مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : التنوّع الإيقاعي في أوزان الشعر العربي    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 عمر خلوف 
4 - مارس - 2008
  التنوّع الإيقاعي
في أوزان الشعر العربي
   لنعترف -بادئَ ذي بِدْء- أنّ وُلوجَ المرْءِ في قضايا علم العروض مغامرةٌ يتحرّج الإنسان من ركوبها، ويخشى التعرّضَ لمَجاهلِها، لأنّ أكثر الدّارسين لقضايا الشعر العربي -بلْهَ القارئ العادي- يزّاورون بوجوههم، ويَحُولون بأيديهم، بينهم وبين مسائل العروض، إعراضاً عنه، ونفوراً منه. فهو علمٌ -كان ولا يزال- شاقَّ الرّيادة، وعْرَ الطريق، صعْبَ المرتقى، عسيرَ الأخْذِ والهضْم، وصَفَه الجاحظ بقوله: "العروضُ عِلمٌ مُستبرَدٌ... وكلامٌ مجهول، يستكِدُّ العقول؛ بمستفعلن و مفعول.."!. وقال السبكي:
إذا كنتَ ذا فكْرٍ سليمٍ فلا iiتَمِلْ لعلْمِ عروضٍ(يوقِعُ القلْبَ في الكرْبِ)
فكلُّ  امْرئٍ عانى العروضَ iiفإنّما تعرَّضَ (للتقطيعِ) وانساقَ ii(للضَّرْبِ)
   وما من شكٍّ عندنا أنّ علمَ العروض ليس صعباً بذاته، ولا سرّاً عصِيّاً يختصُّ به أحدٌ دون سواه. إلاّ أنّ علماءَهُ هم الذين تفنّنوا في عَقْدِ عُرى قواعده، وتقعّروا في وضعِ مصطلحاته وتفرّعاته، وسبكوهُ في متونَ وأراجيزَ ومطوّلاتٍ شعرية أشبه بالأحاجي والألغاز، رأَوْا بعدَها إعادةَ بسْطِها وشرْحِها، وفكّ طلاسمها ورموزِها، بطريقةٍ -هي الأخرى- مُمِلّة، لا زال علماءُ العروض يتّبعونها حتّى يوم الناس هذا، ممّا جعلَه علماً جافّاً، بارداً، مستصعباً، ثقيلَ الوطْأةِ على الدارسِ والمُعلِّمِ معاً، على الرغم من بساطةِ الغايةِ التي وُضِعَ من أجلها علم العروض، ألا وهيَ زرْعُ أسُسِ الأوزان في النفس المتعطّشة، وإبرازُها حيّةً طريّةً كما الشعر ذاته، يستطيع المتعلّم أن يتمثَّلَها، ويصقلَ موهبتَه بها.
   وفرقٌ كبيرٌ طبعاً، بين أنْ ينغمسَ المرءُ في دراسة علم العروض، فلا يجني منها إلاّ علمَ العروض بكلِّ جفافه وجفائه، وبين دراسته أداةً ليّنةً للدخولِ إلى عالم الشعر، وموسيقاه الساحرة .
   وإنّ علماً لصيقاً بفنّ الشعر، أو فنّ العواطفِ المشبوبة، والمشاعر الدفّاقة، ليحزّ في النفس أن يكونَ بمثل هذا التعقيد والتنفير، وأن يبقى بعد مئات السنين من تطوّر الشعر جامداً لا تطوّرَ فيه .
   وهكذا كان على الباحث في علم العروض -لكي يجتذبَ إليه دارسيه- أن يبتعدَ -قدْرَ استطاعته- عن الْمُنَفِّرات والمنغِّصات، وأن يعملَ على تقديمه غضّاً طريّاً له من جمال الشعر؛ ما للشعر من جمال موسيقاه .
    وبعيداً عن كلّ هذا الجفاف والبرود، سنحاول -في عددٍ من المقالات- أن نتلمّسَ بأناةٍ بعضَ خصائص العروض العربي وسماته، وأن نتفهّم بعضَ دواخلِه وأسراره. فلا زال في كتاب العروض العربي صفحات بيضاء كثيرة، تلتمس جهدَ الدارسين لِمِلْئها، وأسراراً عديدةً تحتاج إلى من يُبرزها ويجلوها، بعد أن بقيَ ردْحاً طويلاً من الزمن يجترّ نفسَه، ويستهلك ذاته .


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
التنوع الوزني    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
   ولقد وقعَ اختيارُنا -بدايةً- على موضوع (التنوع الإيقاعي في أوزان الشعر العربي)، لأننا سنجلو فيه بعضاً من خصائص الأوزان، نردُّ بها شبْهَةً طالما أثارها المغْرِضون، خَلْطاً منهم بين الوزن الشعريّ الحيّ، والميزان العروضيّ الجامد. فهم كثيراً مايتّهمون إيقاعَ الشعر العربي بالتكرار المتماثل في أبيات القصيدة الواحدة من جهة، وفي وحداتها الوزنية (التفاعيل) التي تُرَكِّبها من جهة أخرى. ويُغالي دعاة التغريب -لذلك- في نَعْته بالرتابةِ والإمْلال. ويتناسى هؤلاء أنّ إيقاعَ الشعرِ الحديث -مع تجاوزه إيقاعَ البيت الواحد، بوقْفاته القافويّة المنتظمة- لا يزال واقعاً في أسْرِ التفعيلة التقليدية ذاتها، وأنه لا يستخدم من إيقاعات الشعر العربي إلاّ إيقاعَ التفعيلة الواحدة المتكرر، بل يُشكِّلُ إيقاعٌ واحدٌ -هو إيقاعُ بحر الرجز- معظمَ ما كُتِبَ على شعرِ التفعيلة.
   ومهما قيلَ عن قدرة التفعيلة الواحدة -بتكرارها اللاّمتماثل- على تنويع الأداء الموسيقي، فإنها لن تصلَ بحالٍ إلى مستوى الإيقاع النغميّ لبحور الشعر المركّبة (كالطويل والبسيط والخفيف والمديد والمنسرح...) وما يتفرّع عنها من صور، والتي خسرها شعر التفعيلة الحديث. فنغمُ التفعيلة الواحدة، نغَمٌ بدائيٌّ ساذج، يفوقُهُ في النضوج ما اعتمدَ على الإيقاع المركّب.
ويدحضُ عن شعرنا العربي صفةَ الرتابة والإملال؛ عددٌ من الظواهر والخصائص؛ تعمل على إحداث التنوع الإيقاعيّ، وبثّ الألوان داخلَ القصيدة الواحدة، بل داخلَ البيت الواحد.
1- التنوع الوزني:
           تتنوع أوزانُ الشعر العربي وإيقاعاتُه تنوّعاً لا يوجد في أيّ لغةٍ من لغات الدنيا. فقد تجلّت هذه الأوزان في حسّ الشاعر العربي المرهف بعددٍ من التشكّلات الإيقاعية، أحصى الخليل بن أحمد الفراهيدي (-175هـ) منها -حتى عهده- ثلاثاً وستين صورة إيقاعية متميّزة، لا خلْطَ فيها بين صورةٍ وأخرى، جَمَعَ منها الأشباهَ والنظائرَ في خمسَ عشرةَ مجموعةٍ من الأنماطِ الموسيقية (البحور)؛ حظيَ البحرُ الكامل بتسعِ صورٍ منها، وحظيَ كلٌّ من الرمَل والمديد والبسيط والسريع والمتقارب بستِّ صور، ولكلٍّ من الخفيف والرجز خمسُ صور، ولكلٍّ من الطويل والوافر والمنسرح ثلاثُ صور، وللهزجِ صورتان، ولكلٍّ من المجتثّ والمقتضب والمضارع صورة واحدة.
           ولقد استدركَ العروضيون على الخليل عدداً من الصور الإيقاعية الأخرى، وصلت في أعلى تقديرٍ لها إلى ستّ عشرة صورة، كما أثيتوا بحراً أهمله الخليل،سمّوه المتدارك، يندرجُ تحته أربعُ صور أخرى .
            ولحسن الحظ؛ كانت أوزانُ الشعر العربي أكثرَ مرونة وطواعية ممّا أراد لها العروضيون، فلم يلتفت الشعراءُ إلى قيود العروضيين، فأحدثوا في أوزان الشعر العربي مئات من الصور الجديدة، لم تخرجْ -في معظمها- عن أصول الشعر العربي وقواعده، كما سنفصّله في مقالات أخرى إن شاء الله.
 
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008
التباين الوزني    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
2- التباين الوزني:
            ونعني به اختلاف صَدْر البيت عن عَجُزه، طولاً وقِصَراً، وخفّةً وثقلاً، اختلافاً بيِّناً يُغيّرُ من طبيعة الأوزان، بل ويجعل من الأوزان البسيطة التركيب (المتماثلة التفاعيل) أقربَ إلى الأوزان المركّبة، وذلك بسبب الاختلاف ما بين تفعيلتَيْ العَروض (آخر الصدر) والضّرْب (آخر العجُز). وقليلةٌ هي الصور الإيقاعية للبحور، التي يتماثل شطراها تماثُلاً تامّاً أو شبه تام. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتباين الصدر عن العجز في صورتين من صور البحر الطويل الثلاث، طولاً وقِصَراً، وخفّةً وثقلاً:
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلُن ** فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِيلُن
       فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلُن ** فعولن مفاعيلن فعولُ فعولُن
حيث تتَّسم قصائد الصورة الأولى بحركتها البطيئة المتثاقلة، لانتهائها بثلاثة مقاطع ممدودة ( / /ه /ه /ه )،كما في قول أبي فراس الحمداني:
 
أراكَ عصِيَّ الدمْعِ شيمتُكَ الصّبْرُ ** أما للهوى نَهْيٌ عليكَ ولا أمْرُ
                                               
        بينما تتسارع الحركة في أعجاز الصورة الثانية لقصرها، وانتهائها بعددٍ من المتحرّكات المتتالية ( ///ه/ه )، كما في قول المتنبّي:
 
لَيالِيَّ بعْدَ الظاعنينَ شُكولُ ** طِوالٌ ، وليلُ العاشقينَ طويلُ
                                               
        وذلك مقابل صورة واحدةٍ منه، يتطابق فيها تركيبُ الصدر مع العجز:
 
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلُن ** فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلُن
 
        كما في قول النابغة الذبياني:
 
كِليني لِهَمٍّ يا أُميمة ناصِبِ ** وليلٍ أُقاسيهِ بطيءِ الكواكِبِ
 
            كما يتباين الصدر عن العجز في سبعٍ من صور البحر الكامل التسع. ونمثّل لذلك بهاتين الصورتين:
  متفاعلن متفاعلن متفاعلن ** متفاعلن متفاعلن فعِلاتن
متفاعلن متفاعلن متفاعلن ** متفاعلن متفاعلن فعْلن
 
        فمِمّا كُتِبَ على الصورة الأولى؛ قول شوقي:
 
يا أيُّها السيفُ المُجَرَّدُ بالفَلا ** يكْسو السيوفَ على الزمانِ مَضَاءَ
تلكَ الصحارى غمْدُ كلِّ مُهنّدٍ ** أبْلى فأحسَنَ في العدوِّ بَلاءَ
 
        وعلى الصورة الثانية؛ قول أبي دهبل الجُمحي:
 
عَقِمَ النساءُ فما يَلِدْنَ شبيهَهُ ** إنّ النساءَ بمثلِهِ عُقْمُ
نَزْرُ الكلامِ منَ الحياءِ، تَخالُهُ ** ضَمِناً، وليسَ بجسمِهِ سُقْمُ
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008
ظاهرة الزحاف    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
       3-ظاهرة الزحاف (البدائل):
             ومما يزيد في ثراء موسيقى الشعر العربي، وينفي عنه صفةَ التماثل التام بين تفاعيله، ما يلحق هذه التفاعيل -في مواقعها المختلفة من البيت- من تغيُّرات طارئة (زحافات) تعمل على إحداث تبادلٍ غير محدود بين التفاعيل الأصيلة والبديلة، والذي تصل احتمالات اختلافاته -في البيت الواحد- إلى (64) أربعةٍ وستين احتمالاً؛ في بحرٍ سداسيٍّ متماثل التفاعيل، ليس لتفعيلته الأصيلة إلاّ بديلٌ واحد، كالبحر الكامل. فإذا كان لتفعيلته بديلان؛ وصلت احتمالات اختلافاته إلى (602) احتمالاً. ولكَ أن تتصور بعد ذلك عددَ الاحتمالات، فيما كان له ثلاثة بدائل؛ كالرجز، أو عددَ الاحتمالات في بحرٍ ثُمانيّ التفاعيل...
            ولا شكّ أن الزحافات -بما تُحدثُه من إسكانٍ لمتحرّك، أو حذْفٍ لساكن- تُغيّر من طبيعة التتابع الحركي لأبيات القصيدة الواحدة، فتُخفّف ثقيلاً، وتُثقّل خفيفاً، وتُموّجُ القصيدةَ بأشكالٍ لا متناهية من التباينات الإيقاعية، ولا حاجةَ بنا إلى الأمثلة هنا، فلنا بكلّ قصيدةٍ نقرؤها أوفى مثال.
            بل إنّ في مثل هذه التغيّرات الزحافية، إمكانية هائلة للتنويع الإيقاعي داخل القصيدة الواحدة، إذ كثيراً ما يؤدّي الزحاف العارض إلى تداخل الوزن مع سواه، تداخلاً لا يؤثر في إيقاعه بنشاز أو خلل وزني، بقدر ما يزيده حياةً وحيوية، لأنه دخولٌ سطحيّ لا يتجاوز (المنطقة الحرّة) التي يُسمح له بعبورها، كما أنه عبورٌ خاطفٌ لا يطول، سرعان ما يعود بعده البحر إلى ساحته التي خرجَ منها.
            ولقد نبّه العروضيون إلى شيءٍ من ذلك، كتنبيههم إلى تداخل الكامل مع الرجز أو السريع، وتداخل مجزوء الوافر مع الهزج. إلاّ أن أمثلةَ التداخل عندنا لا تقف عند ذلك الحدّ، بل تتعدّاه لتشملَ معظمَ أوزانِ الشعرِ العربي.
            ونظراً لأهمية ظاهرة التداخل هذه، فسوف نخصّصُ لها مقالاً منفصلاً إن شاء الله تعالى.

 
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008
موسيقى الشعر الداخليّة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
4-موسيقى الشعر الداخليّة:
 
        وفيما يسمّى بموسيقى الشعر الداخلية؛ تنوّعٌ إيقاعيّ هائل داخل قصائد الوزن الواحد، ناتجٌ كما هو معروف عن صنوف البلاغة المختلفة؛ كتوافقِ الشكلِ والمضمون، أو المبنى والمعنى، وحُسْنِ تآلفِ الكلام؛ خَبَراً وإنشاءاً، وذكْراً وحذْفاً، وتقديماً وتأخيراً، ووصْلاً وفصْلاً، وإيجازاً وإطْناباً، ومناسبةِ الجملِ لمعانيها؛ تشبيهاً واستعارةً وكناية، وتوريةً وطباقاً ومقابلة...، وحسْنِ تآلف الألفاظ؛ سجْعاً وجناساً، وابتداءً وانتهاء ...، بل وانسجامِ الحروفِ ذاتها، وتنوّعِ مدلولاتها الصوتية، وشحناتها الموسيقية ..، مما يجعل من المستحيل -حتى بالمصادفة- أن تتطابقَ الموسيقى الداخلية في بيتين اثنين؛ يشتركان في ذات الوزن والقافية والموضوع.
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008
ظاهرة التدوير في الشعر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
5-ظاهرة التدوير في الشعر:
وتعني اشتراكَ شطرَيْ البيت الواحد بكلمة واحدة، يُتمّمُ جزؤها الأول وزنَ الصدر، ويدخل جزؤها الثاني في بداية وزن العجز.
ويظهر التدوير عادةً في بعض أبيات القصيدة دون غيرها، مما ينفي عن هذه الأبيات الوقفةَ الإيقاعيةَ آخرَ الشطر الأول، ليُقرأ البيتُ متَّصلاً، في تدفّقٍ إيقاعيّ يعبُر الصدْرَ إلى العجز، كاسِراً حدّةَ البروز الإيقاعي للأبيات الأخرى غير المدوّرة، ومُثْرياً إيقاع القصيدة كلها.
ويكثر التدوير في البحر الخفيف والمنسرح ومقصَّرات الأوزان. فمثلاً يقول المعرّي (من الخفيف):
غيرُ مُجْدٍ في مِلَّتي واعتقادي** نَوْحُ باكٍ ، ولا ترنّمُ شادِ
وشبيهٌ صوتُ النّعيِّ إذا قيـ ـ ـسَ بصوتِ البشيرِ في كلِّ نادِ
أبَكَتْ تلكُمُ الحمامةُ أمْ غنّـ ـ ـتْ على فرْعِ غُصْنِها المَيّادِ
ويقول ابن الجهْم (من المنسرح):
وا رحْمَتا للغريبِ في البَلَدِ الـ ـ ـنّازِحِ ، ماذا بنفسِهِ صَنَعا
فارَقَ أحْبابَهُ فما انتَفَعوا ** بالعيشِ من بعدِهِ، ولا انتَفَعا
 
 
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008
ظاهرة النَّبْر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
6-ظاهرة النَّبْر:
ولظاهرة النّبْر في الشعر العربي، أثرٌ بيّنٌ في إحداث التنوّع الإيقاعيّ داخل القصيدة الواحدة، وذلك على الرغم من أن النبْرَ في العربيّة ليس له فاعليّة إيقاعيةٌ، كما هو الحال في بعض اللغات الأخرى. وإنما تنحصر وظيفته عندنا في التأكيد على معنى، أو التنبيه إليه .
وينجمُ التنوع النغمي -النبْريّ- عن التباين في عدد المقاطع المنبورة، واختلاف مواقعها، إذ "قلّما تتشابه مواضع النبر في شطرين من قصيدة واحدة"، وربّما اختلفت مواقعُ النبر في ذات البيت، تبعاً للّهجةِ التي يُقرأ بها.
خذ مثلاً على ذلك؛ الاختلاف في عدد ومواقع النبْر، كما تحقّقَ عمليّاً، في قراءةٍ للشاعر فاروق شوشة، في برنامجه (لغتنا الجميلة)، من شعر إبراهيم ناجي حيث تشير الأسهم (^­­­­­­­) إلى أماكن وقوع النبر([i]):
وقَفَ الشبابُ فِداءَ محْرابِ الحِمى ** وتَجمّعَ الأشبالُ بينَ يديْكِ
^        ^     ^   ^       ^            ^      ^   ^   ^
فتَلَفَّتي تَجِدي عَرينَكِ عامِراً ** وتَسَمَّعي كمْ قائِلٍ لبَّيْكِ
   ^  ^         ^     ^             ^       ^    ^

([i]) د.علي يونس، نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م، ص55.
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008
تنوّع القوافي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
7- تنوّع القوافي:
لاشكّ أيضاً أن لتنوّع القوافي أثراً مهمّاً في تنوع الإيقاع في الشعر. ذلك أن الإيقاعَ الواحد؛ يختلفُ اختلافاً جوهريّاً بمجرّد اختلافِ قافيته.
وقد استغلّ الوشاحون، والمحْدَثون هذه الظاهرة، فراحوا يتقلّبون في القصيدة الواحدة على قوافٍ متعدّدة، فبهروا وأبدعوا.
يقول ابن زهر الأندلسي مثلاً:
 
أيُّها الساقي إليكَ المشْتكى ** قدْ دعَوْناكَ وإنْ لَمْ تسْمَعِ
ونديمٍ هِمْتُ في غُرَّتِهِ
وبشُرْبِ الرّاحِ مِنْ راحَتِهِ
كلّما استيقظَ مِنْ سَكْرَتِهِ
جَذَبَ الزِّقَّ إليهِ واتَّكا ** وسَقاني أرْبَعاً في أرْبَعِ
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008
الخاتمة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
وهكذا تظهر كلُّ قصيدةٍ أمامَنا؛ بحْراً متنوّعَ الموسيقى، مدهشَ الإيقاع، ثريَّ النغم، على الرغم مما يبدو فيها -عروضيّاً- من تماثلٍ في أبياتها، وأجزائها، وقوافيها. فالقصيدة الواحدة -كما رأينا- هي مجموعةٌ مختلفة جدّاً من التحقُّقات، قلّما ينطبقُ أحدها على نمطه العروضيّ انطباقاً تامّاً. وإنّ الموسيقى الرائعةَ للبحر الكامل مثلاً؛ لا تتحقّقُ بالتكرار المتماثل المُملّ لكلمة ( متفاعلن ) في كلّ بيت ستّ مرات، وإنما يتجلّى هذا الإيقاع بِمئات الأشكال والألوان؛ كلُّ بيت فيها هو كشكل الإنسان، أو كبصمة إصبعه. ويصبح بالتالي من البدهيّ أن لا تكونَ القصيدة تكراراً مملاًّ لنمطٍ مثالي، وُضِعَ بهدف التقنين والتعليم، ويستمرّ على مدى القصيدة كلّها، كما يحاول دعاة التغريب إفهامَه لنا. فمثلُ هذا التكرار مُملٌّ فعلاً حتى على نطاق البيت الواحد. ولو كانت دعاواهم المغرضة عن شعرنا صحيحة؛ لنَفَرَ الناسُ منه،وانفضّوا من حوله، قبلَ أن يعبُرَ إلينا ذلك الزمن المتطاولَ القديم. ولكن يبدو واضحاً تماماً؛ أنّ شعرنا العربيّ، لا زالَ يشدُّ إليه الذوقَ العربيّ، ويستقطبُ حوله نخبةَ المثقفين والمبدعين.
 
عمر خلوف
*عمر خلوف
4 - مارس - 2008

 
   أضف تعليقك