مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : مصالحاتنا ومصالحاتهم !    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :

 Makki 
8 - نوفمبر - 2008
بعيدا عن المعاني السياسية لانتخاب الرئيس الاميركي الجديد باراك حسين اوباما وهل ان سياسة الولايات المتحدة ستتغير ام لا ، أود التوقف عند المعاني الاسنانية للحدث وحجم المصالحة الداخلية التي وصلت اليها شعوب آمنت بالتسامح وصوتت لصالح تقبل الاخر ، وحجم التصادم الداخلي لدى شعوب أخرى رفعت التسامح شعارا وحملت معاويل هدمه.
كنت اتابع برنامجا سياسيا يوميا على احدى القنوات الاميركية في اليوم الذي تلا انتخاب أول رئيس اسود للولايات المتحدة ، عندما تلقى "ايميلا" من احد المشاهدين السود يذكر فيها كيف أن والده الذي توفي قبل سنتين كان يتحدث له بألم عن ذكريات منعه من دخول المطاعم العامة وكيف كان يطلب منه ان يأخذ اكله بعيدا عن محوطة المطعم لانه اسود وكيف كان يمنع من الجلوس في المقاعد الامامية لحافلات النقل لانه اسود وهكذا.. كل هذا التمييز العنصري كان يعاش يوميا ف يالولايات المتحدة قبل نحو خمسين سنة.. لكن ارادة الحياة المدنية وثقافة حقوق الانسان كانت أسرع وأقوى من ثقافة العزل والتمييز والالغاء ، ويوما بعد اخر اغتسل الأميركيون من ادران هذا الانتهاك الانساني الفظيع.. وربما هم بحاجة لغسل اخر من انتهاكات يمارسونها مع شعوب اخرى.. وما يدريك قد يغتسلوا منها قبل الاخرين.
لكن السؤال الذي قفز الى رأسي وانا اتباع جديد الحدث الذي حصل قريبا من القطب الشمالي ، هو :  ما الذي حصل بين طوائف وقميات امتنا حتى استعصى التعايش؟ ماذا حصل بين السنة والشيعة وبين العرب والكرد في العراق مثلا حتى كرهوا التعايش والمصالحة؟ وما هي تفصيلات الخلافات التي اباحت لكل فئة ان تقتل الفئة الاخرى وتفتي باستباحتها؟ ولماذا هذا التهجير القسري للمسيحيين من شركاء الوطن الواحد؟؟
الا يجمع هؤلاء الفرقاء حتى الان دين واحد وكتاب واحد وكعبة واحدة ونظام قيمي واحد؟؟
الا يجمع هؤلاء تاريخ مشترك وحاضر لا مفر منه؟؟
لماذا تتعسر المصالحة بيننا وتتيسر لدى شعوب اخرى حكم بينها السيف والدم دهرا طويلا؟
أهو العناد أم التعصب ؟ أم هو الجهل والجاهلية؟
ماذا لو نفتح حوارا عن معاني التسامح والمصالحة الاجتماعية ، خاصة وان الاسلام الحنيف غني بالتنظير لها رغم ان المسلمين ابتعدوا عن ممارستها.
وجزا الله خيرا من قال كلمة حق بوجه مجتمع تائه


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
"حميرنا وحمارأوباما.."    ( من قبل 3 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
أو:
أوباما والتغيير الأمريكي
أحمد سالم أعمر حداد
Friday, November 07, 2008
صباح الخير حبيبي، لقد فاز أوباما، سلمني مبلغ الرهان.كانت تلكم عبارات صعقتني بها زوجتي وأولى خسارتي ، صبيحة اليوم الذي غدا فيه رجل أسود وطموح يدعي باراك أوباما،رئيسا للإمبراطورية المطاطة،الولايات المتحدة الأمريكية،وانذار بفساد مستقبلي العديد من الفرضيات التي كنت أدافع عنها باستماتة، طيلة الفرجة السياسية الممتعة التي وفرها السباق الرئاسي بين الجمهوريين والديمقراطيين
لم أكن أختلف كثيرا مع زوجتي والعديد من الأشخاص المكونين للآراء العامة، عربيا ودوليا، حول كاريزما الرجل، وأفكاره المعلنة الجيدة والثورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، واستحقاقه زعامة الولايات المتحدة الأمريكية،لسبب وجيه يتعلق بكون الجميع كان جادا في البحث عن قيادة للولايات المتحدة،من شأنها أن تغير في أذهاننا صورة الإمبراطورية المحاربة،وعن إدارة جديدة لا تترك لنا عدة جبهات من الحروب المفتوحة ولا تودعنا بأزمة مالية خانقة قد تشل العالم في حال استمرارها
لكن كانت لدي فرضيات حالت دون أن يصدق ذهني فوز الرجل الأسود الديمقراطي، تتعلق بالتاريخ الأمريكي الأسود مع السود، وعقدة صناع القرار بالولايات المتحدة مع شبهة الدين الإسلامي، ثم إيماني الشديد بكون الولايات المتحدة على عكس بلادنا العربية والإسلامية حيث الحكم الشخصي، وتأثر مصالح البلاد والعباد بسمات وتصرفات الحاكم الشخصية، هي دولة مؤسسات حقيقية، كما أنها دولة تحكمها والعالم شركات عابرة للحدود ومدمرة للأخلاق، تقتات على الحروب وخلق العداوات والانفتاح الاقتصادي، حيث بإمكان الشركات العمل أينما تشاء بالعالم، بحثا عن الربح كيفما كانت الوسيلة، وهي أمور معاكسة تماما لما عبر عنه باراك اوباما ووعد به ناخبيه الأمريكان والعالم أجمع، بسفسطة مقنعة، حاز معها دعم وتفاؤل فنزويلا، إيران،الفلسطينيين...وأصحاب نوايا السلام والاستقرار بالعالم.  
 
كلها أفكار كانت تعتمل بقوة داخل ذهني، بشكل حال بيني حتى مع الاستناد إلى الكم الهائل من الافتتاحيات الصحفية عبر العالم، التي أيدت بشكل صارخ اوباما، وكذا استطلاعات سبر الآراء العامة الأمريكية والأوربية، وكل المؤشرات الموضوعية التي منحت الفوز الساحق لاوباما حتى قبل الاقتراع
بانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، يكون الشعب الأمريكي قد أطلق صرخة تغيير قوية وحرة فعلا، زعزعت معتقدات الميز العنصري والديني، وأعلنت رفض جميع أشكال السياسات المحاربة التي شوهت الإمبراطورية الأمريكية، طيلة حكم الجمهوريين في شخص الرئيس بوش، والتي أدت إلى وصول العديد من المتخصصين والمراقبين إلى قناعة قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية، وفقدها لأسهمها الكونية أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا، كقوة عظمى من شانها منح العالم الأمن والاستقرار، والأهم في فوز أوباما أنه خلق أزمة للجماعات الإرهابية المنتشرة عبر العالم، والتي كانت تستند إلى" أفعال الإمبراطورية الشريرة والكافرة" والى  تطرف بوش الابن لتنفيذ سياساتها، وبث سمومها عبر العالم، حيث انهارت العديد من الأفكار التي كانوا يقدمونها كمبررات لما يقومون به من أفعال
هنيئا لباراك أوباما، ولشعب الولايات المتحدة،ولكل من ساند بارك أو أحبه و أنا منهم، وهنيئا لك زوجتي بمبلغ الرهان، ولتبريراتك الصوفية التي دافعت عنها باستماتة وجعلتك تؤمنين بشدة بحتمية فوز اوباما، وعلى رأسها أن لخالق الكون سننا، تفرض أن تتغير أمريكا، إما أن تنهار فعلا وتفسح المجال لاحدى القوى الصاعدة من آسيا أوالكتلة الأوربية، أو تصبح مصدرا للأمن والاستقرار، وهو ما قد يوفره قلب الرجل الأسود الأبيض، لكن هل حان الوقت فعلا؟هل يحق لنا التفاؤل؟ أتمنى عليك أوباما، أن لا تخذلني وزوجتي، وكل الملايين التي أحبتك وساندتك، وتصبح بوشا أسمر، خدوما لتجار النفط والسلاح.
 
 
أحمد سالم أعمر حداد HESPRESS.com
 
Friday, November 07, 2008
*abdelhafid
9 - نوفمبر - 2008
لماذا تتعسر المصالحة!    ( من قبل 3 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
تحية طيبة أخانا مكي ،
 
...هو العناد والتعصب ، وهو الجهل والجاهلية ، وهو إيثار العاجل على الآجل ، و إيثار الخاص على العام ، وغير هذا كثير...
ينتقل الواحد من بلدته إلى بلدة اخرى في القطر الواحد مهما كانت الأسباب ، فيظل اسمه الغريب ، أو اللاجيء ، أو الدخيل ، أو الطنيب ؛ لكن الذي يولد في طائرة تطير في جو أمريكا يصير أمريكيا!
الاختلاف في الفكر ضمن الدين الواحد يجر علينا الويلات ، والاختلاف فيه عند غيرنا يجلب لهم الخيرات.. .
نسب ونلعن الكفار ، ومأكلنا ومشربنا وملبسنا نستجديه منهم استجداء ، أما أن تكون لدينا كفايتنا الذاتية ، وخاصة في رغيف الخبز ، فهذا كانه من المحرمات .
غيرنا مكيافلليون ، ونحن نروح ونجيء سبهللا  ، ونعامل الغير بالصداقة والإخاء من طرف واحد ونحن نعلم أن الصداقة من طرفنا نحن وحدنا لا تجدي .وإن كان ذلك سببه الضعف ، فلم لسنا بأقوياء!!
تسبينا العواطف بأنواعها أكثر بكثير مما تسبينا نداءات العقول... نراقب الناس حتى نموت هما ولا نراقب الله في أفعالنا..نلتذ بالإشاعة أكثر من لذة يذوقها من حرم الطعام شهرا...نفرح بمصائب الغير لأنها لم تصبنا..نتوجس خيفة من كل ما يخالف أفهامنا وما اعتدنا عليه ونرميه بسوء الظن دون تبين ولا تأنّ أو تبصر ... نفاخر بالأنساب ، ونفعل خلاف ما فعل الأجداد ، ومع ذلك نكثر من ترديد ما جاء في الأثر : " لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "..
ولو رحنا نستطرد ونذكر غير ما ذكرنا ، لما انتهينا إلى حدّ..
ما هو الحل؟ :
تنشئة الأجيال الجديدة على الحق والخير ، وعلى الفهم والتبصر ، وعلى حرية القول ، وعلى تشجيع الرأي والمشورة ، وعلى مكافحة الغل والحسد والبغض والكراهية ، وعلى نكران الذات من أجل خير المجموع ، وعلى العمل الجاد لخيرالوطن ولخير الإنسانية ...كل ذلك  نجده في الدين كاملا غير منقوص .
فيما يخص نجاح أوباما فقد سر ذلك الأغلبية الناخبة ، وساء ، دون ريب ، الفئة المتعصبة داخل الشعب الأمريكي ، أما نحن فلا نتوقع أن يخالف أوباما ما نشأ عليه من حب لبلاده وإيثار لمصالحها ، كما اننا لا نجزم بان يكون من المتعصبين الحاقدين على شعوب أخرى حقدا شخصيا . والإنسان عبد الإحسان كما يقال ؛ فاوباما نشا في بلد احتضنته وربته وعلمته ، ثم أوصلته ليكون رئيسا لها ، ولن ينتظر أحد منه شيئا إلا الإخلاص لها ، والتفاني في خدمة سكانها بيضا وسودا او من أي لون آخر . أما التغييرفي سياسة الولايات المتحدة فيحكمه ، بإذن الله تعالى ، ما يمكن أن يجري من تغيير في سياسة ونظام حياة الأمم الأخرى ، إن هي قامت بذلك التغيير .
*ياسين الشيخ سليمان
10 - نوفمبر - 2008
هل من مزيد؟    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
العزيز ياسين الشيخ سليمان حفظك الله ورعاك ، ومعك يا سيدي نحيي الصديق العزيز عبد الحفيظ الذي طالما تلطف بالتعليق على ما يرد في خاطري من افكار ابوح بها لقراء الوراق الكرام.
جميلة مداخلتك التي جاءت على طريقة السهل الممتنع ، وفقك الله وأدام لك حسن البصيرة.
الحقيقة ليس لي من اضافة على كل من التعليقين ، قدر ما أود تكرار التاكيد على أمر واحد وهو أني لم ارد للسياسة ان تطبع حوارنا هذا فاني لا اتوقع من الرئيس المنتخب أن يغير كثيرا من السياسة الاميركية في الشرق الاوسط ، خاصة مع لحاظ الازمة الاقتصادية التي امسكت بخاصرة العالم ولا اتخيل انه بقادر على تبديد الكثير من الشكوك التي تنتابنا ونحن نتابع الأداء السياسي الاميركي في مناطقنا، لكن وددت التأكيد على حجم التسامح والمصالحة التي تتمتع بها شعوب اخرى في العالم لا تمتلك ما نمتلك نحن المسلمين من مبادئ واسس المصالحة ودعوات للتعايش السلمي والاخوي فيما بيننا.
أردت أن اقول إن انتخاب هذا الرئيس المصبوغ بلون افريقيا السمراء جاء بعد سنين طويلة وليست ببعيدة من العنصرية البغيضة التي وضعت امة أوباما في الولايات المتحدة في الدرك الاسفل من طبقات المجتمع حتى خيل أن لا وصول إلى مصالحة مع البيض بعد ان تقطعت بين الفريقين السبل. لكن حركة الحقوق المدنية في جو من ثقافة الاستماع للاخر والتفاعل معه كانت سريعة الى حد أحرقت الكثير من المراحل اللازمة لدمل الجراح.. بل وانتخاب واحد من منبوذي الامس رئيسا للبلاد.
وهنا السؤال مرة اخرى : لماذا تتحرك مصالحاتهم بهذه السلاسة والبساطة وتتعثر مصالحاتنا؟
والحقيقة يا اخ ياسين ان تعليقك والمقال الذي تفضل بلفت انتباهنا له السيد عبد الحفيظ يضيئان بعضا من العتمة التي قد يدفعان مشاركين آخرين لاضاءتها أكثر
وألف شكر وشكر، ومحبتي لك وقبلاتي لتراب فلسطين

*Makki
16 - نوفمبر - 2008
أمريكا بين رحلة التمييز و التطهير..(مصالحاتهم )    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أجمل تحية وأزكى سلام أستاذينا المكي والشيخ ياسين سليمان .
 
محمد العلمي
تجمع وراء جدران البيت الأبيض على غير العادة، جمع من المواطنين في انتظار باراك أوباما في أول زيارة يقوم بها كرئيس منتخب، رفع بعضهم لافتات تدعو الى محاكمة الرئيس برلمانيا، في حين وقف بعض السود المتقدمين في السن بهدوء وبعيون دامعة يرمقون الجموع الصاخبة ورجال الشرطة القلقين، في حين كان الرئيس الثالث والاربعون يمشي الهوينا مع الرئيس الرابع والاربعين في حديقة البيت الابيض في اتجاه المكتب البيضاوي الذي يدخله اوباما لاول مرة في حياته.
ممثلو اليسار الغاضب مازالوا يطالبون برأس بوش على الرغم من ايامه المعدودة في الحكم، وعلى الرغم ايضا من ان مسألة محاكمته في هذا الوقت المتأخر، لكنهم يتجاهلون حقيقة مرة انه لولا ألذ اعدائهم جورج بوش لما نجحوا في ايصال باراك اوباما كرجل اسود الى بيت ابيض.
الكثير من الناخبين المستقلين-حسب استطلاعات الخروج - ارادوا معاقبة الجمهوريين بعد ان وصلت الازمة لجيوبهم واعتبروا صناعة التاريخ بانتخاب رئيس اسود جائزة اضافية لاثبات طهارتهم من داء العنصرية ومساعدة بلدهم على التطهر منها ايضا.
احد الناخبين البيض المستقلين سُئل كيف حمل نفسه على التصويت لباراك اوباما فرد قائلا «كان الامر سهلا.. حرب سيئة واقتصاد سيئ وسمعة سيئة في الخارج».
لكن ناخبة سوداء في الثمانينات من عمرها لم تصوت منذ ثمانية واربعين عاما بعد ان اقترعت اول وآخر صوت لها قبل اوباما للرئيس الديموقراطي الاسبق جون كينيدي عام 1960 قالت ببساطة انها لم تجد سببا يحملها على التصويت خلال كل هذه السنين.
من شبه المؤكد أن السود الامريكيين كالكثير من الاقليات والجماعات اليسارية والعرقية التي تعتبر أن اوباما مدين لها بشئ ما، مرشحة للشعور بخيبة أمل، لأن اوباما لن يستطيع وربما لن يحاول ارضاءها لانه حاول النأي بنفسه ايضا عن لونه كمحاولاته النأي عن المسلمين خلال الحملة الانتخابية خشية إغضاب الاغلبية البيضاء.
لكن بالنسبة للسود، كانت اللحظة التي يدخل فيها «واحد منهم » الى بيت بناه اجدادهم العبيد ومازال ابناء جلدتهم يعملون فيه كطباخين ومنظفين ونادلين، لحظة كانت مستحيلة حتى على التخيل وربما كانت ستبقى كذلك لو لم يأت جورج بوش وسياساته الكارثية.
جورج بوش لم يدمر سمعة امريكا واقتصادها وجيشها فحسب، بل يبدو انه دمر حزبه ايضا، بما في ذلك فلسفته السياسية ومصادر قوته التقليدية.
ابراهام لنكولن محرر العبيد الذي جاء كأوباما من ولاية الينوي في الستينات من القرن التاسع عشر، كان رئيسا جمهوريا دخل في حرب اهلية مع ولايات الجنوب في حرب ضروس للقضاء على امتلاك العبيد، وخلق انتصاره في الحرب عداء مستحكما للجمهوريين في تلك الولايات حتى الستينات من القرن العشرين.
الحرب الاهلية حررت العبيد تدريجيا لكنها لم تمنحهم حقوقهم المدنية وكان عليهم العيش في غيتوهات منفصلة في كبريات المدن الصناعية التي نزحوا اليها وعاشوا على هوامشها بدون حق في التصويت او الاختلاط مع الجنس الابيض، سواء في المدارس او الكنائس او حنفيات الماء والمراحيض.
عام 1958 مثلا في ولاية كارولينا الشمالية وضعت طفلة صغيرة بيضاء في التاسعة من عمرها بكل براءة قبلة على خد طفل اسود في مثل سنها اسمه هانوفر.الشرطة اعتقلت الطفل وصديقا له لم يتعد السابعة من العمر وحكمت عدالة الجنوب الامريكي على الطفل البريئ باثني عشر عاما سجنا نافذة بعد «ادانته» بتهمة محاولة الاغتصاب.
الضجيج الذي اعقب صدور الحكم حمل سلطات الولايات على اطلاق سراح الطفل، لكن الادانة في حد ذاتها تعد ادانة للعدالة في معظم ولايات الجنوب الامريكي بعد عقد ونصف من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقبل عقد من الصعود الى القمر.
الديموقراطيون ربما تحت تأثير عقد الذنب المترسبة من الوقوف على الرصيف السيئ من الحرب الاهلية اصبحوا مع ال كينيدي- الرئيس جون واخيه روبرت وزيره في العدل- ومن بعدهما الرئيس ليندل جونسون اصبحوا جميعا زعماء الحقوق المدنية الذي وقعه جونسون في ذروة فييتنام في منتصف الستينات.
الديموقراطيون اصبحوا منذ ذلك الحين ابطال الحقوق المدنية وضمنوا ولاء السود -حينما يصوتون طبعا- لكنهم خسروا اصوات البيض في ولايات الجنوب الذين ارتموا في احضان الحزب الجمهوري وساعدوه في الفوز بالبيت الابيض سبع مرات من اصل عشرة مواسم انتخابية الى ان جاء باراك اوباما او بالاحرى سنوات حكم جورج بوش.
الجمهوريون لعبوا على امتعاض البيض التاريخي من السود ولم يتردد سياسيو الجنوب من استخدام التقنيات العنصرية الظاهر منها والمستثر لاحكام قبضة الحزب على تمثيل تلك الولايات في الكونغرس.
في انتخابات عام الفين في ولاية جنوب كارولينا من اكثر ولايات الجنوب محافظة، نجح بوش مثلا في القضاء على فرص جون مكين في الانتخابات التمهيدية باتهامه بأبوة طفلة سفاحا من سيدة سوداء. الدعاية كانت قاتلة سياسيا ولم تستطع اسرة مكين تجاوز اثارها النفسية حتى الان..
الطفلة المقصودة تم تبنيها في ميتم للاطفال في بنغلاديش، لكن اللعب على كراهية السود أتى أكله ومهد الطريق امام بوش الصغير امام البيت الكبير.
اعتماد الجمهوريين على ولاء الجنوب ويأس الديموقراطيين منه اصبح يعرف في القاموس السياسي الامريكي باستراتيجية الجنوب.
خلال الحملة الانتخابية وفي مناسبة لجمع تبرع في مدينة سان فرانسيسكو في الغرب الامريكي سجل الميكرفون تصريحات مثيرة للجدل لباراك اوباما يتحدث فيها عن الناخبين البيض في الجنوب الذين«يدفعهم الاحباط الى التشبث بالدين والسلاح والتصويت ضد مصالحهم الاقتصادية»
التصريحات اثارت جدلا كبيرا واتهمت هيلاري كلينتون اوباما بالنخبوية، ونجحت بالفعل في استثمارها للحصول على بعض اصوات اولئك مما عمر حملتها الانتخابية اكثر من اللازم.
الجمهوريون اضافوا الدين الى الوصفة للحصول على دعم هؤلاء الفقراء للاحتفاظ بالاغنياء في السلطة مصرين، كما قال اوباما،على التصويت ضد مصالحهم الاقتصادية بسبب معارضتهم للاجهاض وزواج المثليين والسود.
العنصرية المستثرة كانت ايضا وراء تركيز حملة مكين على ولاية بنسلفانيا الديموقرايطة تقليديا، لكن فوز كلينتون بها اعطى حملته الانطباع بأن بعض سكانها من البيض من ذوي الدخل والتعليم المحدودين قد «يتحلون» بعنصرية كافية لقلب توجهات الولاية لصالحه.
في مكتبه في جامعة شيكاغو أبلغني استاذ التاريخ الاسود ادم غرين بأن اكبر خطأ سيرتكبه الكثيرون في امريكا والعالم هو الاعتقاد بأن فوز اوباما سيعنى اننا اصبحنا في عالم ما بعد العنصرية، لان المرشح الديموقراطي نفسه قدم هويته على انها ما بعد العنصرية وحاول جاهدا طمأنة مخاوف البيض اكثر من تودده للسود.
تعقد ظاهرة العنصرية وتجذرها في التاريخ الامريكي تجعل من امر تراجعها او اندحارها بمجرد وصول رئيس اسود الى البيت الابيض على الرغم من القوة الرمزية، امرا مستبعدا في المستقبل القريب على الاقل.
يكفي ان تلقي نظرة على نسب الفقر والسجون والامية والجريمة لتدرك ان السود يحصدون اغلبيات في تلك القوائم القاتمة اكثر بكثير من نسبهم الديموغرافية في المجتمع الامريكي.
قبل بضع سنوات اجرت جامعة برنستون بحثا ميدانيا بعثت فيه طالبي عمل ليتقدموا لمجموعة من المناصب، فوجدت ان المشغلين البيض على استعداد لتشغيل ابناء جنسهم على الرغم من وجود سوابق جنائية في ملفاتهم واستبعدت السود على الرغم من كفاءتهم وخلو ملفاتهم من السوابق. بل وجدت الرئاسة ان الامريكيين المتحدرين من اصول لاتينية وحديثي العهد بالهجرة كانوا افضل حظا من السود الذي جاؤوا مع البيض ولو قسرا الى العالم الجديد في بدايته الاولى.
جيل السود الذي عايش مواجهات الستينات في موجة الحقوق المدنية والذي اسال الكثير من الدماء والدموع بهدف تحقيق الكرامة الانسانية، لم يتحمس في البداية لحملة باراك اوباما حينما اعلن عن نيته للترشيح في يوم قارس من فبراير 2007 في ولاية الينوي.
تحفظ السود «التقليديين» على طموح اوباما استند على عنصرين رئيسيين اولاهما انه ليس اسود بما فيه الكفاية، كما انه لم يعش تجربة جيله من السود، لأن أباه كان مهاجرا من كينيا جاء بمحض ارادته فحسب، بل لانه ايضا عاش في كنف امه وجدته البيضاء.
العنصر الثاني هو الاعتقاد واسع النطاق بين السود، خاصة بعد تجربتي جيسي جاكسون، ان المرشح الاسود لن يستطيع ابدا الحصول على دعم البيض للوصول الى الرئاسة.
قبل انتخابات ايوا التي فاجأت باقي الامريكيين كانت معظم اصوات القواعد السوداء تدعم هيلاري كلينتون لانها ديموقراطية اولا، ولانها ثانيا زوجه بيل كلينتون «اول رئيس اسود» كما وصفه احد الزعماء السود بسبب تعاطفه معهم وتحدثه لغتهم.
لكن انتصار اوباما في ايوا ذات الاغلبية البيضاء في الانتخابات التمهيدية فاجأ الجميع وحمل السود على تغيير رأيهم وحمل القيادات التقليدية على تغيير ولائها من هيلاري الى اوباما.
ليلة الاقتراع وفرز الاصوات ظهرت المعجزة التي كان ينتظرها الكثير من الامريكيين وسكان العالم بفوز اول مرشح اسود، لكن تفاصيل المعجزة ظهرت في انهيار استراتيجية الجنوب التي ساهم فيها جورج بوش والذي يعود له «الفضل» بطريقة ما في تحقيق طموح اوباما وآمال أجيال من السود الامريكيين.
http://www.alittihad.press.ma/affdetail.asp?codelangue=6&info=82303
*abdelhafid
18 - نوفمبر - 2008
بوركتما    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
بوركتما أستاذينا مكي وعبد الحفيظ ، وحفظكما الله تعالى ورعاكما ، وجعل منكما النفع والخير العميم . لكما الشكر على التحيات ، وأنا معكما في انتظار مشاركات أخر تثري وتعزز هذا الموضوع الهام .
*ياسين الشيخ سليمان
20 - نوفمبر - 2008
البنية الفكرية للمجتمع العربي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ان أصل المشكلة يعود لسبب وحيد يكمن في ان عقولنا قد تم برمجتها بحيث لا تقبل لا مناقشة ولاحوار, وحتى لو اتيحت لنا فرصة الحوار فهو حوار طرشان لا يقدم و لايؤخر, على شاكلة ما يحصل في برنامج الاتجاه المعاكس, الذي برأي وهو برنامج خطير من حيث انه يرسخ فكرة  تمترس الشخص وراء أفكاره أو آراؤه واستخدام كافة الاساليب اللاديمقراطية و اللاحوارية من صراخ و شتم ومقاطعة..الخ لتأكيد الفكرة, كما انه يروج الى فكرة احتكار الحقيقة, ويرسخ فكرة عدم امكانية التلاقي و ايجاد الأرضيات المشتركة ريثما يتم حسم هذا الخلاف من خلال نتائج التطبيق.
 
و للمقارنة نجد ان الانسان الغربي غالبآ ما يتكلم بهدوء, و لا ينجر للمهاترات أو حتى الشتائم, ومثال ذلك ما شاهدته في احد برامج الأستاذ سامي حداد عندما استضاف أبو حمزة المصري مع ضيف بريطاني لا أذكر اسمه, الشاهد ان ابو حمزة هذا طرح عدة مواضيع هي برأي مستفزة الى ابعد الحدود للضيف الانجليزي الاصل المسيحي الدين, منها عدم شرعية الانقياد للقانون البريطاني لأنه نظام كافر, وضرورة تطبيق الشريعة في بريطانيا, بل لم يتواني هذا الشخص عن وصف البريطانيين بالخنازير, وكل هذا يحدث و الضيف البريطاني كان يتابع الحديث بدون مقاطعة وببرودة اعصاب, و لايبدأ بالرد الا عندما يسنح له المذيع بذلك, وعندما يرد كان  يرد بكل موضوعية وهدوء و بابتسامة.
 
ان الغرب لا يعرف فقط كيف يدير خلافاته بل يعرف كيف يستثمر هذا الخلاف لتحقيق مصالحه.
 
و لا يظن احد أن الجمود الفكري  حو حكر على عامة الشعب انما هي آفة حتى المثقفين و المتعلمين العرب, فعندما بدأت الحكومة المصرية تدرس قانون منع الختان كان الأطباء على رأس الممانعين لمثل هكذا قانون, وما فشل تبيق هذا القانون الا نتيجة عدم التزامهم بمضمونه.
 
ان اي حديث عن تطوير و تحديث هذه الأمة لا يمكن ان يمر بدون اعادة برمجة العقل العربي, وهي مهمة ليست بالسهلة كما قد يعتقد البعض  
*محمد
20 - نوفمبر - 2008
في ثقافة الحوار - مقال لفت نظري    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
وألف شكر للكريمين الصديقين عبد الحفيظ والشيخ ياسين والف شكر للعزيز مازن الذي اتفهم تماما انفعاله والمه وفقه الله في هندسة علاقاته بعيدا عن الخلل الذي نعاني منه.
ولعلي أميل الى ان هناك العديد من المفاصل التي تعاني خللا في منظومة علاقاتنا الاجتماعية ومعظمها بحسب تقديري القاصر يرتبط بموضوعة ثقافة الحوار واسس الحوار السليم ، وما زلت اصر على ان ما في تاريخنا وديننا وبالتالي حضاراتنا الكثير من المفاهيم التي تحتاج الى اعادة قراءة معاصرة ومراجعة صياغاتها كي نتمكن جميعا من استحضارها من جديد في حياتنا التي باتت تعاني من فهم قاصر للتراث وارتماء غير مدروس في احضان الحداثة حتى تاهت الامور واختلط الوهم مع الحقيقة وما عدنا نرى الا عصبيات فكرية وسياسية ، عافنا الله واياكم منها.


ثقافة الحوار في الاسلام: حرّية الاختيار وحق الاختلاف
محمد السماك
جريدة النهار (لبنان)
الأحد، 17 تشرين الثاني / نوفمبر  2002



     في الاساس، لا يكون الحوار الا مع الآخر. وتحديداً مع الآخر المختلف. ان هدف الحوار هو شرح وجهة النظر وتبيان المعطيات التي تقوم عليها، وفي الوقت نفسه الانفتاح على الآخر لفهم وجهة نظره ثم للتفاهم معه. ذلك بان التفاهم لا يكون من دون فهم متبادل. والحوار هو الطريق الى استيعاب المعطيات والوقائع المكونة لمواقف الطرفين المتحاورين، ثم الى تفاهمها.

في ثقافتنا الاسلامية، كما يقول ابو الوليد الباجي، أن من اجتهد وأصاب الحق فقد اجر أجرين. أجر الاجتهاد وأجر الاصابة للحق. ومن اجتهد وأخطأ فقد أجر أجراً واحداً لاجتهاده ولم يؤثم على "الخطأ". نفهم من ذلك ان الاجتهاد، كأي عمل فكري انساني، مفتوح على الخطأ والصواب. فهو ليس مقدساً ولا مطلقاً ولا ثابتاً، بل هو انساني، محدود، ومتغير. 

وفي ثقافتنا الاسلامية ايضاً ان "رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". نفهم من ذلك ايضاً انه ليس لأحد ان يدعي الحقيقة المطلقة. وليس له ان يخطئ الآخرين لمجرد اقتناعهم برأي مخالف. فالحقيقة نسبية. والبحث عن الحقيقة، حتى من وجهة نظر الاخر المختلف، طريق مباشر من طرق المعرفة. وهو في الوقت نفسه اسمى انواع الحوار. 

وفي ثقافتنا الاسلامية كذلك، ان الحوار يتطلب اولاً وقبل كل شيء الاعتراف بوجود الاخر المختلف، واحترام حقه ليس في تبني رأي او موقف او اجتهاد مختلف فحسب، بل احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي او الموقف او الاجتهاد، ثم واجبه في تحمل مسؤولية ما هو مقتنع به. 

ولأن الحوار يحتم وجود الآخر، فلا بد من تعريف الآخر. وهو تعريف لا يمكن ان يتم في معزل عن الأنا. ان فهم الآخر، ثم التفاهم معه، لا يتحققان من دون ان تتسع الأنا له. وبالتالي، كلما سما الانسان وترفع عن أنانيته، أوجد في ذاته مكاناً أرحب للآخر. ان الحقيقة ليست في الأنا. انها تتكامل مع الآخر، حتى في نسبيتها. وهي لا تكتمل في اطلاقيتها الا بالله. والحوار مع الآخر اكتشاف للأنا وإضاءة ساطعة على الثغر والنواقص التي لا تخلو منها شخصية انسانية. ولذلك يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي، وهو مفتاح لفهم ذاتي والاحساس بوجودي". 

الآخر قد يكون فرداً وقد يكون جماعة. وفي الحالين، قد يكون مؤمناً، وقد يكون كتابياً وقد يكون كافراً. الآخر المؤمن هو للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً. والآخر الكتابي في المجتمع الاسلامي هو في ذمة المسلم * والرسول يقول "من آذى ذمياً فقد آذاني". اما الآخر الكافر، فالعلاقة معه مبنية على قاعدة "لكم دينكم ولي ديني". وفي كل الحالات، فان العلاقة بين المسلم والآخر يختصرها الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول محمد "المسلم من سلم الناس من يده ولسانه". 

يقرر الاسلام الاختلاف كحقيقة انسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الاساس. {يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} (سورة الحجرات، الآية 13). 

خلق الله الناس مختلفين اثنياً واجتماعياً وثقافياً ولغوياً، ولكنهم في الاساس "أمة واحدة" كما جاء في القرآن الكريم: {كان الناس أمة واحدة فاختلفوا} (سورة يونس. الآية 19)، اي ان اختلافاتهم على تعددها لا تلغي الوحدة الانسانية. 

تقوم هذه الوحدة على الاختلاف، وليس على التماثل او التطابق. ذلك ان الاختلاف آية من آيات عظمة الله، ومظهر من مظاهر روعة ابداعه في الخلق. يقول القرآن الكريم: {ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم والوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} (سورة الروم، الآية 22). والقاعدة الاسلامية كما حددها الرسول محمد هي ان {لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى}. وبالتالي فإن الاختلاف العرقي لا يشكل قاعدة لأفضلية ولا لدونية. فهو اختلاف في إطار الأمة الانسانية الواحدة، يحتم احترام الآخر كما هو على الصورة التي خلقه الله عليها. 

اذا كان احترام الآخر كما هو لوناً ولساناً (اي اثنياً وثقافياً) يشكل قاعدة من قواعد السلوك الديني في الاسلام، فان احترامه كما هو عقيدة وايماناً هو احترام لمبدأ حرية الاختيار والتزام بقاعدة عدم الاكراه في الدين. 

فالقرآن الكريم يقول: {لكل وجهة هو موليها} (سورة البقرة، الآية 148). وفي اشارة واضحة الى تعدد التوجهات يقول ايضاً: {وما بعضهم بتابع قبلة بعض} (سورة البقرة، الآية 145). 

ذلك انه مع اختلاف الالسن والألوان، كان من طبيعة رحمة الله اختلاف الشرائع والمناهج، وهو ما اكده القرآن الكريم بقوله: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما أتاكم. فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} (سورة المائدة، الآية 48). و{الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون} (سورة آل عمران، الآية 141). و{لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} (سورة هود، الآية 118). 

أرسى القرآن الكريم قواعد واضحة للاعتراف بالآخر وبوجهة نظره اجلاء للحقيقة، بما في ذلك، بل في مقدمة ذلك، الحقيقة الإلهية. 
 
حوار الله والشيطان
في حوار الله والشيطان، كما ورد في سورة الأعراف، (الايات من 10 الى 24)، وفي سورة الحجرات (الآيات من 15 الى 40) يقول القرآن الكريم: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الاّ ابليس لم يكن من الساجدين. قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين. قال انظرني إلى يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين. قال فيما أغويتني لأقعدَنّ لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجدُ أكثرهم شاكرين. قال اخرج منها مذءوماً مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين}. 

من خلال هذا الحوار الإلهي مع الشيطان، تبرز حقيقة الثواب والعقاب، الخير والشر، الإيمان والكفر. وما كان لصورة هذه الحقيقة ان تكتمل من دون هذا الحوار. وما كان لهذا الحوار ان يقوم من دون وجود الآخر. 

وفي حوار الله مع الأنبياء تبرز حقيقة الاعجاز الإلهي: {وإذا قال إبراهيم ربِ أرني كيف تحيِ الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال بلىَ ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ أربعة من الطير فصُرهُنّ اليك ثم إجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم إدعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم} (سورة البقرة، الآية 260). وفي حوار الله مع عباده، تبرز حقيقة العدل الإلهي، حيث ورد في الآية الكريمة: {قال ربِ لمَ حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيراً. قال كذلك أتتكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} (سورة طه، الآية 125). 

وفي حوار الأنبياء مع الناس، تبرز حقيقة التربية الإلهية، في الآية الأولى من سورة المجادلة: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير}. كما تبرز حقيقة الهداية الإلهية: {الم ترَ إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه إن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيِ ويميت. قال أنا أحيِ وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فآت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} (سورة البقرة، الآية 258). وفي حوار الناس مع الناس، تبرز حقيقة الجشع الانساني: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا} (سورة الكهف، الآية 34). تبين هذه الآيات الكريمة ان الحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع وفي الفكر وفي الاجتهاد وفي الرؤى. وفي ذلك انعكاس طبيعي للتنوع الذي يعتبر في حدّ ذاته آية من آيات القدرة الإلهية على الخلق ومظهراً من مظاهر عظمته وتجلياته. 

ان وحدة الجنس او اللون او اللغة ليست ضرورة حتمية لا يتحقق التفاهم من دونها. لذلك لا بد، من أجل اقامة علاقات مبنية على المحبة والاحترام، من الحوار على قاعدة هذه الاختلافات التي خلقها الله، وارادها ان تكون، والتي يتكشف للعلم انها موجودة حتى في الجينات الوراثية التي تشكل بعناصرها شخصية كل منا وتمايزاتها. 

إن للحوار قواعده وآدابه. ولعل من ابرز هذه القواعد والآداب ما ورد في سورة سبأ. كان الرسول محمد يحاور غير المؤمنين شارحاً ومبيناً ومبلغاً. ولكنهم كان يصرون على ان الحق الى جانبهم. فحسم الحوار معهم على قاعدة النص: {انا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (سورة سبأ، الآية 24). لقد وضع الرسول نفسه في مستوى من يحاور تاركاً الحكم لله، وهو اسمى تعبير عن احترام حرية الآخر في الاختيار، وعن احترام اختياره حتى ولو كان على خطأ. وذهب الى أبعد من ذلك عندما قال القرآن الكريم في الآية التالية مباشرة: {قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون} فكان من آداب الحوار بل من المبالغة في هذه الآداب ان وصف اختياره للحق وهو على حق بأنه اجرام (في نظرهم). ووصف اختيارهم للباطل وهم على باطل بأنه مجرد عمل. ثم ترك الحكم لله: {قل يجمع بيننا ربنا، ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتّاح العليم}. ان احترام حرية الاختيار هنا ليس احتراماً للخطأ. فتسفيه وجهة نظر الآخر ومحاولة اسقاطها ليسا الهدف الذي لا يكون الحوار مجدياً الا اذا تحقق. ان من اهداف الحوار تعريف الآخر على وجهة نظر لا يعرفها، ومحاولة اقناعه بالتي هي احسن بموقف ينكره او يتنكر له. وهو امر يشكل في حد ذاته احد اهم عناصر الاحتكاك الفكري والتكامل الثقافي والتدافع الحضاري بين الناس. ومن دون ذلك يركد الذهن ويفقد التعطش الى المعرفة عودَ الثقاب الذي يلهبه، وتتحول مساحات الفكر الى بحيرات آسنة. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} (سورة البقرة، الآية 251). ان الاختلاف بين الناس، وما يشكل الاختلاف من تدافع، يشكلان احد اهم موجبات عدم فساد الأرض. 

هناك فوارق كثيرة بين علاقة الارادة وعلاقة الفرض. العلاقة الأولى هي نتيجة حوار وثمرة تفاهم، وهي بالتالي فعل ارادي تحقق المحبة والاحترام والثقة. اما العلاقة الثانية فهي حال تنكر لحق الآخر وتجاهل لتمايزاته ولخصائصه، وتجاوز للحوار كوسيلة لفهمه وللتفاهم معه. وهي بالتالي حال مفروضة. وكل ما هو مفروض مرفوض من حيث المبدأ، ومن حيث الأساس، ولذلك فانها لا تحقق سوى البغضاء والكراهية وعدم الثقة. 

ارسى مجتمع المدينة المنورة في عهد النبي محمد قاعدة لاقامة نسق تعاوني بين فئات الناس من مؤمنين وأهل كتاب في أمة واحدة. الوثيقة النبوية أقرت اصحاب الآراء على آرائهم وتكفّلت بحمايتهم كما هم. قام مجتمع المدينة على قاعدة نشر الدعوة مع احتضان الاختلاف. وليس مع تجاهله ولا مع محاولة الغائه. 

حاور النبي نصارى نجران في بيته في المدينة المنورة وأحسن وفادتهم. وعندما حان وقت صلاتهم، لم يجد النبي اي غضاضة في دعوتهم، كما تذكر رواياتُ ثقة، إلى اداء صلاتهم. ان العقيدة، في الاسلام، تستقر بالفكر اختياراً ولا تُلْصقُ باللسان قهراً واجباراً. والقرآن الكريم يقول {لا اكراه في الدين} (سورة البقرة، الآية 256)، والـ"لا" هنا نافية وليست ناهية. اي انها لا تعني لا تكرهوا الناس في الدين، ولكنها تعني ان الدين لا يكتمل وهو لا يكون أساساً بالاكراه. 

على قاعدة هذه السابقة النبوية في دولة المدينة الأولى، فإن الإسلام لا يضيق بتنوع الانتماء العقدي، ولا يؤمن بالنقاء العرقي (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). فاذا كان التنوع من طبيعة تكوين المجتمع، فان الحوار هو الطريق الوحيد الذي يؤدي بالاختيار الحر وبالمحبة الى الوفاق والتفاهم والوحدة. ذلك ان البديل عن الحوار هو القطيعة والانكفاء على الذات، وتطوير ثقافة الحذر والشك والعداء للآخر. 

ان من مقومات الحضارة العربية - الاسلامية احترام الآخر والانفتاح عليه والتكامل معه، وليس تجاهله او الغاؤه او تذويبه. ويشهد تعدد الاقليات الدينية والاثنية في العالم الاسلامي، ومحافظة هذه الأقليات على خصائصها العنصرية، وعلى تراثها العقدي والديني، وعلى لغاتها وثقافاتها الخاصة، على هذه الحقيقة وأصالتها. ان اعتراف الاسلام بالآخر، ومحاورته بالتي هي أحسن وقبوله كما هو، لا يعود بالضرورة الى تسامح المسلمين، بل الى سماحة الاسلام والى جوهر الشريعة الاسلامية. 

فالحوار - كالصداقة - لا يولد بالضغط ولا بالترغيب. علينا (كما جاء في وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني بشأن الحوار مع الاسلام) "أن نعمل تدريجياً على تغيير عقلية وذهنية اخوتنا المسيحيين لأن المهم بالنسبة الينا، كما هو مهم بالنسبة للآخرين، محاولة اكتشاف الانسان كما يعيش وكما يأمل ان يكون، ولا يهمنا الماضي بقدر ما يهمنا هذا الانسان المتجه نحو آفاق المستقبل للحصول على عدالة اكثر، وحقيقة اكثر، وحبّ اكثر. هذا هو الرجل الذي يجب ان نعرف. ومع هذا الرجل فقط، يمكن ان نشيد ونبني حواراً اصيلاً وحقيقياً". ويستشهد النص الفاتيكاني بما قاله المستشرق ماسينيون من انه "لكي نفهم الانسان الآخر، يجب ان لا نستولي عليه وندمجه فينا، بل يجب ان نكون ضيوفه". 

ان للحوار اهدافاً مختلفة. فهو اما ان يكون وسيلة لتنفيس ازمة ولمنع انفجارها، واما ان يكون سعياً لاستباق وقوع الأزمة ولمنع تكوّن اسبابها، واما ان يكون محاولة لحل ازمة قائمة ولاحتواء مضاعفاتها. في هذه الحالات الثلاث تكون مهمة الحوار هي العمل على: 

1- ابراز الجوامع المشتركة في العقيدة والاخلاق والثقافة. 

2- تعميق المصالح المشتركة في الانماء والاقتصاد والمصالح. 

3- توسيع مجالات التداخل في النشاطات الاجتماعية الاهلية (كالأندية الرياضية والجمعيات الكشفية والمؤسسات التعليمية والاستشفائية). 

4- التأكيد على صدقية قيم الاعتدال وتوسيع قاعدتها التربوية. 

5- اغناء الثقافة الحوارية التي تقوم على عدم رفض الاخر، والانفتاح على وجهة نظره واحترامها، وعدم التمترس وراء اجتهادات فكرية صدئة من خلال التعامل معها - اي مع هذه الاجتهادات - وكأنها مقدسات ثابتة غير قابلة لاعادة النظر. 
 
التفاهم 
ان اي حوار يستلزم من حيث المبدأ تحديداً مسبقاً لأمرين اساسيين: الامر الاول هو التفاهم على ماذا نتحاور، والامر الآخر هو التفاهم لماذا نتحاور. اي انه لا بد من تحديد منطلقات الحوار وقواعده. 

ينطلق الحوار من قواعد منطقية وعلمية تعتمد على الحجة والبرهان، ويتوسل الجدال بالتي هي أحسن، والموعظة الحسنة. فالله خاطب موسى بقوله: إذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري، إذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. (سورة طه، الآيات 44،43،42). ويأمر بإتباع الحكمة في الدعوة: {ومن أحسنُ قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالّتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} (سورة فصلت، الآيتان 33-34). 

وتأكيداً لهذا المنهج ينهى الله المؤمنين عن اتباع اساليب السفهاء ومجاراتهم في السب والتسفيه لمعتقدات الآخر: {ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم} (سورة الانعام، الآية 108). و"لا بد لكي يبدأ الحوار ان يمتلك اطرافه حرية الحركة الفكرية التي ترافقها ثقة الفرد بشخصيته الفكرية المستقلة، فلا ينسحق امام الآخر لما يحس فيه من العظمة والقوة التي يمتلكها الآخر، فتتضاءل ازاء ذلك ثقته بنفسه وبالتالي بفكره وقابليته لأن يكون طرفاً للحوار فيتجمد ويتحول الى صدى للافكار التي يتلقاها من الآخر" (عبد الرحمن حللي - حرية الاعتقاد في القرآن الكريم، المركز الثقافي العربي - المغرب، ،2001 ص94 - 96). 

لذلك أمر الله رسوله ان يحقق ذلك ويوفّره لمحاوريه: {قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ} (سورة الكهف، الآية 110)، {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً الا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مَسّني السوء إنْ أنا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (سورة الاعراف، الآية 188). 

فاذا امتلك اطراف الحوار الحرية الكاملة فأول ما يناقش فيه هو المنهج الفكري - قبل المناقشة في طبيعة الفكر وتفاصيله - في محاولة لتعريفهم بالحقيقة التي غفلوا عنها، وهي ان القضايا الفكرية لا ترتبط بالقضايا الشخصية. فلكل مجاله ولكل أصوله التي ينطلق منها ويمتدّ اليها: {واذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أوَلَوْ كان آباؤهم لا يعقِلون شيئاً ولا يهتدون} (سورة البقرة، الآية 170). 

كما لا بد لكي ينجح الحوار من ان يتم في الاجواء الهادئة ليبتعد التفكير فيها عن الأجواء الانفعالية التي تبتعد بالانسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير، فإنه قد يخضع للجو الاجتماعي ويستسلم لا شعورياً مما يفقده استقلاله الفكري: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو الا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} (سورة سبأ، الآية 46)، فاعتبر القرآن اتهام النبي بالجنون خاضعاً للجو الانفعالي العدائي لخصومه، لذلك دعاهم الى الانفصال عن هذا الجو والتفكير بانفراد وهدوء (مرجع سابق - عبد الرحمن حللي). 

والمنهج القرآني في الحوار يرشد الى انهائه بمهمة وأداء رسالة يبقى اثرها في الضمير، إن لم يظهر أثرها في الفكر، انه اسلوب لا يسيء الى الخصم بل يؤكد حريته واستقلاليته، ويقوده الى موقع المسؤولية ليتحرك الجميع في اطارها وينطلقوا منها ومعها في اكثر من مجال" (انظر: فضل الله (محمد حسين)، الحوار أبعاد وايحاءات ودلالات - مجلة المنطلق: ،16 عدد 105 - ربيع الأول 1414 هـ). 

ان في ثقافة الحوار في الاسلام آداباً وقيماً ومنهجاً اخلاقياً يحترم الانسان وحريته في الاختيار، كما يحترم حقه في الاختلاف وفي المجادلة. وفي النتيجة ان "من اهتدى فلنفسه، ومن ضلّ فعليها وما ربك بظلام للعبيد". 

* راجع، د. عمر مسقاوي في مقالة له في جريدة "النهار" تاريخ 19/5/2001 حيث يقول في مفهوم الذمية: "والذمة هنا ليست ذمة حماية فوقية كما هو اسلوب الحضارة الغربية المعاصرة، بل هي وعاء الذاكرة الابراهيمية. وتعبير "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" هو تكملة مفهوم اهل الذمة. وهذا يعني ان السلطة حين تأخذ بعدها التنظيمي في المفهوم الاسلامي وتنتقل الى صيغة جديدة في مفهومنا الحديث يصبح وعاء الذمة هو الوعاء الوطني. والوعاء الوطني هو الذمة المتبادلة بين الذين هم في اطارها".

*Makki
21 - نوفمبر - 2008
الحـوار عندنا.. !!    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
*abdelhafid
26 - نوفمبر - 2008

 
   أضف تعليقك