الكوارتز والدقة في قياس الوقت (1)     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
المبدأ الأساسي الذي يقف خلف كل تصاميم الساعات التي نقيس بها الوقت هو أداة في داخل الساعة تتذبذب أو تهتز oscillates بثبات دقيق المقدار ، والذي يتوقف على مقدار ثباته التمكن من دقة قياس الوقت. وهذه الأداة المهتزة ذات التردد الثابت ، هي التي تقوم بتجزئة الثانية الزمنية إلى أجزاء متساوية ، ثم تأخذ بعدّها مستغرقة زمنا مساويا في مجموعه لزمن الثانية نفسها . وكلما كان عدد أجزاء الثانية كبيرا ، كلما كان الحفاظ على دقة قياس الوقت كبيرا أيضا . ويشبه ذلك ما لو كنا نمتلك مبلغ ألف دينار مثلا ، وأنفقنا منه دينارا واحدا أو كسبنا زيادة عليه دينارا ، فإننا لن نحس كثيرا بالفقد او بالزيادة ؛ ولكننا لو امتلكنا خمسة دنانير ، فإن فقد دينار منها او ازديادها دينارا ، فإن ذلك يشعرنا بمقدار النقص او الزيادة في المبلغ أكثر . وعلى هذا ، فإن الأداة المذكورة إن أخطأت في عدّها أو تسارعت او تباطأت ، فإن تأثير ذلك على دقة القياس يعتمد كثيرا على النسبة بين مقدار الخطأ ، وبين مقدار عدد الترددات . إن الساعات الميكانيكية الحالية والتي صُنعت في وقت مبكر من تاريخ صناعة الساعات استخدمت ما اعتدنا على تسميته بـ (الرقاص) ؛ وهو البندولpendulum ( الخطار ، كما سماه ابن يونس المصري ؛ لأنه يخطر جيئة وذهابا ) أداة للاهتزاز الرتيب في ساعات الحائط ؛ واستخدمت ساعاتُ المعصم الميكانيكية ، أو ساعات الجيب ، وساعات الطاولة كذلك ، أداة اهتزاز تعمل عمل البندول ولكنها تختلف عنه في الشكل والهيئة ، وتسمى بعجلة التوازن balance wheel ؛ فهي بندول ولكنه أفقي بدل ان يكون رأسيا . عجلة التوازن هذه ، تظل تهتز مهما اختلف وضع المستوى الذي تهتز فيه ، بعكس البندول الذي لا يقوم بعمله إلا إذا كان معلقا بشكل رأسي . ومن اجل توضيح ما أهدف إلى بيانه في هذا الموضوع ، قمت بإرفاق بعض الرسومات التوضيحية :- في الرسم المتحرك الأيمن يبدو البندول بلون ازرق ، وهو يتحكم في دوران عجلة مسننة يقع عليها تأثير قوة دافعة مصدرها إما ثقل معلق يؤثر وزنه على العجلة المسننة ، أو يؤثر عليها زنبرك spring يختزن طاقة حركية . وعندما يتحرك البندول يمنة ويسرة يسمح للعجلة المسننة بالدوران المنضبط بحركة البندول حتى تدير عقارب الساعة بالزمن المطلوب . إن حركة البندول المنتظمة هي التي تمنح للساعة دقة قياس الوقت ، وإذا ما تعرضت حركة البندول للاختلال فإن قياس الوقت تختل دقته وفقا لذلك . في الصورة اليسرى تظهر عجلة التوازن في داخل ساعة معصم وهي تقوم بعملها المشابه لعمل البندول إلا أنها تفوق البندول في عدد الترددات . إن ساعات الحائط الميكانيكية يتردد بندولها أو يخطر يمنة ويسرة عددا قليلا من المرات ربما لا يتجاوز المرتين في الثانية ، ولكن عجلة التوازن في داخل ساعة المعصم يتراوح ترددها بين الخمس مرات وبين العشرة لا أكثر . أما ساعات الكوارتز فإن أداة ترددها تنتج عددا من الترددات أكبر بكثير من ترددات الساعات الميكانيكية مما جعلها أدق في قياس الوقت من سابقاتها ، وسوف يتبين لنا ذلك بعد قليل .  رسم متحرك توضيحي لبندول ساعة حائط ميكانيكي ، وبجانبه صورة لعجلة التوازن( البندول الأفقي ) في ساعات المعصم الميكانيكية ، وهما في حالة تردد . استخدام الكوارتز أداة للتردد في الساعات : الكوارتز :  إن الكوارتز ، أو المَرْو (SiO2 ) ، وهو ثاني أكسيد الرمل النقي ، قد أودع الله تعالى في بلوراته خاصية جليلة الفائدة يُطلق عليها piezoelectric ، وهي خاصية ترددية - ضغطية ، كهربية ـ آلية في آن واحد ، بمعنى أن البلورة إن تعرضت لضغط ميكانيكي آلي متغير، فإنها تقوم بإصدار ضغط كهربي متغير بنفس عدد الذبذبات الميكانيكية التي تعرضت لها ؛ وإن تعرضت البلورة لضغط كهربي متغير أو متردد ، فإنها تُصدر اهتزازا ميكانيكيا بنفس عدد ترددات الضغط الكهربي المتغير الذي تعرضت له . ولا يقف الأمر عند هذا الحد ، إذ إن البلورة تحافظ على عدد الذبذبات التي تصدرها حتى ولو نقصت الذبذبات التي تعرضت لها او زادت بمقدار معقول . ورغم أن التحليل النظري لهذه الخاصية الآلية ـ الكهربية في بلورة الكوارتز معقد نسبيا ، إلا أنه يمكن ان يتضح بدارة إلكترونية بسيطة مساوية تسمى بدارة الرنين resonance circuit كما في المخططين التاليين :  المخطط الأعلى يمثل بلورة الكوارتز ، والمخطط الأدنى يمثل الدائرة الإلكترونية المساوية لها ، والتي تتألف من : مواسعة (مكثفات) ، ومحاثة( ملف) ، وممانعة ، ومصدر كهربي متغير . وفي سنة 1927 تم اختراع أول ساعة تستخدم بلورة الكوارتز كمصدر للذبذبة ، وكانت تلك الساعة ذات حجم كبير يمكن ان يشغل حيزا مهما من غرفة صغيرة . في هذه السنين الحاضرة ، تدخل بلورة الكوارتز في تركيب كثير من الأجهزة الحديثة غير الساعات ، كالحاسبات والحواسيب الشخصية ، وأجهزة الإرسال والاستقبال ، وأجهزة إلكترونية أخرى تعتمد على الترددات المضبوطة العدد ضبطا دقيقا ، كما ان ساعات الكوارتز التي تستخدم لقياس الوقت نجدها اليوم في كل مكان ، وكانت بداية سبعينيات القرن الماضي هي البرهة التي نزلت فيها تلك الساعات إلى الأسواق . واعتمادا على حجم ، وشكل ، وبالتالي مقدار تردد أو اهتزاز بلورتها الكوارتزية ، الذي يمكن أن يكون بآلاف أو ملايين الاهتزازات ، فإن بعض ساعات الكوارتز، ذات الذبذبة التي تعد بالملايين ، يمكن أن تحافظ على دقة لقياس الوقت تصل إلى مقدار ثانية واحدة كل عشر سنين ، زيادة أو نقصا . قبل اختراع ساعة الكوارتز، كانت الثانية تـُعرف بأنها 1/86400 من متوسط اليوم الشمسي ، بمعنى المعدل الزمني لدورة الأرض حول محورها مرة واحدة . إن ساعة الكوارتز نفسها لم تضع تعريفا جديدا للثانية ، إلا ان دقة هذه الساعة أعانت العلماء على تمييز الاختلاف في دورة الأرض ، ذلك الاختلاف الذي يبين أن كوكبنا لم يكن موثوقا به ليكون أساسا معتمدا في ضبط الوقت . إن السبب في ان ساعات الكوارتز لم تأت بتعريف جديد للثانية هو أن ذبذبات او ترددات بلورة الكوارتز يختل عددها ولو في مدة طويلة نسبيا . وهذا الاختلال يمكن ان يعود إلى التغيرات في درجة الحرارة ، والشوائب التي تتخلل البلورة ، والشوائب التي يمكن ان تحيط بالبلورة عند وضعها داخل كبسولة محكمة الإغلاق ، ومقدار الدقة في مقادير زوايا القطع عند تشكيل البلورة ، بالإضافة إلى التأثيرات المتراكمة التي تسبب شيخوخة البلورة عبر زمن طويل من العمل ، وبالتالي تؤثر على دقة عدد ذبذباتها ، مثل أن تتغير أشكال سطوحها بعد عملها لمدة طويلة من الزمن ، لذا فقد كان على الثانية أن تنتظر تعريفا جديدا لها سوف يظهر مع اختراع الساعة الذرية .( تردد ذرّةِ السيزيومَ الطبيعيَ اتخذ دوليا وحدة جديدة لتعريف الثانية ، وذلك عام 1967 ؛ فالثانية هي الزمن الذي تستغرقه ذرة السيزيوم وهي تهتز أو ترنّ بمقدار9,192,631,770 اهتزازة .) . وإن نظرة مقارنة بين هذا العدد من الاهتزازات وبين عدد الاهتزازات في الساعات الميكانيكية أو حتى الكوارتزية يجعلنا نعجب أيما عجب ، بل نذهل أيما ذهول من مدى دقة الساعات الذرية في القياس ؛ فهي لا تخطيء بمقدار ثانية واحدة ، زيادة او نقصا ، إلا بمضي ملايين السنين . |