مجلس : الأمثال

 موضوع النقاش : أمثال ضائعة    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 زهير 
1 - يوليو - 2007
بين يدي كتاب (العقل العربي) للمستشرق رفائيل باتاي ، وفيه ص 27 طائفة من أمثال بلاد الشام، أخفق المترجم الشامي في العثور عليها، وأخفقت أنا أيضا في معرفة أصول هذه الأمثال التي ترجمها المؤلف إلى الإنكليزية ثم لما ترجم الكتاب إلى العربية ضاعت ألفاظ الأمثال الأصلية فأرجو ممن يهتدي إلى مثل منها أن يذكره لنا مشكورا. وهذا كلام رفائيل أنقله إليكم بحروفه قال:
ومن الأمثال الشائعة في سوريا ولبنان التي تتحدث عن الكبرياء العربي:
"حتى لو اضطررت إلى رؤية دودة الجوع تخرج من فمي فلن أعمل على تحقير نفسي" (أي بطلب المساعدة) ويعكس مثل آخر كراهية العرب للسلطة: "ما من شيء يهين المرء مثل كونه موضع سلطة شخص آخر"
ويتم التركيز على أهمية احترام النفس وحفظ ماء الوجه بالإضافة إلى الاستقلال مرارا وتكرارا في الأمثال العربية: "مر أمام عدوك عندما تكون جائعا وليس عندما تكون عريانا" "اعمل أيام الأحد والعطل ولا تكن محتاجا إلى أخيك الثري" " من الأفضل الموت بكبرياء على أن تعيش في الذل" "كن قانعا بورقة خس ولا تذل نفسك" "احلق بفأس ولا تجعل شخصا يتفضل عليك"


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
المنية ولا الدنية    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
حول المثل " من الأفضل الموت بكبرياء على أن تعيش في الذل" ربما كان المراد (المنية ولا الدنية) أو كما يرددون بيت عنترة بروايتهم:
جنة  بالذل لا أرضى iiبها وجهنم بالعز أطيب منزل
وأصله قول عنترة:
لا تَـسـقِـني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
مـاءُ الـحَـيـاةِ بِذِلَّةٍ iiكَجَهَنَّمٍ وَجَـهَـنَّمٌ  بِالعِزِّ أَطيَبُ iiمَنزِلِ
*زهير
1 - يوليو - 2007
وقف تقلك    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
يبدو أن رفائيل باتاي يرمي بالكلام على عواهنه في مؤلفاته، ولا يتحقق من النصوص التي يرويها، وزاد الطين بلة أن المترجم  ترجم نصوص التراث التي تضمنها الكتاب، من غير الرجوع إلى مصادرها التي أحال إليها المؤلف، وإليكم هذا المثال، قال:
(وينسب المقريزي إلى الصحابي كعب الأحبار مثالا تقليديا، وقد صيغت الملاحظة بأسلوب قصة قصيرة، ولكن مغزاها لا يخطئ، إذ يقول كعب: عندما خلق الله الأشياء أعطى لكل منها رفيقا، فقالت الحكمة سأذهب إلى سوريا، فقال التمرد: سأذهب معك، وقالت الوفرة: إنني ذاهبة إلى مصر فقال الإذعان: سوف أذهب معك، وقال الفقر: إنني ذاهب إلى الصحراء، فقالت الصحة: سأذهب معك)
والسؤال هنا: كيف يقول رفائيال باتاي (ولكن مغزاها لا يخطئ) فما الذي يجمع بين الحكمة والتمرد ?
فكرت طويلا وبحثت جاهدا عن سبب هذا الخلط فتوصلت أخيرا إلى ما يلي:
كلام كعب الأحبار ورد ناقصا في كثير من الكتب المطبوعة، ومنها (المواعظ والاعتبار) للمقريزي، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي، وتمام النص هو هذا (روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل كعب الأحبار عن البلاد وأحوالها فقال يا أمير المؤمنين لما خلق الله سبحانه وتعالى الأشياء ألحق كل شيء بشيء فقال العقل أنا لاحق بالعراق فقال العلم أنا معك فقال المال أنا لاحق بالشام فقالت الفتن وأنا معك، فقال الفقر أنا لاحق بالحجاز فقال القنوع وأنا معك فقالت القساوة أنا لاحقة بالمغرب فقال سوء الخلق وأنا معك فقالت الصباحة أنا لاحقة بالمشرق فقال حسن الخلق وأنا معك فقال الشقاء أنا لاحق بالبداوي فقالت الصحة وأنا معك). والنقص ظاهر، وقد وقع بعد قوله فقال العقل.... حتى قوله فقال المال. أضف إلى كل هذا أن ترجمة بلاد الشام بسوريا خطأ... فوقف تقلك:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها  وحتى سامها كل مفلس
 
*زهير
1 - يوليو - 2007
من الأمثال الضائعة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
 بحثت قليلاً حول هذه الأمثال التي تحدثت عنها أستاذي : وأول ما لفت نظري منها كان المعنى الذي يقول :"ما من شيء يهين المرء مثل كونه موضع سلطة شخص آخر" .لأنني تذكرت ما كانت تقوله جدتي في هذه الحالة : " الله لا يحوج عبد لعبد " أو " الله لا يحَكِّم عبد بعبد " . ومعنى العبد هنا : العبودية لله ، لكن اللفظ يحمل دلالة واضحة وهي أن الظلم والتسلط هي من أخلاق العبيد .
أما المثل الذي معناه : "مر أمام عدوك عندما تكون جائعا وليس عندما تكون عريانا" فأظنه المثل الذي يقول : " مر على عدوك جوعان ولا تمر عريان " والمقصود منه عدم إظهار الضعف أمام العدو ، فالجوع لا نراه لأنه في البطن ، أما العري فهو ظاهر للعيان . وفي هذا المثل أيضاً دلالة على أهمية الظهور أمام الناس بالمظهر اللائق لكي نحظى بالاحترام .
 
أما القول :  " من الأفضل الموت بكبرياء على أن تعيش في الذل " فلقد قيل فيه الكثير من الأمثال يحضرني منها ، وأظنه المثل المقصود : " بخمسة آس ولا شماتة الناس " . والمقصود بالآس النبتة الخضراء التي نضعها على قبور الموتى ولا يستعمل إلا لهذه الغاية : تشكيل القبور . فيكون القصد واضحاً وهو أن الموت أهون من شماتة الخلق .
 
والمعنى الرابع :  "كن قانعا بورقة خس ولا تذل نفسك" من الممكن أن يكون المقصود به المثل القائل : " خس زراع ولا تبيع من أرضك دراع " ، وهو مثل يدلل على تمسك الفلاح بأرضه وأنه يفضل بأن يأكل الخس طوال السنة على أن يبيع أرضه فبيع الأرض فيه مذلة للفلاح .
 
والمعنى " احلق بفأس ولا تجعل شخصا يتفضل عليك " فهو واضح في المثل الذي يقول : " احلق بالفاس ولا تعتاز الناس " وهو يشبه بمعناه المثل القائل : " توب العيارة ما بيدفي " والمقصود منه عدم التذلل بالطلب إلى الآخرين والاعتماد على النفس .
 
أما الباقي فلم أجده ولو توصلت لمعرفته فسأكتبت فيه تعليقاً أخراً .

*ضياء
4 - يوليو - 2007
وسلمت يداك يا أستاذتنا    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
ما هذا يا أستاذة ? لم أكن أتوقع جوابا رصينا كهذا الجواب، أتمنى لو أتمكن من  ضمه للكتاب منسوبا إليك، وتقبلي مني هذه القطعة هدية من الكتاب، وهي صفحة من صفحات الكتاب البيضاء ولكن مهما كانت بيضاء فلن تغفر ما فيه من صفحات سوداء قاتمة، ربما أتيت على ذكر بعضها لاحقا:
وأما الصفحة البيضاء فقوله أثناء حديثه عن بلاغة اللغة العربية (ص 54):
(ولما كان لي نصيب من المعرفة بعدة لغات فبوسعي أن أشهد بحكم خبرتي الشخصية أنه ليس ثمة من لغة لي بها دراية قادرة على أن تقارب العربية في قوتها الخطابية وقدرتها على سبر الأغوار وتجاوز الإدراك الفكري لتبلغ العواطف مباشرة وتؤثر فيها، فيمكن من هذه الناحية مقارنة العربية بالموسيقى وحدها، فتأثير الإنكليزية على الناطقين بها شديد الاختلاف عن تاثير الموسيقى العظيمة، ومع ذلك يستجيب الناطقون بالعربية للغة والموسيقى بشكل أساسي بذات النهج، سوى أن استجابتهم للغة في الأرجح أعمق واكثر شدة وأقوى عاطفة. وقد يكون بوسعي أن أمضي وأسترسل ردحا من الوقت وانا أعرض خواطري ومشاعري حيال العربية، ومع ذلك أجدني أستميحكم العذر لأقدم لكم مقتطفات قليلة من خبراء هم عرب أصلا
.... إلى أن قال: وعند المقارنة بين البلاغة عند أبسط أمي من العرب والإنكليزية عند الأمريكي العادي تبدو الإنكليزية هذه أقرب إلى سلسلة من أصوات الخنازير المفككة
)
*زهير
4 - يوليو - 2007
االغة والموسيقى    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
شكراً لك أستاذي الكريم هديتك التي تفتح لعيوني طريقاً تلمع أمامها منذ زمن طويل ولا أجرؤ على الخوض فيها : أصل اللغة وعلاقتها بالموسيقى . فلا أنا عالمة باللغات ، ولا أعلم بالموسيقى سوى أنني أسمعها .
 
يمكن لأي ملاحظ بأن يستنتج بأن الفرق الأساسي بين اللغة العربية ولهجاتها الكثيرة يكمن في الموسيقى قبل أي شيء آخر . لكل لهجة من هذه اللهجات وقعها على السمع الذي يختلف من منطقة لأخرى : لو سمعت عربياً يتكلم اللهجة المغربية ، وسمعت أخراً يتكلم إحدى اللهجات الأمازيغية ، وكنت لا تعرف هذه ولا تلك ، لظننت بأنهما يتكلمان لغة واحدة رغم أنهما يستخدمان ألفاظاً مختلفة ، ورغم اختلاف بنية الجملة كما أظن . ولقد شد انتباهي في أحد الأيام ، أن سمعت بعض الناس يتكلمون باللهجة السريانية في قرية معلولا السورية ، ولاحظت بأنه لمن لا يعرف اللهجات السورية الشامية فإنه سيظن بأنهم يتكلمون العربية الدارجة عندنا في لبنان أو سوريا أو فلسطين ...
 
فاللغة في روحها الضمني هي موسيقى ، والموسيقى التي بداخلها هي تجليات الروح التي تمثلها لأن الصوت يخرج من النفس ، وهو أبعد من الحسي الذي يريد التعبير عنه ويظهر جلياً فيه ، ويتجازو العقلي الذي الذي يحاول الإمساك به واستخدامه . وكل لغة بقيت ، تحمل إرادة البقاء في روحها التي هي موسيقاها ، فالعنصر الحي فيها هو الموسيقى وليس الكلام ، إلا أن الكلام واللفظ يحمل هذه الموسيقى في متنه وهو في حركة مستديمة .
 
سأتابع حديثي ربما في المساء .
 
*ضياء
5 - يوليو - 2007
جذور عربية مشتركة بين اللغة والموسيقى..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
اللغة الموسيقية: هناك نقاط مشتركة عدة بين الموسيقى واللغة. ولعل ذلك يعود الى ان كلاً منهما يتألف من وحدات صوتية لها علاقة بالزمن. لكننا نود الإشارة الى انه لما كانت الوحدة الصوتية الموسيقية خلواً من الدلالة, فإن التزامن في أداء اكثر من صوت في آن واحد, ممكن في الموسيقى, في حين لا يمكن تحقيق ذلك في اللغة. اي ان اللغة, والحال هذه, أفقية أو مونوفونية (أحادية الصوت), اما الموسيقى فأفقية وعمودية, أي مونوفونية وبوليفونية (متعددة الأصوات). ومن أوجه التشابه بين الموسيقى واللغة, ان "الفاصلة" الموسيقية, ويقال لها Bar بالانكليزية, تقابل "الكلمة" في اللغة, وان "النغمة الختامية" Cadence تقابل علامة الترقيم (التنقيط) في اللغة, كالنقطة أو الفارزة أو الفارزة المنقوطة. لكننا, بحكم الخلاف بين الطبيعة الدلالية للـغة واللادلالية في الموسيقى, لن نتوقع ان نحصل على متوازيات أو مفردات بالمعنى الدقيق للكلمة, بل هـناك الموتيف Motive (وهو اصغر مقطع موسيقي واضح للحن, ويتألف من نوطتين على الأقل), الذي يعتبر لبنة الموسيقى, كما تعتبر الكلمة أو المفردة لبنة اللغة. من بين الأمثلة على الموتيف: الضربات الاستهلالية الأربع في السمفونية الخامسة لبيتهوفن: "تاتاتا - تام". وهنا, في الموسيقى, يمكن ان يصبح الموتيف بمثابة الحــجر الأساس للبنية الموسيقية بكاملها, كما هي الحال في اللحن الاستهلالي للسمفونية الخامسة المشار اليها اعلاه. وباتخاذ هذا الموتيف اساساً للتأليف الموسيقي, وباستعمال اساليب الاعادة وتغيير السلم, والتنويعات, والهارمونية, الخ, يطرح الموسيقي "فكرته" في عبارات وجمل موسيقية. فالعبارة الموسيقية تتألف من موتيف أو اكثر, وغالباً ما تشتمل على نغمة ختامية. اما الجملة الموسيقية فتتألف على العموم, وليس حصراً, من ثماني فواصل Bars موسيقية. وهناك جمل أطول أو أقصر. لكن مما يدعو للدهشة, كما يقول اوتوكاروي, كثرة الجمل الثماني الفواصل. لا شك في ان السر يكمن في التناظر, فالجملة تنقسم الى جزأين, يبدو أولهما قلقاً أو غير تام, أما الجزء الثاني فيكون بمثابة مكمل أو خاتم للجملة (للشطر الأول منها). وهذا يذكرنا تماماً بشطري البيت في الشعر العربي.
الشكل: "إذا انتقلنا من الجملة الموسيقية الى الخطاب الموسيقي, نجد ان هناك نوعين من البنى الموسيقية في أصغر اشكالها, احدهما ثنائي والآخر ثلاثي. الشكل الثنائي (أ, ب) يأتي على غرار السؤال والجواب في الحوار, يبدأ السؤال (أ) بالنغمة الاساسية Tonic, وينتهي بالنغمة المسيطرة Domonant وهي خامستها (أي خامس نوطة بعد النغمة الاساسية). اما الجواب (ب) فيتلقى لحنه من حيث انتهى السؤال (أ), ثم يتنقل بالنغمية ليعود ثانية الى النغمة الاساسية. وهذا على شاكلة ان تسأل احدهم:
"كيف أنت?".
والجواب: "أنا على ما يرام, شكراً لك".
حيث تصبح "كيف" في الجولة الأولى بمثابة النغمة الاساسية, و"أنت" بمثابة النغمة المسيطرة (الخامسة). وهذه النغمة المسيطرة تصبح بمثابة "أنا" في الجملة الثانية.
أما "لك" فتعود الى المتكلم الأول الذي يمثل النغمة الاساسية.
وكانت موسيقى الرقصات في القرنين السابع عشر والثامن عشر (في أوروبا), التي بلغت دروتها في متتاليات باخ, ثنائية الشكل في معظمها. اما الخطاب الموسيقي الثلاثي الشكل فهو على صيغة (أ, ب, أ), حيث تكون (أ) الثانية بمثابة اعادة أو شيء يشبه (أ) الأولى الى حد كبير. ويكون المقطع (ب) مغايراً تماماً للمقطعين الأول والثالث. ويشبّه الشكل الثلاثي بساندويش, يتألف من قسم أول يبدأ بالنغمة الاساسية وينتهي إما بها أو بنغمة لها علاقة بها, ومن الأبيزود episode (الحشوة) التي تستعمل مقاماً آخر, ومن القسم الثالث الذي هو إما القسم الأول نفسه, أو مع شيء من التنويع.
تنوع الإيقاع: "قبل ابن محرز (ت حوالى 715م) كانت القصيدة تغنى على لحن واحد, من أول أبياتها حتى آخرها. ولأن كل بيت في القصيدة العربية يعبر عن فكرة كاملة, فقد كان الملحنون يضعون لحناً قصيراً للبيت الأول ينسجم مع هذه الفكرة, ثم يتكرر هذا اللحن مع كل بيت تالٍ. لكن ابن محرز كان أول من وضع لحناً مختلفاً للبيت الثاني. جاء في كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني عن ابن محرز: "هو أول من غنى بزوج من الشعر, وعمل ذلك بعده المغنون اقتداء به. وكان يقول الأفراد لا تتم بها الألحان".
وعندما استعملت اللازمة في الزجل الاندلسي, اقتضى بذلك وضع لحن آخر لها. ومع ذلك, لم يُقض على الرتابة تماماً. فلجأ المغني الى التنويع أو الزخرفة التي تضفي على المقطوعة مزيداً من التظليل. ثم انسحب ذلك على المقطوعة الموسيقية المؤلفة للآلات فقط.
كان ابن محرز, إذاً, أول من وضع اللبنة الأولى لتطوير الشكل في الموسيقى العربية, مع ان الشكل الموسيقي كان يتألف - في أيامه - من مقطوعة واحدة, هي الاغنية. ولعله مهّد ايضاً الى تنويع الايقاع في المقطوعة الواحدة, حيث اصبح العازف على الآلة الموسيقية هذا جديداً على أوروبا, التي اخذت تصغي باندهاش, على حد تعبير هنري جورج فارمر, الى هذه الظاهرة في تنوع الايقاع في الاغنية العربية, واستعار الأوروبيون كلمة (ايقاعات) العربية, فأصبحت تلفظ عندهم Ochetus أو hoquetus, لكن بدلالة اخرى.
النوبة اساس الأشكال الموسيقية?
النوبة في اللغة العربية مشتقة من الفعل (ناب, ينوب), بمعنى قام مقام (فلان). وناب اليه: رجع مرة بعد اخرى. والنوبة: الفرصة. يقال جاءت نوبتك. هكذا كان مفهومها ومعناها في الموسيقى في استعمالها الأول. فحين يحضر احد المغنين في حضرة خليفة, أو امير, للغناء, يقال ان نوبته حانت. ولعل أقدم استعمال لها جاء في عهد الخليفة المهدي العباسي. وجاء في كتاب (الاغاني) ان ابراهيم بن اخي سلمة جاء الى الرشيد وقال له: "يا أمير المؤمنين, اني احب ان تشرفني بأن تكون نوبتي ونوبة اسحاق الموصلي في مكان...". وروي عن الحارث بن بسخنر انه قال: "كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة اذا حضرت ركبت الى الدار..." (عن كتاب أثر الاندلس على أوروبا في مجال النغم والايقاع, لعباس الجراري). ثم اصبحت النوبة تعني مجموعة من المقطوعات الغنائية (مع مقدمتها الموسيقية) تؤدى في زمن معين, أو مجموعة عنائية يؤديها مغنٍ. وتطرق الموسيقي ابن الطحان (أبو الحسين محمد بن الحسن) المتوفى بعد 449هـ الى ذكر النوبة في مخطوطته الموسومة بـ"حاوي الفنون وسلوة المخزون", حيث قال: "فغنى أبو الفتح (?) عشرة أصوات, وغنى الشريف ثمانية أصوات, لأن النوب كانت كثيرة, ولم يصبهما اكثر من ذلك" (عن المخطوطة ص 103).
واصبحت النوبة عند الاندلسيين مصطلحاً موسيقياً له بُعد شكلي. قال التيفاشي: "النوبة الكاملة للغناء بالمغرب تقوم من نشيد واستهلال وعمل ومحرك وموشحة وزجل, وجميعها يتصرف في كل بحر من بحور - أي ادوار - الأغاني العربية" (عن كتاب عباس الجراري ايضاً).
هذا في المغرب العربي, اما في المشرق فكانت الحركات الأربع التي تتألف منها النوبة تسمى: القول, والغزل, والترانا, والفروداشت. ثم اضاف اليها الموسيقي عبدالقادر بن غيبي (المراغي) (1350 - 1435م) حركة خامسة سماها المستزاد. وكل من هذه الاجزاء أو الحركات كانت غنائية, لكن نستهل بمقدمة موسيقية تعزف على الآلات تدعى بالعربية (طريقة), وذلك منذ أيام الموسيقي صفي الدين عبدالمؤمن الأرموي البغدادي معاصر المستعصم آخر خلفاء بني العباس. وفي ما بعد سمت المقدمة الموسيقية الرئيسية (بشرف). وهي بمثابة افتتاحية للنوبة.
والظاهر ان النوبة, في هذا الاطار, اصبحت أرقى شكل موسيقي اسلامي. وبهذا الصدد يقول كريستيانوفتش: "ان النوبة برأي المسلمين انفسهم افضل ما في الموسيقى العربية". ويقول خوليان ريبيرا, المستشرق الاسباني (1858 - 1934): "ان معظم الكتاب يعتبرون النوبة واحدة من الأشكال الاساسية في الموسيقى العربية, لكنهم لا يجهدون انفسهم في الوقوف على جذورها". ثم يشير الى ان كريستيانوفتش يرى انها نشأت في بلاد العرب ثم انتقلت الى اسبانيا. وهي بحسب اعتقاده بمثابة السمفونية الشرقية, التي بقيت وحدها حية من موسيقى الماضي على رغم الاهمال, ونشر سبع نوبات تحت عنوان (موسيقى قديمة).
فهل كان القالب الرباعي للنوبات اساس الحركات (الأربع) في المتتالية, والسوناتا, والسمفونية, في الموسيقى العربية? والمتتالية هي موسيقى للآلات تشتمل على سلسلة من الرقصات المنتظمة. كانت احدى أهم اشكال الموسيقى التي تؤدى على الآلات خلال القرنين السابع عشـــر والثامن عـــشر في أوروبا, ولا تزال تستعمل حتى يومنا هذا, وأهم حركات المتتالية منذ العصر الباروكي (زمن باخ) أربع ايضاً, مثل النوبة, هي: المان, كورانت, تسترباند, جيغ. والألمان هي رقصة من أصل ألماني بإيقاع رباعي معتدل (ضربة ضعيفة الى معتدلة), والكورانت مشتقة من كلة Corrrnte الايطالية وتعني (يركض), وهي رقصة ثلاثية الايقاع, ذات طابع حيوي. اما السرباند فمن اسبانيا العربية (الاندلس), وطابعها نبيل ووقور, لكنها كانت بالأصل رقصة حسية.
وأما الجيغ فتؤدي في نهاية المتتالية, وهي سريعة ومن اصل انكليزي أو ايرلندي, وأول ما كانت تؤدى بمصاحبة العزف على الرباب. فإذا علمنا ان السرباند رقصة اسبانية ترجع الى أصول اندلسية.
من كلمة (زربندة) العربية أو الفارسية, فإن هذا قد يأتي دليلاً آخر على ان المتتالية, وهي أقدم الأشكال الموسيقية الغربية المؤلفة من حركات عدة بنيت على شاكلة النوبة الاسلامية, أو على غرارها.
* علي الشوك .
*abdelhafid
9 - يوليو - 2007

 
   أضف تعليقك