| إلى الفاضل جوزف ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الأستاذ الفاضل , والعربي الشريف جوزف: سلك الله بك سبل النجابة , ونصر بك العربية , وجعل الخير بين يديك, والتوفيق من حواليك , والبهجة ملأ عينيك:
فاعلم يا أيها الفاضل الكريم ,أنه مقرر في ملتنا : لا يروح رائحة الجنة من قتل ذميا معاهدا, و لا يكون الرجل مسلما في ديننا ما لم يومن بعيسى نبيا ,ألا وإني أشهد أن النبي عليه الصلاة السلام لم يمت حتى أوصى بكم أمته خيرا, فأمر بحفظ ذماركم , وحياطة أعراضكم, وصيانة أموالكم والنصيحة لكم. وعلى هذه السنة صار الخلفاء الراشدون من بعده , وما شاء الله من خلفاء الإسلام وأمراء دولته ,على كر الدهور.
أما قولك أيها الماجد النبيل:" وأن كل ما يفرقني عنهم , هو أنهم يصلون بطريقة مختلفة. فهم مومنون بالله مثلي, ومومنون بالمسيح مثلي, ودينهم إلى الحبة مثلي". فهذا باطل معلوم البطلان و بدائه العقول تدفعه. *
هذا وأنا مورد هنا نصا أدبيا فاخرا ماتعا يناسب المقام , ويلائم ما نحن بصدده من الكلام ,أتقدم به بين يدي الكريم جوزيف, راجيا أن يلقى استحسانه ويحوز إعجابه:
كتبه الأديب الكبير أمين بك نخلة وهو مسيحي من لبنان-1901,1976- وهو الذي وضع النشيد اللبناني, يقول هذا المنصف:
هوى بمحمد
محمد نغمة,لا كلمة لفرط ما مسحت على شفاه الخلائق.
تأخذ بالسمع قبل الأخذ بالذهن,وليس على بسيط الأرض عربي لا ينتفخ لها صدره,ولا ترج جوانب نفسه.
فمن لم تأخذه بالإسلام أخذته بالعروبة,ومن لم تأخذه بالعروبة أخذته بالعربية.
ومحمد لا تستطيع طائفة في العرب أن تنفرد بالتباهي به,فهو فضلا عن كونه للخلق كلهم,حيث يتشبهون بأكرم الآدميين في حفظ النفس,وحفظ الجار,وحفظ الله,فبالأجدر أن يكون للعرب ?كلهم- حيث نتشبه فوق ذلك بأبلغنا في الفصحى,وأنهضنا في الجلى,يوم حط الكفة بعرب,وشيلانها بأعجام.
وإن لغير المسلم في أرض العرب أن لا يدين بدين ابن عبد الله,وأما أن يكون فينا عربي من لحمنا ومن دمنا,ثم يغدو,لا يمت لمحمد بعصبية,ولا إلى لغة محمد ,فهو ضيف ثقيل علينا,غريب الوجه بين بيوتنا...
وها ان أقوامنا العرب في الآفاق كلما أطلق المؤذن صوته بين السماء والأرض-عند تحرك الصبح في العتمة,أو تنقل الشمس بين مبزغها و ومغربانها-أحسوا في تلك الصيحة بأن شيئا من قوميتهم يحلق في الأجواء,ويمعن في المسير من فج إلى فج...واستشعروا كبرياء العصبية لديانة من عندهم,تدق بشائرها بلغتهم,ويكبر بها على اسم صاحبهم,ويدخل فيها من باب تاريخهم.
روى لي واحد من الذين صرفوا طويلا في باريس- وهو مسيحي من عندنا من الجبل-درس الطب هنالك,وتملأ من لغة الجماعة ومن تاريخهم وطرائق الأخذ والعطاء عندهم,أكثر بكثير مما يعرف من أشيائنا,قال:"إنه فيما هو يسير مرة في شارع كاتر فارج على مقربة من جامع باريس,بعيد الخاطر عن هذه الأرض اللبنانية,إذا تكبيرة تنطلق من المأذنة وتتعالى على الجلبة الباريسية,فأخذ صاحبنا ببغتة حلوة ملأت فؤاده,قال:"وما تمالكت أن حولت طريقي,وغشيت باحة المسجد,حيث قضيت بعض الساعة بين هاتيك القباب والقناطر,وكأني في سربي في لبنان,أنظر إلى منازلهم,وأصغي إلى أحاديثهم,وبيني وبينهم سماوات ومفازات".
وهكذا جمع محمد إليه-بفضل العربية في رسالته,والعروبة في شرعه- هذه القلوب العربية من كل ديانة,حتى ليلقى صديقنا ذاك تحت مأذنة الجامع في دار الغربة-وهو بن المسيحية كما رأيت- ما لا يجده تحت قبة الكنيسة,فمحمد إذن للعرب قاطبة,في لغة(الكتاب) و(الحديث) ونعرة الجنس وشدة الحفيظة على كرائم العنعنات,وفي تاريخ لفتح الممالك وفتح العقول ملألأ كرأد الضحى,وأخلاق عليها سلام الله,أما المسلمون فليس لهم من زيادة علينا-حيث الإنتفاع به والأخذ عنه والتباهي بذكره-إلا الإسلام.وهي زيادة ترى المسيحيين من العرب-أردت الأقحاح منهم في النسب والأدب-يتلافون فقدانها في (محمديتهم),فهم يستزيدون أكبادهم من هوى محمد,ويستزيدون ألسنتهم وأقلامهم من النصرة لشأنه,حتى ليكاد يتعادل النصيبان.
لذلك تتماوج أرض العرب اليوم بمجد واحد العرب وحبه,وتتجاوب الأصداء فيه على رمل البيد ونبت الجبال وعلى كل شاطىء وخليج,من مطلع الشمس في الزرقة المشرقية,إلى محطتها في الضحى عند حدود الصحو...حب لابن عبد الله,سواء فيه أبيض وأسود ومقيم وراحل ومسلم ونصراني,واعتزاز بابن عبد الله,وهز أعطاف على الأمم باسمه.
ويا محمد يمينا بديني,دين بن مريم,إننا في هذا الحي من العرب نتطلع إليك من شبابيك البيعة,فعقولنا في الإنجيل وعيوننا في القرآن..."اه
نقلا عن "الحديقة" للأستاذ محب الدين الخطيب.مع اختصار يسير.
والله الموفق للصواب.
___________
علق الأستاذ طه في مشاركة لاحقة على هذه العبارة بقوله: أما إيرادي لقولك: ودينهم يدعو إلى المحبة مثلي" وتعقيبه بقولي: "فهذا باطل معلوم البطلان وبدائه العقول تدفعه" فهذا سهو مني , وإنما المقصود ما قبله فقط. | *طه أحمد | 9 - سبتمبر - 2006 |