مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : العاصفة    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 ابو هشام 
8 - يوليو - 2008
 
الزوبعة
      لي صديق كنت أعاوده واتردد عليه من حين لآخر ، صديق كانت له مكانة جليلة في الحي الذي يسكن فيه ، فالناس يكنّون له جل الاحترام ... اسمه عبد الله ... ذهبت لزيارته ذات مساء ، فاستقبلني ورحب بي كعادته وأجلسني بجانبه .. دار الحديث بيننا ونحن نتكلم عن أمور تهمنا .. تشعب الحديث بيننا .. فقال : أريد ان أخبرك بحادثة  قديمة تمر أمامي وكأنها حصلت بالأمس .. فقلت له : تفضل..
       قال : كل ليلة أنام فيها مبكرا لايستهويني السهر ، وأصحو على صلاة الفجر ، ثم أكمل مشواري مع النوم ولا أفيق منه إلاَّ وقت الضحى ..
      في يوم من الأيام .. وذات صباح.. أفقت مبكرا لصلاة الفجر ، ثم ثقل راسي كعادتي ونمت ، وإذ بي أصحو على صوت عويل وبكاء مرّ..َ مرّالصوت قريبا من مسامعي ، إنه عند جيراني ، فسألت أهل بيتي عن الخبر.. أخبروني بأنّ فلانا قد أعطاك عمره ، مات هذا الصباح إثر حادث سير ، حزنت وتألمت ،،وكان عندنا في الحي عادة ، أنّ أول رجل يأتي إلى العزاء يخلف عليه أهل الميت أن يأخذ عشاءه لأن الدفن بعد صلاة العصر، وهذا العشاء مكلف جدا ، لأنّ جميع من في العــزاء يأتون ليأكلــوا من عـشاء الميت، وحتى من لم يكـن في العــزاء ويســمع بالأكل يأتي ويشارك في تناول الطعام .
     أنا مطرق بسمعي لأسمع الحكاية..
     قال: صحوت على صوت العويل وعرفت أن الميت جاري ، لا بدَّ لي  إلاّ أن أذهب إليه مبكرا لأعزيه حسب عاداتنا في الحي ، لكنّي نظرت إلى نفسي ، فوجدت أنه لا يوجد عندي إلاّ قوت عيالي في هذا اليوم ... فتأخرت في ذهابي لعزاء جاري عن قصد ، حتى لا آخذ العشاء ،وهذا- والله- ليس ببخل مني.. بل هذه  هي الحقيقة ..أنني لا أملك ثمن هذا العشاء .. بالفعل حضرت متأخرا ، تقدمت نحو الأخ الكبير للميت وقلت له :  ( أحسن الله عزاءكم ..) - حكمتني العادة - وقلت لهم إن عشاء صاحبكم  - رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته إن شاء الله - عندي ،، كل علمي أنه لابدّ وأن خُلِّف على رجل غيري قد سبقني في العزاء وإذ بالمفاجأة قد حصلت ... أجابني أخو الميت : (يخلف الله عليك يا جار ) يعني أن العشاء عندي ...
    حقيقة أن الحكاية قد شدتني .. لأعرف ما الذي عمله صاحبي !!..
قال: أخذت ملامحي تتغير ولكن - عملت جهدي -  وحاولت أن أخفيها أمام الناس , شربت القهوة ثم انطلقت إلى بيتي مسرعا لأتدبر الأمر، وأُعِدّ العشاء الذي يبيَضُّ به وجهي أمام الحاضرين .
     ذهبت إلى الجزار وطلبت منه مئة وخمسين كيلو جراما من اللحم ليكفي ضيوفي حسب تقديري .. فقلت له: سجل هذا الثمن دينا ... لم يوافق الجزار على طلبي.. وقال: لا أداين أحدا بمثل هذا المبلغ : تغيّر وجهي  ثم تقدمت إلى دكان مجاور لآخذ منه كيسا رزٍّ ديناً : فقوبلت بمثل ما قابلني به الجزار وقال لي : لا أبيع دينا .
     رجعت إلى البيت ورجل لي  تتقدّم والأخرى تحاول أن تتأخر، وجهي مسوّد ، فكري توقف لما أصابني من همّ وغمّ لم يمرا بي طوال حياتي، ضاقت بي الأرض بما رحبت، وصغرت الدنيا أمام ناظري ، واشتدّ عليّ البلاء . فقلت في نفسي ماذا أعمل وبعد سويعات يأتي الجميع إلى بيتي لتناول العشاء ؟! . نظرت حولي في الطريق فلم أجد أحدا، كانت الطريق خاوية فارغة ،، مددت يدي بطريقة عفوية نحو السماء متضرعا إلى الله تعالى  وقرأت من القرآن سورة ( ألم نشرح لك صدرك ) ثم أخذت أدعو الله أن يبيّض وجهي أمام أهلي وجيراني ....وبينما أنا في غمرة من الدّعاء وقد حشّر الدمّ في وجهي فاسودّ، إذ بزوبعةٍ عظيمة لا أعرف كيف وجدت نفسي بداخلها تدور وأدور معها ، تحاول أن تخلعني من الأرض وترفعني إلى عنقها المترامي نحو السماء، وفجأة انطلقت بعيدة عنّي وتركتني- بالرغم من عنفها - مكملة مسيرتها ...  طأطأت رأسي من شدّة ما تراكم على وجهي من التراب ، نظرت نحو قدميّ لأنثر الغبار الذي ألمَّ بي لأرى صرّة سوداء  قد خلفتتها  الزوبعة، وألقتها بين قدميّ فتناولتها وفتحتها , فوجدتها مليئة بالنقود :
انفرجت سريرتي وانشرح فؤادي ، حمدت ربي وشكرت ...على الفور،، قطعت طريق إيابي إلى المنزل ورجعت إلى الجزار ، أخذت منه اللحم ونقدته الثمن ، ثم مررت إلى الدكان فأخذت الرز واشتريت السمن منه وكل ما يحتاج إليه الأكل ... الحمل ثقيل ، لكني شعرت بخفته، ورجعت مشرق الوجه باسم الثغر إلى بيتي , ناديت زوجتي من على الباب لتساعدني وقلت لها: اشعلي النيران ................. جهزت الأكل ووقفت استعدادا لاستقبال ضيوفي الكرام , وبالفعل صار الحضور يتوافدون على منزلي وأنا استقبلهم بأحسن حال ، ابتسامتي  مشرقة، قدمت الأكل للجميع... كان الخير كثيرا فالكلّ أكل وشكر، وزادت مكانتي بين الناس .
    صرت أتحدث بهذا الحديث إلى كل صديق ...... وها أنا اليوم أتحدث به على صفحات موقع الوراق الجليل.
أبو هشام
 
 


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
ومني لك تحيات..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
يظهر أنني أقف أمام إنسان ذي أخلاق فاضلة جداً.. شكراً لك يا أستاذ على تفهمك.. ونحن بدورنا نتفهم الظروف التي لا تأتي كما نريد دائماً..
*أحمد عزو
9 - يوليو - 2008
الاستاذ أحمد عزو    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أخي الاستاذ أحمد عزو ..أقدم لك كل تحياتي ، وكم أعشق كل من يغار على أصالتنا وهويتنا .. على لغتنا التي هي عنوان لنا .. صدقني دونها لا نعيش ..وهي آخر ما تبقى لنا أن فقدناها لا شيء نحن ...وكم خجلت من نفسي عندما نظرت إلى القصة ووجدت فيها ما وجدت لأنني متيقن أن التمادي في مثل هذه الأخطاء مني ومن غيري سوف نخسر الكثير ...فهذه الأقصوصة لصغرها ناولتها لغيري ليطبعها .. وأرسلتها دون تروي .. وفي هذا اليوم نظرت إليها ثم عاودت إرسالها ..والذي يدل على صدق ما أقول انظر إلى عنوان القصة والعنوان الذي هو في مجلس الوراق العزيز على قلبي ،وأتمنى من الوراق ان يبدلها بما أرسلته أخيرا .
وأعود مرة أخرى أقول لك :شكري وكل الشكر لك..
أبو هشام
*ابو هشام
9 - يوليو - 2008
شكرا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الأستاذ أبو هشام
رغم غرابة القصة، ومعرفتنا بأن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، لكن كما يقولون، الحياة احيانا أغرب من الخيال، ومن أفلام السينما، وأتساءل هنا؛ كيف كان يمكن ان تتطور الأحداث في هذه القصة لو لم تثر تلك الزوبعة المنقذة؟ وهل يمكن ان تحل مشاكل الحياة بالصدف، كما حصل في هذه القصة، تساؤلات كثيرة راودتني وانا أقرأ قصتك استاذي.
دمت بألف خير.
*khawla
11 - يوليو - 2008
ومن يتق الله يجعل له مخرجا     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
سيتدي خولة مناصرة أتقدم لك بكل تقدير واحترام ،ربما سيدتي أن  تكوني قريبة من الحدث ..صدقيني أنها حصلت في منطقة آريحا بفلسطين ،وهذه المنطقة كثيرة الزوابع وخاصة في فصل الصيف .. وأقول لك سيدتي :هل يوجد عندك شك أن( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب  ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره وقد جعل الله لكل شيء قدرا)صدق الله العظيم ..في مثل هذا الرجل الذي ضاقت الدنيا أمام ناظريه والوقت الذي وضع فيه كان حرجا.. سويعات معدودات ..ولم يكن أمامه إلا الله سبحانه وتعالى يلتجئ إليه، فتضرع إليه بنية صادقة صافية وهو موقن كل اليقين أن لا أحد يسعفه إلا الباري عز وجل.. وشاهدتي أحداث القصة كيف رفع يديه إلى السماء بصورة عفوية.. وهذا الذي حدث ...وأنا شاكر لك على كلماتك ذات المعاني العذاب ..وكل احتراماتي وشكري لشخصكم الكريم.
أبو هشام العزة
*ابو هشام
11 - يوليو - 2008
تقدير    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ونعم بالله استاذي الكريم، والله على كل شيء قدير. بوركت.
*khawla
11 - يوليو - 2008
الصدفة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
رب صدفة خير من ألف ميعاد
تحدث في حياة الإنسان بعض الصدف لا تخطر على بال ، كالذي يحفر أساسات لبناء بيت له فيجد كنزا ، أو كالذي يحرث بمحراثه وأثناء الحراثة يتعثر رأس المحراث بقطعة حديد فيحاول أن يعالجها فيجد صندوقا حديديا مليئا بالذهب ، أو كالذي يأتيه الميراث فجأة ،فيقال أن فلانا توفي فوجد أهله أثناء تفتيشهم عن حاجيّاته صدفة أنه يملك كذا وكذا وهم خلال حياته لايعلمون شيئا عن ذلك.. أو كالذي يكون عاقرا ويقول علم الطب مقولته في ذلك حتى يصل الإنسان إلى حاله اليأس و إلاّ أننا نسمع صدفة أن  زوجة الرجل حامل ويرزقهم الله برزقه،أو كالذي يسمع أن حديثا يدور بين تجار المدينة صدفة أن مناقصة مربحة سوف تعرض في يوم كذا فيجهز ذلك الرجل نفسه بملابسه الأنيقة وحقيبة اليد ذات الثمن الغالي الذي يملكها وهي خاوية ،ويذهب حيث توجد المناقصة موهما التجار أنه سوف يدخل ليأخذ المناقصة ،فيتفق التجار أن يعطوه مبلغا من المال ويبعد عن طريقهم... أو كالذي يلاقي صديقا له صدفة يقف بجانبه ويساعده وينقظه من عسر وقع فيه..........
*ابو هشام
19 - يوليو - 2008

 
   أضف تعليقك