مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : قصيدة:غياب الصقر الفصيح    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 صبري أبوحسين 
28 - يونيو - 2008
               قصيدة:غياب الصقر الفصيح
[في رثاء الأستاذ الدكتور فتحي محمد أبوعيسى، رحمه الله تعالى]
الصقر الفصيح هو شيخي الأستاذ الدكتور فتحي محمد أبوعيسى، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر، والعميد الأسبق بكلية اللغة العربية بالمنوفية....رحمه الله تعالى رحمة واسعة...
 درَّسني في مرحلتي الإجازة العليا(الليسانس) والتخصص(الماجستير)، عشتُ معه مساق تاريخ الأدب الجاهلي في السنة الأولى، ومساق نصوص الأدب العباسي في السنة الثالثة، ومساق النقد الأدبي الحديث في السنة الرابعة، ومساق موسيقا الشعر العربي[القديم والحديث] في سنتي تمهيدي التخصص"الماجستير"...
رأيتُ فيه النفس السوية، والقلب الجريَّ والعقل الصحي والفكر النقي... مِنطيق، مُفلق، لسانه صحيح فصيح، لغته ذات سعة تركيبية وكَلِمية نادرة المثال، يمرق الكلام من فمه مروقَ السهم من الوتر، أعذبَ من الماء وألينَ من الهواء، يجري ماء الحِلْم من وجهه، عقلُه راجح، للمحسن مادح، وبفضله ناطق، وما يورده من لفظه صادق، وكذلك العاقل من أحكمته التجارب، ولا يكون حاطبًا مع كل حاطب...
 لله دره من إنسان عربي أُعطِي علمًا وخُصَّ فطنةً وفهمًا، مع صفاء ذهن وجودة قريحة ونقاء سريرة، يوادُّ من يوادُّه ويسالم من يسالمه، ويتجنب من يعاديه ولا يُقدِم على شر!!!
في تراثه تُبَلُّ غُلَّتي وتُطفَأ لوعتي، إنه جنة تغُنُّ أشجارُها، وترِنُّ أطيارُها، وتشتجر أغصانها، وتعتنق غُدرانُها، فأرى فيه وجه الحياة الناضر وثغرها البارق وجمالها الساطع وبشرها الضاحك، وخيرًا سائغًا للشاربين...
حرك فيَّ ساكنًا، وأيقظ نائمًا، وأحيا بالمعارف مَيْتًا وأنشط خاملا، رضي الله عنه وأرضاه...
 وقد رحل عن دنيانا في يوم جمعة من شهر مايو هذا العام، فقلت فيه هذه البكائية:
ركْب المـنون أمامـنا سيَّـارُ       حـقٌّ يـقينٌ، ما له إنكارُ
خضعت له كلُّ الخلائق فطرةً        تمضي له الأعلام والأصفار
في كل يوم صرعة نبكي بها         عِـبَر لنا، هل تدمعُ الأبصارُ
خطـب جليل هزنا في آنـنا          الكـل غَُـمَّ وما بنا سُمَّار
الحزن لوَّن حالنا ومجالـنا            الدمع ساد، اسوَّدت الأشعار
الأرض والهةٌ وفيها هـزةٌ            في سقفها ناحت لنا الأقمار
غطى رداءُ الحزن كلَّ مغرد           وذوت على أحلامنا الأزهار
وغدا الربيع بـلا ربيعٍ عندنا          جنس العروبة بالأسى مَوَّار
أرض الكنانة حالـها مكلومة          تبـكي حـكيمًا لفظه أذكار
آدابنا ثكلى لفقد وحيدها            "فتحي أبوعيسى"، هدًى مدرار
نحيا الرثاء وسيطرت أشجانه       لمـا أذاعـت نـعيه الأخبار
الكل بالأحزان بـات مسربلاً         إذ غـاب عنـا قائد مِخْيار
فصحى الحديث تلعثَمَتْ وتعجَّمت     قـد غاب عنها مفلق مغوار
هذي المساجد ما بها عُمَّـارها     فـقـدت خطـيبًا جيله أخيار
ومجامع اللغة الشريفة زلزلت      مـا صار فيها الفارس الكرار
"فتحي أبوعيسى" مـعلِّم جيلنا     فـي كـل فنٍّ عُـمرُه أسفار
في الأزهر الصافي ارتوى كل الهدى   وروى الجـميـع فشأنه إعمار
في محـفل العلماء نجم ساطع       شـهدت له أجيـالنا الأحرار
أعطى الفصاحة عقله وجهاده        أحـيا الجـزالةَ نصُّه الدوَّار
إن يفخروا بالنقد كان عميده        رجـل التراث تحبـه أشعار
لفـتاتـه فـي شعرنا قِيثارةٌ         لـذَّت بـها بجـلالة آثـار
ولسانه ذَرِبٌ طـليق مُمْتعٌ            بفـرادةٍ وحـلاوة تُخـتار
عاش الحياة مُعمِّرًا لا ينثني           مَـن لا يُعمِّر مُـدِّعٍ خوَّار
سيسجل التاريخ أن نتاجه          شهدت له الأمصار والأعصار
الله يغـفر ذنـبه ويزيـده          طـوبى له فمـثاله الأطهار
د/صبري فوزي عبدالله أبوحسين
25/6/2008م


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رحمه الله..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
رحم الله الدكتور فتحي محمد أبو عيسى رحمة واسعة وأبدله داراً خيراً من داره..
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به أو صدقة تجري له أو ولد صالح يدعو له).. وسيرته تدل على ما أعطى هذا العالم الكريم من علم لأجيال متلاحقة وسوف يبقى علمه وعمله كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام..
أجد الألم والعبرات تقطر من كلمات الدكتور صبري.. جزاك الله خيراً يا دكتور وعوضك الله وعوضنا خيراً..
وقد استمعت اليوم لأبيات معبرة للمنشد محمد العزاوي ومنها:
نـسير  وإنما الدنيا iiطريق فـحيناً  رحبة حيناً iiتضيق
كما بحر به الأمواج هاجت ولا نـدري بأي غد iiتروق
جعل الله أيامنا وأيام الأمة الإسلامية جمعاء رحابها أكثر من ضيقها..
وعزاؤنا للدكتور صبري أبو حسين ولأهل المتوفى.. أمدكم الله جميعاً بالصبر.. ورزقكم مثوبة منه لا تنتهي..
*أحمد عزو
28 - يونيو - 2008
لا أراك الله مكروهًا في شيوخك    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
لا أراك الله مكروهًا في شيوخك
أيها القاص البارع، والمصحح اللغوي العظيم، والإنسان ذو الإحساس النبيل، الصديق :أحمد عزو، جزاك الله خيرًا ولا أراك الله مكروهًا في شيوخك، وشكرًا على هذه البشارات، وأقتبس دعاءك الجميل:
جعل الله أيامنا وأيام الأمة الإسلامية جمعاء رحابها أكثر من ضيقها.. ورزقكم مثوبة منه لا تنتهي... اللهم آمين
*صبري أبوحسين
28 - يونيو - 2008
رحم الله العالم الجليل    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أضرع إلى الله جل وعلا أن يتغمد الفقيد العالم الجليل بواسع رحمته ، وأن يعظم له أجره ويدخله في عظيم غفرانه ، وأن يلهم ذويه واصدقاءه ومن تتلمذ على يديه الصبر الجميل . وما أجمل وصف الدكتورالوفي الغالي صبري أبو حسين حين وصف استاذه  بالقول : " لله دره من إنسان عربي أُعطِي علمًا وخُصَّ فطنةً وفهمًا، مع صفاء ذهن وجودة قريحة ونقاء سريرة، يوادُّ من يوادُّه ويسالم من يسالمه، ويتجنب من يعاديه ولا يُقدِم على شر!!!"
أما القصيدة النبيلة ، فإنها دلالة بينة على صدق عاطفة الدكتور ووفائه وإخلاصه للمرحوم ، فهكذا يكون الوفاء والاعتراف بفضل أهل العلم المخلصين .
*ياسين الشيخ سليمان
28 - يونيو - 2008
قصيدة دمعة دامية للدكتور حسان الشناوي في رثاء الدكتور فتحي:    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
قصيدة دمعة دامية للدكتور حسان الشناوي في رثاء الدكتور فتحي:
يا ناسجَ السحر في ضـافٍ مـن الحلـل
                    ومدركَ السر في الفصحـى بـلا كلـل
ومبـدع النـقـد تلقائـيَّـة أســرت
                  أولـي البصائـر والألبـاب والأسَــلِ
وصاحـب الكلْمـة الخضـراء زاهيـةً
                   برائـق مـن سنـا القـرآن منهـمِـل
يا سيدي الفـذ ، يـا أستـاذ مدرسـة
                وضيئـة النهـج ، ربانـيـة المـثُـلِ
تفنى الأساطير مهمـا اغتـرّ زاعمهـا
                   بـأن فيهـا جديـدا دائــم السُـبُـل
وينتهـي بالخرافـات الزمـان إلــى
                  أن الخلود قرين الصـدق فـي العمـل
ولسـت أسطـورة حتـى نهيـم بهـا
                          ونحوهـا نمـزج الأشـواق بالقـبـلِ
ولا خرافـة قــومٍ ربـمـا بـهـروا
                        بها الظنون فلـم تبحـث عـن البـدلِ
وإنمـا أنـت مثـل الشمـس ضاحيـةً
                   شعاعها فـي صميـم الفكـر والمقـلِ
وضوءهـا خفقـة الوجـدان متـقـدا
                        معطـرا برحـيـقٍ كالسـنـا هـطِـلِ
ودربهـا الخيـر للإنسـان مـزدهـرا
              بريّـق الحـق فـي حـل ومرتـحـلِ
وأفقـهـا صـيـبٌ ريــانُ وابـلـه
                          إذا تدفـق مــن إتـقـان مرتـجِـلِ
يـا سيـدي وأنيـن الحـزن يغرقنـي
                       فـي لوعـة نارهـا مغتالـة أمـلـي
وحيرتـي مـن ذهـول البيـن مدميـة
                       قلبـي وعقلـي ووجدانـي بـلا ملـلِ
أكـاد مـن خبـر بالمـوت زلزلـنـي
                        أعانـق الكـذب الممـزوج بالخـلـلِ
وتنتحـي بـي أحاسيـسـي ممـزقـة
                      صوب الظنون ، إذا حيكت مـن الخبـلِ
فـلا يـرد رشـادي غـيـر معتـقَـدٍ
                       أن الممـات خطـى محتومـة الأجــلِ
ولا يصبّـر نفسـي غـيـر معتـصـمِ
                        بالله ، يرقـب خطـب الحـادث الجلـلِ
فلا تـزال الحـروف البيـض تنثرهـا
                     معطرات المـدى تسـري علـى مهـلِ
ولا يـزال مضـاء الفـكـر منطلـقـا
                    كالسيـل مـن قلـم بالحـق محتـفـلِ
وكيف ننسى " بِبَـيَّ" الضـوء منتشـرا
                   يزجي إلى النفس عطر الفـأل والأمـلِ
وفي " شبينَ " التآخـي صـار موطننـا
                 نـأوي إليـه علـى ودٍّ لديـك جـلـي
صنعـت فيـه انطلاقـا للقيـادة لــم
                يمطر سوى الحرص يحوي طيب المثُـلِ
الحـزم والعـزم والإقـدام فـي ثقـة
                   والحـق والصـدق والإصـلاح للخلـلِ
وثـورة كالنـدى بيـضـاء صافـيـة
                  سلاحـهـا الفكـر مضـاءً بـلا خطـل
ودربهـا: تالـد الأجــداد، منبـعـث
                 طريـفـه بــرؤى عـلامـةٍ جـبـلِ
بحاثة قلما جاد الزمان به
                       وفـلتـة لم يـصغها منطق الحيلِ
وناقد ندرت رؤياه ، واتسمت  
                       بصـحة الطـبع يزجـي مقنع العللِ
وشاعر خبر الأشعار فانفرطت
                  منـه كنـوز بـدر الفهم والثَّقَلِ
هل كان " فتحي أبو عيسى " سوى أفـق
                   معشوشب الدرب ، مخضر الرؤى خضِلِ؟
مضى يفجر فـي النقـد الحيـا غدقـا
                  تألقـت منـه فصحانـا ولــم تــزلِ
وقــام ينـثـر بـالإبـداع منهـجـه
                     برائـع مـن بديـع الفهـم مكتـحـلِ
وراح يصبـو إلـى التجديـد متشحـا
                   مـن الجـدود بـإرث فيـه مكتـمـلِ
فاستنهض الهمـم العليـا وطـار بهـا
             لـه جناحـان مـن فـكـر ومـن ثقـلِ
ولـم تفـلَّ همـوم العيـش عزمـتـه
                والخطو يطحننـا فـي دهرنـا الخبـلِ
وما ارتضى غير صـوت الجـد يطلقـه
                 من نبض قلـب بنـور الزهـد مشتعـلِ
ولـم يكـن نهجـه ممـن يحبـذ مـا
                    يقوقـع النفـس فـي أسـوار مختَبَـلِ
كأنـمـا هــو معـنـي إذا نطـقـت
                   حروف بيـت لديـه حاضـر عجـلِ :
" وإنمـا رجـل الدنـيـا وواحـدهـا
                  من لا يعول في الدنيـا علـى رجـل "
وآخـر موشـكٍ فـي كـل مقـصـده
                     وكـم شـداه بـلا كبـر ولا وهــل:
" إن السـلاح جميـع النـاس يحملـه
                    وليـس يعمـل إلا فـي يـدي بـطـلِ"
مـا ذا أعـدد مـن أوصـاف سيـدنـا
                     والشعر أعيـاه قيـد العجـز والوجـلِ
أحتـاج عمـرا كعمـري كـي أوفيـه
                      جزءا من الفضل أو حرفا مـن الجمـلِ
يا سيـدي ، سيظـل الصبـر مرتفقـي
               والحزن أوفـى صديـق غيـر مـنبتِـلِ
فـإن سكبـت دموعـي فيـك قافـيـة
                 فالقـلـب دام مـع الأحـزان مــن أزلِ
وإن دهاني الأسى فيما أعاينه
                           مـن لـوعة تقتفي آثارَ مرتَحِلِ
فما دموعي سوى أنغام معترف
                        بالفضـل منك ، وبالإحسان مشتمَلِ
أقـم بقبـر لــه الأبــدان عـائـدة
                 يومـا وإن تقصـر الأعمـار أو تطـلِ
العلـم منـك ضيـاء حولـنـا ألــق
                  مضاعـف أجـره مـن صالـح العمـلِ
وانعـم برحمـة رب غـافـر حـكـمً
                 ونـل بعفـو لديـه أكــرم الـنـزلِ
إنـي لحكمـك يــا ربــاه ممتـثـل
                  فجـد بعفـوك واغفـر ذنـب ممتثـلِ
واغفر لأستاذنا " فتحـي " ومـن معـه
                   وكـل مـن جعـل التوحيـد كالظـلـلِ
*صبري أبوحسين
1 - أبريل - 2010

 
   أضف تعليقك