أثار أخي الحبيب والشاعر الأديب اللوذعي زهير ظاظا موضوعا طالما استهواني قديما ، ولم أجد الفرصة سانحة عندي ، لأنني بعيد عن مكتبتي ، وبما أنني الآن فيها ، وأعيش في رحابها ، فالكتب بساتين العقلاء أجدني مضطرا للوقوف عند هذا الكتاب ، الذي استهواني ردحا من الزمن ، وعملت به عدة سنين من عمري ثم ظهر في نفس السنة التي ظهر فيها كتاب أخي المحقق ، الدكتور حسن هنداوي لكن الغريب ، أن الدكتور حسن هنداوي ، وهو حلبي ، طبع الكتاب ، ولم يطلع على النسخة الحلبية المخطوطة من هذا الكتاب ، وهي نسخة حلبية نادرة ، برواية أبي القاسم عمر بن ثابت الثمانيني ، وهو من تلاميذ ابن جني ، حيث توفي سنة 442هـ ، وهي عنه برواية أبي المعمر ، يحيى بن طباطبا العلوي عنه (478هـ) ، رواية النقيب أبي السعادات ابن الشجري (542هـ) ، عنه إجازة منه لأبي القاسم ، الحسين بن هبة بن محفوظ بن صصري الثعلبي الدمشقي (586هـ) ، رحمة الله عليهم وهذا ما جاء على الصفحة الأولى من مخطوطة هذا الكتاب ، وهي مثبتة على صفحة العنوان بخط الناسخ ، فهي إذا متصلة النسب بابن جني ، وهي مختومة بخاتم المكتبة الأحمدية بحلب . وتصويري لهذه المخطوطات النادرة ، لها قصة ، سوف أذكرها في مرة أخرى في هذه المجالس العامرة . وجاء مع صفحة العنوان هذان البيتان : يقول خليلي ما لقيت من iiالأسى | | فـقـلت وعيني بالدموع iiتجود | وإن إمرأ ينجو من الموت بعدما | | تـورط فـي أهـوالـه iiلسعيد | وكانت هذه النسخة النفيسة ضمن المخطوطات التي كانت محفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب ، وجعلتها آنئذ أصلا لأمور عدة ، ذكرتها في مقدمة طبعتي للكتاب الذي قدر له ان يظهر في نفس السنة ، التي ظهر فيها تحقيق كتاب أخي الدكتور حسن هنداوي ، ولولا أن الكتاب بقي رهين المطبعة أكثر من ثلاث سنوات ، لكان السابق في الطبعة ، وفي النسخة المقروءة على ابن الثمانيني العالية الجودة . وكما قلت سابقا فإنني حققت هذه النسخة ، ودفعتها إلى المطبعة سنة 1985 م ، (دار الهجرة ، بدمشق ) وبسبب الأحداث الدامية في لبنان ، تأخر طبع الكتاب إلى سنة 1987 م ، ومن سنين عدة عثرت على مخطوطة أخرى ، وهأنذا أعمل من جديد على تحقيق هذا الكتاب النفيس ، الذي كنت مطمئنا كل الاطمئنان على خروجه بالصورة التي ارتضيتها له ، حيث اتبعت في تحقيق الكتاب ، الطرق الحديثة المعتمدة في نشر نصوص التراث الإسلامي ، آملا أن أكون قد وصلت إلى أقرب صورة ارادها المؤلف لكتابه ، لذلك قمت : بتقويم النص ، وتصحيح التصحيفات التي وقع فيها الناسخ ، المقابلة بين النسخة المخطوطة والمطبوعة مثبتا الفروق بينهما في الحواشي ، وقد جعلت المخطوطة أصلا ، وأضفت ما رأيت إضافته ضرورية من المطبوعة في المتن ، واضعا إياه بين حاصرتين [ ] ، وأشرت في الحاشية إلى أنه زيادة من المطبوعة ، وخرجت الشواهد بكافة أشكالها وأنواعها من مصادرها ومراجعها ، وكذلك النقول الواردة في الكتاب خرجتها من مظانها في كتب الأقدمين ، وعرفت بالأعلام ، والشعراء الحماسيين ، وخرجت الأمثال ، والبلدان ، الواردة في الكتاب ، كما شرحت الألفاظ الصعبة في النثر والشعر ، مستعينا في ذلك بكتب اللغة وشروح الدواوين ، كما وضعت أرقام المخطوط على الهامش ، ثم وضعت للكتاب فهارس فنية وافية ، تسهل الرجوع إليه والانتفاع به . وما كان هذا يا أخي الحبيب ، إلا لأنني كنت أعرج على الوراق ، وأجد تعريفك ، لطبعة أخي الدكتور حسن هنداوي ، وإهمالك لطبعتي ، التي ظهرت معها في نفس السنة ، والنقاد ، هم الذين يحكمون على جودة التحقيق ، وإتقان العمل . وفي كل الأحوال لأخي الحبيب الشاعر الأديب ، كل الشكر ، وكل المحبة ، لأننا نادرا ما نجد مثل هؤلاء الرجال يعملون بصمت ، ويقدمون الخدمات الجلى ، في خدمة تراثنا الحبيب ، صمت العلماء العالمين العاملين جزاك الله خيرا يا أخانا الغالي الحبيب وشاعرنا المبدع اللبيب زهيرا |