موضوع النقاش : خاطبني بلغتي يا ابن بلدي "بْلا فْرَنْسِيَّه - ! " قيّم
التقييم : ( من قبل 6 أعضاء )
علاء
20 - سبتمبر - 2006
بْلا فْرَنْسِيَّه - !
ما السبيل لتغيير هذا الوضع?
طرحت السؤال التالي على الأخ المدون والأستاذ عبد القادر العلمي في إدراج سابق:
لقد اطلعت باهتمام كبير على موقك الشخصي ومدونتك، ونظرا لمعرفتك القانونية وتجربتك في الادارة العومية ونضالك مع حزب الاستقلال الذي يشارك في الحكومة ، اتمنى أن تفيدنا أكثر بالإجابة على التساؤلات التي تطرح على مدونة (بلا فرنسية) ومنها: لماذا عجزت الدولة على مواجهة سيطرة اللغة الفرنسية على كل القطاعات بما فيها القطاع العام? وما السبيل لتغيير هذا الوضع? فأجاب قائلا:
بالنسبة لموضوع هيمنة اللغة الفرنسية على الإدارة والقطاع الخاص والحياة العامة فأعتقد أن الأمر لا يتعلق بعجز الدولة عن تغيير الوضع، وإنما لانعدام الإرادة لدى السلطات العليا في التغيير، لأن النخب التي تصنع القرارات، أو المؤثرة في صنعها مفرنسة بحكم أن غالبيتها تعلمت في البعثة الفرنسية، أو درست في فرنسا، أو متزوجة من فرنسا، أو تجتمع فيها كل هذه الصفات، وبالتالي فهي متمسكة باللغة الفرنسية ولا تتعامل إلا بها سواء في الإدارة أو في حياتها الخاصة، وهذه النخب مفصولة ثقافيا واجتماعيا عن المجتمع المغربي، ولا تحس بنبضه، ولا تهتم بالتواصل معه، ويتجاهلون تماما أن الدستور المغربي ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وكثيرا ما نلاحظ بعض المسؤولين يتهجون ما كُتب لهم بالعربية أمام كاميرا التلفزة، أو يدلون بتصريحات بلغة مكسرة كلما اضطروا للحديث بالعربية. ومن المعلوم أن حزب الاستقلال وضع في البرلمان مقترح قانون يتعلق بتعريب الإدارة والحياة العامة، غير أن هذا المقترح ظل سنوات وسنوات في رفوف البرلمان، لأن الحزب لا يشكل الأغلبية بمفرده، وخلال مشاركته في الحكومة الحالية أو التي سبقتها فهو أقلية داخل الحكومة التي تتألف من سبعة أحزاب، ولذلك يبدو أن التيار العام يسير نحو المزيد من الفرنسة مع كامل الأسف. غير أن هذا لا يعني أن المدافعين عن العربية ينبغي أن يستسلموا بل بالعكس يجب أن يضاعفوا جهودهم للتنديد بهيمنة لغة الاستعمار الفرنسي، والعمل على جميع المستويات الحزبية والجمعوية والإعلامية وغيرها لتوضيح بأنه إذا كان من الضروري في العصر الحاضر اكتساب لغات أجنبية فإنها مجرد وسيلة للتواصل مع العالم ولا يجوز أن تكون أداة تعامل المغاربة فيما بينهم، ولا يصح مطلقا أن تخاطب الإدارة المغربية المواطنين المغاربة بلغة أجنبية، وعلى كل من يؤمن بهذا التوجه أن يدين من يخاطبه من (المغاربة) بالفرنسية وأن يرد عليه (بلا فرنسية).
أشكر الأخ عبد القادر العلمي على جوابه المفيد وأرجو من القراء الأفاضل المشاركة بآرائهم في الموضوع واقتراح حلول عملية لمشكلة المغاربة مع الفرنسية. وشكرا
لا أحد يشك في صدق النضال الذي ناضله المناضلون في الدفاع عن قضايا اللغة العربية في بلدنا الحبيب المغرب، من أجل إرساء دعائمها، وذلك عن طريق بثها في كافة مناحي الحياة، ولا أدل على ذلك الدور الذي قام به حزب الاستقلال، وما قام به المنافحون عن العربية أمثال العلامة المقاصدي علال الفاسي، والعلامة المختار السوسي، وغيرهم ...
الأمر أخي الكريم علاء، يحتاج إلى تعبئة شاملة، سواء من طرف المسؤولين أو المجتمع المدني ...
وما أود أن أشير إليه هو أن الأمر يتعلق بطبيعة الثقافة التي تكون سائدة، ولا يخفاك أن بعض المناطق لا تتحدث فيها الإدارات العمومية إلا اللهجات المحلية، وذلك من حيث اللغة التواصلية، ولا تعرف اللغة العربية أو الفرنسية إلا في الأوراق ...
ولا شك ان اكثرية المناضلين الاوائل الذين دعوا الى خروج الاستعمار وحا ربوا كيانه ووجوده * لم يستطيعوا ابعاد روحه عنا * بدليل انه وبمجرد نيل الاستقلال او حتى قبل ذلك تها فتوا على البعثات الدراسية الاوربية لتسجيل ابنائهم بها عوض البحث عن الجامعات العربية او
الاسلامية لاسباب واهداف توضحت للاعمى فما بالك بالمبصر ?الا ترى معي انهم هم انفسهم من اصل لهته اللغة في دواويننا واداراتنا بتعبيدهم الطريق للجيل الذي جاء بعدهم * ففرنسوا الكلام *لكنهم لم يستطيعوا فرنسة الحياة**
الثقافة والأعراق والمظهر اللغوي بالمغرب..( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
ليس هناك أشد وطأة على الحرص الحضاري من انحدار النخب الفاعلة في حقول الثقافة والسياسة والإدارة إلى أحط مدارك الجهل بالماضي واحتقار الأصول. وبالمثل، فليس هناك أعتى على تماسك الأمم والشعوب من سريان الفقر المتناسل في أوساط الناس، مكتسحا بشروخه أعماق طبقات العامة. ومع توالي إشعاع أضواء الآخرين الخاطفة للبصر، منذ عصر نهضتهم الحديثة إلى حين تجاوزهم حد البأس في البطش بالضعفاء والإمعان في رفض الاختلاف ومنع الانصهار وإقامة الأسلاك الفاصلة بين مراكز الحياة الباذخة وهوامش العوز، تغترب النخب ومتوسطو الحال في تقمص شخصية الآخر ولا تتورع عن النكوص في غياهب الماضي المتخيل أو التنصل من الوطن بمختلف معانيه: في اللغة وطرق التفكير والتعبير وأنماط الحياة، إلى ما يند عن الحصر من مظاهر السلوك العام. وعندما تبلغ الغربة عن الذات أقصى الأبعاد، تنفلت الهوية الأصل من الأفراد والجماعات دون أن يفلح الواهمون بحكم طبيعة الخلق، في اكتساب هوية الآخر. فبحكم ارتباط المغرب عبر عمقه الصحراوي ببلاد السودان تدفقت المؤثرات الثقافية واللغوية والفنية والدينية كما تدفقت الخيرات والعباد في كلا الاتجاهين فاعلة في النسيجين الاجتماعي والثقافي. فانطلاقا من المزمة والنكور الواقعتين على ساحل البحر المتوسط، امتدت أولى شرايين القوافل الصحراوية عبر سجلماسة نحو شنقيط إلى أعماق بلاد السودان، منذ العقد الرابع من القرن الثاني الهجري. وبالمثل، فمن المزمة وبادس انفتحت المنافذ البحرية الأولى للمغرب في اتجاه الجزيرة الإيبيرية وجزر البليار وبلاد الفرنجة، في أول ربط قاري جلاب للخيرات والأعراق والأفكار. وهي الشبكة التي تعززت طوال القرون بخطوط عبر سبتة وفاس ومراكش، أو باتجاه "تابحريت" ومليلية. كما امتدت خطوط المواصلات بالقراقر في البحر المحيط من بلاد انكلطرة عبر الأشبونة إلى طنجة وأصيلا وتشمس وآنفا ورباط كوز نحو أعماق السوس الأقصى في اتجاه نهر السنغال. لم تكن المواصلات بين المغرب وبلاد المشرق أقل كثافة، إذ نشطت الرحلات والمبادلات طوال قرون العطاء الحضاري من بادس والمزمة نحو الاسكندرية وعسقلان، ومنهما إلى صعيد مصر وبلاد الشام ونحو الحجاز والعراق، إلى ما وراء النهر. كما يتفرع هذا الخط بحرا إلى موانئ المنكب ومالقة نحو قرطبة بموسطة الأندلس وإلى بجانة وشرق الأندلس. ويمتد في فرع ثان من بادس وسبتة نحو إشبيلية وطبيرة وشلب في اتجاه الأشبونة وشنترين بغرب الأندلس. وبقدر ما انتشرت الفروع القبلية المغربية مشعة في مختلف هذه الأصقاع، توافدت عليه فئات من العباد لتنصهر في النسيج المجتمعي للأمة. هكذا تبلورت أيام عز العطاء الحضاري الحضاري للهوية المغربية النابذة للمعيار العرقي في الانتظام الاجتماعي. ومن المعلوم أن المغرب قد انخرط منذ البدايات الأولى في صياغة معالم حضارة عربية إسلامية قائمة على تعدد الأصول العرقية وتنوع الروافد الثقافية واحتضان الأديان السماوية بعقود الذمة. بينما تبلورت بنكور وسجلماسة وتامسنا أولا ثم بفاس والبصرة وأغمات بعدئذ وفي تينمل ومراكش وعموم أصقاع المغرب، معالم الوضع اللغوي المتألف من ثلاث مستويات متناسقة: 1. لغة الأم الأمازيغية الحافلة بالحكم والأشعار والأمثال وبالفنون والأقوال وبالمعارف المتنوعة والعلوم المتداولة في ألسنة أهل البلد على امتداد الجغرافية المحلية للبلاد المغربية. ومنذ اختراع المغاربة أبجدية تيفيناغ الموغلة في القدم كأداة للكتابة، تعاقبت على مجمل المنطقة مؤثرات حضارية وثقافية متعددة: كنعانية وفينيقية وإغريقية؛ فاندثر منذ زمن سحيق المستوى الكتابي العالم لهذا الصنف من الأبجدية ولتداعياتها اللوبية المتأخرة. مع ذلك، تمكنت الأمازيغية من اختراق العصور لتصل إلينا إرثا ثقافيا شفويا مغربيا، يتطلب منا جميعا كامل الرعاية باعتباره تراثا وطنيا وإنسانيا. 2. اللغة العربية الفصحى باعتبارها لغة العلم والثقافة والإدارة والكتابة المحكومة بالقواعد المشتركة بين مختلف الشعوب المنضوية في دار الإسلام، مشرقا ومغربا. ومن المعلوم أن اللغة العربية قد تمكنت، بفضل قدراتها على احتواء روافد لسانية متعددة واحتواء مضامين الحضارات السابقة ودلالات ثقافات الشرق والغرب الموروثة عن العهود البائدة، من صياغة معاييرها النظرية وروكها في قواميس متخصصة بوأتها مركزا كونيا. والجدير بالملاحظة أن اللغات الوطنية المتنافسة في عالم اليوم على مركز الريادة الدولية ظلت عاجزة عن النفاذ إلى أعماق الفكر والوجدان الإنسانيين، وقاصرة عن احتمال معارف الشعوب المختلفة واحتواء تجليات الحكمة على الصعيد العالمي. ولا غرو، فقد ظلت بفعل انغلاقها على الذات الغربية وإقصائها للآخرين أسيرة للنموذج الواحد المرشح لهيمنة قسرية مرتقبة. 3. العامية المغربية ذات نواة عربية مفتوحة على المؤثرات اللغوية المتباينة واللكنات المتناسلة بتعدد التركيبات العرقية والإقليمية والمؤثرات المحلية، وقد صيغت بشكل تلقائي وفق المتغيرات اليومية للتواصل بين الأجناس المتفاعلة. وهو المستوى اللغوي الذي تبلور بشكل تلقائي بين أهل البوادي والرحالة والوافدين من كل حدب وصوب للتسويق والتسفير في جملة من المراكز الحضرية التي انتشرت في ظل نظام التثمير التعاقدي. وهو النظام الاقتصادي الذي تجردنا في دراسات سابقة لتبيان ظروف نشأته ومفاصل تطوره، باعتباره أول شكل تاريخي للنظام الرأسمالي. وبقدر ما تكاملت المستويات اللغوية الثلاثة المذكورة في صياغة الهوية الثقافية المغربية، تناسقت لتمتد ثمارها إلى حضن قواميس اللغة العربية ولغات التخاطب الرومانسية والعجميات المختلفة بشبه الجزيرة الإيبيرية، في تطورات لغوية لم تفلح جهودنا المتعددة إلى الآن في شد انتباه المبهورين من اللغويين المغاربة بأشعة الغرب الكاسحة أو المنزوين في ردهات الموروث النحوي المظلمة. وما دامت الحركات القومية اقد انفلتت من عقال الكنيسة بأوربا الغربية خلال القرن التاسع عشر، مؤسسة لمسارات لغوية منفصلة عن الجذر اللاتيني أو الأنجلوساكسوني أو الجرماني، والتي أثمرت تقعيد اللغات القومية الفرنسية والألمانية والإنجليزية والإيطالية وغيرها، فالواجب يقتضي حسب المبهورين بإشعاع الآخر الحذو حذوهم والاقتصار على لغة قومية واحدة. من ثم دعوة جمهرة المقلدين إلى إرساء التركية لغة قومية في آسيا الصغرى برسوم لاتينية والعربية لغة قومية في بقية أنحاء الإمبراطورية العثمانية. وبذلك تم الخلط لأول مرة بين الأساسين العرقي والثقافي للعروية، والشروع توا في سحق ثقافات الشعوب المنضوية في كنف اللإمبراطورية. كما تعالت الدعوات لترتيب ثنائية مدرسية موازية تفصل بين العروبة والإسلام والدين والدولة، والشرائع الدينية والوضعية العلمانية، في ترداد لفظي لبنود الثورة الفرنسية. ومن حسن حظ المغرب أن ظل عمقه خارج متاهات هذه الثنائية المؤلمة التي ألمت بمناطق نفوذ ما عرف لدى مؤرخي العصر بالرجل المريض. إلا أن الفكر الثنائي الساذج سرعان ما أخذ بتلابيب النخب السياسية الهزيلة التكوين والقيادات الوطنية المأخوذة بسحر الجدال وفنون الخطابة وتنميق الكلام فراحت تنظر أحزابا وجمعيات وشخصيات لضرورة التماسك الوطني في ظل وحدة اللغة والعرق ونبذ التعدد والتنوع. ومع العجز المركب، اندرجت بعض النخب المغربية على تقليد القوميات المشرقية ذات المسحة العسكرية التي تعاركت للحفاظ على وحدة بلدانها الوطنية الممزقة بمسطرة سايكس بيكو الاستعمارية والمتشرذمة في طوائف إسلامية ومسيحية تتجاذبها المذاهب السنية والشيعية. وذلك من خلال الإصرار على الوحدة القومية في أصل عربي مفترض مبني جدلا على أسس عرقية. هكذا، فبمجرد خفوت المقاومة المغربية للاستعمار ممثلة في حركات الهبة بن ماء العينين وموحا وحمو الزياني ومحمد بن عبد الكريم الخطابي، بدأ تيه النخب المنفعلة في مسارات تقليد الآخر، متغافلة التربة المغربية المتأصلة في وحدة المذهب المالكي وانعدام الأقليات المسيحية. وقد كان للظهير البربري الذي استهدف وحدة البلاد مفعول الأكسجين في الدفع بهذه النخب إلى الشروع في طمس معالم الإرث الوطني الأمازيغي، مفترضة أن ثمة مخاطر قد تعرض الوضع الاجتماعي للتفكك العرقي. بلغ الجهل بتاريخ المغرب الاجتماعي أن اندفعت زمرة من تقنيي الأشغال العمومية على سبيل المثال إلى طمس عدد من أسماء الأماكن المتأصلة منذ أقدم العصور، بحجة التعريب. وكأن المغرب الذي كان له عظيم الشأن في عهد بني صالح من المغاربة النفزيين أو في ظل المرابطين من المغاربة الصنهاجيين أو الموحدين من المغاربة المصموديين أو في ظل المرينيين والشرفاء الأدارسة والملوك العلويين، قد ظل طوال أربعة عشر قرنا ينتظر هذه النخب المتعلمة في المدارس التي تحسن ترديد الأناشيد لإنجاز هذه المهمة الثقافية. لم تتوقف تدخلات النخب بعدئذ في ظل الوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة واعتقاد المتسيسين بالتحكم في المعرفة، من ارتكاب الأغلاط في حق الإرث الثقافي المغربي. أفضى ذلك إلى الترويج بانتظام وضع البلد الاجتماعي في نسيج عرقي مفترض يميز بين عرب وبربر. ولم يتردد البعض في التخطيط لمحو مظاهر البعض الآخر، في عمليات خريب للذات الواحدة. وما زلنا إلى اليوم نعيش تداعيات هذه الأخطاء الناتجة عن الجهل والتقليد المركبين، في شكل ردود فعل تحمل سحنة عرقية أو إقليمية أو أصولية مفترضة. إلا أن نفس النخب سرعان ما تخلت عن جزء من تصوراتها التقليدية ذات الأبعاد المشرقية لتنغمس في سياق موضة العصر المقلدة لمختلف مظاهر الحياة بالغرب. وسرعان ما غدت اللغة الفرنسية متحكمة في دواليب الإدراة وتعليم النخب وتحتكر حيزا هاما في المشهد السمعي البصري، بما يؤدي إلى حد إهانة الشعور الوطني. بينما انزوى التعريب في شكل فصول من الخطاب الديماغوجي المبوب ضمن برامج الأحزاب المتعاركة على مصالح فئوية ضيقة. من الطبيعي في ظل هذا المناخ أن يندرج البعض ممن يتكاسل عن اكتساب المعارف العلمية ولا يأبه بنتائج البحث المنجزة من طرف نخبة من الدارسين المغاربة على التماس هوية مفترضة عن طريق تبني طلاسم غير مفهومة أعدت من طرف زمرة من أشباه المثقفين. وهي التي عادة ما تقدم باعتبارها بديلا أمازيغيا للأبجدية العربية، اعتقادا مثل سابقيهم بأن العروبة بالمغرب عرق، بينما يتسابق المتحزبون يمينا ويسارا على ترتيب أوراقهم الثقافية للاحتفاظ بقاعدة الجمهرة ممسوكة اللجام في يد الزعيم ، فيطالعوننا باقتراحات مخجلة تحت أسماء من قبيل "المسألة الأمازيغية" أو "القضية الأمازيغية" أو "الأسبقية للثقافي أم للسياسي" أو غيرها من التراكيب الكلامية التي تفتعل مشاكل وهمية. فكلما تجلى عجزهم عن فهم تربة بلدهم الوطنية ومواجهة المشاكل الحقيقية للمواطنين، استغرقوا في ترديد كلام غيرهم منمقا بلسان النخب المتعلقة بهم المشرئبة الأعناق إلى الأسياد بالضفة الأخرى. إن البحث في الإرث الأمازيغي في اللغة والآداب والفنون، وفي المصطلحات الطبية والنباتية والصيدلية، وفي قواميس البناء والعمران، والأدوات الفلاحية والحرفية، وفي أسماء الأماكن والأعلام بالمغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية وفي الجزر المجاورة إلى أعماق الصحراء وفي السودان وبلاد النوبة، وغير ذلك مما يند عن الحصر في هذا المقام من المستويات الثقافية التي تزخر بها المكتبة المغربية الأندلسية والطبوغرافيا المحلية، لا يبدو أنها تثير الاهتمام المطلوب. لأنها بكل بساطة قضايا ثقافية وعلمية تتطلب الجهد والوقت والصبر والمثابرة. وهو ما لا يتوفر في معظم أصحاب الدعوات المشدودة إلى الأنساق الفكرية المغلقة ومناهج الجدل العقيم المفضي إلى ترتيب القوى في شيع متناحرة على مراكز السلطة والنفوذ. إن المغرب في سياق مجهودات التنمية التي يفترض أن تحقق تراكما للثروة محتاج إلى نخب فاعلة، كل في مجال اهتمامه. وقد آن الأوان لأن تسقط الأقنعة عن أشباه المثقفين المرتزقين بخربشات وطلاسم غير مفهومة وبأقلام مأجورة والمتمعشين على موائد الغير، منهم من دأب الدهر يوهم المواطنين بامتلاك المعرفة والقدرة على تدبير الأمور الهامة، ومنهم من لا يتورع عن نفث السموم في أوساط الحثالة لخلق البلبلة والضغط على مراكز السلطة لتجميد الطاقات وثبط الهمم، حتى يخلو لهم الجو في استدرار المال الحرام. ويبدو أن البلد قد سئم من هذه النخب المنفعلة ويرنو إلى نخب فاعلة.
د. أحمد الطاهري **مقال منشور بجريدة "تيفراز/ معالم الريف" - العدد 18 - دجنبر 2004