رولى، رولة، روالة.. أيها الأصح?! ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الأخ الدكتور فاروق المحترم:
حسناً تفعل بإثارتك التساؤلات حول الأسماء المحدثة في لغتنا العربية الدارجة. وهذا اليوم اسم "رولة" الشائع بخاصة في ديارنا الشامية.
لي هنا بضعة تعليقات أرجو أن يكون فيها فائدة. أقول: إن مبتداً استخدام "رولة" كاسم علم مؤنث في بلاد الشام كان في مطلع الستينيات من القرن العشرين، ولم نسمع بهذا الاسم من قبل. وتأكيداً على كلامك أقول: نعم، الغالب أن قصيدة الشاعر قيصر المعلوف (عصام ورولة) هي التي أطلقت التسمية.. وإن كان ذلك بشكل محوّر ومقولب، بما يناسب المنطوق السهل للاسم، فهو ليس في الفصيح ولا لهجات العرب كذلك: Rula بل Rwalah (رْوَلَه)، بتسكين الراء الأولى وتفخيمها تفخيماً بالغاً، مع تفخيم اللام كذلك.
أصل التسمية:
لا ريب عندي أنه قولبة من اسم العشيرة العنزية المشهورة من عشائر ضنا مسلم، والذين يعرفون بالجلاس (بتسكين الجيم).. التي لها في بلاد الشام تاريخ حافل ووقعات مشهورة، ومرويات رائعة من الشعر خلدت أخبارها وحوادث شيوخها وعقدائها، مثل: الدريعي بن مشهور، وسطام الشعلان، وخلف الأذن، والنوري بن هزاع الشعلان. وبشهادة الرحالين الأجانب الذين أقاموا في مرابع العشيرة (من الجوف وآبار شقيق وبادية النفود والقريّات إلى وادي السرحان والحماد وبادية تدمر والقريتين بديرة حمص)، نقرأ أن الرّولة كنت من العشائر القحة، التي لا ترتضي لها منازل إلا البادية، وحياتها كانت تقوم أساساً على تربية الإبل بالدرجة الأولى، وتتناوب النجعة غرباً والتشريق شتاءً، فهذه كانت علائم البداوة وفارقها الكبير عن الحضر.
وفي تاريخ الرّولة ووقائعها المهولة ما يدل على أنها كانت الأبعد نجعة والأكبر امتداداً والأشد مراساً بالطعان بين عشائر الشمال في بادية الشام، لا يضارعها في ذلك ويوازيها إلا شمّر الفرات بقيادة آل الجربا (يعرفون بآل محمد). ومن أشد الدلائل على قوة الرّولة أنهم ما فقدوا (عطفتهم) في حرب قط.. والعطفة لمن لا يعرفها مركب كالهودج المنصوب، مزيّن بريش النعام، يعدّ بمثابة شعار العشيرة وعنوان كرامتها.. يستبسل في الدفاع عنه أبطال العشيرة ويموتون دونه بغير تردد. وكان من عادات العرب أنهم متى وقعت (عطفتهم) بيد عدو غاز، فقدوا الحق في اتخاذ عطفة سواها، وانثلم شرف عشيرتهم انثلاماً لا برء له. وكانو عند اشتداد المعارك و(المناخات) يصعدون أجمل بنات العشيرة أو بنت الشيخ إلى العطفة، فتحث فرسان القبيلة للطعان والضراب (تنخيهم، باللفظ الدارج). ومن العشائر القليلة جداً في تاريخ البداوة التي ما فقدت عطفتها قطّ عشيرة الرّولة. وكنتُ أسهبت في البحث بتاريخ هذه العشيرة، نقلاً عن أفواه مشايخها (آل الشعلان)، وأخصّهم الشيخ نواف بن فواز بن نواف بن النوري بن هزّاع.
نأتي الآن إلى التسمية:
فأما قياس الاسم على قول لغويينا القدامى أنه من (الروال) أي اللعاب، أو (المرول) أي الرجل الكثير اللعاب، فهذا افتئات على علم الاشتقاق.. وأحب أن أؤكد على أن "تاج العروس" للمرتضى الزبيدي و"لسان العرب" لابن منظور الأفريقي يمثلان مرحلة متأخرة من عمر لغتنا العربيّة، ولا يمكن الاعتداد بما ذكراه عند اشتقاق الأسماء القديمة، التي تنتمي: إما إلى لغات أخرى (كاليونانية والآرامية والكنعانية) في أسماء البلدان. أو إلى لهجات عربية (شمالية أو جنوبية) لا تنطبق دوماً على منطوق العربية الفصحى وقواعدها الصرفية والبيانية!
فمثلاً: اسم (الرّوَلة) لا يمكن أبداً استنباط اشتقاقه من قواميس العربيّة المعتادة.. فأولاً: نلاحظ أن مبناه يتبع لهجة بدوية مغايرة: فالأسماء المبنية على وزن (فعلة) بفتح الفاء وتسكين العين وفتح اللام، ترد في لهجة بدو الشمال بتسكين الفاء وفتح الفاء وفتح اللام. مثال ذلك: سَخلة = سْخَلة، نَملة = نْمَلة. ومن أسماء العشائر العراقية التي تتبع المبنى ذاته: الدّوَلة (بتسكين الدال وفتح الواو). هذه لهجة محلية ولا تنطبق على الفصيح، وما أشبهها ببعض مباني الكلمات المضارعة في اللغات الساميّة الغربية، مثال: النملة في العبريّة: נמלה نمالاه (بتسكين النون).
استفتينا أبناء العشيرة أنفسهم (الرّولة)، فقالوا لنا إن الاسم أتى من عبارة: تراوَل القوم، أي أسرعوا في المسير. ولكن ما زال التفسير غير مقنع. ومن تعابير بعض مجتمعات الخليج اليوم: الرّولة (بضم الراء وتسكين الواو)، التي تدل على الحلبة، إنما نظنها محدثة نحتوها من عبارة roller.
فليت شعري، ما الصحيح إذاً? دوماً أميل إلى ضرورة البحث في المصادر القديمة جداً ما قبل عصر الإسلام.. وأرجّح أن نرى للاسم أثراً في لهجات العربية الدواثر (وعددها 43 لهجة)، من اليمن جنوباً إلى وادي الشام والصّفا شمالاً بأكناف بادية الشام. آتي بمثال: قصر (خربة البيضا) الواقع بين الحماد والصفا، بأحواز وادي الشام، شمالي النمارة وبير الرصيعي، حار العلماء في أصله وقالوا إنه من قصور آل جفنة أمراء غسّان، وذهب البعض إلى أنه من آثار الرومان (وبناؤه محكم وجميل بحجارة بيضاء مقصوبة)، وادّعى آخرون أنه من آثار الوليد بن عبد الملك بن مروان. ففوجئت بأني أكتشف له ذكراً في بعض نقوش اللغة الصفأية القديمة بخربة الصفا باسم واضح وجديد ومغاير للغاية: (قصر نقعة).. ومن الرائع أن نعلم أن من المواقع الأثرية القريبة منه: منقع الرحبة، الذي يضارعه في التسمية. هذا مثال، والاسم لا أثر له في أي نص تاريخي مكتوب.
فهكذا اسم عشيرة الرّولة، أظنه مشتقاً من اسم أجداد العشيرة، أو إحدى صفاتها، ثم دال أصله مع الأيام واختفى مصدر اشتقاقه.. ولا أتوقع أبداً أن نعثر له على أصل جازم في مصادرنا التاريخية.. إلا باستفتاء لهجات العربية القديمة، ونقوشها الكثيرة التي ما برحت إلى اليوم نهباً للضياع والتخريب، أو جهلنا بها - نحن أصحابها- في أحسن الأحوال.
أخيراً.. حول اسم (عليا) الوارد في قصيدة المعلوف، ننبّه إلى أنه دلالة على صيحة (نخوة) الرّولة، وهو: (راعي العليا رويلي).
وقصارى القول: إن دلالة اسم (رولة - رولى) الحالي على اسم هذه العشيرة الكبيرة والعريقة، لهو كاف بحدّ ذاته على طيب معناه، وإن كان أصل اشتقاقه ما يزال غامضاً.
عذراً على الإطالة، ولكم أطيب تحية.
د. أحمد إيبش |