مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : لغتنا العربيَّة، ضحيَّة الإهمال!    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 جوزف 
13 - فبراير - 2007
عندما يعرف أحدٌ ما، أيًّا كان، أنِّي أعمل في اللغة العربيَّة وآدابها، فإنَّ أوَّل ردَّة فعلٍ تكون لومي على اختيار هذا الاِختصاص، ولا يلبث المنتقِدُ يشعر بأنَّه قد أهان أحدًا، فيعلن نفسَه جاهلاً بجماليَّات العربيَّة، وعظمتها، وتتكرَّر الجملة الشهيرة: "عندما كنتُ في المدرسة، كانت لي قواعد للُّغة العربيَّة وضعتها بنفسي، وكنتُ أتكلَّم العربيَّة كمن يتكلَّم الصينيَّة." وكأنَّ الناس أشياءُ تتفاعل بالطريقة نفسها، أمام السبب نفسه، وفي الظروف نفسها، على طريقة ما نسمِّيه بالفرنسيَّة:
“La même cause, dans les mêmes circonstances, donne le même effet”
ظاهرة الكره هذه للُّغة العربيَّة لها عدَّة أسباب:
مع سيطرة الإعلام الأحاديِّ على عقول غالبيَّة الناس، من مغارب الأرض إلى مشارقها، هناك سياسة طاغية اليوم على العالم يقال إنَّ من ينفِّذها هو الغرب، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ الشركة الاِستعماريَّة متعدِّدة الجنسيَّات، والَّتي تحكم العالم اليوم، هي من ينفِّذها، وتقضي هذه السياسة بتحويل البشر إلى مستهلكين، عبر المرور بعدَّة مراحل، أهمُّها القضاء على هويَّات الشعوب الخاصَّة، وعلى ثقافات هذه الشعوب. والقضاء على الهويَّة الخاصَّة للشعب، وبالتالي للفرد، يجعل من هذا الفرد مجرَّد مصدر للمال، يشتري كلَّ ما يُعرض عليه، سواء أناسَبَ ما يُعرضُ تقاليدَه وقيمَه أم لَمْ يناسِبْها. فيضيع الحقُّ في الاِختلاف والتميُّز، وفي أن تكون لكلِّ شعبٍ ثقافته، وتضيع معها اللغات، خاصَّةً إذا ساهم متكلِّمو اللُّغة في ضياعها. وكيف لا يساهمون في ذلك? فهم يعدُّون كلَّ ما كتب بالعربيَّة متخلِّفًا، ويرفضون القبول بأنَّ لدينا لغةً قابلة للحياة والتطوُّر والاِستمرار.
أمَّا السبب الثاني، فهو سببٌ متعلِّقٌ بأهل العربيَّة، بنا نحن، حيث نرفض المسَّ بهذه اللغة تطويرًا وتحسينًا، ويرفضون حتَّى الاِشتقاق والتعريب والنحت، هذا المثلَّث العظيم الَّذي يفوق عصا موسى قدرةً على الاِرتقاء مجدَّدًا بالعربيَّة.
سببٌ أخير أودُّ ذكره، وقد يراه البعض متَّصلاً بسابقه، ولا بأس في ذلك، وهو عدم وجود مرجعٍ موحَّدٍ لهذه اللُّغة. هل المرجع هو مجمع القاهرة? أم العراق? أم دمشق? لِمَ لا تكون الجامعة العربيَّة هي المرجع الأخير للُّغة العربيَّة? إذا كانت لا تؤدِّي عملاً سياسيًّا ذا فائدة، فلتؤدِّ عملاً ثقافيًّا ذا معنًى، عبر تأسيس المجمع الموحَّد للُّغة العربيَّة، يُديره متخصِّصون في هذه اللُّغة، نخبة من الباحثين، بحيث تتحسَّن العربيَّة، وتُقرُّ المصطلحات الجديدة في كلِّ العلوم انطلاقًا من روح هذه اللُّغة، وبسرعة، بطريقة تمنع الباحثين من استخدام مصطلحاتٍ أخرى، شرطَ أن يعمل المجمع الموحَّد بسرعة، عبر عقد اجتماعاتٍ دوريَّة.
ولِمَ لا يكون لهذا المجمع مكتبةٌ عامَّةٌ ملحقةٌ به، وفروعٌ لهده المكتبة في البلدان المنتمية إلى الجامعة العربيَّة? بل أكثر من فرعٍ في كلِّ بلد? ولِمَ لا تعمل هذه المكتبة على جمع التراث العربيِّ والتحوُّل إلى المرجع الأعلى على هذا الصعيد أيضًا? وأكثر من ذلك، يمكن للمكتبة أن توثِّق كلَّ ما تملكه من كتبٍ، وأن تنشرَ النتيجة عبر الشبكة، يمكن أيضًا أن تصدر توصيةٌ من الجامعة العربيَّة، تدفع الحكومات كافَّةً إلى اتِّخاذ قرارٍ بالطلب إلى دور النشر كافَّةً إيداع نُسخٍ من كلِّ كتاب تصدره هذه الدور، وتودَع النسخ في المكتبة العامَّة وفروعها.
والتمويل? إنَّه أسهل الأمور، ماذا فعل العرب بأموال النفط حتَّى الآن? خاصَّةً في السنتين الأخيرتين أو أكثر، مع هذه الفورة النفطيَّة وارتفاع الأسعار بشكلٍ جنونيّ. فبدل إنفاق الأموال على أشياء غير مجدية، فإنَّ إنفاقها على مكتبة عامَّةٍ وعلى مجمعٍ موحَّدٍ للُّغة العربيَّة سيكون فيه الخير لكلِّ الناطقين بالضاد. وحتَّى إذا أعرضت الحكومات عن الدفع، فإنَّ مجرَّد اتِّخاذ القرار يفتح الباب واسعًا أمام التبرُّعات من كلِّ مكان، بالإضافة إلى وجود طرقٍ كثيرة للتمويل الذاتيِّ، كلُّنا نعرفها. فإلى متَّى هذا التخبُّط، وإلى متى الإمعان في دفن العربيَّة، لغة أهل المشرق، لغة أرض المسيحيَّة والإسلام?


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
شكر وترحيب    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أرحب بالأستاذين الكريمين د. أحمد عمار، والأستاذ مبارك الطيب الحاج، في قافلة السراة، متمنيا منهما المزيد من المشاركات، ورعاية هذا المجلس بما يرتئيان من مشاريع وإسهامات.
واللغة العربية اليوم إن كانت تلقى التقصير من بعض أبنائها، ففيهم من نذر نفسه لخدمتها ونصرتها. ومهما لقيته اللغات الأوروبية الكبرى من حفاوة في العصر الحديث بسبب غلبة شعوبها، فإنه لا وجه للمقارنة بين دور اللغة العربية في صناعة الحضارة وبين أي لغة أخرى، أيا كانت. فاللغة الإنكليزية مثلا وهي سيدة لغات أوربا اليوم، لم يكن قبل (150) سنة في كل العالم العربي من يجيد الحديث بها سوى رجال القنصليات، بينما كانت أوربا تعج بمن يتحدث العربية والتركية، من مختلف الطبقات، وتنظم إرساليات المستشرقين في أصقاع الوطن العربي والإسلامي، لينقلوا إليها كنوز العرب النائمة في زوايا المساجد والمكتبات العامة والخاصة. وكانت ولا تزال حروف هذه اللغة المجيدة تضيء كالمرايا في أوابد أوربا ومجاهل أفريقيا وأقاصي الصين، ولو خطر في بال أحد أن يتصور العالم من غير اللغة العربية فسوف يقفز فوق مئات السنين من حلقات الظلام.
*زهير
15 - فبراير - 2007

 
   أضف تعليقك