مجلس : العلوم عند العرب
|
موضوع النقاش : قوانين نيوتن ... ليست قوانين نيوتن قيّم | التقييم :      ( من قبل 2 أعضاء ) | زياد | 18 - فبراير - 2007 |
يقوم علم الحركة على ثلاثة قوانين رئيسية ، كان قد وضعها العالم الإنجليزي إسحق نيوتن في أوائل القرن 18,عندما نشرها في كتابه الشهير (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية).
وكان نيوتن في هذه القوانين قد قام بتجميع المعلومات العربية القديمة مما كتبه العلماء العرب عن الحركة للأشياء قبل عصره بسبعة قرون . إلا أنه صاغها في قالب معادلات رياضية، وأخذ تعريفاتهم لهذه القوانين الثلاثة ونسبها إليه .
ففي القانون الأول عن الحركة قال :أن الجسم يبقى في حالة سكون أو في حالة حركة منتظمة في خط مستقيم مالم تجبره قوى خارجية على تغييرهذه الحالة .
ويقول هذا إخوان الصفا، في رسائلهم الشهيرة :الأجسام الكليات كل واحد له موضع مخصوص ويكون واقفاً فيها لا يخرج إلا بقسر قاسر".
ويقول ابن سينا المتوفي سنة 1037م. في كتابه (الإشارات وا لتنبيهـات) : إنك لتعلم أن الجسم إذا خلى وطباعه ولم يعرض له من الخارج تأثير غريب لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين . فإن من طباعه مبدأ استيجاب ذلك .إذا كان شيء ما يحرك جسما ولا ممانعة في ذلك الجسم كان قبوله الأكبر للتحريك مثل قبوله الأصغر، ولا يكون أحدهما أعصى والآخر أطوع حيث لا معاوقة أصلاً".
ثم يأتي بعد ابن سينا علماء مسلمون على مر العصور يشرحون قانونه ويجرون عليه التجارب العملية، وفي ذلك يقول فخر الدين الرازي المتوفي سنة 1209م بكتابه (المباحث المشرقية ): "إنكم تقولون طبيعة كل عنصر تقتضي الحركة بشرط الخروج عن الحيز الطبيعي، والسكون بشرط الحصول على الحيز الطبيعي .
و يقول ابن سينا :"وقد بينا أن تجدد مراتب السرعة والبطء بحسب تجدد مراتب المعوقات الخارجية والداخلية" .
أما القانون الثاني في الحركة ينص:أن تسارع جسم ما أثناء حركته، يتناسب مع القوة التي تؤثر عليه، وفي تطبيق هذا القانون على تساقط الأجسام تحت تأثير جاذبية الأرض تكون النتيجة أنه إذا سقط جسمان من نفس الارتفاع فإنهما يصلان إلي سطح الأرض في نفس اللحظة بصرف النظر عن وزنهما ولو كان أحدهما كتلة حديد والآخر ريشة، ولكن الذي يحدث من اختلاف السرعة مرده إلى اختلاف مقاومة الهواء لهما في حين أن قوة تسارعهما واحدة.
ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه (المباحث المشرقية) : فإن الجسمين لو اختلفا في قبول الحركة لم يكن ذلك الاختلاف بسبب المتحرك، بل بسبب اختلاف حال القوة المحركة، فإن القوة في الجسم الأكبر ،أكثرمما في الأصغر الذي هو جزؤه لأن ما في الأصغر فهو موجود في الأكبرمع زيادة"، ثم يفسر اختلاف مقاومة الوسط الخارجي كالهواء للأجسام الساقطة فيقول: وأما القوة القسرية فإنها يختلف تحريكها للجسم العظيم والصغير. لا لاختلاف المحرك بل لاختلاف حال المتحرك ، فإن المعاوق في الكبير أكثر منه في الصغير.
القانون الثالث ينص على أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه).
وأبو البركات هبة الله البغدادي المتوفي سنة 1165 م.في كتابه (المعبر في الحكمة) قال بما يفيد بهذا المعني : إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر. وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة جذب الآخر،بل تلك القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر إلى كل ذلك الجذب".
ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه ( المباحث المشرقية): " الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط لا شك أن كل واحد منهما فعل فيها فعلاً معوقاً بفعل الآخر".
هذه القوانين الثلاثة للاستقرار والحركة ورد الفعل هي القوانين الأساسية التي ترتكز عليها حاليا كل علوم الآلات والأشياء المتحركة.
|
| |
تعليقات | الكاتب |  | الأخ صاحب القراءة المقلوبة     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الأخ صاحب القراءة المقلوبة إن هذا الموضوع يعرض لحلقة في تاريخ تطور العلوم، حيث يجب إعطاء كل ذي حق حقه، ومن قال " لا يوجد هناك شئ إلا و إكتشفناه". وعنوان المجلس العلوم عند العرب، ولو كان العلوم عند مختلف الأمم، لكنتَ رأيت مشاركات عن المكتشفين غير العرب. ولكن ما الهدف من قول كان العرب أدباء علماء حصفاء نجباء?? الهدف باختصار: - إعادة كتابة تاريخ العلم بالشكل الصحيح، وإبراز دور كل أمة من الأمم فيه، وعدم قراءته قراءة مقلوبة.
- التخلص من عقدة النقص -الموجودة عند البعض- اتجاه الغرب وعلمائه، واعتبارهم منبع العلم ومصبه.
- إثبات أن المشكلة في أجيالنا وما يحيط بها من ظروف، وليست في أجدادنا، أي أن تراجعنا العلمي اليوم صفة مكتسبة وليست صفة أصيلة جاءتنا مع الجينات الوراثية.
| *زياد | 20 - فبراير - 2007 |  | معلومات هامة     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
معلومات هامة علينا الإلمام بها , ولم لا ? لقد امتلكت الحضارة العربية الإسلامية كل وسائل التقدم , وحققت من الإنجازات العلمية الشيء الكثير , وهذه الحقيقة يجب ألا تكون مورفين يخدرنا , بل ثقة بأنفسنا يدفعنا للأمام , ...يعاني بعض العلماء عندنا وهذا لن يكون سببا أو ذريعة لنا لننسى الماضي المجيد , نعم تاريخ العلوم وتطورها تكتبه الأمم المتفوقة الآن , وعلينا أن نتمسك بإنجازاتنا السابقة , وبإرادة وتصميم لإعادة هذه الأمجاد , أشكر الأستاذ زياد على هذه المعلومات التي أدخلت التفاؤل إلى نفسي | *محمد هشام | 24 - فبراير - 2007 |  | الأخ زياد     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الشكر والتقدير للأخ زياد.. والحزن والرثاء على حالة للأخ "محمد".. إذا كان الحديث عن دور الآباء في إيجابيات العصر الحديث, حديثا محظورا, كي لا نضبط "متلبسين" بجريمة تمجيد ماضينا, فلم نتحدث عن دور ماضي الآخرين في تلك الإيجابيات? أليس هو ماضٍِ أيضا? ولِمَ يسمح لهم بإحالة أي فكرة حديثة, بشكل متعسف ومتكلف, إلى اليونان? "برتلاند راسل" مثلا, يقول دفاعا عن التخلف العقلي "لطاليس" الذي كان يقول أن العالم يتألف من الماء, وذلك في كتابه "حكمة الغرب": على أن أهم آراء طاليس, هو قوله إن العالم يتألف من الماء, وهي عبارة ليست مسرفة إلى الحد الذي تبدو عليه للوهلة الأولى, ولا هي مجرد نتاج للخيال المنفصل عن المشاهدة, فقد تبين في عصرنا هذا أن الهيدروجين, الذي هو العنصر المولد للماء, هو العنصر الكيميائي الذي يمكن تخليق جميع العناصر الأخرى منه(يحيى: هذا تدليس متعمد على علم الفيزياء). والواقع أن الرأي القائل أن المادة كلها واحدة, هو فرض علمي جدير بالاحترام.(يحيى: الفيزياء الحديثة تنكرت لموضوع المادة أصلا ولا تستخدم ذلك المصطلح) أما عن الملاحظة, فإن وجود المرء قريبا من البحر ييسر عليه ملاحظة عملية تبخر المياه بواسطة الشمس". نفس الكاتب يدافع عن فكرة انكسيمندر في أن الإنسان أصله "سمكة"!, بقوله: أما رأي انكسيمندر في أصل الإنسان فكان "حديثا" إلى حد بعيد. ذلك لأن ملاحظته أن الإنسان يحتاج في صغره إلى فترة طويلة من الرعاية والحماية جعلته يستنتج أنه لو كان الإنسان دائما على ما هو عليه الآن, لما تمكن من البقاء. وعلى ذلك فلا بد أنه كان فيما مضى مختلفا(يحيى:!!).....وأيد ذلك بملاحظات عن حفريات باقية(يحيى:علم الحفريات الحديث لم يستطع البرهنة على نظرية التطور, واستطاع ذلك علم الحفريات أيام انكسيمندر!), كما أيده بملاحظة الطريقة التي تطعم بها أسماك القرش صغارها(يحيى: يا بن الجنية يا انكسيمندر. عرفت تعمل كدة إزاي?). وبناء عليه كان من الطبيعي أن ينصحنا انكسيمندر بالامتناع عن أكل الأسماك. أما مسألة ما إذا كان إخوتنا في أعماق البحار يبادلوننا نفس هذه المشاعر الرقيقة, فتلك مسألة لم يقم عليها دليل. | *يحيي رفاعي سرور | 4 - مارس - 2007 |  | توثيق     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
السلام عليكم ... أحببت أن أوثق المعلومات المذكورة في هذا الموضوع، كنت قد سمعتها منذ ست سنوات من أحد الأساتذة المختصين بتاريخ العلوم، ومنذ فترة قرأتها في كتاب عبقرية الحضارة الإسلامية لأحمد محمد عوف، فأوردتها كما جاءت في الكتاب. | *زياد | 14 - مارس - 2007 |  | الهدف هو نهضة الأمة     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
أشكر الأستاذ يحيى على تعليقه القيم، والشكر موصول للأستاذ محمد هشام وقمر البوادي، وأدعو الأخ محمد إلى النظر إلى الأمور بروية أكثر، فحديثنا عن تاريخ العلم عند العرب والمسلمين مهم اليوم - باعتقادي الشخصي- خاصة ونحن نحيا في مرحلة من الضياع والتشتت بين نظريات تدعونا للاقتداء بالغرب وأخرى تدعونا للاهتداء بالشرق، ونحن كالعيس بالبيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول. فالأمم تناطح بعضها بعضاً طمعاً في السبق العلمي، حتى تقول إننا أول من اكتشف الأمر الفلاني، وأول من أبدع النظرية الفلانية. وكطالب علم في هندسة الاستشعار عن بعد، أقرأ في معظم المؤلفات العربية في المقدمة "نبذة تاريخية عن علم الاستشعار عن بعد"، وأجد سلسلة من الأسماء غير العربية التي ساهمت في تطور هذا العلم على مر العصور. أما في المراجع الغربية فقد قرأت مقالة باللغة الإنكلزية لباحث اسمه "جون ايستس" يذكر فيها أهم الأشخاص والتواريخ في مسيرة هذا العلم (الاستشعار عن بعد والتصوير الجوي للأرض)، فقد فوجئت عندما قرأت أول اسم على الاطلاق في هذه القائمة هو اسم ابن الهيثم ويليه ليوناردو دافنشي ثم نيوتن ...إلخ. وأغتنم هنا هذه الفرصة لأعتذر إلى جدي الحسن ابن الهيثم رحمه الله، واعداً أنني لو كتبت مستقبلاً كتاباً أو بحثاً عن تاريخ الاستشعار عن بعد لأضعنه في المكان الذي يستحق. على أن الهدف من وراء ذلك (دراسة دور العرب والمسلمين في تطور العلوم)، إضافة لما ذكرته في تعليقات سابقة، الهدف هو إعادة الثقة بالذات لنا ولأولادنا للانطلاق مجدداً -مرتكزين على موروثنا العلمي والمعرفي الغني- بعون الله تعالى حتى نكون مساهمين في بناء الحضارة الحالية والمستقبلية، ولسنا عالة تكنولوجية على الأمم. | *زياد | 19 - مارس - 2007 |  | تصدمني بالمفاجأة الثانية     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الشكر الجزيل لك ياأستاذ زياد , أنت تصدمني بالمفاجأة الثانية , فكل معلوماتي أن الإستشعار عن بعد هو علم حديث , وهذا هو السائد عند كل الناس , فكيف لإبن الهيثم مساهمة في ذلك , وكيف يكون المساهم الأول في هذا العلم ??
أطلب منك ياأستاذ زياد وأرجوك تزويدنا بترجمة عن الكتاب الذي ذكرت ولك مني كل تحية وتقدير | *محمد هشام | 19 - مارس - 2007 |  | توضيح     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الأخ هشام، بالنسبة لكتاب عبقرية الحضارة الإسلامية ، فهو كتيب صغير في الحقيقة استقيت منه توثيقا للمعلومات التي أعلمها منذ سنوات حول قوانين الحركة الثلاثة المنسوبة لنيوتن. أما موضوع ابن الهيثم فهذا أمر آخر، وملخص القول: إن أبحاث ابن الهيثم المتعلقة بالضوء هي الأساس العملي الذي قام عليه علم التصوير فيما بعد، وما الاستشعار عن بعد إلا عملية تصوير للأرض من الطائرات أو الأقمار الصناعية. فابن الهيثم وضع اللبنة الأولى في هذا الميدان. ملاحظة: تصنيف ابن الهيثم على رأس قائمة علماء الضوء، هو تصنيف قال به الكثير من الباحثين الغربيين. | *زياد | 21 - مارس - 2007 |  | ابن الهيثم ... فكرة بناء السد العالي     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الحقيقة أن الحسن بن الهيثم لم يكن عالماً عادياً، فقد كان ذا فكر نقدي وإبداعي، وكان متخصصا في الكحالة (طب العيون) و أبدع في علم الفلك والميكانيك، أما أثره الخالد والأكثر شهرة فهو كتاب المناظر - منشور في الوراق -. ولد في البصرة سنة 965م. ورحل إلى مصر، وإليكم قصته مع مصر: "لما ولي الحاكم الأمر بمصر و كان يميل إلى الحكمة بلغه خبر أبي علي بن الحسين بن الهيثم المهندس البصري أنه صاحب تصانيف في علم الهندسة عالمٌ بهذا الشأن متقنٌ له متفننٌ فيه قائمٌ بغوامضه و معانيه. فتاقت نفسه إلى رؤيته. ثم نقل له عنه أنه قال: لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملاً يحصل به النفع في كل حالةٍ من حالاته من زيادةٍ و نقصٍ. فازداد الحاكم إليه شوقاً و سيّر إليه سراً جملةً من مال فأرغبه في الحضور. فسار نحو مصر و لما وصلها خرج الحاكم للقائه و التقيا بقريةٍ على باب القاهرة المعزية تعرف بالخندق و أمر بإنزاله و إكرامه و أقام ريثما استراح و طالبه بما وعد به من أمر النيل فسار معه جماعةٌ من الصناع ليستعين بهم على هندسةٍ كانت خطرت له. و لما سار إلى الإقليم بطوله و رأى آثار من تقدم من ساكنيه من الأمم الخالية و هي على غاية من إحكام الصنعة و جودة الهندسة و ما اشتملت عليه من أشكالٍ سماويةٍ و مثالاتٍ هندسيةٍ و تصويرٍ معجزٍ تحقق أن الذي يقصده ليس بممكن فإن من تقدمه لم يعزب عنهم علم ما علمه و لو أمكن لفعلوا. فانكسرت همته و وقف خاطره. و وصل إلى الموضع المعروف بالجنادل قبلي مدينة أسوان و هو موضعٌ مرتفعٌ ينحدر فيه ماء النيل فعاينه و باشره و اختبره من جانبيه فوجد أمره لا يمشي على موافقة مراده و تحقق الخطأ عما وعد به و عاد منخجلاً منخذلاً و اعتذر بما قبل الحاكم ظاهره و وافقه عليه". بعض المراجع التي أورت هذه القصة وهي منشورة في الوراق: -
إخبار العلماء بأخيار الحكماء، القفطي، ص75. -
عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ابن أبي أصيبعة، ص363. -
تاريخ مختصر الدول، ابن العبري، ص108. -
الأعلام، الزركلي، ص907. ملاحظة: نلاحظ مما ورد أن ابن الهيثم حدد الموضع الدقيق تقريبا لبناء السد، قرب أسوان، ولكن المشكلة التي واجهته هي مشكلة تقنية، فلم يستطع تنفيذ ما خطر له من أفكار وهو بالبصرة على نهر عظيم مثل النيل، المعدات التي كانت في زمنه لم تمكنه من الشروع بالعمل لضخامة النيل، ربما لأنه لم ير النيل من قبل فتصور عرضه وعمقه كدجلة أو الفرات.
| *زياد | 21 - مارس - 2007 |  | قصة الاستشعار عن بعد     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
لا شك أنه عندما يضيء مصباح.. فنحن نرى, أي نستخدم الأشعة الضوئية في الرؤية, ولا شك أنه عندما يهتز جسم صلب بقدر معين من التذبذب.. فنحن نسمع, أي نستخدم الموجات الصوتية في السماع, ولا شك أنه عندما نقطع جسم ما بأشعة الليزر.. فنحن نستخدم التردد العالي جدا لتلك الأشعة في القطع. وهكذا أبت نفس الإنسان إلا أن يستخدم الموجات الصوتية والضوئية في الأمور الحياتية, ولكنه غفل عن الجسم الذي يصدر الإشعاعات أو الموجات, فلم يعره اهتمام. إذ هو وسيلة لإصدار الموجات المستخدمة لا أكثر. أما الغاية فهي مثل: السماع.. الرؤية.. القطع.. إلخ. ولكن.. قدر على الإنسان أنه كلما مر عليه حين من الدهر, غفل عن نفسه, وانتبه إلى ما كان قد غفل عنه في سالف الأيام, فبدأ ينتبه إلى إمكانية جمع معلومات عن الجسم الذي أصدر الموجات نفسه من خلال الموجات التي أصدرها, فلم يعد الأمر يقتصر على استخدام الموجات وتجاهل الجسم المسكين الذي أحدثها, كما في سلك "التنجستين" الذي يخرج الضوء من المصباح. فتسائل العلماء..إذا كانت الأجسام تصدر موجات.. وإذا كان كل نوع من هذه الموجات يختلف عن الآخر بحسب طبيعة الجسم الذي يصدره.. أفلا يمكن استخدام الموجات في الكشف عن طبيعة جسم ما قد أشكل علينا أمره? هكذا تسائل العلماء. لكن لماذا يُشكَل علينا أمر الجسم وهو أمامنا بلا حراك, مستسلم لأي عالم يقلبه يمينا ويسارا وكأنه سيخترع الذرة, ولماذا نلف وندور ونستكشف الجلي الذي أمامنا من موجاته الخفية التي يصدرها? الحقيقة أن هناك أسباب معقولة لهذا اللف والدوران, منها: بُعد الجسم عنا.. مثل النجوم, أو دقته.. مثل الخلايا التي يستدل عليها بعد صبغها بمواد مشعة, أو استتار الجسم خلف جسم آخر.. مثل استتار العظام تحت اللحم, واليهودي خلف الحجر. من هنا نشط الإخوة العلماء, لا فُضَّ فُوهم, في اختراع أجهزة عجيبة.. غريبة, وكأن كل منها ساحرة عجوز ترى الأشياء من خلف بلورتها, فهذا جهاز يلتقط الأشعة الكونية, وذاك يباريه فيلتقط الأشعة تحت الحمراء, وثالث يزعم لنفسه القدرة على التقاط ما خفي من الأشعة الصوتية, ورابع قد ألفناه في الرحلات والمناسبات, عرف باسم "الكاميرا", له قدرة يعجب منها جن الملك سليمان, على التقاط وتثبيت الضوء بما يحمله من مناظر خلابة, على ألواح ورقية قد توقف عليها الزمان فلا حراك له, وكأن الكهرباء قد انقطعت عنه فسكن. ولا غرو وقد سبقهم الخفاش إلى تلك الميزة, هو أعمى لكنه مجبول على أن يطلق من فمه أصواتا غير مسموعة لبني الإنسان, فما أن ترتطم تلك الموجات بجسم صلب, حتى ترتد إليه, وما أن يستشعرها, حتى ينحرف خشية الهلاك, وقد أدرك أن أمامه ما لا تحمد عقبى الارتطام به. أضمر الإنسان في نفسه المكر, بعدما رأي كل أجهزته تطاوعه في التقاط ما لذ وطاب من موجات الدنيا وإشعاعاتها, فوق الحمراء وتحتها, ويمين البنفسجية ويسارها, فقال: "لأوَسِّعَن من استخدامات هذه الفكرة, ولأتسلطن على مزيد من الظواهر", وشجعه على ذلك قول (شوقي): "ولكن تؤخذ الدنيا غلابا". وما أن أعلن (شوقي) تلك المفاجئة, حتى هرع كل عالِم نحو أشعة من الإشعاعات التي كان أبوه يتمنى له أن يبرع في التقاطها, وما لبثت الأقمار الصناعية أن كانت لهم خير معين في الفضاء كما كانت سائر الأجهزة المترصدة للإشعاع لهم خير معين على الأرض, فصعدوا إلى الفضاء, رجاءا في أن تصغر الدنيا في أعينهم, فتهون عليهم ظواهرها, ويستطيعون إليها سبيلا. فتلصصوا على البترول تحت الأرض, ورأوا بأم أعينهم آبار المياة التي لم تحفر بعد, واستنتجوا بُعْدَ كل نجم من النجوم لما رأوا أن تغيرا يصيب موجاته كلما ابتعدت عنه. أما "السيكوباتيين" منهم.. فصنعوا صواريخ تتبع الموجات الحرارية الصادرة من جسم الطائرات, فتفجرها, غير عابئين بمصير الطيار الذي ربما تكون وجهته بالطائرة شراء لعبة لطفله يرسم بها البسمة على وجهة. | *يحيي رفاعي سرور | 21 - مارس - 2007 |  | تابع.. قصة الاستشعار عن بعد     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
ابتهج العلماء أيما ابتهاج لما رأوا أنهم أدخلوا السرور على قلب الإنسان, فأخذ يمرح بين الموجات والإشعاعات, وليسجلوا إنجازهم, أطلقوا على فعلتهم اسما هو.. "علم الاستشعار عن بعد". ظهر النزاع بين بني الإنسان, كل يدعى فضل علم الاستشعار عن بعد, وقد جُبِل الإنسان على أن يحمد على ما لم يفعل, وكحلاً للنزاع.. انبرت طائفة من بني الإنسان, تسجل تاريخ الخطوات التي أدخل بها العلماء السرور على قلب الإنسان, أي تسجل تاريخ العلم. لكن.. أليست هذه الفئة التي اعتلت منصة الحكم دون رقيب.. هي فئة من بني الإنسان? نعم.. هي كذلك, فسريعا ما دب الخلاف بينهم, كل منهم ينتمي لأمة قد أراد بها خيرا, وما حشر نفسه في زمرة المؤرخين إلاَّ لهذا الغرض, ولو على حساب الحقيقة. عملا بقول الشاعر: "الحقيقة دائما نسبية", وأضمروا في أنفسهم أن: لو افترق المجد عن الحقيقة.. فهم مع المجد حيث كان. إلا أن بعض المحظوظين, تصادف بغير استحقاق منهم, لكن تفضلا من الله عليهم, أن حقيقة أمرهم تحمل مجدهم, ولا فراق لهذا عن تلك, فليسوا مضطرين كغيرهم إلى تزييف الحقيقة خلوصا إلى المجد. فقالوا في "الاستشعار عن بعد" قولا لا أخالكم تردونه. فهو, كما ذكرت, فيه مجدا, ثم إنه حقيقي. قالوا: إن الاستشعار عن بعد.. وإن تعدد وسائله, ليرتد إلى فكرة أولية بسيطة, هي أن ثمة موجات تخرج من الأجسام, تنبئ عن أحوالها, وما تعدد استخداماته وتعقدها إلى توزيعا على هذا اللحن, ووجدوا أن خير من يمثل الموجات هو الضوء, وتراجعوا رويدا وريدا في التاريخ, إلى أن وصلوا إلى النقطة الحاسمة في تاريخ علم البصريات, وهي تلك النقطة التي قلبت علم البصريات رأسا على عقب, حيث كان اليونان يظنون أن الضوء إنما ينبعث من العين إلى الجسم, إذ خرج من العرب رجل اسمه "الحسن بن الهيثم", وقال لهم: "إنما الضوء وجهته من الجسم إلى العين", وكان اليونان عن هذا غافلين. يصفهم ابن الهيثم فيقول: "وقد بحث المتحققون بعلم الطبيعة عن حقيقة هذا المعنى بحسب صناعتهم واجتهدوا فيه بقدر طاقتهم، فاستقرت آراء المحصلين منهم على أن الإبصار إنما يكون من صورة ترد من المبصر إلى البصر منها يدرك البصر صورة المبصر(يحيى: المقصود بالمتحققون بعلم الطبيعة هنا هو أرسطو والأبيقوريين, أرسطو كان يعتقد في عدم وجود الضوء, ومن ثم.. انتقال الصورة إلى العين مباشرة دون حملها على الضوء, والأبيقوريين كانوا يعتقدون بوجود أشباح للجسم هي صوره المرئية). فأما أصحاب التعاليم (يحيى: المقصود بأصحاب التعاليم هنا هو أفلاطون والرواقيين الذين كانوا يعتقدون بخروج الضوء من العين إلى الجسم) فإنهم عنوا بهذا العلم أكثر من عناية غيرهم، واستقصوا البحث عنه، فاهتموا بتفصيله وتقسيم أنواعه، وميزوا المعاني المبصرة، وعللوا جزيئاتها، وذكروا الأسباب في كل واحد منها، مع اختلاف يتردد بينهم على طول الزمان في أصول هذا المعنى، وتفرق آراء طوائف من أهل هذه الصناعة. إلا أنهم على اختلاف طبقاتهم وتباعد أزمانهم وتفرق آرائهم متفقون بالجملة على أن الإبصار إنما يكون بشعاع يخرج من البصر إلى المبصر وبه يدرك البصر صورة المبصر." أما هو فيقول بعد تأمل وشرح وممارسة تجريبية: "فقد تبين من جميع ما استقريناه وشرحناه وبينا طرق اعتباره أن إشراق الضوء من كل جسم مضيء من ذاته إنما هو على سموت خطوط مستقيمة، وان الضوء يشرق من كل جسم مضيء من ذاته في جميع الجهات التي بينه وبينها خطوط مستقيمة لا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة" ولما كان الاستشعار ليس في جوهره إلا تلقي موجات عن جسم, كانت فكرة صدور موجات عن جسم هي الفكرة الأساس لهذا العلم, ولكن أول من قال بصدور موجات عن جسم هو "ابن الهيثم", الذي عبر عن الموجات باسم الضوء, وكان بذلك يمهد لتحليل هذا الضوء على يد "نيوتن" إلى سبعة أطياف, إذاً.. فصح أن ابن الهيثم جديرا بكل تقدير. | *يحيي رفاعي سرور | 21 - مارس - 2007 |
أضف تعليقك
|
|