صفيحة الزنك . إنما بعدها ، كان قد طرق سمعها صوت ارتطام جسم معدني بأسمنت الرصيف ، وصوت خفيض ، هادىء إنما مجهد يقول : " للأسف ، يا أمي " . الرجل الممزق الأنف ، الذي وجد مقتولاً في صبيحة اليوم التالي ، أمام باب البيت ، كان يرتدي فانلة مقلمة بخطوط ملونة ، وبنطالاً عادياً قد شده حول خصره بحبل عوضاً عن الحزام . كانت قدماه عاريتين ، ولم يتعرف إليه أحد من سكان القرية .  
*ضياء
4 - ديسمبر - 2008
قيلولة يوم الثلاثاء (6)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
" كان يدعى كارلوس سانتينو إذن ، تمتم الخوري وهو ينهي ما كان يقوم بتدوينه .
ــ سانتينو أيالا ، قالت المرأة ، وكان ولدي الوحيد ."
 
توجه الخوري مجدداً نحو الخزانة حيث يوجد مفتاحان قد علاهما الصدأ معلقان بمسمار . البنت الصغيرة تخيلت بأنها يجب أن تكون مفاتيح الجنة ، تماماً كما كانت أمها قد تخيلت عندما كانت بمثل سنها ، وكما يجب أن يكون الخوري نفسه قد تخيل عندما كان بمثل سنها .
 
انتزع الخوري المفاتيح من مكانها ووضعها فوق الدفتر المفتوح ، ثم أشار بإصبعه إلى مكان محدد فوق الصفحة التي دون فيها المعلومات ، ودون أن يرفع بصره عن المرأة :
" وقعي هنا ."
 
خربشت المرأة اسمها فوق الدفتر وهي تطبق على حقيبتها تحت ذراعها . استعادت البنت زهورها ومشت تجر حذاءها باتجاه المنصة وهي ترقب أمها .
تنهد الخوري :
" ألم تحاولي أبداً أن تعيديه إلى الطريق القويم ؟ "
أجابته المرأة بعد أن انتهت من توقيع اسمها :
" لقد كان رجلاً طيباً . "
 
نظر الخوري إلى البنت الصغيرة ، ثم إلى المرأة ، واكتشف بشيء من الدهشة ، يخالطها بعض الرحمة ، بأنه لم يكن لديهما أدنى رغبة بالبكاء . تابعت المرأة حديثها بدون تلجلج :
" كنت أقول له بأن لا يسرق أبداً ما يمكنه أن يحرم إنسان من قوته ، وكان يسمع مني . إنما في الماضي ، عندما كان يلاكم ، كان يبقى احياناً ثلاثة أيام متوالية في الفراش لكي يبرأ من اللكمات التي كان يتلقاها .
ــ بل كان قد توجب عليه اقتلاع كل أسنانه ، قالت البنت .
ــ هذا صحيح ، تابعت المرأة ، كل لقمة كنت ابتلعها كان لها طعم اللكمات التي كان ابني يتلقاها عشية كل سبت .
ــ إرادة الله التي لا يعلم بها إلا هو  " ، قال الخوري .
 
*ضياء
4 - ديسمبر - 2008
قيلولة يوم الثلاثاء (7)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
لكنه قالها بدون قناعة حقيقية ، فمن جهة ، كانت التجارب قد علمته الشك ، ومن جهة أخرى بسبب الحر الذي كان يعانيه . طلب منهما تغطية رأسيهما لكي تتفاديا ضربة الشمس . ثم بعد أن تثاءب ، شرح لهما كيفية العثور على قبر كارلوس سانتينو وهو شبه نائم . ليس هناك داع للدق على الباب بعد العودة من المقبرة ، يكفي أن تدسا بالمفتاح من تحت الباب ، وأن تدسا معه ، لو شئتما ، عطية من أجل الكنيسة . أصغت المرأة بانتباه إلى كل التعليمات لكنها شكرته دون ابتسامة .
 
قبل أن يفتح باب المدخل ، كان الخوري قد تنبه لوجود من يراقبهم ، ويلصق وجهه بحديد الشباك . كانت فرقة من الأولاد . وعندما فتح الباب على مصراعيه ، كان الجمع قد تبخر . الشارع كان دائماً خالياً بمثل هذا الوقت ، بينما اليوم بالذات ، لم يكن هنالك فقط تلك الفرقة من الأولاد ، وإنما أيضاً تجمعات صغيرة  من الناس تحت شجرات اللوز . تأمل الخوري الشارع الذي تعذرت عليه رؤيته بسبب انعكاسات الضوء القوية ، وفهم فجأة . فأعاد إغلاق الباب بهدوء .
" انتظرا لحظة " قال بدون أن ينظر ناحية المرأة .
 
ظهرت أخته بقرب الباب الداخلي ، وكانت تلبس صدرية سوداء فوق قميص نومها وتترك شعرها ينسدل فوق أكتافها . أخذت تنظر إلى الخوري بصمت .
" ما الذي حدث ؟ " سألها .
ــ سكان القرية انتبهوا لوجودهما ، أجابت بهمس .
ــ من الأفضل أن تخرجا إذن من الباب الخلفي ، قال الخوري .
ــ لن يغير شيئاً ، الناس جميعهم على الشبابيك ."
 
حتى تلك اللحظة ، كان يبدو على المرأة وكأنها لم تسمع شيئاً مما كان يدور حولها . ثم ، وبعد أن تفحصت الطريق من خلال حديد الشباك ، انتزعت باقة الزهور من أيدي البنت الصغيرة وتوجهت نحو الباب . لحقت بها ابنتها حالاً .
" انتظرا حتى غروب الشمس ، قال الخوري .
ــ سوف تذوبان من شدة الحر ، قالت أخته المسمرة عند الباب الداخلي . انتظراني سآتيكما بمظلة .
ــ لا داعي لهذا ، أجابت المرأة ، شكراً لك ."
أخذت الأم ابنتها من يدها ، ثم خرجت معها إلى الشارع .
 
تمت
*ضياء
5 - ديسمبر - 2008

 
   أضف تعليقك