الطبعتان القديمتان ولغز اختفاء نسخ الكتاب ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
كيف نقيّم ترجمة راگ وترجمة سعادة؟ هذا الإنجيل الذي بين يديك أخي القارئ ليس مجرّد كتاب قديم في أصول العقيدة المسيحيّة، بل هو رسالة حقّ مُضيّع، شقّت طريقاً وعراً محفوفاً بالمآزق ومحاولات الطّمس المُستميتة كيلا تصل إلى النّور، فوصلت. وما نذكره هنا لا ينطبق فقط على مراسيم المَنع والتّحريم، التي كبّلته عبر سبعة عشر قرناً بقيود ثقيلة، ولا بإخفاء نسخه المخطوطة والمطبوعة قديماً وحتى في عصرنا (كما سنرى في الصّفحة التالية).. وإنما الغريب الآن أنّه حتى في طبعتيه القديمتين (راگ وسعادة) بُذلت جهود استثنائيّة، هذه المـرّة لا لمنعه من الصّدور، بل لإظهاره بمظهر الوثيقة المزيّفة، الطافحة بنُقاط الضّعف، وبالأخطاء العقائديّة والجغرافيّة والتاريخيّة والمنطقيّة، وحتى في تراكيبه اللّغويّة. ومن خلال ما كتبه راگ في مقدّمته المطوّلة (77 صفحة) وتبعه سعادة، يُنظِّر الرّجلان - بكل ثقة - أنّه كتابٌ لا بدّ أنّ واضعه رجلٌ يهودي تنصّر أولاً ثم أسلم، وشاء الطّعن في المسيحيّة فألّفه في إسپانيا مُستقياً من الملهاة الإلهيّة لدانتِه ومن سواها.. ومتى؟ في أثناء حَومة محاكم التفتيش، التي كانت تُعاقب بالحرق كلّ من نَطقَ بحرف يُخالف الكثلكة. أهذا يُعقَل؟! ولم يكتفيا بذلك، بل راحا يتصرّفان في ترجمة النصّ كما يحلو لهما، فيُقحمان فيه - والعياذ بالله - بكلمات نابية على لسان المسيح الطاهر، لإظهاره بمظهر البعيد عنه كلّ البُعد، بافتراء وبُهتان! وسُرعان ما انثال العشرات يكيلون الهجوم لإنجيل بارْنَبا ومصداقيّته. فلنسألهم: هل حاول أيٌّ منكم الرّجوع إلى المخطوطين الأصليين، ليَعي ما يقول؟! لذلك كلّه أعَدنا التّرجمة، ومرّ إنجاز الكتاب بدوّامة مُضنية جداً من البحث والمتابعة، في تحصيل أصوله المخطوطة وطبعاته القديمة النّادرة، ثمّ في بذل غاية الطاقة لترجمته وتحقيقه وتبيان غوامضه بالشّرح والنّقد. فما سرّ هذا الإنجيل، ولمَ هذه الترجمة؟ ندعو القارئ الكريم أن يشاركنا الإجابة على هذا السؤال: منذ اللحظة الأولى التي شددنا فيها العزم على إعادة نشر الإنجيل بمستوى علمي رفيع، ورحنا نطوف على مواقع الإنترنت المختلفة نستطلع الآراء والنّقد والأبعاد الإيديولوجيّة المتباينة حوله، وَقَرَ في ذهننا - كأي باحث جادّ - أن نبادر في البداية إلى جمع الأصول المخطوطة للنصّ. هنا كانت المفاجأة: رفضت مكتبة هُوف بيبليوتيك Hofbibliothek في ڤيينا بالنمسا الرّد على مراسلاتنا، ولا بشكل من الأشكال.. مرّة، مرّتين، ثلاثاً، أبداً! طفقنا نبحث عن نسخة قديمة من طبعة راگ الأولى (1907)، فراعَنا أنْ لا أثر لها أبداً في المكتبات الكبرى! حاولنا في المكتبة الوطنيّة بپاريس، مكتبة چستر بيتي بدَبلن، دار الكتب بالقاهرة ومكتبات جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندريّة، مكتبة الجامعة الأميركيّة في بيروت.. لا أثر يُذكر!! أخيراً، أسفر البحث المُضني عن العثور على نسختين فقط: في مكتبة المتحف البريطـاني The British Library، ومكتـبة الكونگـرس The Library of Congress. ثمّ كم سُررنا بعثورنا على نسخة نادرة للغاية معروضة للبيع في مؤسّسة Alibris للكتب النّادرة، ولكن لم نكد نراسلها حتى جاء الجواب: مع الأسف، بيعت! هذا من جهة.. من جهة أخرى رغبنا في الاطلاع على طبعة د. سعادة القديمة (القاهرة 1908)، ولا بأي شكل من الأشكال! هناك عمليّة طمس وإبادة تامّة ناجزة وواضحة تعرّض لها هذا الكتاب بطبعتيه القديمتين.. ثمّة مَن لا يريد أبداً أن يطّلع على هذا الكتاب أحد.. فلماذا؟ نظنّ أن الصّورة بدأت تتّضح! أخيراً - بعد غاية الإصرار والدّأب - عثرنا على غايتنا المنشودة، وكاد اليأس يثنينا: فنسخة مكتبة فيشر تمّت الموافقة على نَسخها من قبل نيل بُونيس Neil Boness قيّم المخطوطات والوثائق النّادرة، ومخطوطة مكتبة ڤيينا عثرنا على رَوسَم كامل عنها في المكتبة الوطنيّة بپاريس La Bibliothèque Nationale، وطبعة راگ الأولى حظينا بصورة عنها من مكتبة جامعة تورونتو Toronto بكندا، وأمّا طبعة سعادة الأولى فظفرنا منها بميكروفيلم فريد في الجامعة الأميركيّة ببيروت. |