مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : الاخلاق.. نظرة حداثوية    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 Makki 
17 - سبتمبر - 2006
بعيدا عن الانغماس في النص التاريخي " مقدسا وغير مقدس " كيف تبدو المفاهيم الاخلاقية في عالم الحداثة وما بعدها ، والى أي مدى يمكن أن تشكل معنى روحيا كبيرا في عالم غزاه المنجز المادي واستحوذ على تلابيبه..
اختم ببيت من الشعر يقول :
ملاى السنابل تنحني بتواضع    والفارغات رؤوسهن عوالي
ترى كيف يتعامل النص الاجتماعي اليوم " الحاضر " مع نظيره في الأمس " الماضي "
كلي رغبة بالاطلاع على آراء تعالج هذه الاشكالية برؤية تنتمي للعصر مع شكري ومحبتي.

 1  2 

*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
أبو أوس في سراة الوراق    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
تحية طيبة لصديقنا الجديد أبي اوس المكي: وهذا يا أبا أوس مضمون الرسالة التي بعثت بها إليك:
بداية أشكر  كلماتكم الطيبة، ويسرني باسم سراة الوراق أن أدعوكم للانضمام إلى قافلة السراة، ويمكنكم أخذ فكرة عن المطلوب من السراة من خلال مراجعة موضوع في مجلس الأدب العربي بعنوان (إعلان عن مشروع سراة الوراق) وميزة هذه الخدمة أنها تمكنكم من النشر المباشر في موقعنا، ولك أن تجرب الآن، سوف ترى مشاركاتك ظهرت فور إرسالها، وسوف ترى جوار اسمك نجمة حمراء.
 وتقبلوا فائق احترامي: المشرف على المجالس زهير
 
*زهير
17 - سبتمبر - 2006
إشكالية خاصـة..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أهـلا و سهلا بالأخ الأسـتاذ المكـي .
لست متأكدا أين ستتموضع هذه المشاركة ، قريبا أوبعيدا من مقاربة منشودة لموضوع المفاهيم الأخلاقية في زمن
الحداثة و...، لنقل أنها ذات صلة . 
خادمات البيوت: القسوة والحرمان
قضية كبرى وخطيرة في حجم خادمات البيوت لم تعد تستحمل الصمت الذي وصل حد التواطؤ، تفرعاتها تدمي القلوب، فتيات قاصرات يتفتحن حول العالم يكون مصيرهن الانفصال والانفصام عن حضن الأسرة ويلقى بهن في مصير مجهول ينتهي في كثير من الأحيان، بالاغتصاب والتعذيب والاهانة .
*مقتطف من ملف حول الظاهرة ......بجريدة العلم -المغربية -الصادرة يومه 17/9/2006
*abdelhafid
18 - سبتمبر - 2006
توضيح    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
عندما اتفق النقاد على أن مفهوم " الحداثة " ، رغم التعقيدات الايديولوجية والتفريعات القيمية التي تنتمي اليه وتنعكس عنه ، هو عملية حضارية تقوم على اعادة اكتشاف التراث ، ولما كانت سيرورة الحضارة ظاهرة بشرية مترابطة الحلقات والاطوار من جهة وحالة انسانية من جهة أخرى ، فان للحداثة " قاموسها " الفلسفي والفكري والاجتماعي وحتى الاخلاقي.
واذ يرى البعض ان الحداثة افرزت نمطا جديدا من انماط الحياة ، أيا كانت نظرتنا لهذا النط قبلناه او رفضناه ، فان لهذا النمط توجهاته وقيمه الاخلاقية التي قد تتفق مع النص التارخي " مقدسا وغير مقدس " وقد تختلف عنه بحكم اختلافات تتعلق بالانتماء والبيئة التي ظهر فيها وتطور مفهوم الحداثة فضلا عن علاقة هذا النمط بالمقدس وكيفية التعايش معه.
هذا في الحقيقة ما وددت اثارته امام الزملاء الاحبة متمنيا اثراء الموضوع .
 
*Makki
18 - سبتمبر - 2006
اخلاقيات الغاية تبرر الوسيلة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
فعلا فعاليات الحياة المختلفة ,اصبحت لها اخلاقياتها المختلفة ايضا: فالنشاط الاقتصادي ,والتجارة اصبحت لها اخلاقاياتها فكما يقولون التجارة شطارة ومهارة, فهي في عصرنا طورت من اخلاقيات المهنة , فكل شيء في سبيل الربح والكسب المادي يهون التاجر ومصلحته  فقط ومن بعده الطوفان, فالغش والتدليس في نوعية البضاعة وجودتها ومنشأها  مسموح والاحتكار  ورفع الاسعار اضعافا  مضاعفة  بدون مراعاة  لاحوال الفقراء وذوي الدخل المعدم او المحدود مسموح ... اين نحن من ذلك العصر الذي كان يضع فيه البضاعة التي بها عيب فوق بضاعته ويشير الى ذلك العيب للمشتري ليترك له حرية الشراء وبعد ان يخفض البائع من ثمن تلك البضاعة بما يتناسب مع العيب الذي ببضاعته , اين نحن من ذلك التاجر الذي يقدر ربحه في بضاعته بالربح المعقول الذي يتناسب والمستوى الاقتصادي لاهل البلد ..
التاجر الذكي  هو الذي يسوق بضاعته بشكل جذاب يستغل كل وسائل الدعاية والاعلان المرئية والمسموعة والمقروءة  التي تجعل من بضاعته مهما كان نوعها وفائدتها بأنها هي التي يعيش من اجلها الناس ويتناسون حتى الاسس الاخلاقية
فالسرقة والانانية تصبح امر مباحا عندما يتسلل افراد العائلة في جنح الليل الى ثلاجة المنزل في غفلة من بعضهم الاخر ليأكلوا الجبن الذي هو في جرة محفوظه في الثلاجة ولكن القدر يكشف امرهم لبعض ويلتقون وهم يحاولون سرقة الجبنة لاكلها بعيدا عن اعين بعض .... والجد الوقور القدوة الذي يربينا وبربي الصغار على الصدق وعزة النفس لا يتورع عن رمي مسباحة او شيئا في الارض ليتلهى باقي افراد العائلة في البحث عنه في حين يقوم هو بالسطو على كوب الشاي بالحليب ويشربه بعيدا عن اعين باقي افراد العائلة ليلتفتوا له وهو في متلبس بالجرم المشهود .. والشكولاته  والعطر له قصصه والساعة والموبايل وكثير من مباهج الحياة ...
الرياضة اصبحت لها اخلاقايتها ايضا فهي اصبحت حرفة وتدر الملايين على اصحابها فقيمة اللاعب في  االعالم من قيمة قدمة  واكثر من قيمة عقله فيشترى  ا للاعب بملايين الدولارات ليركل كرة مستديرة بقدمة الماسية ...واستقباله وتوديعه له هيبة يحسده عليها اهل الفكر والادب والعلوم والابحاث والمخترعات ونجمه يسطع فوق كل نجم ..
 وملايين من الناس تموت جوعا لا يدفع لهم ثمن وجبة ... وفيها ايضا  التزوير والمحاباة والمهم هو الربح والفوز  بأي وسيلة ممكنة ,,
والنشاط السياسي له اخلاقياته وخاصة في دول العالم الثالث قلا مانع من الكذب والمراوغة  والرشوة وشراء الذمم ولا مانع   من قتل المناويء او سجنه وتعذيبه ليعود عن غيه ويعلن التوبه والبراءة من افكاره  المخالفه للسيد السياسي .. ويترك بلده مهاجرا  ذليلا الى بلاد الله الوااسعة ,فهذا   محلل في عرف السياسة ولا على السياسي الا التوبة والاستغفار بعد ان ذلك لان رجل دين قال له انك مخول يا ولي الله في الارض...وهي حجة وتعود كما ولدتك امك ...
والنشاط الاجتماعي له قوانينه فهذا ذو جاه وسطوه ,هذا قبلي وهذا حضري ,وهذا غني وهذا فقير , وهذا فوق وهذا تحت , وهذا قوي وهذا ضعيف, ولكل  منهم له حدوده  واخلاقيات يجب ان يحافظ عليها حسب العرف الاجتماعي ..
وكل انشطة الحياة قابلة للتسويق ايضا ...
اخلاقياتنا في الزمن المادي اصبحت تسير بموجب نظرية الغاية تبرر الوسيلة ...
هذا ما اظنه والله اعلم ..
 واذ يرى البعض ان الحداثة افرزت نمطا جديدا من انماط الحياة ، أيا كانت نظرتنا لهذا النط قبلناه او رفضناه ، فان لهذا النمط توجهاته وقيمه الاخلاقية التي قد تتفق مع النص التارخي " مقدسا وغير مقدس " وقد تختلف عنه بحكم اختلافات تتعلق بالانتماء والبيئة التي ظهر فيها وتطور مفهوم الحداثة فضلا عن علاقة هذا النمط بالمقدس وكيفية التعايش معه.
هذا في الحقيقة ما وددت اثارته امام الزملاء الاحبة متمنيا اثراء الموضوع .
*yamama
20 - سبتمبر - 2006
مساجلة..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
بداية أرجو ألا يفهم من كلامي عن الحياة في الغرب دفاعا عن قيم ومواقف نختلف معها. فما يدفعني لاثارة بعض مزايا هذه الحياة انما يندرج في اطار السعي لمعرفة الآخر بعيدا عن الضجيج السياسي ، فضلا عن ان هذه الاثارة تنتمي الى الايمان بحوار الثقافات .. ففي كل ثقافة مواطن قوة يمكن الانفتاح عليها ومواطن ضعف يمكن الاحتراز منها ، لافتا الى انها مجرد مساجلة عامة مع تعليق لاحدى الزميلات
الحرية في الغرب اتسعت وشملت مفاهيم تجاوزت السياسة والاقتصاد وحقوق الانسان ، بل تداخلت مع تفصيلات الحياة الاجتماعية ، ولعلي أتفق مع العديد ممن يرون ان الحرية في الغرب باتت وسيلة لتحطيم مفاهيم اخلاقية تضبط ايقاع المجتمع وتحفظ له انسانيته..
ومع ذلك ، فان تجربة سنوات طويلة مع الحياة الغربية اقنعتني بأن ما وصلنا عن المجتمعات المنضوية تحت يافطة الثقافة الغربية لم يكن دقيقا .. وان عالم الحداثة وما بعدها رغم ما فيه من تلوث اخلاقي ليس على هذا القدر من السوء الذي يجري الحديث عنه هنا او هناك.
ان المنافسة الشديدة في السوق في هذا العالم جعل " الزبون " مدللا وباتت الشركات تعرض له سلعها وبضائعها بشروط متنوعة أملا في اقناعه بالتبضع..
وأذكر هنا أن زوجتي أم أوس ، حماها الله ورعاها ، اقتنت مرة فستانا من احدى الاسواق الكندية وأخذته معها في رحلتها الصيفية السنوية الى شرقنا الجميل حيث للمكان والزمان مذاقهما الخاص للمغترب. هناك اضطرت لغسله على أساس التعليمات المكتوبة على " ياقته " لكنها فوجئت عندما وجدت ان الفستان صغر حجمه عندما جف وبات بقياس بنفع الاطفال.
أعادته الى كيسه ، وعندما رجعت سالمة بحمد الله من رحلتها التي دامت شهرين تقريبا سنحت لها الفرصة لاخذ الفستان الى المحل الذي اشترته منه.. فماذا كان : اعتذر مدير المتجر منها وخيرها بين استعادة ثمنه أو اختيار فستان آخر .. قدم مع اعتذاره هدية لولدنا الصغير الذي كان معها..
أمور من هذا القبيل تحصل باستمرار في الحياة اليومية هنا ، والسبب يعود الى أخلاقيات " حداثوية " مردها اقتصادي او تجاري ، أي أن شدة التنافس فرضت انماطا من التعامل مع المستهلك تحمل طابعا أخلاقيا راقيا.
البضاعة " المعيوبة " عندهم لا تخلط مع السالمة بل تطرح في مكان خاص وبأسعار خاصة أيضا
البائع لا يحتاج عندهم " لأيمان " مغلظة كي يقنع زبونه بأن السعر مناسب كما يفعل البائع عندنا ، وكم مرة نكتشف ان هذه الأيمان كاذبة..
قبل أسبوع ، بدأ طفل عمره أربع سنوات رحلته مع المدرسة في " الروضة " ، لكن أيامه الاولى فيها بحسب ما أخبرني والده وهو من أصدقائنا كانت متعبة : بكاء وصراخ ورفض واحتجاج.. فكر والده بتأجيل الروضة لسنة وهو أمر ممكن ، فاعترضت ادارة المدرسة ... وساهم المعلمون والمعلمات وعدد من التلاميذ وعدد من اولياء امور أطفال آخرين في استيعاب حالة هذا الطفل حتى بات وضعه طبيعيا محبا لساعاته في روضته.. انها صورة جميلة عن التكافل الاجتماعي.. ولعل الكثير من القراء يعرف نظام الحماية الاجتماعية للعاطلين عن العمل.
احترام الفرد وحقوقه وعدم التدخل في شؤونه واتاحة الفرصة له لممارسة هذه الحقوق ، كلها تعطي ملامح عن نظام أخلاقي  لم يحدده نص مقدس ، بل نص اجتماعي نضج وترعرع مع متطلبات الحياة وتطور معها..
ربما أطلت هذه المرة .. لكني وددتها مساجلة مفصلة مع الاخت يمامة. مع شكري وتقديري العالي لملاحظاتها الكريمة
 
  
*Makki
21 - سبتمبر - 2006
شكرا جزيلا .. للسيد زهير    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أشكر للسيد زهير لطفه الدائم معي أن اختار هذه المرة موضوع " الاخلاق .. نظرة حداثوية " كي يكون موضوع الاسبوع .
وإذ برر خطوته الشريفة بالقول انها اتخذت " ترحيبا بي " فانا شاكر له وممتن ، وان كنت أود ان يكون مضمون المادة المطروحة وما تمثله من اشكالية هو المبرر الاساس لاختيارها.
وبالنسبة لصورتي فلا اعتقد انها ستضيف شيئا يا سيدي ، وقيل " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " ، والبون شاسع بين الشكل والمضمون في الانسان..
لكن يا عزيزي زهير ومن زاوية " واما بنعمة ربك فحدث " فاني لست على هذه الدرجة من اللا وسامة .. لكني احجم عن ارسال الصورة لاسباب مهنية لا اخالك تجهلها
واذا كنت راغبا بمراسلتي فقد خصصت عنوانا جديدا أملا أن يكون سالكا لرسائلك فجرب على سبيل ضبط التواصل انه
 
 
اكرر تقديري ورمضان كريم
*Makki
24 - سبتمبر - 2006
نهاوند أبي أوس    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الـحـب  شام والجمال عراقي والـحـكم في الأشواق iiللعشاق
في قوس أوسك حين ترمي رنة سـهـم المحب يماز في iiالآفاق
شـكـرا  فقد أتحفتنا iiوسحرتنا وغـمـرتنا باللطف  iiوالأخلاق
وسـؤالُ  صورتك الأثيرة iiقائمٌ فـالـطيب  للأسماع iiوالأحداق
وعسى  أبو البركات يقرأ iiقولنا فـيـجـيـبنا بكلامه iiالرقراق
انظر  إلى صوري ففيها قصتي وتـدل  إن دلـت على iiإملاقي
وتـدل إن دلت على ألم iiالنوى وشـبـيـبتي مجروحة ونفاقي
جـلس الشيوخ يفتشون iiبجبتي وجـلست  أرشدهم إلى iiإخفاقي
الـعـارفون  العارفون دموعها والـعـارفون  العارفون iiوثاقي
وبـلـيـة الدنيا اعتقادك iiمحنة آثـار  مـحـنـتها بكل iiزقاق
*زهير
25 - سبتمبر - 2006
عودة تسنيم ?    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
لا أعرف ما هي الكلمة التي أرحب بها بعودة الأستاذة تسنيم ، وأقول الأستاذة وأنا متردد، لأنني لو لم أكن مترددا ما جرى كل ما جرى، وسواء كنت مصيبا أم واهما فإن بداية الكلام يجب أن تكون نابعة من واجب رمضان الذي يعني السماح والود، وأقول لها (مبارك لك رمضان) ولأصدقائك الذين حيروني. وربما كانت هذه المعلومة مفاجأة لك ولكنني صادق فيما أقول، وملخص كلامي أنني غير مقتنع بوجود تسنيم، وتوصلت وفق حساباتي أن هناك شخصا ما يكتب بأسماء مستعارة، ومن بينها (تسنيم) وعندما أقتنع أنني مخطئ سوف بلا شك أتقدم باعتذاري للأستاذة تسنيم وزملائها، وهذه هي الحقيقة أقولها بمناسبة شهر رمضان، باعتبار أن الشيطان سوف يكون بعيدا عن الأحداث.  (رمضان كريم
*زهير
25 - سبتمبر - 2006
الـوسـطـيـة والاعـتـدال .-درس ديني -    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 مـسـتقـبـل الإنـسـان فـي الـوسـطـيـة والاعـتـدال
أحمد توفيق
ألقى الأستاذ أحمد التوفيق ، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية-بالمغرب - الدرس الافتتاحي للدروس الرمضانية لهذه السنة • وقد اختارله، كما هو معلن موضوع الوسطية والاعتدال• وقد أجمع الكثيرون على الأهمية العلمية والرمزيات الثرية لدرس وزير الأوقاف، كما أن سياقه ، الزماني والمكاني لا تخفى دلالاته • وقد ارتأينا  أن نعيد نشر الدرس تعميما للفائدة .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته الأكرمين .... ! في خضم ما يعانيه المسلمون من تبعات تاريخهم السياسي والفكري، وأمام ما يواجهونه من تحديات كبرى، يطرحها أمامهم تعاملهم مع أمم صنعها تاريخ سياسي وفكري آخر، تحير الناس في تشخيص جوانب من الخلل السياسي في حياة الأمة وفي تحديد أسبابها، هل هي في فهمها للدين وممارسته، أم هي نتيجة عواملَ أخرى قد تكون طارئة أو مفروضة عليها من الخارج• وفي هذا السياق، ترددت في السنوات الأخيرة على لسان أصحاب القرار والدعاة والإعلاميين وغيرهم، عبارة >الإسلام المعتدل<، وضرورة تدبير الشأن الديني، خطابا وسلوكا، على منهج >الوسطية والاعتدال<• والقصد من هذا الدرس، هو محاولة شرح ما يمكن أن يتضمنه مفهوم >الوسطية والاعتدال<، في سياق الشأن الإنساني عامة، والشأن الإسلامي خاصة• فالاعتدال كما توحي كثير من الآيات بمعناه، مفهوم مركزي في القرآن، محوري في الإسلام، لا تتبادر إلى ذهن من يسمعه في الاستعمالات المبتذلة الجارية اليوم، كل أبعاده العميقة، وفي جميع الحالات فهو لا يقتصر على مجرد التحفظ الإرادي من أنواع المبالغة والغلو والتطرف في التصور أو في القول أو الفعل• وسنسعى، بحول الله، إلى شرح هذا المفهوم لا كمجرد نصيحة أخلاقية تهم الأفراد، بل كحركية تهم الجماعة وتهم نظام الحياة بجميع جوانبِها، وذلك من خلال عدة محاور: 1- تأصيل مفهوم الاعتدال وملامسة أولية لمضمونه ؛ 2- طرح إمكانية تحقيقه في ضوء فطرة الإنسان وسنة التاريخ ؛ 3- ذكر صورة آخر نظام جماعي للاعتدال بناه الإنسان ؛ 4- ذكر موقع المسلمين من هذا النظام وحاجتهم إلى تبنيه ؛ 5- البحث عن أوجه حاجة هذا النظام نفسه إلى مزيد من الكمال وكيف يمكن للمسلمين أن يسهموا فيه ؛  فنقول وبالله المستعان: I- لو سئل عالم بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، عن مواقع تأصيل الاعتدال في هذين الأصلين، الكتاب والسنة، لاحتج بنصوص صريحة عديدة تدعو إلى عدم الإسراف وعدم التطرف ولاسيما في العبادة والمعيشة• لكن، من حق كل قارئ متدبر للقرآن أن يفترض وجود آيات قرآنية تتناول الموضوع بشكل توجيهي شمولي، تُتخذ مدخلا لموضوع الاعتدال في سياقه القرآني كما هو موجه للناس كافة، ثم للمسلمين خاصة• ولعل من تلك الآيات المباركات ما جاء في أوائل سورة الرحمان إذ يقول عز وجل: >بسم الله الرحمان الرحيم الرَّحْمَنُ عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الاِنْسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ، الشَّمْسُ وَالقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَ وَضَعَ المِيزَانَ، أَلاَّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا المِيــــــزَانَ<•(سورة الرحمان: 1-9) تلك آيات تسع عظيمة، جاءت في البعد الكوني للإنسان من حيث هو مخلوق لله تعالى وبقطع النظر عن تدينه بأي دين من الأديان، آياتٌ يُسفر تدبرها عن بنية قوية، ودائرة من دوائر الكمال التي يحفل بها القرآن الكريم• فهي تذكر الخلق ونظامه على سبيل الإجمال، فالله تعالى قدم اسمه الكريم فيها باسمه الرحمان، لتغمر رحمته الإنسان والأكوان، إنساناً لم يخلق ليشقى بالقرآن، لأن القرآن هو التصور الكامل لمشروعه• ومع خلق الإنسان عُلِّم البيان، أي أعطي المعرفة المميزة والإدراك، لكي يكون قادرا على أن يعرف أمورا من نفسه، وأمورا تتصل بربه، وبالكون المحيط به• ولهذا الإنسان سُخرت الطبيعة من شمس وقمر ونجم وشجر، لكنها مخلوقاتٌ مجبولة على السجود، لها برنامج دورانها وحياتُها المحسوبة، بينما الإنسان يستطيع أن يزيد وينقص في برنامجه الأصلي، أي في العمل بالقرآن، من حيث درجةُ المطابقة أو المخالفة في التطبيق، لا لشيء إلا لأنه مخلوق رُكب على الحرية التي بها عد من أرقى المخلوقات• وقد غابت حكمة هذه الحرية عن الملائكة عندما علموا بمشروع خلق الإنسان وكُشفوا بجانب من طبيعته، >قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا ويَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ < قَالَ: إنِّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ<<• (البقرة:30) يستخلص من كلام المفسرين لبعض ألفاظ الآيات التي أتينا بها من سورة الرحمان، أن الميزان هو العدل أو وسيلته الحكم، وأن الطغيان فيه الجَوْرُ والظلم، وإخسارَه تضييعُ العدل، فيتساوى في العواقب الظلم مع ترك المجال للفوضى• وهكذا، فمع تمتيع الإنسان بالحرية، دُعي إلى إقامة الميزان بالعدل: أن يعدل في حق ربه فلا يطغى، ويعدل في حق نفسه فلا يظلمها بالميل مع الهوى، ويعدل في حق بني جنسه فلا يهضم حقوقهم• وقد يكون العدل في المكاييل من جملة العدل المطلوب هنا في المعاملات، ولكن الواضح أن الميزان الذي يناسب مقام هذه الآيات لا يمكن أن يقتصر فهمه في سياق ما يسمى اليوم بقاعدة احترام الزبون، والأولى أن يفهم منه ميزان المحاسبة والمسئولية الكبرى الذي يَنصبه الإنسان في أعماقه فردا كان أو جماعة، معيارُه العمل بالقانون وصفته الاعتدال، أي وضع الأمور في مواضعها• في هذا الصدد ذهب البروفيسور فضل الرحمان، رحمه الله، إلى القول بأن الوسطية في الإسلام ليست طريقا للاختيار بين عدة طرق، بل هي الطريق الأوحد، لأنها طريق الوقوف مع الحق الذي نجتهد باستمرار في الوصول إليه في كل الأمور، وليست الوقوف في نقطة بين الحق والباطل 1 • فالعدل ليس عملا حياديا بل هو التزام وميل إلى جهة الحق، كما يقول ابن عربي في (الفتوحات)2، ومادة عَدَلَ في العربية تؤيد ذلك• وبهذا المعنى يمكن أن يقال اليوم عن الإسلام إنه دين الميزان، كما نقول إنه دين الوسطية والاعتدال، وإنما دُعي الإنسان إلى استعمال هذا الميزان لسبب ولغاية• فأما السبب فلأن خلقه جاء على فِطرة ارتبطت فيها حريته بثمنها، وهو تعرضه لهوى الطغيان من جهة، وهوى الإخسار والخسران من جهة أخرى، وأما الغاية فهي تحقيق برنامجه القرآني الذي هو الإصلاح في الأرض وعدم الإفساد فيها• II- وهنا لا بد أن نتساءل: هل الإنسان مؤهل لهذا المشروع الذي عنوانه الإصلاح ورمزه الفلاح ومنهجه إقامة ميزان العدل والاعتدال ? نعم هو مؤهل بحكم ما تضمنه البرنامج الأصلي المبيَّن في قوله تعالى: >وَإِذَ اَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمُ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ? قَالُوا بَلَى< (سورة الأعراف:172) أي أن الإنسان معترف في جوهره بربوبية خالقه وبارئه• لكن الإقرار بهذا الميثاق الأصلي خضع لمقتضيات الحرية وما تقتضيه من الاجتهاد والتفاضل• فعندما نبحث في أصل الفطرة نجده في ذلك النفخ الذي نفخه الله في الإنسان من روحه، ثم في الأمانة التي حمله إياها بأن جعله في الأرض خليفة، ثم إنه سبحانه وتعالى ألهمه فجوره وتقواه، وهداه النجدين، وجعله على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، وأعطاه علما خلاقا وتمييزا• بيد أن من ضمن حرية الإنسان خيارَه في أن يستمع إلى فطرته أو لا يستمع إليها، لذلك أرشده الله إلى الذكر بقوله: >سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ الله< (سورة الأعلى:6-7)، وأعلمه عز وجل بتدخله الإيجابي في حريته: بقوله تعالى: >وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى< (سورة الأعلى:8) ومع ما وُضع من خير في فطرة الإنسان، خُلق ضعيفا هلوعا جزوعا منوعا عجولا، وهذا الضَّعفُ هو الذي يجعله يرتخي عن اليقظة الدائمة فيقع في الظلم ويخرج عن الاعتدال• فليس له إلا الاجتهادَ والكَدْحَ ليوقظ في نفسه دوافعَ ذاتيةً تحميه، وطاقةً ترقى به حتى لا يميل ويُخسر الميزان• إن الكلام عن الفطرة التي لها علاقة بالتأهل للاعتدال على مستوى الفرد، يقابله الكلام عن القوانين التي تحكم سلوك الإنسان على مستوى الجماعة• اعتدال يضمنه الاجتهاد الدؤوب لعدم الميل عن الجادة مما يتطلب يقظة دائمة، بل وتوترًا مستمرا عند من يخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى• فالتوجيهات القرآنية التي جاءت لتجاوز الاختلالات على صعيد المجتمع تراعي أن أمر الجماعة أمر مشترك معقد، يثير بالضرورة كثيرا من أوجه الخلاف، لذلك تلجأ الجماعة إلى تنظيمه بالمؤسسات ، وربما كان هذا هو السبب الذي نفهم على ضوئه تشدد القرآن في شجب انحراف الجماعات أكثر من تشدده في شجب انحراف الأفراد، لأن انحراف الجماعة قد يتسبب في انحطاط حضارات بأكملها مثلَ تلك التي ذكر القرآن أنها اضمحلت لتفسخ أخلاقها وفقدها لحرارة التقوى الضرورية لحسن الاستمرار• وقد وضع الإسلام إيديولوجية لضمان الاعتدال في سلوك الجماعة سماها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغاية هذه الإيديولوجيةِ هي التقويم الدائب من أجل الاعتدال، ففكرة الاعتدال من هذا المنظور فكرة تربوية تشمل كل مواضيع الأخلاق، تلتقي فيها مصلحة الدين بمصلحة الناس في الدنيا• ومن هنا نفهم أن الاعتدال ليس ممكنا فحسب، بل ينبغي السعي إلى تنظيمه تنظيما قانونيا وسياسيا، والقرآن يفسره لنا في مواطن متعددة بتطبيقات من خلال قصص نماذج بشرية، وهم الرسل والأنبياء، ومن على هديهم من صالحي الأمم، ممن تقاربت في حياتهم الإمكاناتُ الفطرية والمنجزاتُ الفعلية التي حققوها• وإذا بحثنا عن الظواهر الكبرى للطغيان والخسران في تاريخ البشرية قديمه و وسيطه وحديثه، وجدناها بالخصوص تتمثل في استغلال الأقوياء للضعفاء أفرادا وجماعات وشعوبا، وفي التفكك الاجتماعي بسبب فساد الأخلاق التي تضر الجماعة إلى حد تهديدها بالانحطاط• غير أن السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه بعد ما قدمناه من تمهيد، يتعلق بمعرفة السيرورة التي يأتي عن طريقها التعديل على مستوى المجتمع• فبالنسبة للفرد يتوقف تعديل الميزان، كما قلنا، على تربيته تربية روحية كما في قوله تعالى: >قَدْ اَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا< (سورة الشمس:9)، وقد سمى صوفية المسلمين طريقهم بطريق التزكية، استنادا إلى هذه الآية ومثيلاتها، فالتزكية مجهود يغذيه شعور ملازم للشخص يتجلى في مراقبة الله في السر والعلانية، يلتقي بالحالة الموصوفة في حديث جبريلَ عليه السلام: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك• 1 - Fazlur Rahman, Major Themes of the Qur?an, Minneapolis, 1994. استفدنا في هذا البحث من أفكار نفيسة وردت على الخصوص في الفصلين الثاني والثالث من هذا الكتاب• 2 - الفتوحات المكية، الباب الثامن والخمسون وخمسمائة، حضرة العدل• / النظم أو الخطط المعتمدة على القوانين أو الأعراف• أما بالنسبة للجماعة، فإن الميكانيزم المتساءل عنه قد ورد بيانه في قوله تعالى: وَلَوْلاَ دِفَاعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضِ لَّفَسَدَتِ الاَرْضُ (سورة البقرة:251)، فهذه آية من آيات ضبط سنة الله في الخلق عن طريق ما نعبر عنه اليوم بالدينامية الاجتماعية• وقد أتى الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية بمسائل واحتمالات أخلص فيها إلى أن المقصود هو دفع جميع أنواع المفسدة بجميع أنواع الدفع وأنواع الدافعين، وعلى رأسهم الإمارة أي الدولة• لو عرض المسلمون تاريخ البشرية على هذه الآية لاستنبطوا منها نظرية في الاقتصاد السياسي قبل قول القائلين بشرح التاريخ على ضوء صراع الطبقات• لكن بعض المسلمين يفوتهم الفهم الشامل لأنهم يفسرون القرآن وكأن ما جاء فيه إنما يهم عهد تنزله و حياة الأمم التي أخبر بها في العهود القديمة، ثم إن بعضهم أيضا فوتوا على أنفسهم الفهم الأشمل عندما غلبوا جانب الأحكام في القرآن وتعاملوا معه، كأنه مجرد مدونة قانونية، بينما هو كتاب دين شامل لمشروع الإنسان من مبدئه إلى معاده• إن الكلمة الرئيسية في هذه الآية هي كلمة "دفاع"، حسب قراءة ورش عن نافع، أو "دفع" حسب بعض القراءات الأخرى، فنفهم منها أن الميكانيزم المشار إليه يتمثل في أن هناك ميولا جماعية إلى الطغيان استجابة لمصالح محلية ضيقة أو وطنية أو إقليمية أو أمبيريالية أو غيرها، ونفهم من الآية الكريمة أن الجماعة الأخرى التي تنطلق من فكرة مخالفة، تدافع الجماعة الباغية لتوقفها عند حدها بالضغط المعنوي أو المادي فتكبحها عن طغيانها• وهكذا يُستبعد الفساد في الأرض• وتاريخ البشرية مليء بهذه المحاولات السلبيةِ يقابلها مثلُها من المحاولات التعديلية• فهذا الدفاع سنة حياة الإنسان الجماعية، كما برأها الله، وقد وقعت بعض تجلياتها حتى على شكل حروب أو ثورات• إن المستأنس بتاريخ الفلسفة قد يجد لـما ذكرناه نظيرا في ما عُرف بالجدلية الهيجلية، غير أن السنة الربانية المذكورة في القرآن ليست هي عقل التاريخ المجرد، بل هي سنة موصولة بالخالق المعلوم للأعمال، وهي سنة ذات قصدية معبر عنها بوضوح، ألا وهي الإصلاح في الأرض، وفق ما قرره الوحي وعُلِّمه الإنسان من مصلحته• III- تراكمت تجربة الإنسانية في هذا الميدان، وكان في خلفية دفع الفساد ما نزل من الوحي في مختلف العصور، وما قام به الرسل والأنبياء والصالحون من إرشاد الخلق وهدايتهم، وما تقدم به رواد الفكر الديني والفلسفي من نظريات، وما تأسس عليها من مذاهبَ في الحكم والتعايش داخل المجتمع الواحد أو بين الأمم والشعوب• ولكن الملاحظة القوية التي يتوجب إبداؤها هنا، والتي إذا استحضرها المسلمون سهُل عليهم التعاملُ مع التاريخ الكوني، ملاحظةٌ تتعلق بكون تدافع الجماعات من أجل إجراء سنة الله في تجنيب الأرض الفساد، تدافعا جرى معظمه خارج تاريخ المسلمين، وجرى بوتيرة متسارعة في القرون الأربعة الأخيرة، فأثمر تقدما ماديا ارتبط به تقدم فكري وصاحبه تقدم سياسي واجتماعي يُلخصه اليوم نظام الديمقراطية، وهي كلمة يونانية تعنى حكم الشعب كما هو معلوم• ومما يستحق الالتفات بهذا الصدد أن كلمة القسط التي وردت في سورة الرحمان، كلمةٌ لاتينية، وأصلها Justitia، ومنها اشتُقت كلمات العدل في اللغات الغربية مثل Juste و Justice، ومضمون مصطلح العدل في هذا الأصل هو الاستقامة والصلاح والالتزام بتطبيق القانون• وربانية القرآن وكونيته تجعلنا نفهم استعماله للدخيل بالنسبة لللغة العربية• ولا بأس في أن نقارن هذا الانفتاح بردود فعل متحجرة نصادفها عند بعض من يذهب في وقتنا هذا إلى التحرج من ألفاظ يعتبرها دخيلة مثل لفظ الديمقراطية• إن الفهم الشمولي للقرآن الكريم في ضوء ما يُظهره الله في مسيرة الإنسانية هو الذي يسمح لنا باتخاذ آيات سورة الرحمان، كما استشهدنا بها، أساسا للوسطية والاعتدال، وهو الذي يمكِّن في مستوى أعلى من ربط الوسطية القرآنية بالاعتدال السياسي المطروح كإطار تنظيمي عام لحياة الإنسان، في صورة نسق الديمقراطية• وليس في الأمر أي قسر ولا تعسف، وكيف لا وهذا النظام على مستوى الإنسانية، كما هو معروف، خلاصة تدافع توالى آلاف السنين، تحقق عبر اقتراحات وتعديلات متوالية• وهو إرث إنساني مشترك ليس موقوفا على أحد، أسهم المسلمون في أسسه القيمية بحظ مشهود، بفضل ما جاءهم من نور القرآن، وما أقاموه من مؤسسات، وأبدعوه من علوم نظرية وتطبيقية• وأما ما تجاوزه التاريخ البشري من اقتراحات نظرية وعملية فيصدق عليه قول الحق عز وجل: فأمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الاَرْضِ•(سورة الرعد:17) وكمثال لتوضيح التدافع على المستوى العالمي الشامل، نذكر ما وقع في الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين، فقد أشعلها معسكر على أساس فكرة التفوق التي لو أنها انتصرت لأفسدت الأرض، بمعنى لعطلت مبدأ القسط والاعتدال في ميزان القيم كلها• والمعسكر الذي تغلب في الحرب رفع شعار العالم الحر غيرة على قيم يدبرها بالأسلوب الديمقراطي• إن تاريخ البشرية كلِّها جرى على هذا المنوال حتى انتهى إلى صياغة فكرة الديموقراطية وتصوَّر نظامَها، انطلاقا من تفاعل أفكار دينية مثالية وقيم فلسفية، وبناءً على تجارب التدافع التاريخي بين أطراف المجتمعات وتجاربِ المطالبة بين الحاكمين والمحكومين• والنتيجة هي هذا النظام الذي يمكن تلخيص ملامحه إجمالا في أمور ثلاثة: 1) قيامِ مؤسسات مشتقة من مبدإ سيادة الشعب، وتتمثلُ في اختيار هيئة تشريعية بانتخاب قانوني، وفي وجود هيئة تنفيذية منتخبة من طرف الشعب أو مختارة من طرف البرلمان ؛ 2) قيامِ شروط الشرعية السياسية التي يستند إليها هذا النظام، وتتمثل على الخصوص في حق الاقتراع والمساواة فيه، وفي حق الجميع في الولوج إلى الوظائف وفي المشاركةِ السياسية وفي حريةِ التعبير والعبادة والتجمع ؛ 3) قيامِ مؤسسات متأصلة في مبدإ سيادة القانون والمساواة أمامه، ووجود قضاء مستقل نزيه ومساطر محددةٍ لكل الآليات القانونية• فأين موقع المسلمين اليوم من هذه المكتسبات البشرية ? IV- إن تاريخ المسلمين في عصرنا هذا يلتقي بما لا خيار فيه بتاريخ كوني تحكمه، في الفكر وتدبير التساكن، ثمراتُ حركات التدافع المتسارعة من أجل الإصلاح والتعديل، بحيث صار الإنسان أينما كان يعرف طريقه العملي إلى الحرية والعدل• وقد أدت الملابسات التاريخية إلى اختلاف مواقف المسلمين حول هذا المشروع بحيث يمكن حصرُها إجمالا في ثلاثة أوجه: 1) موقف قبول يقول أصحابه إن ثمرات هذا النظام في ما يتوخاه من العدل والحرية تلتقي بمقاصد الدين في كثير من جوانبها ؛ 2) موقف تحفظ بسبب عدد من المظاهر الثانوية ؛ 3) موقف رفض، بناءً على فهم ضيق للدين أو للديمقراطية، أو بناءً على ملابسات تاريخية تزرع الالتباس حول هذا الموضوع• ولعل كل المتحفظين يقتنعون بهذا النظام ويرتاح ضميرهم إليه إذا عرفوا أنهم يستطيعون أن يُسهموا في تعديل توجهه الكوني الحالي• وقبل التعرض لهذا الجانب نرى من المناسب أن نتساءل في أي شيء يحتاج المسلمون إلى الديمقراطية كسنة جماعية لإقامة الوزن بالقسط ?، فنقول إن هناك ثلاثةَ شروط أساسيةٍ سابقةٍ عن هذا الاقتناع: 1) اعتبارُ وقائع التاريخ البشري كله ملكا للمسلمين وعبرًا لهم ؛ 2) إقرارٌ بأن تاريخ المسلمين من حيث هو اجتهادٌ بشري محكومٌ بظروفه التاريخية، لم يصل إلى النتيجة المرجوة في كثير من جوانب تحقيق المقاصد السياسية والاجتماعية لهذا الدين ؛ 3) قراءةٌ سليمة لعواقب بقاء المسلمين إذا رفضوا الديمقراطية على هامش حركة التاريخ الكوني دون إسهام مشهود• إن المتأمل في المضامين التربوية للتعليم والإعلام في بلدان المسلمين، يجد أنها في معظمها لا تؤهل الكبار ولا الناشئة لهذا الفهم، بل يجدها تنطلق من فهوم فئات تميل إلى الجمود وأخرى تميل إلى الجحود• واعتبارا لكون هذا النظام نتيجةَ سُنَّة كونية قررها ربُّ الناس ربُّ العالمين في المدافعة بين الحق والباطل، يسهُل على المتشككين التخلص من عدد من العقد الفكرية والنفسية من أجل الأخذ الجدي الصادق به، لمصلحة الأمة ولتحقيق أهداف مرجوة، نشير إلى عشرة أهداف منها باقتضاب: 1) لوضع مبدإ الشورى موضع التنفيذ• فقد جاء القرآن بهذا المبدإ العظيم وعُطل لأن قواعده لم توضع، لأن المسلمين لم يهتموا بقضايا رئيسية من هذا القبيل حتى قدرَ اهتمامهم ببعض جزئيات العبادات على مستوى الأفراد• والواقع أن هذا الأسلوب التطبيقي للشورى بهذا التعقيد ما كان ليخرج جاهزا من فكرة مجتهد واحد أو عدة مجتهدين، بل كان لزاما أن يخرج من سنة التاريخ كما تداولتها مختلف الأمم، أي من تدافع اجتماعي وصراع مديد• 2) أما شكل الحكم الذي تتحقق به هذه الأهداف فيقول عنه مؤلف كتاب دولة القرآن1 منذ خمسين عاما: "والوهم الثاني الذي ورثناه من التاريخ البعيد، وكبر في صدورنا حتى طمس كل الحقائق، هو الإيمان بأن الحكم الإسلامي هو عودة الخلافة بنظامها ومبادئها وهيكلها التاريخي القديم، باعتبار أن قيامها بين المسلمين فريضة مقدسة لا محيص عنها ولا حياة بدونها• وهو تفكير وإيمان مبعثه الجمود اللفظي، والتعلق الغريب بكل قديم ضارب في أعماق الماضي، ومحاولة لإضفاء الصبغة الدينية على صور الحياة وألوانها بحق وبغير حق• لقد كان الإسلام صريحا مبين اللحن، وهو يرسم الأفق العام للحياة الإسلامية، فقرر فيما قرر، أن من سنن الله في عباده، أن لا تقوم دولة ولا تنهض أمة إلا بحكومة عادلة ونظام محكم، فواجب المسلمين أن لا يبيتوا ليلة إلا ولهم حكومة قائمة، وعلى رأس هذه الحكومة إمام أو حاكم أعلى يسوس أمورهم بالعدل، ويحكم بينهم بالشورى، وينفذ بينهم شرائع الله• هذه هي الكُلِّية العامة، وعلى المسلمين أن يطبقوا روح هذه الكُلِّية بالصورة التي يرتضونها وبالاسم الذي يحبونه، وبالتطور الملائم للتقدم البشري، المتسق مع معارف الزمان والمكان وسنن العرف والعادة"• 1 - طه عبد الباقي سرور، دولة القرآن، ص• 109، القاهرة 1961. للعمل بمؤسسات يشارك الجميع في اختيارها على أساس اعتقاد الخير في الجميع، الأمر الذي يحرر المسلمين من الفكر النخبوي المبني على أنواع من التمييز التي تعود إلى الثقافة ولكنها تلبس لباس الدين• 4) لتنظيم القرار الجماعي المبني على الفتوى في الشأن العام، الأمر الذي يضفي الشرعية على كل القوانين المنظمة للمصلحة العامة، وهذا هو فتح باب الاجتهاد الذي تحير فيه المسلمون عدة قرون، تحفظا منهم على الثقة بالمراجع الأفراد، الأمر الذي لايزال يطرح مشكلة إلى يومنا هذا، بحيث لا يتصور أن يتصدى شخص فرد واحد للإفتاء لا على مستوى بلد واحد ولا على مستوى عدة بلدان من أرض المسلمين• ومؤسسة العلماء، أي مشيختهم المختصة بالخبرة في الشأن الديني على مستوى كل بلد، هي المؤهلة لهذا الإفتاء، وهي التي تحرص على أن لا تقع حالة يتناقض فيها القانون مع نص شرعي صريح مقطوع به ومجمع على حكمه، وهو ما لا يمكن أن يتصور وقوعه في بلد إمارة المؤمنين• 5) للاحتكام إلى العقلانية المستنيرة بالشرع والتحصن من النزعات والحركات الشاذة عن إجماع الأمة، مثل امتدادات فكرة الخوارج ومثل أدعياء المهدوية• فقد أدى الكبت في تاريخ المسلمين في الماضي إلى قيام أشخاص بادعاء امتلاك الحل العادل بناء على اعتقادهم الصلاح في أنفسهم واتهامهم المتطرف لغيرهم• ولذلك فإن انخراط أمة في التدبير الديمقراطي لا يترك مجالا لمثل هذا السلوك الذي لا تستسيغه ضوابط الشرع ولا معايير العقل• 6) لتنظيم العمل الصالح، أمرا ونهيا، في إطاراته القانونية في جو يتنافس فيه الناس في الخيرات لنفع الناس، ويتفرغ فيه المؤمن إلى عبادة ربه في اطمئنان، بعيدا عن أي فتنة أو تشويش باسم الدين والتدين• 7) لضمان تلبية الدولة للحاجات الدينية باعتبارها حاجات اجتماعية• ولما كان أمير المؤمنين في بلدنا ساهرا على توفير تلك الحاجات، فلا محل للمزايدة فيها حتى باسم المطالبة الديمقراطية• 8) لتجنب فتنة التأويل الفردي أو الجماعي للنصوص الدينية، وتجنب قيام فئات دينية أو اجتماعية أو سياسية بادعاء الوصاية على شؤون الدين، فالديمقراطية من هذه الزاوية من شأنها تنظيم حماية الدين• ففي إطارها تنتصب لغة النقاش والحوار المسؤول، بعيدا عن الالتباس والغموض، ولا يبقى مكان لجعل النصوص المقدسة عرضة للجدال والفسوق، إذ أن الكلام عن المقاصد بأسلوب سياسي عملي عقلاني تُبتكر لغته مع الممارسة يكفي للوصول إلى الغايات السياسية المطلوبة• 9) لضمان العدل والإنصاف في مجتمع معقد، فقد كان إجراء العدل حلم المسلمين مع توالي عصور تاريخهم، وكان تعذر ضمانه في كثير من الحالات أصل شقاقهم وشقائهم• 10) لتفعيل أنواع الحسبة ضد أنواع الفساد، ولاسيما في ما يتعلق بتصريف المال، حسبةٍ تكون نتيجتها منعَ أكل الحرام وأكلَ أموال الناس بالباطل• V- فهذه بعض أوجه استفادة المسلمين المحتملة من الانخراط في الديمقراطية• فهل الصيغة المتوصل إليها في هذا النظام بلغت نهاية النضج والاكتمال ? إن قولنا عن التدافع التعديلي بأنه سيرورة دينامية وليس وسطية ستاتيكية يؤدي بنا إلى القول بأن التطور الذي بلغه التاريخ البشري المتسارع تفاوت في تحقيق ثمرات التدافع بين الإفساد والإصلاح، ولكن أحسن ثمراته، وهي الديمقراطية، ليست نهاية الكمال• إذ أنها تشكو من نزعة فكرية إقصائية، فهي كما تقدم نفسها، ليست مجرد أسلوب للاقتراع وفرز الأغلبية وإنشاء مؤسسات للنقاش حول الشأن العام، بل هي كما يراها أحد منظريها الكبار، وهو جورج بيردو G. Burdeau، أعمق من ذلك، حيث يقول: "الديمقراطية اليوم فلسفة، وطريقة حياة، بل هي دين، فمضمونها بمثل ما هو عليه من الغنى يأتي من كون الناس يرون فيها أملهم في حياة أفضل"1. (انتهى كلام بيردو) فالديمقراطية تبدو من خلال مثل هذا الوصف وكأنها تريد أن تهمش ما يساكنها من الأديان، وهو موقف من جميع الأديان، نتفهمه إذا عرفنا أن الديمقراطية جاءت في سياقها التاريخي الحديث رد فعل ضد أنواع من الظلم والاستبداد والطغيان، استعمل فيها الدين في كل الحضارات لتبرير بعض المساوئ والمفاسد والتطرفات، لذلك اقترنت بتمجيد العقل كما لو أنه مضاد للدين، على غرار ما بشرت به فلسفة الأنوار في أوروبا وكرسته بيانات صادرة عن عدد من الثورات• وكانت النتيجة هي التحفظ، ولاسيما من إقحام الدين في الشأن السياسي العام• ومن الناحية الفكرية تمثل الإِقصاء في النزوع إلى إغلاق الباب على كل ما يهم الأسئلة الكبرى المتعلقة بالله وبالعالم والإنسان والقيم والغايات والدلالات والتاريخ والوجود والخلود والمصير• وهذا الانغلاق يعبر عن جانب مما سمي بأزمة الحداثة، أزمةٍ ناتجة عن فهم ضيق للعقل يُلغي كل أفق غير مبني على المحسوس، وكأن العلائق بين الناس كالعطاء والمحبة لا معنى لها إلا في ما هو ضروري ونفعي من تدبير أحوال العيش والتساكن• فبينما كان كانط، وهو من مؤسسي الحداثة العقلانية، يرى أن الحل كله هو في بناء دولة القانون، نجد من يُعدِّل مذهبه بالقول بأن التدبير السياسي عن طريق التوافق لا يكفي لإعطاء حيوية للديمقراطية، لأن الإنسان ليس مجرد منتوج للتاريخ والثقافة، بل هو ذو طبيعة مزدوجة لابد أن يتدخل في شرحها الدين في مرجعيته المتعالية• وقد سُقنا هذا الكلام لكي نقول إن الديمقراطية مطالبة بأن تُبقي أفق الغيب مفتوحا أمام الإنسان، مع ضبط لقواعد التعامل في كل ما يتعلق بعالم الشهود، حتى يتأهل الإنسان للكمال في توافق مع طبيعته بدل الزج به في كبت اجتماعي وحضاري أليم• إن الذين تحدثوا عن هذا الكبت من أمثال فرويد ليسوا كلُّهم ممن صرح بأصله في أزمة روحية، ولكن التعبير عن هذه الأزمة من جهة الدين نجده عند آخرين كما في نص بليغ لروني كينون، المعروف بعبد الواحد يحيى، حيث يقول: "لم يعد الناس يعترفون بأي سلطة فعلية في أمور الروحانية• والكل يتجرأ على مناقشة هذه الأمور المقدسة بشكل مُبتذَل، بل يذهبون حتى إلى نفي وجودها، يتطاول الأدنى على محاكمة الأعلى، ويفرض الجهل حدودا على الحكمة، ويناهض الباطل الحقيقة، وتطغَى الأرض على السماء، ويقدم الفرد نفسه معيار كل شيء، ويزعم أنه يستطيع أن يملي على الكون قوانين لا يستمدها إلا من عقله النسبي المعرض للخطأ، إننا نرى عميان بصيرة يقودون عميان بصيرة، فإذا لم يقفوا قبل فوات الأوان وقعوا جميعهم في الدرك الأسفل من الهاوية"2. انتهى كلام كينون• إن الذين يفكرون في المصالحة بين السياسة والدين يربطونها بضرورة قيام إحياء جديد لعلوم الدين وترقية فكرية للمتدينين عن طريق التعليم، كما يربطونها بضرورة قيام عالم سياسي جديد• ومن المستند إلى أفكارهم في القول بهذه الضرورة طوكفيل الذي كتب عن الديمقراطية في أمريكا في أواسط القرن التاسع عشر، والذي قال إن هذا النظام سيختنق إذا لم تصاحبه مشاعر الدين والوطنية3. ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، استمر النقاش حول مكانة الدين في الحياة العامة والخاصة في أمريكا• وعن هذا الوضع يعبرStephen Carter مؤلفُ أحد أشهر الكتب في هذا الموضوع، كتابٍ صدر أواسط أعوام التسعين تحت عنوان "ثقافة الكفر"، Culture of disbelief حيث يقول: <ما نحاوله هنا في أمريكا، هو الحفاظ على توازن ضروري بين السياسة والدين، وإن كان الأمر شاقا، بل يغدو أصعب مع مرور الأعوام• فمن جهة، نجد عندنا احتراما فائقا لحرية الضمير بما في ذلك حرية الإيمان بالدين، وذلك بشكل متجذر في إيديولوجيتنا السياسية ؛ ومن جهة أخرى، نجد عندنا خوفا لا يمكن فهمه من هيمنة الدين، خوفا يضغط علينا في حياتنا العامة إلى حد التضايق والانزعاج من كل من يحملون دينهم محمل الجد، •••فمع افتخارنا بوطنيتنا الدينية، فإننا نملك غيرة شديدة على مؤسساتنا العمومية حتى لا تقع بشكل صريح تحت مؤثرات دينية، والنتيجة هي أننا عادة ما نطلب من مواطنينا أن يسلخوا شخصيتهم العمومية عن شخصيتهم الخصوصية•••>4. انتهى كلام كارتر• لا يتصور أحد أن مثل هذا الحرج والارتياب بين الديمقراطية والدين تفرضه طبيعة الأمور في بلاد المسلمين، بل إن الذي ينبغي التبشير به هو إمكانية تدخل قيم الإسلام في إغناء النظام الديمقراطي بعد الأخذ به بجميع مقتضياته، ولا يتعلق الأمر بنقض شيء مما قلناه من وجوب تجنب الالتباس على مستوى النقاش والخطاب بين ما هو سياسي وما هو ديني، بل يتعلق بفرص الديمقراطية للاستفادة على مستوى الفرد والمجتمع من قيم الإيمان والأخلاق التي هي رصيد التدين وطاقة ذاتية عند المتدين، ومن هذا المنظور يمكن أن يسهم الإسلام في اعتدال الديمقراطية بأمور منها: 1) يعطيها المعنى الذي يجعلها تخدم غاية الله في الناس• فإذا كانت الديمقراطية تستند إلى حق طبيعي في المساواة، فإن المسلمين يمكن أن يبنوا نظرية استحقاق الحقوق كلِّها على أساس ما خص الله به الإنسان من التكريم والاستخلاف• 2) يخلِّقها سياسيا واجتماعيا على أساس مثُل سامية مثلَ التضامنِ لوجه الله ورعايةِ أواصر المودة في القربى ورعايةِ الأخوة في الآدمية ومحبة الآخرين• هذا الدور التخليقي هو دور العلماء، وهو أعظم الأدوار، لأنهم في سياق الديمقراطية يرتفعون فوق الخلافات، يرشدون إلى السلوك السوي ويمثلون بأشخاصهم النماذج الحية للتقوى والاعتدال• 3) يجعل لها حدودا وضوابط تحول دون انفتاحها على المجهول والدخول في طريق مسدود يُوهم بأن الديمقراطية غايةٌ في ذاتها، مكتفيةٌ بمرجعيتها، بينما خلاصُها يتحقق بقبول مرجعية من خارجها، لا يمكن أن تكون إلا روحانيةً ربانية• 4) يجعلها تسعى دوما إلى المرور من حكم الكم إلى حكم الكم والكيف معا، أي من حكم الأغلبية العددية، إلى حكم الأغلبية العددية الخيرة• ومن فوائد تَصَدر الأغلبية الخيرة تقليصُ أنواع اتباع الهوى عند المشاركين• 5) يجعل المشاركة فيها واجبا شرعيا، بل يوجب تتبعها والمسؤولية عن نجاحها استجابة لقوله تعالى: وَلاَ تَكْتَمُوْا الشَّهَادَةَ، وَمَنْ يَّكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبَهُ• (سورة البقرة:283) 6) يخفف من غُلَواء نزعتها الفردية• ذلك لأن أسوأ ما في النزعة الفردية للحرية هو التركيز على السعادة الشخصية، والله تعالى يقول: ?لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ• (سورة التكاثر:8) 7) يجعل الحرية المرتبطة بالديمقراطية حريةً تزن الأعمال بحسب عواقبها، بالنسبة للفرد وللجماعة والكون• وقد رقى صوفية الإسلام مفهوما للحرية باعتبارها ثمرة تربية على محاسبة الذات، بحيث يتخلص مُحَقِّقُها من استعباد التملك واستعباد الرغبة في التسلط• 8) يقوي إحساس الإنسان بمسؤوليته عن الآخرين وعن خيرات الأرض، مع ما يترتب عن ذلك من مجانبة الوقوع تحت وطأة عجلة التكاثر، ولاسيما في وجهها الاستهلاكي، ولما كان النظام الاقتصادي هو مصدر الإكراهات الكبرى على تدبير الديمقراطية، فإن شعارَ الإسلام في تخليق الاقتصاد أمران: فضائل السعي، أي أن لكل مبادرة أجرا، وملازمة الشكر لله في النتائج• 9) يَحفَظُ لها حميمية الأواصر الوطنية التي تحول دون اختناق أصحابها تحت عولمة ماحقة يصنعها النظام الاقتصادي المفتوح• 10) يعطيها بعدا كونيا بانضمام العالم الإسلامي إليها مبدئيا وفعليا وإسهامِهِ في تجربتها في سياق من التنوع والابتكار• إن اللقاء الكامل للمسلمين بهذا النظام يمكن تصوره في مرحلتين، مرحلةِ الاستفادة من الديمقراطية كما هي، من أجل تجاوز تاريخي فكري وعملي، وهذا التجاوز بمثابة فك حصار تاريخي أقامه المسلمون على أنفسهم، وعندما يتحققون بهذه المرحلة على وجه تام، يمكن لهم أن يدخلوا في مرحلة ثانية هي مرحلة إسهامهم في ترقية الديمقراطية ومعها ترقية مصير الإنسانية جمعاء•  ....• إن النموذج المطلوب تقديمه عن حضارة الوسطية نموذج واضح المعالم في القرآن: تمثله شخصية جماعية لها أربعة أبعاد: بعد الالتزام بالإيمان، وبعد الإسهام في ثقافة العمل الصالح، وبعد السَّهر على طلب الحقيقة وتفعيل الحقوق، وبعد النضال العميق لصيانة هذه المنظومة بأخلاق تحارب جميع أشكال الأنانية، وكل هذا مندمج في قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الاِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ اِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَّوْا بِالصَّبْرِ (سورة العصر:1-3). وبناء مثل هذه الشخصية يحتاج إلى إطار سياسي محصن يتساوق فيه عمل العقل وشعور الإيمان• واسمحوا لي، يا مولاي، أن أذْكُر بهذا الصدد أن البحث عن الأسس الفكرية لهذا الاعتدال متجذر في تربة المملكة المغربية، ففيها عاش قبل ثمانية قرون الحكيم أبو بكر ابن طفيل، وكتب كتابه حيُّ بن يقظان• وفيه يذكر أهمية التوافق مع الفطرة التي في أصل الخلق من أجل الارتقاء به إلى المعرفة الكبرى•..... وكان مع ابن طفيل صاحبه ابن رشد، وهو الذي تابع الشطر التالي من مشروع الاعتدال بكتابه فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، وهو مشروع للتوفيق بين العقل الفلسفي وبين الوجدان الديني، أعلى به قيمة العقل من أجل الفهم الصحيح للدين• هذا الرجل الذي نقل جزءا من فلسفة اليونان وشرحها لتستفيد منها أوروبا• .... إن المسلمين يتفاءلون بالمستقبل إذا تدبروا قول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصًَّالِحُونَ (سورة الأنبياء:105)، غير أن موقع المسلمين الفعلي على الأرض، أي سعادتهم ونفعهم للناس، هو ما يمكن أن يحتجوا به على أخذهم بالصلاح، وليس ادعاءَهم الصلاح وهم على هامش حيوية التاريخ• ثم إن مستقبل الإنسانية كُلِّها صار اليوم مستقبلا مشتركا، والإنسان بالرغم من كل ما راكمه من الكسب المادي والتقدم المعرفي غير مأمون على مصيـــــــره، لا يمتلك ناصية الحكمة امتلاكا نهائيا، بل كثيرا ما يظهر عليه الاستغناء بمكاسبه المادية أو العقلية، فيقع في الطغيان والإفساد• ولعل الحرص على المستقبل المشترك يتوقف على بروز وعي كوني جديد، ضاغط، يعترف للمشاعر الدينية الخيرة البناءة بمكانتها، وينميها، ويبعد الإنسانية عن تطاحن الطوائف الدينية، ويجنبها، بالخصوص، تنافس الأديان الكبرى في غير المكرمات، وبذلك يتبين الإنسان أين يضع خطاه على طريق الاعتدال• 1 - Georges Burdeau, La Démocratie, p.9, Editions du Seuil, 1956. 2 - René Génom, La Crise du Monde Moderne, p.82, Gallimard, 1973. 3 - Agnès Antoine, L?impensé de la Démocratie, Tocqueville, la citoyenneté et la religion, Fayardl, 2003. 4 - Stephen L. Carter, The Culture of Disbelief, How American Law and Politics Trivialize Religions Devotion, New York, 1993. p.8 وردت أبحاث تهم حالة فرنسا وكندا في مجلة: Droit et Religion, Faculté de Droit, Aix-Marseille III, vol.1. Année 2005. pp.293-318.
*abdelhafid
2 - أكتوبر - 2006
أحسنت..أحسنت    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
شيء رائع أن نقرأ هذه المداخلة القيمة لمعالي الوزير المغربي.
وليس لمثلي ان يعلق رادّا أو متفقا على ما ورد من مضامين ، فمعاليه أجاد وأجاد ، حياه الله وبياه
 
لكني أود لفت النظر الى ان المداخلة تشير بوضوح الى ان التحدي الاكبر الذي تواجهه الامة اليوم تحد " داخلي " وهي بحاجة ماسة كما يوحي هذا البحث القصير الى اعادة قراءة " مجتهدة " ومتبصرة للاسلام نصا وحركة ، واقعا وتاريخا ، ماضيا وحاضرا
مشكلتنا اننا علقنا همومنا على عاتق " الاخر " الذي نجح في ان يكون مركزا في حركة الحياة واخترنا " بقصد او بدونه " ان نكون هامشا فيها رغم ان الوعد الالهي هو لنا ومعنا ..
اذن لم التردد ? وهل هو تردد حقيقي أم مفتعل ? ومن المستفيد من استمرار هذا التردد في قرار إعادة صياغة الموقف الاسلامي تجاه مفردات الحياة الجديدة?
 
لقد أمتعتني هذه المداخلة والفضل للعزيز عبد الحفيظ الذي أحسن الاختيار
حماك ربي
*Makki
2 - أكتوبر - 2006

 
   أضف تعليقك
 1  2