أيّ مخطوط نحقق? ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
اقتبس الفقرة التالية لأهميتها، وهي من إحدى مقالات أستاذي العزيز د.هشام النعسان، حفظه الله. ثمة مخطوطات كثيرة جداً في كل مجال من مجالات العلم، فلابد من تحديد معيار واضح يجري على أسسه اختيار المخطوط الذي سيعنى به المحقق، فإن لم يجر مثل هذا التحديد، ضاعت جهود كبرى في أعمال ضئيلة القيمة، وتبدد وقت طويل فيما لا طائل تحته، ونعتقد أن أسس هذا المعيار في الاختيار هي: 1 ـ أن يقدم المخطوط العلمي إضافة جديدة للمعرفة، كأن يتضمن فكرة أو أفكاراً لم يسبق أن تناولها مؤلف من قبل، أو ألمح إليها عالم في المجال الذي تبحث فيه. ولا يعني هذا أن تكون كل أفكار الكتاب جديدة، أو رائدة في بابها، فأمر كهذا بعيد التصور، ولا يتوفر إلا في النادر من الكتب، ولكن قد يضم الكتاب فكرة واحدة تستحق، لجدتها، أ ن يبذل الجهد في تحقيقه كله، فكتاب "شرح تشريح القانون " لابن النفيس(ت687هـ/1288م) يتألف من خمسة بحوث، لم تلق من اهتمام الأطباء العرب ما لقيته مؤلفات طبية أخرى، إلا أن بضعة نصوص منه أثارت اهتمام الأطباء المحدثين إلى الحد الذي جعل اسم ابن النفيس يفرض نفسه على أوساط العلماء في كل مكان، وهذه النصوص هي التي وصف فيها الدورة الدموية في الرئة، وتقريره بأن عضلات القلب تتغذى من الأوعية الدموية في داخلها لا من الدم المجود في أجوافه، فهذه النصوص على قصرها النسبي جعلت من الكتاب واحداً من أبرز المؤلفات الطبية في العالم. 2 ـ أن يؤكد الكتاب على فكرة علمية صحيحة قال بها بعض العلماء في عصر مضى، ولكنها نسيت، أو تنوسيت، في العصور التالية لأسباب مختلفة، من ذلك مثلاً أن ظاهرة انفجار النجوم الضخمة وتحولها إلى شظايا مادية وإشعاعات وغازات تندفع بعيداً عن مركزها، كانت على الدوام من الظواهر التي اهتم بها الأقدمون بوصفها تجلب النحس للإنسان، إلا أن نصاً واحداً في وصف هذه الظاهرة، أورده علي بن رضوان(ت460هـ/1067م) في كتابه " شرح المقالات الأربعة في القضايا بالنجوم لبطليموس" جعل من هذا الكتاب مهماً، ليس بوصفه كتاب طب فحسب، ولكن بصفته يحوي على معلومات دقيقة، وإن لم تكن جديدة، لإحدى أهم الظواهر الفلكية في الكون. 3ـ وربما لم يحو مخطوط شيئاً من ذلك كله، لكنه ازدان بصور أو أشكال هندسية أو جداول رياضية، وضحت ما أراد المؤلف أ ن يقدمه للقارئ، فمثل هذه الوسائل يمكن أن يكون سبباً رئيساً لجعل المخطوط يغدو مهماً، فقد تساعد هذه الأشكال والصور والجداول على فهم فكرة ما، بما تقدمه من بيانات دقيقة، أو أنها تصلح أن تكون، لوحدها، موضوعاً لدراسة مستقلة. مثال ذلك أن مخطوطة "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات " للقزويني(ت682هـ) احتوت على نحو خمسين صورة لبشر وحيوان في أشكال وأزياء مختلفة، وسبب وجودها في المخطوط ما اعتقده مؤلفه من أنها تملك تأثيراً كبيراً على القارئ، والفكرة في حد ذاتها قد تقوم على أساس علمي مفهوم أو لا، ولكن الصور نفسها ذات قيمة فنية عالية، تصلح أن تكون موضوعاً لدراسة فنية قيمة. وهنا يجب أن يلاحظ المحقق ما إذا كانت هذه الصور والأشكال من أصل نص المؤلف أم أضيفت إليه في وقت تال للتوضيح. 4 ـ ومن مبررات اختيار مخطوط علمي لتحقيقه، ما يتضمنه من مصطلحات علمية تساعد على فهم معان غامضة، أو تجارب مختبرية قصر دون فهمها الجهل بتلك المصطلحات، وقد يكون ألف أصلاً لتيسير الوقوف على هذا الجانب المهم، مثل: كتاب " مفاتيح العلوم " للخوارزمي الكاتب(ت387هـ) الذي جمع في طياته، بدقة وبلاغة ، أهم المعارف المتداولة في عصره . وكتاب " التعريفات " للجرجاني (ت816هـ) الذي يضم مصطلحات شتى مختلفة تتناول علوماً جمة ليس للدارس عنها غنى، وغير ذلك، أو أن يكون المخطوط مما تكثر فيه المصطلحات المشروحة، أو الموضحة، فيفيد منها محقق المخطوطات التي تتناول حقولاً معرفية لا تفهم مضامينها إلا الأمر في جميع العلوم. 5ـ أن يكون المخطوط شرحاً أو حاشية، على كتاب علمي مهم، فتأتي شروحه وتعليقاته موضحة للأصل، مبينة لمراميه، وهو أمر متوقع من شارح قريب زمناً من عهد مؤلف الأصل، ومن ثم أقدر على فهم لغته ومصطلحاته وأفكاره من باحثيين متأخرين عليه بمدد متطاولة، وبالمقابل فإن بعض المخطوطات العلمية تكتسب أهميتها من أن مؤلفيها ضمنوها ردوداً علمية على كتب لمؤلفين سابقين، فبينوا بذلك شخصياتهم العلمية، ومدى استقلال تفكيرهم، وما أصاب الفكر العلمي من تطور بعد أن وضع أولئك السابقون مؤلفاتهم. مثال ذلك: ما فعله ابن النفيس في شرحه لكتاب التشريح من كتاب القانون لابن سينا ، وما أضافه إلى هذا الشرح من ملاحظات مهمة. 6ـ وربما خلا مؤلف المخطوط العلمي من أهمية في ذاته، ولكن كتابه يبقى _مع ذلك_ جديراً بالتحقيق، نظراً لأنه نقل نصوصاً من كتب ضائعة، حوت ريادة في بعض حقول المعرفة العلمية، أو أنه أشار إلى ترجمات مبكرة لكتب علمية ما كنا نعلم بها، أو بترجمتها، في تلك العهود أصلاً، وكتاب "تذكرة أولي الالباب و الجامع للعجب العجاب" لداود الانطاكي(ت1008هـ/1599م)، يستمد جانباً من أهميته من نقوله المطولة من كتب عديدة لم تصلنا. |