وهو أشهر ما قاله الحطيئة     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
هذا البيت أيها النورس هو أشهر بيت قاله الحطيئة على الإطلاق، وقصته مشهورة ذائعة لا داعي لذكرها، وقد تناوله الشعراء من بعده بكل طرق الاقتباس، من خلع وسلب وسلخ واهتدام. قال أهل البديع: الخلع هو أن يأخذ الشاعر بيتا لشاعر آخر بلفظه ووزنه ومعناه، بتعديل وتغيير في قافيته كقول مروان بن أبي حفصة:
وإنـي لتغنيني عن الماء iiنغبة |
|
وأصبر عنها مثل صبر الأباعر |
خلعه المتنبي فقال:
وإنـي لتغنيني عن الماء iiنغبة |
|
وأصبر عنها مثلما تصبر الربدُ |
وقد خلع بيت الحطيئة كثيرون، أذكر منهم السراج الوراق (ت 691هـ) شاعر مصر في عصره، وذلك في قوله يذم نفسه
لَـوْلا الحطَيئَةُ هَاجَاني لَقالَ iiوَمَا |
|
عَلَيهِ في الحَقِّ مِن عَابٍ وَلا عَارِ |
دَعِ الـمَـكارمَ لَمْ تَرْحَلْ iiلِبُغيتِها |
|
وابـعُدْ فإنكَ أَنتَ الجائعُ iiالعَارِي |
ومن ذلك خلع ابن نباتة المصري (ت 768هـ):
يا أقرب الناس من مدحٍ ومن كرمٍ |
|
وأبـعدَ الناس من عابٍ ومن عار |
دَعِ الـمـكـارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقـعدْ فإنَّكَ أنتَ الجامع العاري |
وأما السلخ وهو الاهتدام أيضا: فيمكن تعريفه باستعارة روح البيت مع المحافظة على الوزن وبعض الألفاظ، ولكن كل ذلك في نطاق صرف البيت عن مناسبته، فمن ذلك أن ابن رزيق العماني (ت 673هـ) سلخ بيت الحطيئة من الهجاء وجعله في المدح فقال: في مدحة له تقع في عشرين بيتا:
رأسُ المفاخر بابْن الَشاهقِ الراسِي |
|
ويـا ثِـمالَ العُفَاةِ الطاعمَ iiالكاسي |
وسلخه ابن غلبون الصوري (ت 419هـ) فجعله في الشكوى من الزمان فقال في قصيدة وصلتنا منها تسعة أبيات:
أرَى جَـمراتٍ في مَسالِك iiأنفاسي |
|
وأَغصانُ عَيشي كلُّها يابِس عاسي |
فـيا ليتَ لي ما كانَ غَيري iiبمِثله |
|
يُعابُ إذا قالوا هُو الطاعِم iiالكَاسي |
واهتدمه الشيخ عبد الغني النابلسي (ت 1143هـ) فجعله في التصوف على حسب مذهبه فقال:
إشرب من العينْ لا تشرب من الكاس |
|
حـتـى تحقق وجود الطاعم iiالكاسي |
يا من فُتِنْ في الهوى بالسالف iiالآسِ |
|
اطـلـب لدائكْ دوا شافي من iiالآسي |
وسلخه الساعاتي المعاصر (محمود صفوت) (ت 1881م) فجعله في الاستعتاب فقال من قطعة في ثمانية أبيات:
قُـل لِـلـسَليم سَليم القَلب iiدونَكُم |
|
عُذراً أَتى وَاضِحاً مِن غَيرِ iiإِلباس |
كُـنـا وَكُـنـتُم فَأَكثَرنا iiزِيارَتَكُم |
|
وَنُـحـنُ مـثلان في فَقر وَإِفلاس |
كـانَـت مُـناسبة الحالين iiتَجمعَنا |
|
وَمَـن يَـدوم عَلى حال مِن iiالناس |
وَنـسـبـة الحال شَيء لا بَقاء لَهُ |
|
إِن لَـم تَـكُن فيهِ مِقياساً iiبِمِقياس |
وَفي الخُمول إِلى نَفس الفَتى شَرَف |
|
إِن الـتَـردّد شَأن الطاعم الكاسي |
وأما السلب فهو قريب من السلخ، ويختلف عنه بأنه استعارة لبعض ألفاظ البيت، فمن ذلك أن الوزير لسان الدين ابن الخطيب (776هـ) سلب بيت الحطيئة، وأجراه مجراه في الهجاء، وأحسن إذ قال يواسي الغني بالله :
لَمْ يَدْرِ إِسْمَاعيلُ مَا iiطَوَّقْتَهُ |
|
مِـنْ مِنَّةٍ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَعْقِلُ |
الطَّاعِمُ الْكَاسِي وَرِفدُكَ كَافِلُ |
|
وَالْـعَـالَةُ الْمُعْفَاةُ مِمَّا iiيَثْقُلُ |
وكذا فعل الحافظ ابن حجر في بعض قصائده الطويلة:
وَدمتَ تعرى عَن الأسوا تَصومُ عَن ال |
|
فـحـشا علاً وَسِواكَ الطاعِمُ iiالكاسي |
ولكن الحافظ ابن حجر هنا خلع بيتا لابن سناء الملك (1): وهو قوله من قصيدة في (33) بيتا
فما برحت لأجل الأجر iiمجتهدا |
|
تصومه وسواك الطاعم الكاسي | في 33 بيتا.
________________
(1) كنت قد ذكرت أن البيت لابن رشيق القيرواني، ونبهني الأستاذ د محمد فرحان الطرابلسي أن البيت لابن سناء الملك، انظر ملاحظته هذه في تعليق لاحق بعنوان (ليس لابن رشيق)
|