ضيعت صباح هذا اليوم بترجمة عنترة الطائي في الكتاب الذي أقوم بتصحيحه، وسبب انهماكي في إعداد هذه الترجمة المطولة أني رأيت اضطرابا عريضا في ترجمة عنترة هذا، فواحد مثل المرحوم عبد السلام هارون، وهو من شيوخ المحققين لم يعلق بشيء على قول ابن دريد في الاشتقاق: (شاعر جاهلي) واكتفى في التعريف به بموجز ما ذكره الآمدي في (المؤتلف) وفعل مثل ذلك في نشرته للحيوان (4/ 307) مع أن سياق النص يجزم بما لا جدال فيه أنه من شعراء الدولتين، ولعله مات في أوائل الدولة العباسية، فقد ذكر الجاحظ مناقضته لأدهم بن أبي الزعراء لما شبه نفسه بالحية، وأدهم هذا له شعر سائر في وقعة المنتهب التي كانت في أيام مروان بن محمد، ويرد اسمه في بعض المصادر أدهم بن أبي الزبعرى.
ثم رأيت الدكتور فؤاد السيد قد ترجم لعنترة في كتابه (معجم الذين نسبوا إلى أمهاتهم) (ص232) فقال في مادة (ابن عكبرة): (عنترة بن الأخرس بن ثعلبة بن صبيح بن معبد بن عدي المعني الطائي شاعر إسلامي وفارس مشهور ).
وقال في الهامش: لم يذكره الزركلي في أعلامه ولا كحالة في معجمه. قلت: وذكر كحالة هنا لا معنى له، لأن كتابه معجم المؤلفين وليس الشعراء. قال: أورد له أبو تمام مقطوعة في باب الحماسة، وعرف واشتهر بابن عكبرة، وعكبرة أم أمه أي جدته، وهو من الذين غلب لقبهم على اسمهم فلم يعرفوا إلا به) قلت: وهذا أيضا خطأ بل هو مشهور باسمه عنترة بن الأخرس الطائي وشهرته بابن عكبرة لا تكاد تذكر قياسا مع شهرته باسمه، بل إن أبا تمام لم يذكر عكبرة أبدا، وكذا فعل صاحب الحماسة البصرية، وهو شأن معظم من ينقل قصيدته من شيوخ الأدب، بل ربما يكون أمر اشتهاره بأمه مما انفرد بذكره الآمدي.
قال: ومن شعره في حماسة أبي تمام:
أطـلْ حملَ الشناءة لي وبغضي |
|
وعش ما شئت فانظر من تضير |
وهذه هي القطعة التي منها البيت (إذا أبصرتني أعرضت عني). وقوله: (أطل حمل) يروى (أطل حبل)
وأعود فأقول: وعده الآمدي فيمن يسمى عنترة من الشعراء، وهم عنترة بن شداد، وعنترة الطائي وعنترة بن عروس مولى ثقيف، قال:
ومنهم عنترة بن عكبرة الطائي وعكبرة أم أمه وبها يعرف وهو عنترة بن الأخرس بن ثعلبة بن صبيح بن معبد بن عدي بن أفلت بن سلسلة بن عمرو بن سلسلة بن غنم بن ثوب بن معين بن عتود. شاعر محسن وفارس وهو القائل:
أطـل حبل الشناءة لي iiوبغضي |
|
وعش ما شئت فانظر من تضير |
فـمـا بـيـديـك خير أرتجيه |
|
وغـير صدودك الحرث الكبير |
أتـهـدر معرضاً وأعض iiعضاً |
|
ومـا يـغني مع العض iiالهدير |
ألـم تـر أن شعري سار iiعني |
|
وشـعـرك حول بيتك لا iiيسير |
إذا بـصـرتني أعرضت iiعني |
|
كـأن الـشمس من قبلي iiتدور |
والبيت الأخير هو البيت الذي سارت به هذه القصيدة، وقد ذكرها أبو الفرج في الأغاني، وعدها في شعر ابن الحشرج، وأنكر أن تكون من شعر عنترة الطائي، واتهم ابن الكلبي بالكذب فيما رواه من نسبتها إليه قال:
وقد قيل: إن الأبيات التي ذكرتها وفيها الغناء ونسبتها إلى عبد الله بن الحشرج لغيره.
والقول الأصح هو الأول. أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسدٍ قال حدثنا العمري عن هشام بن الكلبي: أنه سمع أبا باسلٍ الطائي ينشد هذا الشعر، فقلت: لمن هو? فقال: لعمي عنترة بن الأخرس . قال: وكان جدي أخرس، فولد له سبعة أو ثمانية كلهم شاعر أو خطيب . ولعل هذا من أكاذيب ابن الكلبي، أو حكاه عن رجل أدعى فيه ما لا يعلم) انتهى كلام الأصبهاني.
وذكره ابن دريد في الاشتقاق، في رجال طيء، ونص على أنه جاهلي.
وذكره ابن جني في (المبهج في شرح أسماء شعراء الحماسة) قال:
عنترة بن الأخرس المعني: العنتر والعنترة الذباب الأزرق فهو منقول أيضاً ويقال للذباب أيضاً العنتر بالضم والنون والتاء عندنا أصلان. ومعن الشيء اليسير قال فان هلاك مالك غير معن أي غير يسير.
وأبعد النويري فقال في نهاية الأرب:
قال عنترة بن الأخرس الطائي في مرثية خالد بن زيد
لـقد حلقت بالجود عنقاء iiكاسرٌ |
|
كـفتخاء دمخ حلقت iiبالحزور |
فما إن لها بيضٌ فيعرف بيضها |
|
ولا شـبه طير منجدٍ أو مغور |