حول أسطورة الفرش والمثال ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
أشكر الأخوين الدكتور صبري والدكتور عمر على مداخلتيهما للتصويت على الرأي الذي يناصره كل منهما. أما أنا فقد قلت رأيي سلفا في مقدمتي لتحقيق شواهد الخليل مما نقله ابن عبد ربه في العقد، وللاطلاع عليه كاملا تجده على هذا الرابط: غير أنني أود أن أذكر أخي الدكتور عمر بأن ابن عبد ربه لم يذكر في العقد بأنه اختصر كتابي الفرش والمثال إطلاقا، لقد قال : " فاختصرت للفرش أرجوزة " أي جعل للفرش ( وهو الجزء النظري من كتابه هو) أرجوزة مختصرة. وقال : "واختصرت المثال في الجزء الثاني في ثلاث وستين قطعة" أي جعل المثال ( وهو الجزء التطبيقي من كتابه) مختصرا في قطع غزلية قصيرة تتضمن كل واحدة منها بيتا من الأبيات التي استشهد بها الخليل في عروضه. ولو كان ابن عبد ربه يختصر (مثال) الخليل لاجتزأ بكلمة واحدة من كل شاهد من الشواهد وسلك في ذلك الإيجاز مسلك ناسخ كتاب العروض للزجاج في عرضه لشواهد الخليل كقوله مثلا : "والبيت الرابع من المديد ، وهو الثالث من هذه العروض ، قوله : إنما الذلفاء ... إلى آخره" . فابن عبد ربه، إذن، لم يختصر مثال الخليل وإنما أطنب فيه. وتأمل معي كيف يعقل أن يسمي مؤلف كتابه (أو كتابيه) الفرش والمثال، ولو ثبت هذا عن الخليل فإني سأعمد منذ الصباح الباكر إلى تغيير اسم كتابي في العروض إلى اسم جديد وعصري هو : النظري والتطبيقي. فقد كنت قسمت كتابي إلى هذين الجزئين وتناولت فيهما نفس المواضيع التي تناولها ابن عبد ربه في جزئي كتابه الذي قال فيه : " فأكملت جميع هذه العروض في هذا الكتاب ( كتابه هو وليس كتاب الخليل) الذي هو جزءان ( ولم يقل كتابان) فجزء للفرش وجزء للمثال ( أي جزء نظري يتناول فيه القضايا العامة لعلم العروض ، وجزء تطبيقي يتناول فيه البحور واحدا واحدا) . وهذا، لعمري، ما فعله الشنتريني في معياره حيث قال : " وإذ قد ذكرنا من الفرش ما لا بد لطالب هذا الشأن منه، ولا غناء له عنه، فلنقل في المثال بأوجز مقال". وتأمل معي لو أن محقق المعيار لم يهتد إلى اسم الكتاب على غلافه فإنه لا بد سيكون معذورا لو زعم أن عنوانه هو الفرش والمثال بناء على ما ورد في مقدمته ، وهذا هو شأن المحققين حين يعجزون عن الوصول إلى عنوان الكتاب المخطوط، وهو ما رأيناه في العنوان الذي وضعه محققا كتاب الجامع في العروض والقوافي. وقد اعتاد الخليل في جميع كتب العقد ، وعددها خمسة وعشرون كتابا، أن يمهد لكل منها بمقدمة يسميها الفرش كقوله : فرش كتاب أخبار زياد والحجاج والطالبيين والبرامكة ، بل تجده يسمي أول عنوان من عناوين كتابه "الفرش" كما وجدناه في كتاب المجنبة في الأجوبة. والآن ، فهل سمعت سوى الزبيدي من يشير إلى أن عنوان كتابي الخليل، أو بالأحرى كتابه، هو الفرش والمثال . ولو قال الزبيدي إن عنوانهما هو العروض والقوافي لكان قوله منطقيا ولعرفنا منه معلومة جديدة هي أن الخليل ألف كتابا أسماه القوافي كما عرفنا أنه ألف كتابا أسماه العروض. ثم عمن نقل الزبيدي روايته الأصفهانية ؟ أليس عن رجلين لم نسمع لأحد منهما كتابا. وكذلك رأينا مثل هذا من دأبه وذلك حين نقل مما يروى (أي بما يبدو أنه من الإشاعات التي يتداولها عامة الجهلاء) قوله إن الخليل فك كتابا باليونانية أرسله ملك اليونانية إليه! ثم انظر معي إلى مؤلف كالزبيدي ، الذي لم يكد عمره يتجاوز اثني عشر عاما حين توفي ابن عبد ربه ، وعاش بعده قرابة نصف قرن وهو لم يترجم له في طبقاته ، ولا لأحد من شيوخه سوى الخشني. ألم يكن يصم أذنيه صدى دوي عقده الفريد . ولا نقول إنه لم يسمع بابن عبد ربه لأنه كان في ذلك الزمن مغمورا؛ لأنا وجدناه أشار إليه في طبقاته إشارة واحدة حول موضوع سخيف كان يجدر به أن يستحي من ذكره، لأنه يدل على عمق جهله بالشعر والشعراء ، فقد أشار إليه إشارة واحدة حين ترجم لصديقه اللدود المسمى القلفاط . فقد روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن معاذ ( ووصفه، ولا أدري لماذا، بأنه كان أديبا صدوقا)، قال: "استنشدني المعوَّج ببغداذ لأهل بلدنا، فأنشدته لأحمد بن محمد بن عبد ربه ( ولم يذكر من هو هذا النكرة الذي رأى الحميدي من شعره الكثير المجموع نيفا وعشرين جزءا ) قصيدة، وثانية، فلم يستحسن شيئا مما أنشدته ، فأنشدته لمحمد بن يحيى (القَلفاط) : يا غزالا عنّ لي فابتزّ قلبي ثمّ ولّى أنت مني بفؤادي** يا مُنى نفسيَ أولى ( لاحظ سناد الردف في القافية) حتى أتيت على آخر الشعر، فقال: هذا الشعر بخَتمِه (أي بحقه) لا ما أنشدتني به آنفا". وأظن أن الزبيدي كان يعرف بلا شك الرواية التي ذكرها المقري في نفح الطيب في القرن الحادي عشر " أن الوليد بن عيال ، لما انصرف من الحج اجتمع مع أبي الطيب (المتنبي) في مسجد عمرو بن العاص بمصر ، ففاوضه قليلا، ثم قال له: أنشدني لمليح الأندلس، يعني ابن عبد ربه ، فأنشده: يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا ** ورشا بتقطيع القلوب رفيقا ما إن رأيت ولا سمعت بمثله** درا يعود من الحياء عقيقا ............ فلما أكمل إنشادها، استعادها منه وقال: يا بن عبد ربه، لقد تأتيك العراق حبوا" أيكون المقري قد رد بهذه الرواية على الزبيدي في روايته التي يبدو لي أن وراءها ما وراءها؟! |