مجلس : التربية و التعليم

 موضوع النقاش : الكتاتيب 1    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 د يحيى 
25 - مايو - 2008
 
 
                   الكتاتيب
الكُتّاب أو الكتاتيب هي أماكن يدرس فيها الأطفال أساسيات القراءة والكتابة وبعض مبادئ الحساب إلى جانب قدْر من علوم الدِّين والأدب العربي وهي تُعادل تقريباً المرحلة الابتدائية اليوم. عرف العرب في الجاهلية هذا النِّظام ولكنَّه لم يكن مُنتشراً وكان في غاية البساطة ومن ثَمّ فإنّ عدد القادرين على الكتابة والقراءة كان قليلاً جداً قبل ظهور نور الإسلام.
من خلال مراجعة كُتب اللَّغة نجد طائفة من الألفاظ التَّربويَّة المرتبطة بالكتاتيب. الـمَكْتَبُ يعني: موضع الكُتَّابِ. والـمَكْتَبُ والكُتَّابُ: موضع تَعْلِـيم الكُتَّابِ، والجمع الكَتَاتِـيبُ والـمَكاتِبُ. قال الـمُبَرِّدُ: الـمَكْتَبُ موضع التَّعليم، والـمُكْتِبُ الـمُعَلِّمُ.وهو الـمُكَتِّبُ الذي يُعَلِّم الكتابَة. كان الحجاج مُكْتِـباً بالطائف، يعني مُعَلِّماً؛ ومنه قيل: عُبَيْدٌ الـمُكْتِبُ، لأَنَّه كان مُعَلِّماً. والكُتَّابُ الصِّبيان. يُقال لِصِبيان الـمَكْتَبِ الفُرْقانُ أَيضاً. والفِرْقُ: طائفة من النَّاس، وقال أَعرابي لصبيان رآهم: هؤُلاء فِرْقُ سوء. والفَرِيقُ الطَّائفة من النَّاس وهم أَكثر من الفِرْقِ.
كان العرب يُطلِقون لقب "الكامل" على من يَكتب ويُحسِن السِّباحة ويقول الشِّعر كما ذكر ذلك ابن قتيبة (276 هـ = 889 م) في عيون الأخبار (ص 541). ولشدَّة ندرة المُقتدرين على القراءة ظهر مُصطلح "القُرَّاء" في العصور الإسلامية الأولى. "القراء" لقب أُطلق على الذين يعرفون مهارة القراءة في صدر الإسلام. قال ابن خلدون كان العرب أُمة أميّة فاختص من كان منهم قارئاً للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ. "وبقي الأمر كذلك صدر المِلة ثمَّ عظُمت أمصار الإسلام وذهبت الأمِّية من العرب بممارسة الكُتَّاب وتمكَّن الاستنباط وكمل الفقه وأصبح صناعة وعِلْماً فبدلوا باسم الفقهاء والْعُلَمَاء من القراء" (ص 394). وفي لسان العرب أنَّ الكاتِبُ عِنْدَ العرب قبل الإسلام كان يُطلق عليه "العالم". قال اللّه تعالى: "أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ {47}" (سورة القلم) "لأَنَّ الغالبَ على من كان يَعْرِفُ الكتابةَ، أَن عنده العلم والمعرفة، وكان الكاتِبُ عندهم عزيزاً، وفيهم قليلاً".
وعليه فإنَّ الكتاتيب رغم وجودها قبل الإسلام فإنَّها لم تكن لشريحة كبيرة من النَّاس حتى جاء الإسلام وبث فيها الحياة لتكون الشّّريان المهم في نقل الْعِلْمِ في جسد الأجيال تلو الأجيال.
 
 


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الكتاتيب 2    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
إنَّ دور الكتاتيب في تنمية الفكر وتهذيب الآداب أمر لا جدال فيه إذ لعبت مئات الألوف من الكتاتيب إلى عهد قريب دوراً مُباركاً في تنوير المجتمعات المسلمة. كثيرة هي الكلمات التي ارتبطت بمسيرة الكتاتيب ومن الكلمات اليوميَّة في حياة السَّلف قولهم اختلف الصَّبي إلى المكتب أي ذهب إلى المدرسة وهي جملة كثيرة الاستخدام في حياة الأوائل الذين عاشوا مع التَّعْلِيْمِ عيشة زاهية ويقولون قَلَبَ المعلم الصِّبيان أي صرفهم وأطلقهم إلى بيوتهم (الزَّبيدي: تاج العروس: ص ،1210، الزمخشري: تاج البلاغة: ص 1161، ابن سيده: المخصص: ص 1497).
من الألفاظ الدَّارجة في أدبيات الكتاتيب كلمة الحذاقة ويراد بها التَّمكن والفطنة في تعلم مهارة من المهارات وقولهم حذق الصَّبي القرآن أي تعلَّمه وعرفه ويوم الحذاقة هو اليوم الذي يختم الصَّبي فيه القرآن الكريم. ووليمة الحِذاقة هي الإطعام عند ختم القرآن وتُسمى أيضاً التَّحلية فيقول الأولاد في الكتَّاب "حلانا فلان بن فلان" وكذا إذا تعلَّم الصَّبي الآداب وإذا نبتت أسنان الصَّغير (ابن طولون، ص 23).
ومن نسمات الماضي وقسماته التَّعليميَّة أنَّ الصَّبي في المكتب يستخدم الإجانة. الإجانة وعاء يستخدمه الصِّبيان في المكتب لتنظيف ألواحهم. كان المعلم يحرِص على أن يأمر طلاَّبه بصبِّ ماء الإجانة بالمواضع البعيدة عن مواضع الناس بعد فراغهم من التَّنظيف. وداخل الفصل يقوم الطِّفل بمسح لوحته بخرقة تُسمَّى "الطَّلاسة" وأقلام الصِّبيان كانت من الطّباشير والجص (زيَّات، 1992 م، ص 53). الأقلام في الكتاتيب قد تكون مصنوعة أيضاً من "البوص" وهو قصب نبات مجوف يُقطع بزاوية مائلة ليكون رأس القلم ويُستعمل المداد الأسود الذي قد يصنعه الصَّبي بنفسه ليكتب به على لوح الخشب الأصفر.
لم يكن الصَّبي يستطيع أن يتحمَّل أعمال الحياة ومتطلباتها لولا تلقِّيه العلم في الكتاتيب التي كانت إلى جانب دورها في حفظ الصَّبي في مكان آمن وتُعِدُّه للنُّهوض بإمكاناته الفِكْرِيَّة والخُلقيَّة والرُّوحيَّة. كتاتيب الصِّبيان كانت أكثر انتشاراً ولم يكن يُسمح بالاختلاط بين الجنسين غالباً فالقابسي كان يؤكد دائماً على ضرورة عزل الذُّكور عن الإناث وأن ذلك من آداب التَّعْلِيْم في الإسلام.
من أهم قسمات التَّعْلِيْم في الكتاتيب أنَّ التَّعْلِيْمَ فيها يقوم على التَّلقين والتَّقليد والتَّدريب فالصَّبي من خلال لوحته الخشبيَّة المصبوغة بالسَّواد (زيَّات، 1992 م، ص 52) يُحاول أن يُنمِّي مهارته في الكتابة بتقليد ما يكتبه المُعَلِّم لينال من العلوم حظاً، كتابةً وحفظاً. الطَّالِبُ الذي يُنهي تحصيله من الكتاتيب يتأهَّل لمرحلة جديدة فإمَّا أن ينصرف إلى العمل وإمَّا أن يلتحق بحلقات الْعِلْمِ وهي مرحلة متوسطة يمكنه بعدها أن يتخصَّص كعالم في عِلْمٍ معين. الطَّالب النَّجيب قد يحصل على إجازة في التَّدريس أو الفتوى في سنِّ العشرين. كثير من الصِّبيان يُعِدُّ نفسه كي يعمل في الوراقة أو نسخ الكتب أو التِّجارة، أو التَّعليم أو إتِّقان الصِّناعات اليدويَّة ومعظم هذه الوظائف لا يمكن ممارستها من غير معرفة القراءة والكتابة.
الدِّين أهم عنصر في منهج الكتاتيب لأنَّ المسلم المُكلَّف يجب أن يعرف أموره دينه فيُعَدُّ منذ صباه لهذه المَهمَّة. يقول الماوردي (ت 450هـ = 1058 م) في كتابه أدب الدُّنيا والدِّين "‏وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ الْعُلُومِ سَبِيلٌ وَجَبَ صَرْفُ الاهْتِمَامِ إلَى مَعْرِفَةِ أَهَمِّهَا وَالْعِنَايَةِ بِأَوْلاهَا، وَأَفْضَلِهَا.‏ وَأَوْلَى الْعُلُومِ، وَأَفْضَلُهَا عِلْمُ الدِّينِ، لأَنَّ النَّاسَ بِمَعْرِفَتِهِ يَرْشُدُونَ، وَبِجَهْلِهِ يَضِلُّونَ.‏ إذْ لا يَصِحُّ أدَاءُ عِبَادَةٍ جَهِلَ فَاعِلُهَا صِفَاتِ أَدَائِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ شُرُوطَ إجْزَائِهَا.‏ وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‏{‏فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ}‏. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لأنَّ الْعِلْمَ يَبْعَثُ عَلَى فَضْلِ الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ مَعَ خُلُوِّ فَاعِلِهَا مِنْ الْعِلْمِ بِهَا قَدْ لا تَكُونُ عِبَادَةً، فَلَزِمَ عِلْمُ الدِّينِ كُلَّ مُكَلَّفٍ". على النَّاشئة في الكتاتيب أن يتعلَّموا شيئاً من القرآن الكريم ويحفظوا شطراً منه على الأقل وهذه مرحلة اجبارية أمَّا المرحلة الاختيارية فهي مرحلة تعلُّم الفقه والأدب العربي والتَّاريخ... (بدر، 2000 م، ص 123).
*د يحيى
25 - مايو - 2008
الكتاتيب3    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
قد يظن البعض أنَّ فكرة إلزاميَّة التَّعْلِيْم للأطفال من القوانين العصريَّة التي وُلدت في العصور المدنيَّة الحديثة ولكن يمكن رصد ظهور بدايات هذه الفكرة المهمة من عصرٍ مُبكِّر في تاريخنا الإسلامي. يُعَدُّ الإمام القابسي (ت 403 هـ = 1012م)، أول من نادى بإلزام التَّعْلِيْم بمعنى إرغام الصِّبيان على الذِّهاب إلى الكتاتيب. وهو اجتهاد خالف فيه القابسي من سبقه من الفقهاء (الأهواني، 1983، ص 102، الصَّالح، ص 304) الذين كانوا يحثون على إرسال الأبناء للكتاتيب ولكنهم لم يقولوا بأنَّ حكم ذلك الوجوب. القابسي أعلن أنَّ تعليم الولد في المكتب من الواجبات الشَّرعية وأنَّه يتحتَّم على الأب أن يرسل ولده للمكتب وأن يدفع أُجرة المُعَلِّم فإن لم يستطع هو أو أهله فعلى المحسنين مساعدته إن أرادوا ذلك وإلا فإنَّ بيت المال يستطيع أن يتكفل بتغطية نفقات تعليم الصَّبي الفقير. الغرض من إلزامية التَّعْلِيْم عند القابسي هو تعليم الصَّبي الأمور المهمة المتعلِّقة بالدِّين. الفارابي (259 – 339 هـ = 872 – 959 م) "يرى أنَّ من واجب الدَّولة أن تخصص للتَّعليم ميزانية مالية لتربية الصِّبيان وذلك بأن تأخذ جزءاً من الزكوات والخراج، وغيرهما من موارد الدَّولة " (الطَّالبي، 1994، ج1، ص 203). يرى طه حسين (ت 1393 هـ = 1973 م) أنَّ التَّعليم الأولي والإلزامي ركن أساسي من أركان الحياة الاجتماعيَّة مهما يكن نظام الحكم الذي تخضع إليه الدَّولة (جلال، 1994، ج1، ص 316).
ذكر ابن ‏الحاج‏ ‏(ت 737 هـ = 1336 م) جملة من الآداب التي يجب أن يتحلَّى بها المُعَلِّم في الْكُتَّابِ وفيما يلي مختصراً لبعض النُّصوص التي أوردها: "يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لا يَتْرُكَ أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ يَأْتِي إلَى الْكُتَّابِ بِغِذَائِهِ وَلا بِفِضَّةٍ مَعَهُ وَلا فُلُوسٍ لِيَشْتَرِيَ شَيْئًا فِي الْمَكْتَبِ، لأنَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ تَتْلَفُ أَحْوَالُهُمْ وَيَنْكَسِرُ خَاطِرُ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالضَّعِيفِ لِمَا يَرَى مِنْ جِدَةِ غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لا يَدَعَ أَحَدًا مِنْ الْبَيَّاعِينَ يَقِفُ عَلَى الْمَكْتَبِ لِيَبِيعَ لِلصِّبْيَانِ إذْ فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. ‏‏وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى غِذَائِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ يَمْضِي إلَى بَيْتِهِ لِغِذَائِهِ ثُمَّ يَعُودُ، لأنَّهُ سِتْرٌ عَلَى الْفَقِيرِ وَفِيهِ أَيْضًا تَعْلِيمُ الأدَبِ لِلصِّبْيَانِ فِي حَالِ صِغَرِهِمْ، لأنَّ الأكْلَ يَنْبَغِي أَنْ لا يَكُونَ إلا بَيْنَ الإخْوَانِ وَالْمَعَارِفِ دُونَ الأجَانِبِ فَإِذَا نَشَأَ الصَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مُتَأَدِّبًا بِآدَابِ الشَّرِيعَةِ فَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ عَامَّةِ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الأكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَفِي الأسْوَاقِ وَبِحَضْرَةِ مَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لا يَعْرِفُهُ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ لا يُكْثِرَ الْكَلامَ مَعَ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ إخْوَانِهِ إذْ مَا هُوَ فِيهِ آكِدٌ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ مَعَهُ، لأنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِأَكْبَرِ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى اللَّهُمَّ إلا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَوْ أَمْرٌ هُوَ أَهَمُّ فِي الْوَقْتِ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَنَعَمْ.‏ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُؤَدِّبِينَ تَجِدُهُمْ بِضِدِّ هَذَا الْحَالِ يَتَحَدَّثُونَ كَثِيرًا مَعَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَالصِّبْيَانُ يُبْطِلُونَ مَا هُمْ فِيهِ وَيَلْهُونَ عَنْهُ وَيَلْعَبُونَ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا أَنْ يَقَعَ مِنْهُ ‏. ‏
‏وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُمْ آدَابَ الدِّينِ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ الْقُرْآنَ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الأذَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا كُلَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ قِرَاءةٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِمَا إذْ ذَاكَ فَيُعَلِّمُهُمْ السُّنَّةَ فِي حِكَايَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ الأذَانِ لأنْفُسِهِمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ، لأنَّ دُعَاءهُمْ مَرْجُوُّ الإجَابَةِ ولاسيَّما فِي هَذَا الْوَقْتِ الشَّرِيفِ ثُمَّ يُعَلِّمُهُمْ الْوُضُوء وَالصَّلاة وَتَوَابِعُهَا وَيَأْخُذُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَلِيلاً وَلَوْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يَشْتَغِلُونَ بَعْدَ الأذَانِ بِغَيْرِ أَسْبَابِ الصَّلاةِ بَلْ يَتْرُكُونَ كُلَّ مَا هُمْ فِيهِ وَيَشْتَغِلُونَ بِذَلِكَ حَتَّى يُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِمْ يَمْضُونَ إلَى مَوْضِعِ وَقْفٍ أَوْ مَوْضِعِ مِلْكٍ أُبِيحَ لَهُمْ أَوْ إلَى بُيُوتِهِمْ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَيُصَلُّونَ جَمِيعًا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ مُؤَدِّبُهُمْ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّعِبِ أَوْ الْعَبَثِ فَيُصَلُّونَ فِي الْمَكْتَبِ جَمِيعًا وَيُقَدِّمُونَ أَكْبَرَهُمْ فِيهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً.
‏وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَقْتُ كَتْبِهِمْ الألْوَاحَ مَعْلُومًا وَوَقْتُ تَصْوِيبِهَا مَعْلُومًا وَوَقْتُ عَرْضِهَا مَعْلُومًا وَكَذَلِكَ قِرَاءةُ الأحْزَابِ حَتَّى يَنْضَبِطَ الْحَالُ وَلا يَخْتَلَّ النِّظَامُ وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْهُمْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ قَابَلَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَرُبَّ صَبِيٍّ يَكْفِيه عُبُوسَةُ وَجْهِهِ عَلَيْهِ وَآخَرَ لا يَرْتَدِعُ إلاَّ بِالْكَلامِ الْغَلِيظِ وَالتَّهْدِيدِ وَآخَرَ لا يَنْزَجِرُ إلا بِالضَّرْبِ وَالإِهَانَةِ كُلٌّ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ.‏ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ بِالرِّفْقِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ إذْ إنَّهُ لا يَجِبُ ضَرْبُهُمْ فِي هَذَا السِّنِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي سِنِّ مَنْ يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ وَاضْطُرَّ إلَى ضَرْبِهِ ضَرَبَهُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلا يَزِيدُ عَلَى ثَلاثَةِ أَسْوَاطٍ شَيْئًا بِذَلِكَ مَضَتْ عَادَةُ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ فِيمَا بَيْنَ الثَّلاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ سَعَةٌ.‏. وَلا يَكُونُ الأدَبُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا يَطْرَأُ عَلَى الصَّبِيِّ إنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ.‏ وَلْيَحْذَرْ الْحَذَرَ الْكُلِّيَّ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْمُؤَدِّبِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَعَاطَوْنَ آلَةً اتَّخَذُوهَا لِضَرْبِ الصِّبْيَانِ مِثْلَ عَصَا اللَّوْزِ الْيَابِسِ وَالْجَرِيدِ الْمُشَرَّحِ وَالأَسْوَاطِ النُّوبِيَّةِ وَالْفَلَقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثُوهُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَلا يَلِيقُ هَذَا بِمَنْ يُنْسَبُ إلَى حَمْلِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ".
*د يحيى
25 - مايو - 2008
الكتاتيب4    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
والكتاتيب أنواع وأشهرها كُتّاب السَّبيل التي يكون التَّعْلِيْم والإقراء فيها بالمجان لأبناء المحتاجين والفقراء. ومكتب السَّبيل يحتضن الأيتام وعلاوة على تعليم الخط وتحصيل مسائل الدِّين فإنَّ الطَّالب اليتيم يُصرف له الخبز في كل يوم. ويكون كُتّاب السَّبيل أحياناً بجانب عمائر مكتب السَّبيل وهو حوض عذب لشرب النَّاس (المقريزي، المواعظ والاعتبار، ص 183).
ذكر ابن الجوزي في صيد الخاطر تفاوت مراتب الطُّلاب في المكتب كما هو حال الطُّلاب في كل زمان فمنهم من يتعلَّم الخط فيبلغ الرُّتب الرَّفيعة، ومنهم مَنْ هو كثير المشاكل إذ يسرق من زملائه حاجاتهم ويؤذي الصِّبيان، ومنهم من يطول مُكثه في المكتب فلا يتعلَّم شيئاً، ومن الصِّبيان من لا يُتَّقن الكتابة إلا الشَّيء اليسير، ومنهم مَن خطّه جيد ولكنَّه لم يتعلَّم الحساب، ومنهم مَن حفظ الآداب ولكنه لا يطبِّقها، ومنهم صاحب الهِمَّة العالية في المكتب فيختاره المُعَلِّم ليكون نائبه (ص 249).
في اليوم الأول يحاول المُعَلِّم وأولياء أمر الصَّبي تحبيب وترغيب شأن المكتب للوافد الجديد فيذهب الصَّبي إليه يوم الخميس نظراً لقصر الدوام المدرسي، وتدريجياً يُرغَّب الصَّبي في المكتب باللَّعب بالكرة والصُّولجان وما أشبهه ثم يُنقل برفق من اللَّعب إلى الاشتغال بالأمور المهمَّة. بعض الطُّلاب يلتزم حضور المكتب إلى أن يُقارب الواحد منهم سن البلوغ أو يحفظ القرآن الكريم كلَّه. يقول العرب لمن قارب البلوغ حَزْوَرٍ وحَزَوَّر وفي حال الجمع يقولون كُنَّا غِلماناً حَزَاوِرة. 
يُسمح لغير المسلمين بإرسال صبيانهم للكتاتيب ولكن في الكثير من الأزمات الْسِّيَاسِيَّة عندما تسوء العلاقة بين المسلمين وغيرهم فإنَّ الخليفة يُعلن عن منعهم عقاباً لهم. ولقد وَجدَت الكتاتيب حفاوة الأمراء والخلفاء حتى أنَّ بعضهم إذا مَرَّ بقربهم يدخل ويُسلِّم عليهم ويدعو لهم قائلاً "اللَّهم بارك في ذراري أهل الإسلام" ثم يمضى لشأنه.
يحتوي تاريخنا الزاهي على كمٍ هائل من الحكايات والقصص التي جرت في الكتاتيب فمنها قصص عن فراسة المُعَلِّم، وطرق التَّعْلِيْم، وهي مُذكرات ثمينة في بابها تُميِّز تراثنا التَّربوي الخصيب. ابن سينا درس في المكتب وحفظ بعض الكُتب المُنتقاة على يد معلِّم الأدب مثل كِتاب ديوان ابن الرُّومي وشِعر الحماسة ونحو سيبويه وذلك قبل أن يبلغ سن العاشرة. هذا يدل على قوة مناهج الكتاتيب وعلو همَّة الطُّلاب.
يعد الضَّحاك بن مزاحم الهلالي (ت 102هـ = 719 م) من أبرز الشَّخصيات التي دعمت حركة الكتاتيب في تاريخ الحضارة الإسلاميَّة. كان الضَّحاك بن مزاحم  في مدينة خرسان صاحب عِلْمٍ ويروي القصص وله مكتب عظيم يشرف بنفسه عليه فيه ثلاثة آلاف صبي، وكان يركب حماراً يدور عليهم إذا تعب من المشي وكان رحمه الله لا يأخذ أجراً مالياً مُقابل هذا الجهد الكبير.
من عادة المُعَلِّمين في الكتاتيب أن يُلقوا شيئاً من المشكلات ليجيب عليها الطُّلاب بثاقب أذهانهم. في حصص تعليم الحروف الأبجدية قد يدرس الطَّالب " أَبْجَد هوز حُطِّي كلمن.. ويمد المُعَلِّم خَطَّاً ثم يُرتِّب عليه الأحرف ويطلب من الصِّبيان أن يفعلوا مثله أو قريباً من خطِّه ثم ربما يُداعب المُعَلِّم طلابه كي يُديروا الميم بشكلٍ حَسن فيقول اكتبوا الميم كتابة واضحة واجعلوها مثل عين البقرة (ابن عساكر: مختصر تاريخ دمشق، ص  2726، ياقوت الحموي: معجم البلدان، ص 896). في الجوامع الكبيرة مثل الجامع الأموي في دمشق مثلاً يقوم جماعة من المعلمين بتعليم كتاب الله للصِّبيان يستند كل واحد منهم إلى سارية من سواري المسجد يلقِّن الصِّبيان ويقرئهم ومعلم الخط قد يكون غير معلم القرآن يعلمهم بكتب الأشعار وسواها فينصرف الصَّبي من التَّعليم إلى التَّكتيب فيجود خطه لأنَّ المعلم للخط لا يعلم غيره من العلوم إنما يتخصص بهذا الفن فقط كما أفاد ابن بطوطة (ص 63).
كتب التَّنوخي في كتابه نشوار المحاضرة مذكِّراته الأدبية أيام تحصيل الْعِلْم فقال "طريقة أبي البيان المؤدب في التَّدريس: ورأيته يوماً عند معلمي، في مكتبي، وقد حضر وقتاً كان فيه المُعَلِّم يأخذ علينا الشِّعر، وكانت عادته أن يقيم الصِّبيان صفاً، فيطالبهم بإنشاد القصيدة. فأقامهم في تلك العشية، وقد حضر أبو البيان، فقال له: يا أبا جعفر، ما هذا التَّفريط؟ قال: وكيف؟ قال: إنَّ لي عادة في سياسة الصِّبيان، لا أرخص لهم فيها، إن سألتني علمتك إياها. فقال: افعل. قال: تَقَدَّم إلى صبيانك، وأمرهم بأن يمتثلوا أمري، لأريك ذلك. فقال لهم أبو جعفر: انظروا ما يأمركم به أبو البيان، فافعلوه. فأقبل عليهم يخاطبهم في كلامه، فقال: لكم أقول أيها الصِّبيان، ولمن يجاوركم من الغلمان، إلى حدود الأحداث والفتيان، اسمعوا وعوا، فمن خالف بعد البرهان، أنزلت به غليظ الامتحان، تراصُّوا في صفوفكم، والزقوا أقدامكم، وأقيموا ألواحكم، واقبلوا علي بألحاظِكم، واحضروا فيما تنشدون قلوبكم، وارفعوا أصواتكم، وقولوا قول صبي واحد: "قفا نبك من ذكرى حبيب ومَنزل" وصاح بالشِّعر مُطرباً. فما مَلَكَ الصِّبيان إلا الضَّحك، وضحك مُعلمي معهم. فقال: يا أبا جعفر، التراب والجندل بفيك وعلى رأسك، والويل والويح محيطان بك، أتطمع أن تعلمهم بهذه الهيبة؟ حفت بك اللّعنة والخيبة، أسبابك أفسدت، أمن قدري بضحكك وضعت؟ أم سترك عند هؤلاء الأنكاد هتكت؟ أشهد الله، لا أكلمك، أو تعتذر. وأخذ أبو جعفر [مُعلمي]، يُداريه، ويعتذر إليه، حتى رضي لوقته. وكان يقول الشِّعر، وينشده أبا جعفر دائماً، وما حَفظتُ منه شيئاً. ولولا أنَّ هذه الألفاظ، تعاودناها في المكتب ونحن صبيان، لم تَعلق بحفظي، فلما ترعرعت، كتبتها في موضع، وأنسيتها، ثم نقلتها منه، إلى هذا الموضع، وبقيت عندي إلى الآن (ص 441 بتصرُّف يسير).
وفي مقابل هذا الموقف الطَّريف فإن مصنَّفات الأوائل نقلت لنا وقائع أليمة وقعت في الكُتَّاب من أشدِّها ما وقع في سنة 552 هـ = 1157 م فلقد حُكِي أنَّ مُعلِّماً كان في مدينة حماة يُدرِّس الصِّبيان في كُتّاب فقام من المكتب ليقضي حاجته ثم عاد وقد وقع المكتب على الصَّبيان بسبب زلزال عظيم فماتوا كلهم والعجب أنَّه لم يأت أحدٌ يسأل عن صبي منهم والسَّبب أنَّ جميع آبائهم وأمهاتهم ماتوا أيضاً تحت الهدمِ في دورهِم وأسواقِهم.
 
جزى الله خيراً صانعها وقارئها.
*د يحيى
25 - مايو - 2008

 
   أضف تعليقك