مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : أما آن أن نقف على رؤوسنا ؟!    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 أوس 
1 - أكتوبر - 2008
 
 
"أوجد التقدم التقني إمكانيات حديثة لتخفيف الآثار السلبية للتقنية، إلا أن الجزم باطِّراد هذا الأمر غير ممكن". هكذا تبدو إحدى صفحات المستقبل في نظر الدكتور (فرانسيس فوكوياما) أستاذ السياسة والاقتصاد الدولي في جامعة جون هوبكنز كما جاء في كتابه Our Posthuman Future” "مستقبلنا في عصر مابعد الإنسان". وهي نظرة لا تخلو من التفاؤل المرعب؛ فهو تفاؤل بقدرة التقنية الفائقة على التطور، ورعب مصدره، كما يرى (فوكوياما)، أن إيجاد الحلول للقضاء التام على مشاكل الإنسانية يفضي إلى عواقب وخيمة سيصعب تداركها أو درؤها تنجم عن طول عمر الإنسان وعن تحكم التقنية بصحته وذكائه وقدراته[1]. ولعل السر في ثقته الكبيرة بالتقنية – وربما في هلعه كذلك منها - يكمن في إعادة نظره في رأيه الشهير بأن الإنسان وصل إلى مرحلة الاستقرار التاريخي، أو أن التاريخ وصل إلى تمام نضجه بالنضج الديموقراطي في ظل الرأسمالية، واعتبر في هذه المرحلة محصلة للتاريخ، مُستدِلاًّ بجنوح العالم نحو هذا المنعطف دولة فأخرى كما جاء في كتابه “The End of History and the Last Man” "نهاية التاريخ والرجل الأخير"[2]. وبعد عقد من الزمن على قوله بنهاية التاريخ، عاد فاستدرك مُفَصِّلا بأن الطبيعة البشرية التي أدت إلى انهيار النظم والكيانات الأخرى عدا الديموقراطية الليبرالية هي السر وراء هذه المحصلة، أي أن التجربة الإنسانية خَلُصَتْ إلى أن الديموقراطية الليبرالية أنسب النظم للطبيعة البشرية وأكثرها استقرارًا. ولكن التقنية الحيوية قد تقلب موازين التاريخ في المستقبل لأن من شأنها تغيير الطبيعة البشرية. والمتمعن في رأي (فوكوياما) يجد أن رأس المال حجر الزاوية في كلا الحالين قبل ثورة التقنية الحيوية وبعدها، فمن يملك ثمن خدمات التقنية فسيتمتع بهباتها ونواتجها، فإن تغلبت التقنية على المرض امتلك المقتدر الصحة، وإن استطاعت تطوير قدرات العقل فقد امتلك زيادة الذكاء، وإن تمكنت من تعديل حالات النفس فقد وهِبَ مالكها السعادة. ويقف (فوكوياما) على أرض صلبة في استقرائه هذا، ويقودنا تكهنه إلى مأزق أخلاقي لا مفر منه إن استمر العالم في سعيه المحموم نحو التطوير التقني بلا مكابح. فالتقنية ورأس المال هما الجناحان اللذان يحلِّق البحث العلمي بهما، ولكنَّ الفرق بينهما تضاءل اليوم فلا نكاد نتبيَّن أيهما الخادم وأيهما المخدوم، وهذه أولى المزالق!
 
لن أتحدث عن أخلاقيات البحث المعروفة كحفظ الحقوق الفكرية ووضع المراجع وطرق الاقتباس، فهناك مصنفات في هذا المجال والجميع على علم بها، ولن أتطرق إلى المسائل الأخلاقية في تصميم التجارب التقنية وكيفيتها، فبحث سريع في الإنترنت كفيل بهذا، لكني سأناقش القيمة الأخلاقية في هذه البحوث. وقبل البدء في طرح المشكلة الأخلاقية في البحوث الطبية، دعونا نتساءل أولا عن هدف البحث العلمي وجدواه. قد تتفاوت الإجابات عن هذا التساؤل إلا أنني لا أخالها تعدو أمرين اثنين: حل المشكلة وزيادة المعرفة. وعليه فإن تمام البحث العلمي هو أن نزيد معرفتنا حتى نتمكن من حل مشكلة ما، أو أن نحل مشكلة ثم "نعرف" كيف توصلنا إلى ذلك الحل. ومن الصعب بالطبع أن يجمع كل بحث هذين الجانبين على أتم وجه، والمعرفة في نهاية الأمر عملية تراكمية تتضافر فيها الجهود للوصول إلى الهدف المنشود؛ فالمهم إذن هو أن تسير البحوث في هذا الاتجاه. فهل تسير البحوث الطبية في هذا الاتجاه ياترى؟
 
نعم ولا! فإغراء التقنية وهيمنة رأس المال أمران يتنازعان البحوث ويخرجانها عن مسارها الصحيح. لقد وصل بنا التقدم التقني إلى مرحلة يبدو لنا فيها كل شيء ممكنًا، وزاد المخزون المعرفي للبشرية زيادة هائلة مكنتنا من تسخير التقدم التقني في محاولة علاج ما لم نكن نرجو شفاءه. ورَكِبَت البحوث هذه الموجة فأصبحت ترمي بكل ثقلها في مواكبة كل جديد، ووجد الباحثون في التقنيات الحديثة إغراءات لتجريب كل فكرة ممكنة. فساهموا في زيادة المعرفة مساهمة فعالة، وبهذا نرى أنهم حققوا الهدف الأول من العملية البحثية وهو زيادة المعرفة، فهم إذن سائرون على الدرب المرسوم. لكن الأمر وصل بهم إلى حدود العبث، وخرجت لنا بحوث على أعلى مستوى من الاستعراض التقني بما يشبه الإعجاز. إلا أنها غفلت عن الشق الثاني الذي يجب أن يصاحب عملية المعرفة ويشاطره الأهمية، وهو حل المشكلة. فلا تسعى هذه البحوث إلى حل أي مشكلة، ولا أعني بها المشاكل القريبة السطحية أو المباشرة، بل المشاكل الجذرية التي يفترض بالبحث العلمي أن يستهدفها. وأعتقد أن هذا ما رمى إليه (فوكوياما) حين أبدى قلقه من "عصر ما بعد الإنسان" وأن المخاطر الحقيقية التي تحملها التقنية أبعد وأخفى مما نراه على سطحها، وليست في المرمى البعيد لنتائج التقنية، بل هي أقرب مما نظن. فلا اعتراض بالطبع على التقنية وتطورها، ولكن المحك هو في استخدامها وتوجيهها نحو ما ينفع. بُذِل كثير من الوقت والجهد في بحوث استنساخ الجنس البشري- أو تطويره أحيانا - وهي بلا شك فتح في مجال التقنية الحيوية، وقد توصلَت إلى نتائج باهرة. وإن يكن كثير من الجدل أثير حول أخلاقية هذا التجارب وما تؤدي إليه في المستقبل، فإنَّ المشكلة الأخلاقية الآن في نظري هي استنزاف تلك البحوث لجُلِّ الموارد البشرية والمالية، فقد أضعفت الاهتمام والتركيز على إيجاد حلول لأمراض أبسط مازالت تفتك بالناس حول العالم كالملاريا والسُّل. والسبب في ذلك أن تلك البحوث المتطورة هي الابن المدلل لرأس المال على الرغم من تكلفتها العالية، وذلك لمردودها المالي الضخم وعوائدها الهائلة، فأصبحت هذه الأبحاث الاستعراضية مجالا خصبًا للاستثمار والربح، فنالت حظوة الدعم المادي فتضاعفت الجهود لتطويرها، ودخلت في دائرة لا تنتهي من الاستثمار والربح. فالمحصلة هي إذن تراكم معرفي ضخم بلا ملامح واضحة، أو أهداف مدروسة. ولا شك أن المعرفة في حد ذاتها هدف، ولكن من العبث إغفال جانب التطبيق والسعي لحل مشاكل واقعية.
 
وفي المقابل فإن التركيز على حل المشكلة بلا معرفة لجذور هذا الحل وَلَّد لنا قدرًا هائلا من البحوث الهزيلة التي لا تضرب في عمق المشكلة بل تكاد لا تتجاوز قشورها. والعجيب في الأمر أن هذه البحوث تستخدم تقنيات حديثة جدًا، ولكنها لا تحاول الإجابة عن أسئلة معرفية وإنما تكتفي بحلول تقنية للمشكلة. ظهرت بحوث كثيرة لتحسين أداء أدوية السرطان وطرائق علاجه، ولا شك أن العمل على إيجاد حل لهذا المرض الفتاك ضروري للبشرية، فالسرطان تسبب في ما يصل إلى 23% من الوفيات في الولايات المتحدة بحسب إحصاية الجمعية الأمريكية للسرطان لعام 2005م، إلا أن كثيرا من بحوثه العلاجية ما زالت سطحية هزيلة على الرغم من توافر التقنية المتطورة اليوم، بل تجد تلك البحوث أشبه بِنُسَخ عن بعضها البعض مع فروقات تتصف بالعشوائية في التصميم لا تسفر عن دراية أصحابها بالتفسير الحقيقي للنتائج التي يتوصلون إليها. والعجيب أن تأتي أغلبها على نمطية واحدة، فإن مجموعة من هذه البحوث تكاد تعرف مسبقا نتائج البقية، وكيف صممت، وما هو منطقها. فلا تخرج بما يرأب الصدع أو يقيم الأود. وأعزو هذه المشكلة أيضا إلى رأس المال، فهذه البحوث – لأهميتها - تنال دعما ماديا وشهرة واسعة يسيل لها لعاب الباحثين بمختلف مجالاتهم، فيتخاطفون الأفكار ويتلاقفون التقنيات ملهوفين، أعماهم بريق المادة عن تبَصُّر الهدف الأسمى والسعي لإيجادِ حلول حقيقية، فلا تراهم يتعاونون كما يجب، بل يعتدي هذا على تخصص ذاك فتأتينا نتائج ضبابية بلا تفسير يشفي الغليل ولا رؤية تنير الأفق. ولهذا لا تعدو نتائج البحوث أن تكون حلولا سطحية ولا تجيب عن أسئلة معرفية. ومن المؤسف أن يساورك الشك أحيانا في صحة بعض تلك البحوث، ولا سيما أنَّ السعي وراء المادة هو دافعها، فالبحث الذي لا يأتي بنتائج إيجابية لا ينال دعما ماديا، وهذه مشكلة أخلاقية تؤدي إلى تزوير نتائج البحوث من قبل بعض الباحثين، وانعدام الثقة في البحث العلمي. وعلى ما في هذا مآزق أخلاقية، إلا أن المشكلة الأخلاقية الآنيّة لا تختلف كثيرا عن ما ذكرت آنفا من إهمال لأمراض لا تعود بربح يجدي كالملاريا والسُّل، فلا تجد من يدعمها أو يشتغل على حلها. فسوق الدواء يرى الغنيمة في أمراض مزمنة يطول علاجها تدر ربحا وفيرا، ولا يلتفت إلى أمراض من اليسير أن يُقضى عليها. وما زالت هذه الأمراض البسيطة تلقي بظلال الموت على الناس وتحصدهم لإهمال البحوث المسخرة لها، فماذا لو وُجِّهت التقنيات الحديثة لزيادة المعرفة وإيجاد الحلول لهذه الأمراض؟! وليست البحوث الطبية وحدها تعاني من هذا المأزق، وما آثرت تخصيصها إلا لحاجة البشرية الماسة لها، وخطرها المحتوم إن عُبِثَ بِها أو أسيء توجيهها.
 
قد يقول قائل أن البحث العلمي في الغرب يركز على حل مشاكله وهو غير مسؤول عن مشاكل الآخرين. سأضرب حينها كفا بكف وأقول أن من ادعى هذا نسي أن المعرفة في أصلها عملية تراكمية ساهمت فيها الإنسانية جميعا؛ فأولى بأن تسخر مخرجاتها لخدمة الإنسانية. وما تلك الحجة إلا صورة من صور سيطرة رأس المال على الأخلاق، فهنيئا لأمراض أصابت من لا يملكون حلها! وقبل أن يطل رأس المال من بوابة المستقبل، حري به أن يلتفت إلى حاضره الهش. الجراثيم والسرطان أذكى من الإنسان كثيرًا، فهي تتطور بشكل منطقي يكفل وجودها، ذلك لأنها تعنى بمشكلاتها الأساسية وتُسخِّر كل السبل لحلها، بل إنها تفيد بعضها البعض بخبراتها في مكافحة ما يضرها، فإن استطاعت خلية بكتيرية أن تطور نفسها لمكافحة دواء فإنها تشيع هذه الوسيلة بين خلايا البكتيريا الأخرى.
 
        أخيرا إن كنا قد أحطنا بالمشكلة، فمن أين يبدأ الحل؟ يرى (هيجل) في فلسفته المثالية أن الفكر هو جوهر تنطلق منه الطبيعة وأن المادة صورة لهذا الجوهر، لهذا فإن الحياة تخضع لجدل فكري مستمر هو ما يتحكم في متغيراتها، بينما يرى (ماركس) أن المادة هي الجوهر الذي تنطلق منه الأفكار وأن الجدل الاقتصادي هو محرك الحياة الفعلي وهو ما يرسم ملامحها، فذكر في الجزء الأول من كتابه "رأس المال" “Das Kapital” أنه وجد (هيجل) يقف على رأسه فأقامه على قدميه. إن كان ذلك صحيحا فاسمحوا لي بأن أتساءل: أما آن أن نقف على رؤوسنا ؟!


[1] Fukuyama, F. (2003). Our Posthuman Future: Consequences of the Biotechnology Revolution. New York: Picador
[2] Fukuyama, F. (1992). The End of History and the Last Man. New York: Free Press


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بين فوكوياما وهنثنغتون    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

يعاني الغرب الليبرالي حالياً ، ونخبته المثقفة بالذات ، بعد هزيمة الشيوعية وانهيار جدار برلين ،
من أزمة هوية تتمظهر في تخبطه المعياري الأخلاقي . لأنه وفي الوقت الذي انتصرت فيه مجموعة الأفكار التي يمثلها والمتعلقة بالنظام الاقتصادي الليبرالي الحر ( مدعومة بحلف الناتو ) على الإشتراكية السوفياتية ، وبعد أن كان قد قضى أبان الحرب العالمية الثانية على فكرة الدولة القومية كما عبرت عنها ألمانيا النازية واليابان ، انخرط هذا الغرب تحت قيادة أميركية في مغامرات إستعمارية طموحة بغية إحكام سيطرتهالعسكرية والاقتصادية على العالم ، وتعميم صورة نموذجه الإجتماعي ـ الاقتصادي كخيار أوحد لا بديل عنه لكل البشر . تعميم هذه الهوية ( التي كانت ملامحها العامة قد تم رسمها في عصر الأنوار ) ومحاولة توسيعها إلى أقصى حد ممكن أضعف محتواها " العقلاني " لأن عقلانية الأنوار بقيت إيديولوجيا النخبة خارج الغرب الأوروبي ، وخصوصاً في أميركا بالذات ، ولم تتمكن من الوصول إلى القاعدة الشعبية العريضة التي بقيت على شكل مجموعات إثنية ودينية متباينة. من هنا ، وبعد الانتصار الساحق الذي حققته الرأسمالية العالمية ممثلة بالإدارة الأميركية ، جاءت الحاجة لإعادة النظر في محتوى هذه الرسالة الإنسانية التي بنت عليها إيديولوجيتها ، لتنضيدها وتكييفها مع الواقع الجديد ، ومن هذه الزاوية بالذات ينبغي النظر إلى ما تمخضت عنه الثقافة الغربية الحديثة التي تقودها أميركا والتي يمكن تلخيصها في عصرنا الحالي ، على الصعيد الفلسفي ، بنظريتي فوكوياما وهنثنغتون .
  لأنه ، وفيما عدا قوته الاقتصادية والعسكرية ، يأتي هذا التوجه العالمي مدعوماً بشبكة إعلامية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً على الإطلاق ، ومن مفارقات هذا التوجه الإعلامي الأميركي أنه شديد العالمية والانفتاح في رسائله التي يبثها نحو الخارج ، كثير الانغلاق والمحلية في رسائله التي يبثها نحو الداخل الأميركي . مجتمع الاقتصاد الحر ، مجتمع " الإعلام والمعرفة " هي صورة تصدر إلى الخارج ، وهي الأسطورة التي تمتلك خاصية الجمع بين الليبرالية الحرة ، والتطور التكنولوجي الذي سيكون بمتناول الجميع ( كما يعدوننا ) ، وهي الفكرة الطوباوية التي ميزت " عقلانية " عصر الأنوار ، كما قلنا ، والتي ارتكزت على أفكار " كانت " الفلسفية ، فكان أن تبناها فوكويوما في عصرنا الراهن بعد أن أضاف إليها جدلية هيغل ( الذي لم يأخذ منه سوى وجهة تطور التاريخ المتصاعد الذي أعلن نهايته ) وتفسيرها : أن العقل الإنساني قد توصل بالفعل إلى معرفة الحقائق الأساسية المتعلقة بوجوده وأن هذه الحقائق غدت مكتسبة في المجتمع الغربي وبشكل نهائي لا رجعة فيه وسيجري تعميم هذه المبادىء كنظام عالمي جديد يحمل في داخله " ميكانيزماه " الخاصة التي تتلائم مع طبيعة النفس البشرية ، أي العلاقات الإقتصادية الحرة والصراع الإجتماعي المؤطر ضمن قوانين اللعبة الديموقراطية . هذا النظام قادر على تشكيل محرك ( دينامو ) خاص به يتمكن من خلاله من تجديد نفسه بشكل مستمر .
أما على المستوى الشعبي ، فكان لا بد من نظرية أخرى تتلائم مع واقع الحالي الأميركي الداخلي من جهة ، وطموحه الاستعماري من جهة أخرى ، فكانت نظرية " صراع الحضارات " التي لا يخفى على أحد نزعتها النفعية ولا توقيت ظهورها بما يخدم التوجهات العسكرية الأميركية واستراتيجتها السياسية الهدف منها : تشكيل نواة داخلية صلبة يكون التحالف اليهودي ـ البروتستانتي ( كما يظهر لدى المحافظين الجدد ) فيها رأس الحربة وبحيث تدفع فكرة صراع الحضارات لدى الجمهور الواسع إلى تأصيل جذور الخلاف بين الشرق والغرب ، وهذه الفكرة تعزز الشعور بالخوف من الآخر ( العربي ، المسلم ) في المجتمعات الغربية وتؤسس لتشكيل نواة كرة صغيرة بإمكانها أن تتدحرج في أي وقت ، في حال الشعور بالخطر ، لتتحول إلى كرة كبيرة تجذب من حولها الغرب الأوروبي كله ( العقلاني ) وأصدقاء آخرين عليهم أن يظهروا مودتهم وتعاطفهم باستمرار لكي لا يتحولوا إلى أعداء محتملين كاليابان بلدان أميركا اللاتينية وكتلة بلدان أوروبا الشرقية ... وهذا الخطر المحتمل ( صراع الحضارات ) يمكنه أن يشكل مبرراً إيديولوجياً كافياً للعدوان والتعارض وتبرير السباق الدائم إلى التسلح ، أي إبقاء عامل الحذر قائماً من بلدان أخرى ( شرقية حسب تصنيف هنثنغتون )والتي يمكن أن تتحول إلى عدو محتمل في أي وقت ، كروسيا والصين .
الكيل بمكيالين هو أساس هذه المشكلة ، فكيف سيكون الرد عليها ؟

*ضياء
4 - أكتوبر - 2008
حمار !    ( من قبل 9 أعضاء )    قيّم
 
                      الحمار ثالث أذكى حيوان
 
عندما يوصف أحدهم بأنه حمار يعد ذلك إهانة و رغم  أن البشر لا يقدرونه  حق قدره فقد وقف إلى جانب الإنسان في  حله و ترحاله قبل انتشار  وسائل المواصلات الحديثة ، فقد كان وسيلة النقل وحمل الأمتعة في المدن والقرى، وتراجع دوره حتى يكاد ينقرض، وهو مشهور بصبره وجلده وتحمل المشاق والجوع والعطش، وكان الناس يأكلون الحمير، ولكنهم استنكفوا عن أكله لئلا ينقرض،وحادثة النهي عن أكل الحمير مشهورة .
قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى : الحمار جمعه حمير أو أحمرة وربما قالوا : للأتان حمارة ، وتصغيره ُحمير ومنه توبة بن الحمير وكنية الحمار أبو صابر .
ويصنف علماء الحيوان الحمار في العائلة  الخيلية  في رتبة الفردية الحافر ، ومن
شعيبة الثدييات ومن شعبة: الجليات التابعة للمملكة الحيوانية من الكائنات الحية.
والحمير أنواع ومنها الحمر الأهلية و الحمر الوحشية المخططة ، والحمار الوحشي
سريع العدو ، يركض بسهولة على الصخور وفوق الرمال في سرعة الحصان ، وتعيش الحمر الوحشية في قطعان يبلغ عددها في بعض الأحيان ألف رأس .
ومن التجني  وصف الأغبياء بالحمير ، ويعد عند الباحثين من الحيوانات الذكية ، ويأتي ثالثاً في مستوى الذكاء بعد الحصان والقرد ، ومن ذكاء الحمار وقدرته على التعلم أنه يعرف الصوت الذي يلتمس به وقوفه ، والذي يلتمس به مسيره ، وإذا رفعت عليه السوط مر من تحتك مراً حثيثاً حتى لا يصيبه ، ويقوم باكتشاف الطرق الوعرة ، ويستطيع تذكر الطريق بدقة و يسلك الطرقات بمفرده مهما كانت طويلة ، ولو مشى فيها مرة واحدة كما يوصف بحدة السمع.
وظهر الحمار في الأعمال السورية الدرامية وأشهرها ذلك الذي ظهر في مسلسل
(أسعد الوراق ) وقد دخل الحمار إلى استديو التلفزيون بإصرار من الممثل هاني الروماني لأن الكاميرا المحمولة لم تكن قد ظهرت، كما اشتهر حمار فيلم (الليل)
وقيل آنذاك إن كلفة استخدامه كانت مرتفعة، ومنها حمار غوار في فيلم (عقد اللولو)،
كما ظهر حمار جحا في عدة أفلام تونسية وروسية وصينية ، كما ظهر في مسلسلات سورية ومصرية وجزائرية . وقد أثيرت مؤخراً مشكلة بسبب أغنية (بحبك يا حمار)
التي غناها سعد الصغير في فيلم (عليّ الطرب بالتلاتة ) حيث ادّعى شعبان عبد الرحيم ملكيته للأغنية .
وهناك الكثير من الجماعات السياسية تتخذ الحمار شعاراً ، أشهرها الحزب الديمقراطي الأميركي منذ إنشائه بقصد إظهاره القدرة على التحمل والمتابعة ، بينما يتخذ الحزب الجمهوري  رسم الفيل شعاراً.
وكان الحمار موضوعاً أثيراً لكتابات الفلاسفة والأدباء، وهناك كتب تتحدث عن الحمار ، حمار بوريدان وحمار الحكيم ، وحمار العزيز، لغونترغراس.
وقد تأسست في أوربة وعدد من بلدان الغرب جمعيات لحماية الحمير ، تعنى خاصة بالحمير المرضى أو المتقاعدين . وفي الأدب العربي يذكر الحمار كرمز الغباء ، ولكن هذا يصدق على الحكايات التي تدور في أوسا ط الحيوانات ، وأما القصص التي تحكي عن حمار وصاحبه كقصة حمار جحا الشهيرة، فغالباً ما يكون الحمار فيها مهملاً، ويمكن  استبداله بأي مركوب آخر غير أن واضعي القصة غالباً ما يختارون الحمار وكأنه من باب إياك أعني واسمعي يا جارة .
ويرى الكاتب الدكتور نظمي خليل أبو عطا أن الحمار ليس غبياً على عكس الصورة الشائعة عنه حيث يثبت العلم ويرى أن الحمار حيوان ذكي يتعلم ويفهم ويتحمل الإنسان الذي يظلمه دائماً ، وبحث الدكتور نظمي في كتب التراث ولاحظ أن الحمار ورد في  مخطوطات كثيرة وصنف الحمر بأشكالها وألوانها .
ويقول : للناس في مدح الحمار وذمه أقوال متباينة بحسب الأغراض فمن ذلك كما قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى : إن خالد بن عيسى الرقاشي كان يختار ركوب الحمير ، فلقيه بعض الأشراف بالبصرة على حمارٍ فقال: ما هذا يا بن صفوان؟  فقال : عيرٌ على نسل الكدار، يحمل الرحلة و يبلغني العقبة ويقل داؤه ويخف دواؤه ويمنعني من أن أكون جباراً في الأرض وأن أكون من المفسدين.
وقال الزمخشري :
الحمار مثلٌ في الذم الشنيع والشتيمة ومن استحيائهم لذكر اسمه أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به فيقولون الطويل الأذنين .
كما يكنون عن الشيء المستقذر، وورد ذكر الحمار في كثير من الأمثال الشعبية منها، وعد من مساوىء الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم ذوي مروءة ،
ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافاً وإن بلغت الرحلة الجهد.
*د يحيى
28 - يونيو - 2009
الألوان (1)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

الألوان والإنسان

العدد: 2 (يناير-مارس) 2006
 
مليح مرد / علم النفس
 
 
 
 
يكشف لنا النور حين يلامس أي شيء عن عالم من الألوان. حينئذ يكتسب أثاثنا الخالي من الحياة معنى جديدا وتسري روح الحياة في الأرفف البنية، والمنضدة الرمادية، والأكواب الخضراء، والبسط والمفارش والستائر؛ حتى حقول القمح التي تكتسي باللون الأصفر وقت الحصاد والجرار الفخارية الزرقاء؛ والملابس التي تستر أجسادنا، والأشجار الخضراء الزاهية التي تحيط بها البنايات وتظللها السماء الزرقاء... كل هذا يصبح أكثر بهاء وحيوية حين تزينه الألوان.
فلنرتحل إذن عبر عالم الألوان الرائع؛ فخلف كل لون قصة، بعضها جميل تستبين العيون الباصرة الحقيقة فيها، بينما ترى عيون أخرى فيها روح الشحناء والبغضاء وكل آفات النفس البشرية. لأجل هذا نستطيع القول إن الألوان تحمل المشاعر المتناقضة، فهي تحمل مشاعر الأمل واليأس، وترمز لمفاهيم الإثم كما ترمز لمفاهيم البراءة، ولذا يساء استخدامها حينا ويُضحَّى بها حينا آخر، يفضّل بعضها ويزدرى البعض الآخر.
فاللون يُعرَف بأنه ظاهرة من النور أو الإدراك البصري يمكّن المرء من التمييز بين الأشياء التي لولا هذا اللون لكانت متطابقة. ولكونها إحدى الخصائص التي تمكننا من تمييز الأشياء، تعد الألوان معنى من معاني الحياة. وعليه، فإن قلنا إن الحقيقة تتداخل مع الحياة كان لنا أن نقول إنها -أي الحقيقة- تُرى من خلال الألوان المختلفة.
أثر الألوان على الإنسان
ربما يكون ذلك التجاوب النفسي والمبهج الذي تثيره الألوان هو أهم أثر لها في الحياة اليومية وهو ما يعرف بالإدراك النفسي، فضلا عن آثارها في حياة الفن، الموضة، التجارة والانفعالات النفسية والعاطفية.
على سبيل المثال تعتبر الألوان الأحمر والبرتقالي والأصفر والبني ألوانا ساخنة، بينما تعد الألوان الأزرق والأخضر والرمادي ألوانا باردة.
من هنا قيل إن الألوان الأحمر والبرتقالي والأصفر تثير البهجة والشهية وتدفع الإنسان نحو العدوانية، بينما تدعو الألوان الأزرق والأخضر إلى الحس بالأمان والهدوء والسلام. أما الألوان البني والرمادي والأسود فهي تثير الحزن والإحباط والقنوط. وبالرغم من هذا فيمكننا القول بأن هذه المفاهيم ما زالت فردية وتختلف من فرد لآخر.
فالسن والحالة المزاجية والصحة النفسية إضافة إلى عوامل أخرى تؤثر على إدراكنا للألوان. فالأشخاص الذين يشتركون في صفات فردية مميزة غالبا ما يشتركون في إدراكهم للألوان وتفضيلهم لبعضها على بعض. ولنضرب مثلا على هذا بالأشخاص المصابين بانفصام الشخصية (الشيزوفرانيا)؛ حيث يقال إن لديهم إدراكًا غير طبيعي للألوان؛ وكذلك يفضل الأطفال في مرحلة تعلم التمييز بين الألوان اللونين الأحمر أو البرتقالي.
ويؤكد الأطباء النفسيون أن تحليل استخدام المرء للألوان وتجاوبه معها يكشف لنا معلومات نفسية وثيقة الصلة بالتحليل النفسي؛ بل يذهب البعض منهم إلى أن بعض الألوان لها آثار علاجية لبعض الإعاقات النفسية والجسدية.
ففي الصين والهند واليابان تستخدم الألوان في الطب البديل، فيعتبر اللون البرتقالي مفيدا في حالات الاكتئاب، والأصفر لمرضى السكر، والأخضر للمصابين بالقرحة والخمول الروحي، والأزرق البنفسجي لمرضى الصرع.
ما يهمنا هنا هو العضو الجسدي الذي يستقبل اللون مثل العين ومراكز الإحساس في البشرة.
فطول الموجة الخاصة بكل لون يحمل وينقل الطاقة إلى العضو الجسدي الذي يحوي ذلك اللون، وتقوم تلك الطاقة بإزالة الاضطرابات الجسدية والنفسية.
فالأشعة الملونة تؤثر مباشرة على الجهاز العصبي، لذا تتم معالجة العلل المختلفة بأشعة متنوعة الألوان لتنوع تأثيرها ولتعدد درجاتها.
وعلى الرغم من أن هذه الفوائد الطبية مازالت قيد البحث فإن الألوان تحدث رد فعل جسدي ونفسي محدد وواضح؛ فالغرف والأشياء ذات اللون الأبيض وتلك التي لها ظلال خفيفة لألوان "مبهجة" ربما تبدو أوسع من تلك التي طليت بألوان داكنة أو "دافئة". وكما يعلم المصممون ومهندسو الديكور فإن الألوان الداكنة لها أثر تقليصي؛ فالحجرة المبهجة التي تطلى باللون السماوي تحتاج إلى تثبيت منظم أضواء، أعلى من الحجرة المطلية بلون برتقالي باهت حتى يمكن الحصول فيها على نفس درجة الإحساس بالدفء.
ويعاني الأفراد الذين يتعرضون لألوان غير عادية منبعثة من مصادر خاصة من صداع واضطرابات عصبية؛ بل إن الأطعمة التي يتم تقديمها في هذا الجو ربما تصيب الانسان بالتقزز والمرض.
وعلى النقيض نجد ألوانا أخرى تدعو إلى البهجة؛ فحينما يتعرض المرء للون مبهج بعد تعرضه للون آخر داكن يزداد لديه الشعور بالسعادة بدرجة أعلى مما لو كان قد تعرض مباشرة للون مبهج فقط، ويعرف هذا الأمر بتطوير التباين المؤثر.
كيف يرى الناس الألوان؟
بعض اللغات لا تحوي كلمات منفصلة تعبر عن الألوان الأخضر والأزرق والأصفر والبرتقالي؛ بينما يستخدم الإسكيمو 17 كلمة لوصف اللون الأبيض الذي يصفون من خلاله درجات الثلج المتنوعة. وتُظهِر لنا مقارنة مصطلحات الألوان وجود نماذج خاصة؛ فكل اللغات تحوي أسماء محددة للونين الأبيض والأسود؛ وإذا قمنا بتمييز لون ثالث سنجده الأحمر يتلوه الأصفر أو الأخضر ثم تليها بقية الألوان.
والألوان هبات ومنح ولا يجب أن تكون سببا للتشرذم. يوضح لنا عالم الاجتماع "أورخان كول أوغلو" أن أتباع المذاهب والسياسات المختلفة يختارون ألوانا مختلفة؛ ففي البلقان مثلا يعتبر اللونان الأبيض والأزرق ألوانا يونانية حيث يحوي العلم اليوناني اللونين الأبيض والأزرق. أما اللونان الأحمر والأسود فغالبا ما يرتبطان بالصراع السياسي والاجتماعي؛ فقد ظل الأحمر لعدة سنوات رمزا للعنف والقتل والظلم والإرهاب ومعاداة الديمقراطية. وبتعبير آخر يعني الأحمر وجها مملوءا بالغيظ (أحمر الوجه) أو دمويا (عينان دمويتان).
أما في مجال السياسة فيشير اللون الأحمر إلى الإثارة أو الدفع نحو تغيير اجتماعي سياسي جذري مصحوبا بالقوة كما هو الحال في الثورة الحمراء وأيّ شيء آخر يتصل بالشيوعية مثل المربع الأحمر الخاص بالاتحاد السوفيتي السابق. بل يوجد في العالم جيشان أحمران؛ الجيش السوفيتي الذي أسس عقب ثورة 1917، والجيش الأحمر الياباني الذي أسس عام 1969، وعرف أولهما بقوانينه ونظمه الصارمة مثل معاقبة بعض الكتائب بإرسالها في موجات انتحار جماعية، غير أن مجموعة من القوانين الجديدة سنت عام 1960 خففت من حمرة الجيش السوفيتي؛ أما الثاني فهو عبارة عن منظمة إرهابية يابانية صغيرة بقيت ناشطة حتى 1990.
أما الألوية الحمراء الإيطالية وهي منظمة إرهابية يسارية متطرفة فقد اختارت اللون الأحمر والعنف، في سعيها لتهيئة إيطاليا في السبعينيات لثورة ماركسية؛ كما اختار الثوريون الصينيون الذين سعوا لإنهاء الثقافة التقليدية الصينية اللون الأحمر والعنف؛ وتابعهم الثوار الكمبوديون الذين يعرفون باسم "الخمير الحمر" والذين قاموا بقتل جيل بأكمله أو ما يقارب المليون ونصف المليون نسمة من السكان البالغ عددهم 5.7 مليون نسمة في فترة حكم امتدت لثلاث سنوات ونصف فقط.
أما اللون الأسود فهو يستخدم للإشارة إلى الأمور الثقيلة والخطيرة (مكيدة سوداء)، أو المتسخة والملوثة (أيدي سوداء)، أو المكر والخبث والشر (أفعال سوداء)، أوالأشياء ذات الأثر السلبي (علامة سوداء في سجل المرء)، أو الأمور الغيبية أو الشيطانية (سحر أسود)، أو الأحداث والمشاعر الحزينة واليائسة والمصائب (اليأس الأسود)، أو الجوائح (السبت الأسود)، أو العداوة والغضب والتجهم (الحقد الأسود)، أو الأمور المشوهة والسخرية الشاذة (الفكاهة السوداء)، أو عمليات الاستخبارات السرية (المهام الحكومية السوداء).
يقول طبيب علم النفس الاجتماعي "إبراهيم بالي أغلو": "على الرغم من أننا نربط الأسود بمعان سلبية فلا يمكن أن ننكر أنه يمثل الجدية والاحترام والنبل. فهناك مواطن لا يعد فيها اللون الأبيض الذي هو لون الطهر لونا مناسبا. ولابد أن تستخدم الألوان مع درجاتها وتجميعاتها المناسبة".
ويرى الطبيب نفسه أن من المنطقي ربط الأبيض بالمفاهيم الإيجابية والأسود بالمفاهيم السلبية: "الأبيض والأسود كالليل والنهار، فبينما يثير سواد الليل الذعر
في القلوب يشيع ضوء النهار فيها الطمأنينة والسكينة، كما أن عتمة الليل تخفي الألوان بينما يظهر النهار بريقها. والناس بطبيعتهم يميلون لحب الضوء وألوانه الساطعة، كما أننا نستخدم الضوء الأبيض في علاج الاكتئاب. واهتمام المرء بالألوان الداكنة يعطينا مفتاحا لمزاج هذا الشخص، بينما ارتداء المريض لملابس بيضاء يعطينا انطباعا أنه آخذ في التحسن".
ويسجل لنا التاريخ أن جماعات مثل "جماعة اليد السوداء" و "جماعة الأوجه السوداء" و"جماعة الستر السوداء" دأبت على العنف والتخريب. وتعد جماعة الستر السوداء التابعة للزعيم الفاشي موسوليني أهمها على الإطلاق. فبعد طرد هذه الجماعة على إثر انقلاب عام 1943 تجنب الناس ارتداء القمصان السود.
أما
اللون الأبيض فهو يعني الخلو من الألوان، كما يعني الضوء أو الشحوب (شعر أبيض، شفاه بيضاء، أيْ من الخوف)، كما يعني الخلو الانحراف الأخلاقي، ويحمل معنى بريء أو عفيف (زواج أبيض)، ومعنى غير ضار (كذب أبيض وسحر أبيض)، كما يشير إلى الأشياء السعيدة أو الأثيرة لدى المرء (أيام الحياة البيضاء)، ويعني أيضا المحافظ سياسيا أو الشعب التقليدي الذي يقوم بإجراءات ثورية مضادة (إرهاب أبيض).
وفي مجال الموسيقى يرتبط الأبيض بجودة النغمة الموسيقية المتميزة بنقاوتها وخلوها من التردد والاهتزاز.
أما
اللون الأخضر فيحوي معنى الرحمة واللطف والاعتدال (شتاء أخضر-معتدل)، ومعنى الجاذبية والبهجة، ومعنى الشباب والحيوية وعدم النضج أو الاكتمال (تفاح أخضر)، وكذلك معني الجدة. وفي المقابل قد يعني شيئا له مظهر باهت ومريض أو شخص حسود (اخضرّ من الحسد)، كما يشير هذا اللون إلى الحركات السياسية المناصرة للبيئة (السلام الأخضر)، أو الأفراد الذين يعملون من أجل الحفاظ على البيئة (حزب الخضر).
أما
الأصفر فهو يرتبط بمواد الفضائح المثيرة والأخبار المزيفة (الصحافة الصفراء)، كما يشير إلى الجبن (شيء من الجبن في شخصية الرجل).
أما اللون
الزهري فيعني أن الشخص راديكالي معتدل يحمل رؤى اشتراكية سياسية كانت أو اقتصادية، كما يعني أيضا الإثارة العاطفية (زهري مبهج).
*د يحيى
6 - يوليو - 2009
الألوان (2)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
هل للأمم ألوانها الخاصة ؟
المناسبة بين الألوان وتفضيل بعضها على بعض وما تمثله بعض الألوان من معان، فضلا عن الجوانب النفسية للألوان، كلها أمور خاصة بكل أمة وتختلف باختلاف الزمان والمكان. فالأمريكان واليابانيون مثلا يحملون نفس المفهوم حول الألوان الساخنة والألوان الباردة. وعلى الرغم من هذا يرى اليابانيون أن الأزرق والأخضر ألوان طيبة والبرتقالي والأحمر الأرجواني ألوان سيئة، في الوقت الذي يرى فيه الأمريكان الألوان الأخضر والأصفر والأحمر ألوانا طيبة ويضعون البرتقالي والأحمر الأرجواني في مصاف الألوان السيئة. وبينما يمثل اللون الأسود لون الحزن في الغرب يستبدل به الأبيض أو الأرجواني أو الذهبي في بعض الثقافات الأخرى.
ويذهب "أورخان قورال" إلى أن المجتمعات تميل لاستخدام الألوان التي تتسق مع معتقداتها وثقافتها. ففي جزر بانجي الإندونيسية يعتقد المواطنون أن أسلافهم وصلوا إلى المكان في زوارق بُنّيّة اللون. ولذا فهم يبنون بيوتهم على هيئة زوارق طليت باللون البني، بل يذهبون إلى حد التضحية بحيوان عجل البحر لتعليق رأسه على المنازل كي يزيدوا في زخرفتها، ويرتدون اللون الأحمر في أثناء الجنائز حيث يشيع هذا اللون في ثقافتهم وتمتلىء الشوارع بالمشيعين الذين يتشحون باللون الأحمر.
أما في منغوليا فيشيع اللون الأخضر حيث يحب السكان الطبيعة والحيوانات، وفي جواتيمالا أجبر المحتل الأسباني كل قبيلة من السكان الأصليين على ارتداء لون معين كي يستطيع تمييزهم. وكأن الناس أحبوا هذا الأمر وقبلوه، فما زال الأمر ساريا حتى اليوم. أما مدينة فارانسي الهندية ونهر الجانج فهما يذكران المرء باللون البرتقالي على حين يذكرك تاج محل باللون الأبيض.
وتقول "نوّال سَوِينْدي" التي عاشت في إيران لفترة: "إن الإيرانيين يرون أن اللون الأسود لون شريف"، وترى "نوال" أن الإيرانيين والغربيين كذلك يرون اللون الأسود رمزا للحداد؛ ويتشح الإيرانيون باللون الأسود لتذكر أئمتهم، بينما يرتدي الغربيون السواد في جنائزهم لتذكر قديسيهم.
وتستطرد سويندي: "يبدو أن الإيرانيين يرتدون ثياب الحداد على الدوام فكربلاء تعيش داخلهم. أما الأتراك فلا يعدون اللون الأسود لونا حزينا. لذا فهم يرتدون ثيابا عادية أثناء حضور الجنائز لأنهم ينظرون إلى الموت كجزء لا يتجزأ من الحياة.
أما اللون
الأحمر فهو عند الإيرانيين لون العار، وأما في تركيا والصين والهند فيعد الأحمر لون الزفاف حيث ترتدي العروس خمارا أحمر على رأسها عشية زفافها وتحيط خصرها بحزام أحمر اللون يوم الزفاف؛ كما تضع المرأة ساعة الولادة أيضا شريطا أحمر اللون كإشارة إلى أنها على عتبة مستقبل جديد مليء بالثراء والغنى.
أما الأفارقة والآسيويون فهم يحبون ارتداء الألوان المتعددة، وأرى أن هذا يرجع إلى طبيعة البلاد التي يقطنونها حيث الطبيعة والجو المشمس الساطع الذي يؤثر على أرديتهم وأمزجتهم.
أما اللون
البنفسجي
فهو لون الإمبراطورية البيزنطية حيث كان الإمبراطور وحده هو من يرتدي هذا اللون، وحتى بعد موت الإمبراطور بنيت مقبرته من حجارة بنفسجية اللون. وأظهرت حفريات تيومولوس بمدينة "تكيرداغ" في تركيا أن الإسكندر الأكبر كان يرتدي غالبا اللون القرمزي. وربما يكون هذا هو السبب وراء تفضيل أباطرة الدولة البيزنطية هذا اللون بدرجاته المختلفة.
هل للأديان ألوان؟

يجاب عن هذا السؤال بـ"نعم" و"لا" في الوقت نفسه، فالمسلمون مثلا يفضلون اللون الأخضر حيث تغطى قبورهم وأضرحتهم بأردية خضراء، كما يَشيع اللون ذاته في مساجدهم. ومن المعلوم أنه ليس للإسلام لون خاص؛ وربما يربط بعض الناس بين الإسلام واللون الأخضر حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب اللون الأخضر، فهو يريح العين ويرتبط بالطبيعة. لكن الحقيقة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يرتدوا ما صفا لونه وخلا من الدنس وأراح العين.
ونرى القساوسة الأرثوذكس الشرقيين يتشحون بالسواد ويضعون غطاء رأس أسود اللون، بيد أن هذا الأمر ربما ليس له أيّ مغزى ديني، إلا أن رجال الدين والراهبات الكاثوليكيين ربما يفضلون اللون الأسود لبساطته ووقاره.
وبعض الرهبان البروتستانت (مثل اللوثريين-أتباع مارتن لوثر) يرتدون اللون الأبيض أو الرمادي ربما كردّ فعل ضد الكنيسة الكاثوليكية؛ كما ترتدي بعض الجماعات اليهودية المتشددة المعاطف السوداء الطويلة والقبعات السوداء عادة في أثناء المناسبات الدينية أو الأحداث الهامة ليدلوا على أهمية الحدث.
تستخدم الألوان في أغراض شتى تتنوع ما بين الطب والفن والسياسة والأنثربولوجيا. والألوان جزء لا يتجزأ من الحياة، ولا يهمنا كيف تستخدم الألوان، فأفضل استخدام لها نستطيع أن نراه في صنع الخالق العظيم سبحانه.
الترجمة عن الأنكليزية: بهاء الدين إبراهيم نعمة الله.
--------------------------------
(*) كاتب و باحث تركي
*د يحيى
6 - يوليو - 2009

 
   أضف تعليقك