مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : شقندحيات من عالم الطبخات والأكلات    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )
 salam 
19 - أكتوبر - 2006
حدّثني الشقندحي
السادة الكرام
تحية وسلام
أود أن أشترك معكم ومع من يحبّ المشاركة في موضوع جديد " حدّثني الشقندحي" والشقندحي راوية فكهٌ يحبّ أن يأتينا بأصل الأكلات والطبخات العربية العامرة بها سفرة الطعام العربية، يرويها بطريقة أدبية قصصية. والأكلة التي سيبدأ بها الشقندحي هي أكلة المخلوطة.
أتمنى أن لا يتبادر الى ذهن أحد بأن هذا الموضوع يعنى بفن الطبخ، فأرجو أن يكون الموضوع واضح منذ البداية، فالهدف منه هو جمع قصص وروايات مؤلفة من قبل المشترك أو مقتبسة إن وجدت بشرط ذكر الاقتباس إن كان اقتباسًا مع ذكر المراجع . كما ويمكن المشاركة بالاشعار التي قيلت في الطبخات والاكلات حتى وإن كانت بالشعر العامي، كما ويمكن المشاركة بالامثال العربية والشعبية التي قيلت في الاكلات والطبخات العربية.
أتمنى أن يكون هذا الموضوع بداية تأسيسية لموسوعة في هذا الموضوع مؤلفوها ومعدوها من سراة الوراق المحترمين.
 
حدّثني الشقندحي
الحكاية الاولى : المخلوطة  
 
(ونحن نحتسي فنجان قهوتنا، سألت جليسي الشقندحي: بالله عليك، ألا أخبرتني ما في جعبتك اليوم مما قد نسيه الزمان، ومما قد لا يسأل عن سببه وأصله إنسان.
 فقهقه جليسي الشقندحي بضحكته المعهودة، ووضع فنجان قهوته جانباً، قائلاً: نعم، سأقص لك قصة أصلِ واحدةٍ من ألذّ مأكولاتنا. فقلت هاتِها وزِد قهوة. فقال: سأرويها لك:
كان هناك منذ زمن بعيد بعيد، رجل فقير الحال معدم العمل والرزق، له عاهة في جسمه تعيقه عن العمل، وله من الأطفال الصغار خمسة تركتهم له زوجته التي كانت تعيلهم، وقد توفيت منذ أشهر، واضطروا لاستجداء طعامهم، وكان أهل القرية يتصدقون عليه حين يطرق بابهم، بما تمنّ به أيديهم وغالباً من الزاد ومما قد طبخوا لبيوتهم. فكان يجول في القرية قبل ظهر كل يوم، وإذا كان منشغلاً ببيته البسيط وبالأولاد فيرسل أحد أطفاله للقيام بالعمل هذا. فكان أن ينتقل من بيت إلى بيت، حاملاً معه قدراً و كيساً على كتفه، ليجمع ما يرزق به له ولأولاده. فيحسنون إليه بشيء مما قد أعدّوه لأنفسهم، وهكذا فإنه يمرّ على أكثر من بيت، وكلّ ما يكون متوفراً وما يمكن أن يُسعفونه به، يضعونه في قدره. ويعود للبيت بعد اللفّ والبرم، ويكون قد أتى للبيت بقِدرٍ فيه ممّا قد وضعوا له فيه من الطبيخ، وفي الكيس شيء مما جادوا به من الخبز أو من فواكه القرية.. ويلتفّ الأب مع أولاده للأكل، وما يفضل من الأكل والزاد فلوجبة العشاء. وكانت هذه حالهم في كلّ يوم منذ أن ماتت زوجته.
وحدث في يوم من الأيام أن دخلت إليهم إمرأة من أقاربهم، جاءتهم من قرية أخرى ليست بقريبة عليهم مع إبن لهاٍ، لتزورهم ولتطمئن عليهم، بعد فترة طويلة لم يتسنى لها زيارتهم منذ وفاة الأم، وساعتها كان أهل البيت يأكلون غداءهم. فرَحّبوا بها وبمقدمها لزيارتهم، ورجوها أن تتفضل وتشاركهم غداءهم. فجلست معهم، وأكلت. وبعد أن فضّوا الغداء، جلست مع الرجل والأولاد يشربون قدحاً من الشاي، فسألته المرأة عن أمورهم وحالهم، وأخبرته بأنه يطبخ جيداً، قائلة له: سلمت يداك، فإني أرى أنك قد طبخت طبخة طيبة، ولكنها غريبة، لم أسمع بمن طبخها من قبل، هلا أخبرتني كيف طبختها، قد يروق لي أن أطبخ مثلها لبيتي. وما كان منه إلا أن يضحك مجيباً: إنني لم أطبخها، وكل ما في الأمر فإنها مجموع ما تفضّل به المحسنين من الضيعة، فكما رأيت ففيها العدس، الحمص، الفاصوليا والبرغل.. فكل منها من بيت، وخلطت في قِدرنا الذي أكلنا منه. فما كان من الضيفة إلا أن تفتح فاها وحدقتيها، بشيء من التحبب لفكرة جديدة في أكلة لذيذة وجديدة..
ولا أحبّ ان أطيل عليكَ، فما أن غادرت المرأة راجعة إلى قريتها وبيتها، وإذا بها تطبخ مما أكلته في بيت أقاربها، وتفاجيء بها زوجها وأولادها وبيت حماها الساكنين معها، الذين أكلوها واستطابوها، قائلين لها سلمت يداك على هذه الأكلة المخلوطة. وهكذا أصبحت المخلوطة أكلة من ضمن قائمة المائدة، وانتشرت وأصبحت شعبية بتداول وتعوّد الناس عليها).
 
قصيدة في المخلوطة
للشاعر اللبناني أسعد رستم: منشورة في تقويم البشير 1932 بيروت ص 165
 
كلّّ شيءٍ فيها مفيدٌ لذيــذ             ومغذٍّ يُجوهرُ الأبدانـــا
وهي مهضومة لدى آكليـها            مضغُها ليس يُتعب الأسنانا
قيل فيها: ياظلط سلّم على البلع         ولا تبقِ في البطون مكانـا
قد ربينا منذ الفطام عليها               وعليها اعتمادنا ورجــانا
فنشأنا والحمد لله أصحاب             جسومٍ تشابه الحيطانــــا
كلّ شخصٍ منّا قويٌّ اذا نا             طح فدَّنا جَندَل الفدَّانــــا
وأخذنا عنها ذكـاءً ولطفًا              وأكسبتنا جمالنا الفتّانـــا
والعيون الســــودَ التي             تسحر القلبَ فيغدو ولهانـا
يا لمخلوطةٍ حوَت كلَّ ما من           شأنه أن يقوّي الانســـانا
عدسٌ حمصٌ بــها وأرزّ            وسميذ ٌ يُرى بها أحيانـــا
ولذا ليس يشبعُ المرء منها            كلّما يذوقها يقزلُ: كمانـــا
فعليها السلام ما طلع الفجرُ           وما قيل في الصـــلاة أبانا
كلّ شيءٍ بالاختلاط مليحٌ             ويفيد اختلاطه مــــاعدانا
 


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
واستوى الطبخُ، واستقامت أموري    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
بين يدي ديوان "تذكرة الغافل عن استحضار المآكل" الموسوم "بالمعارضات الزينية على المنظومات الهلالية" لمصطفى زين الدين الحمصي، ط3/1348هـ (وكانت طبعته الأولى عام 1321هـ). وهو في مجمله معارضات لقصائد وموشحات وقدود الشاعر محمد الهلالي الحموي.
 
يقول في أولى معارضاته:
 
قُذف الدهنُ من فواهِ القُدورِ ** واستوى الطبخُ، واستقامت أموري
ودعاةُ الطعامِ نادوا: هلمّوا ** أيها الجائعون خمص الخصور
وأجيبوا، فها المدارجُ صفّتْ ** في ضواحي الميماس بين الزهور
بين قومٍ على اللحومِ عكوفٍ ** قد تبدّتْ خرفانهم كالبدور
يا (صُديراً) حوى الكنافةَ (بصما) ** مَن يَفي حقَّ سعيِكِ المشكورِ
أشبِعِ القومَ من سُمونكَ حتى ** يصعدَ الأكلَ في تراقي النحورِ
سمنةٌ من بني النعيم أتتنا ** طعمُها ريحُهُ كما البخّور
من غُنيماتهمْ غَنَتْنا عن اللحْـ ـ ـ ـمِ إذا غابَ فهْيَ بُرْءُ الصدورِ
هاتها، واحمها، وصُبَّ عليها ** بيضَ (عيفير) لا وجسرِ الشغورِ
صحفةٌ تُشبعُ الجياعَ وسمنٌ ** منهُ سُكْري، لا من كؤوسِ الخمورِ
عاطِنيها، أقْلي المُقمّعَ فيها ** من لحوم الخرفان لا من طيورِ
عاطنيها، أقلي القطايفَ فيها ** إنّ في أكلهِ تمامُ سروري
عاطنيها وارْمِ الطحينَ عليها ** لقراصٍ يكفي ثلاث شهور
 
ولا أشك أن أستاذ الوراق، سيأتينا من هذا بالعجب العجاب.
 
*عمر خلوف
19 - أكتوبر - 2006
حول تاريخ المجدرة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
سمعت أحد علماء الأركيولوجيا يتحدث ذات مرة عن المجدرة ( هو عالم من أصل سوري _ حلبي كان يتكلم في أحد البرامج الأذاعية وعذراً على نسيان اسمه ) ، قال بأن الحفريات الأثرية في سوريا دلت على وجود جرار تحتوي على الأرز والعدس والزيت كانت لا زالت مدفونة في المقابر مع بقايا عظام إنسانية مما يدل على أن طقوس وعادات تلك الفترة لدى بعض شعوب المنطقة ( وكان يتكلم عن فترة 2000 إلى 3000 آلاف سنة قبل الميلاد ) كانت بأن يدفن مع الميت حاجاته الضرورية من مأكل وملبس . هذا دليل على أن هذا الطبق كان أساسياً في حياة إنسان الشرق الأوسط القديم فهو يحتوي على كل مكونات الحياة الضرورية من مواد نشوية ( الأرز ) ودهنية ( الزيت ) وبروتينية ( العدس ) إلى جانب أن هذه المكونات النباتية _ الزراعية من الحبوب التي تحفظ لمدة طويلة كانت في أساس حضارة بلاد الشرق القديم . 
 
لكن أقدم جرة مجدرة في التاريخ وهي تعود إلى أربعة ألاف عام قبل المسيح عثرت عليها التنقيبات الأثرية في الصين مدفونة في المقابر بنفس الطريقة الشعائرية ، فهل من رابط ? وهل يأكل الصينيون اليوم المجدرة مثلنا ?
 
 
*ضياء
11 - نوفمبر - 2006
أركيولوجيا الشواء والطبيخ    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
أشكرك أستاذ سلام ولك مني فائق التقدير ، وسأتابع في حديث هذا العالم في الأركيولوجيا الذي أذكر كل ما قاله تقريباً دون اسمه واسم الكتاب الذي جاء من أجله بوقتها وهو عبارة عن رسائل كان يبعث بها لأصدقائه عبر الأنترنت ليجيب على أسئلتهم التي جمعها في ذلك الكتاب ، وذلك لأنني حرصت يومها على كتابة اسمه واسم كتابه ( أصدره بالفرنسية ) على ورقة رغبة مني في شرائه ، ثم أضعت الورقة ، فاحتفظت ذاكرتي بما سمعته منه ، وأضاعت ما أردت حفظه مكتوباً .
 
المهم أنه فسر من خلال حديثه لغزاً لطالما حيرني ، بل وكان أولادي قد لاحظوا هذه المسألة عندما كنا نذهب إلى لبنان في العطلة الصيفية وكنا نأكل أحياناً في المطاعم : كانوا قد استغربوا مسألة أننا نأكل في المطعم بطريقة مختلفة جداً عن البيت . في المطعم نأكل دائماً المازة ومن ثم الشواء وهذا ما يحدث غالباً في كل الإحتفالات العامة التي تحصل خارج البيت ، بينما نعتمد في البيت على الطبخ كالمحاشي واليخنات والأرز وغيرها وهذه كلها لا وجود لها في المطعم عندنا وهذه الظاهرة خاصة جداً بنا دون بلدان العالم الأخرى التي نعرفها .
 
وتقول نتائج الدراسات الأركيولوجية عن المنطقة بأن طقوس الإحتفالات الدينية التي كانت تتم في المعابد والساحات العامة ، وكانت تقدم فيها القرابين إلى الآلهة ، غالباً ما كانت تنتهي بمأدبة عامة تشوى فيها لحوم الحيوانات المقدمة كقرابين في احتفالات كبيرة أو صغيرة بحسب المناسبة ، وكانت طقوس ذبح الأضاحي وشيها وقراءة التعاويذ الدينية عليها من ضمن عمل كهان المعبد وسلطتهم .
 
أما اللحم المتبقي ، فكان يذهب إلى البيوت ، فتقوم النساء بطبخه في قدور مع المرق والخضار والحبوب على طريقتهن الخاصة ، وكان للنساء أيضاً تعاويذهن ووصفاتهن السحرية لجعل الأكل مباركاً وعميم الفائدة ...... كانت طقوس الطبخ المنزلية مختلفة تماماً عن طقوس المعبد ( العامة ) وكان هناك نوع من التنافس بين قدرات وسلطة كهان المعبد وتعاويذهم السحرية وبين قدرة وخبرة ربات البيوت وسلطتهن السحرية أيضاً .
 
ويذكر هذا العالم من طرائف طفولته ، ولا بد أن أي واحد منا قد عاش شيئاً مماثلاً ، أنه عندما كان يذهب للتنزه مع عائلته ، ويحدث أن يتوجهوا إلى مطعم للغداء أو العشاء ، فإن أمه وعمته كانتا ترفضان دوماً تناول الأكل في الخارج بحجة عدم ثقتهما بالنظافة ، أو لأنهما غير جائعتين بل وكانتا تنظران بإشفاق وازدراء إلى صحون الأكل الموضوعة على الطاولة وترفضان رفضاً باتاً حتى تذوقها ...... لا زالت أمي تفعل الشيء نفسه  ولا تأكل في أي مطعم حتى اليوم . يبدو ، والله أعلم ، أن هذه المنافسة لا زالت قائمة  منذ القدم في عقلنا اللاواعي  ورغم عدم وجود أي مبرر لها حالياً . فهل يعقل أن تكون ذاكرتنا قد ورثت ردات الفعل هذه عبر آلاف السنين ?
  
 
 
*ضياء
17 - نوفمبر - 2006

 
   أضف تعليقك