يمكن القول بدءا ان محاولات حثيثة طرحت مفهوم الاستدلال كنموذج منطقي صوري منذ التفكير اليوناني الى يومنا هذا . ولكن ما اثار الاهتمام به كثيرا هو ما شهدته التطورات الابيستيمولوجية المعاصرة التي بذأت عنايتها بالبحث في انبثاق "فلسفة طبيعية " معتمدة على المجهودات الرياضية (المفاهيمية والتقنية)وعلى امكانية نقل هذة المفاربة عبر مفاهيم ابيستيمولوجية بنيت لاداء هذا الغرض الى ليس فقط الظواهر الفيزيائية بل حت تلك المورفولوجية منها والبنيوية. واذ نحن في مشارف قرون التكنولوجيا الرمزية بات مجددا اقتحام الاستدلال من جانب رمزي وليس صوري فقط . وقد اثبتت الدراسات المنطقية وابيستمولوجية على ان الخطاب البرهاني الصوري لا يعالج قضايا العوالم الممكنة الا في جانب صغير ولذلك ترى ان الرياضات المعاصرة اتجهت الى جعل الظواهر المورفولوجية من مواضيعها الحساسة ( نظرية التجزيئ) التي اصبحت تشكل قاعدة البحوث لتطوير علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي باعتباره نظاما رمزيا يستدعي انموذجا حجاجيا وطبيعيا . هذا موضوع اتركه للمهتمين من دارسي الفلسفة والابستيمولوجيا والمنطق واللسانيات الصورية ومعلوميات الذكاء الاصطناعي وعلماء المعرفية...ودعوتي لهؤلاء ليتفضلوا مشكورين للادلاء بدلوهم في هذا الشان المعرفي الجذير بالدراسة والاهتمام وما له من دور في معالجة جميع انظمة الكون الرمزية.
د.عزالدين غازي .جامعة محمد بن غبد الله.فاس .المغرب.
مع احترامي الشديد لكل ما تبديه من رغبة أكيدة في تنوير عقولنا المظلمة ، إلا أنني لم أفهم شيئاً ( رغم إصرارك على إفهامنا ) من مداخلتك المليئة بالمصطلحات " الحديثة " . وذلك رغم معرفتي المبدئية بمفردات الفلسفة ورغم معرفتي المبدئية أيضاً باللغة الفرنسية التي ، كما أفترض ، قد تم استعارة هذه المصطلحات منها . فما بالك إذاً بالقارئ " العادي " الذي لا يعرف هذه ولا تلك ، والذي سيشعر أمام نص ـ بهذا المستوى العلمي ـ بأنه أمام لغز كبير أو شيفرة عليه تفكيكها ? أم أن عليه ربما أن يشعر بأنه في هيكل العلم ذي البروج العالية وان يشعر بالدونية تجاهها ?
هل المطلوب منا أن نفهم أم أن ننحني إجلالاً لهذا العلم الكبير ?
المعذرة 0000وبالكلام العامى 0 ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
بصراحة أنا كنت رايحأشوف آخر كلام فى موضوع، ليه ماعندناش فلاسفة???????? ، ومش حيبقى عندنا فلاسفة !!!وعجبنى العنوان_ الإستدلال الصورى والرمزى- ، فقلت لنفسى : العلم نور والإستفادة مطلوبة حتى وأنت فى آخر أيامك 0000، طبعا قريت الكلام ، لقيته أعلى من مستواى المتواضع جدا جدا جدا 0
وافتكرت إن عباس العقاد،،،، الله يرحمه ،،،،لما سألوه :ليه بتكتب اللى مش مفهوم ??? قال وبكل ثقة : وليه مابتفهاموش اللى انا بكتبه ????!!!!!!
حول الاستدلال ..في ظل انظمة الكون الرمزية? ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
تحية اجلال وتقدير لمن شاركني في هذا السجال العلمي والفلسفي الذي يبدو غريبا الى حد ما عن معشر المشاركين في مجالس الوراق الموقرة.
تحية للاستاذة الجليلة ضياء وللاستاذ الفاضل عبد الحفيظ على ملاحظاتكم النيرة التي اعقبت اقتراحي بخصوص طرح موضوع الاستدلال باسلوبيه.
صحيح انني دججت مقترحي بمجوعة من المصطلحات والمفاهيم ، كان علي تبسيط القول اولا في مبادئ الابيستيمولوجيا المعاصرة او ايضا نظريات المنطق وفلسفته او حتى كذلك نظريات مثل الرياضيات المورفولوجية والفلسفة الطبيعية والنموذج الابستيمولوجي والمعرفية...
وصحيح ايضا ان اكون امينا فيما انقلة الى العربية من مصطلحات فلسفية تستدعي تارة التوقد والنباهة في وضعها لما لها من حمولة فكرية وعلمية وتارة اخرى ذكر اللغة الاجنبية التي ننهل منها لاسيما وان الترجمة من اللغة الفرنسية هي ليست من اللغة الانجليزية..
ومع ان الاستاذة الجليلة والاستاذ الفاضل تفضلا بتعقيبهما ، وهذا ان دل على شيئ فانما يدل على حسن اطلاعهما وتتبعهما للفكر والفلسفة والعلوم التي مااحوجنا اليها الان لتفسير ظواهر الكون وحل الغازها وخباياها ، فكلما كان الموضوع محددا ورصينا الا واستدعت الضرورة الى استخدام لغة ربما اشبه بلغة السهل الممتنع.. وكلما تعقدت الافكار كلما تشابكت اللغة الواصفة في معانيها وتناسلت دلالاتها شيئا فشيئا . وهذا مااجبرني على استعمال لغة سليمة لاكنها متشاكلة كتشكل الوان الطيف..
كان علي ان اقدم هذا الموضوع في اطار ما يسمى الآن بتكامل المعارف . الفلسفة فكر شمولي وهي ام العلوم طبعا ولكن استقلالية العلوم عن بعضها البعض اعاد طرح هذه المرجعية الفلسفية من وجهة نظر ابيستيمولوجيا محضة . فترى في يومنا هذا عند تطور العلوم (سواء منها الدقيقة او العقلية او الانسانية ) دعوة للتوحد لكن بصيغة اخرى وهي اضفاء المشروعية الفلسفية والابيستمولوجية على جميع هذه العلوم حتى تكون رصينة . فتجد ان كل معرفة علمية مرجعية فلسفية تؤطرها وتشرعنها (ان شئنا).
كان علي ان طرح الموضوع من جانب واحد وهو مفهوم الاستدلال في المنطق حصرا. وايضا كان علي ان اطرح الموضوع من جانب الابسيمولوجيا كذلك. او حتى الاستدلال في الرياضيات حصرا .
ولكن..
كنت وساكون مضطرا دائما وابدا ، ان اضع امام اعينكم هذا النص ولربما كان افصحا لو فسرت وشرحت المصطلحات المذكورة .لقد كنت موجزا وهذا الاقتضاب جعلني محصورا اكثر بين دهاليز المفاهيم والمصطلحات .
ساقول هنا انسجاما مع ما ذكرته اعلاه انه تحكمتني منظومة الكون المطبوعة بالاشكال الرمزية والظواهر المورفولوجية ( انا لست فينومينولوجيا) التي بدات تطرح نفسها بالحاح شديد في الساحة العلمية والتقنية. وما طرحي لمفهوم الاستدلال (وليس مصطلحا) الا استجلاء لما لحق بالنظريات العلمية حديثا.بمعنى ان هذا المفهوم ( الارسطي-اليوناني) شكل العمود الفقري للعلوم التي اشتغلت به وتاريخ العلوم شاهد على ذلك طبعا. الاستدلال هذا وظف يف المنطق الصوري الارسطي وهو نموذج منطقي نستنتج به ما يسمى المقدمات الكبرى في النتيجة فحين ننطلق مثلا من فرضية (مقدمة) أ --- ب وب---ج اذن أ---ج هذه صورة منطقية تطبقعلى القضايا التي يبث فيها بالصدق والكذب . وحينما وضع ارسطو اورغانونه فانما اراد ان يضع نظاما متكاملا لهذه الصورة المنطقية في مقولة القياس فسحبها على خطابات اخرى فتجد ضمن هذا الاوركانون فن الشعر والخطابة .. تطور هذا المفهوم عبر تاريخ الفلسفة مع مجموعة من الفلسفة امثال ديكارت وكانط واصحاب الفلسفة الوضعية وعلماء رياضيون متأخرون عليهم. فاصبح بالتعبير الابيستيمولوجي المعاصر نموذجا (براديغم) يتم به نمذجة نظريات العلوم وما عليك الا ان تنتقل بينها فتجد ان هيكلها واحد . فان اردت ان تبني نظرية علمية ما فما عليك الا ان تنمذج وتصوغ (تبسيطا) على منوال نظرية ما ، نظرية اخرى فتقوم بنقل البراديغم لكنك تحتفظ به في جهة ما من نظريتك الجديدة واذاك لا نقول بمفهوم القطيعة الابستيمولوجية كما عند باشلار بل هناك امتداد وتحديد جهوي للبراديغم وهذه العملية لابد لها من اساليب منطقية صرفة تساعدك على هذا الجعل الجديد . فالنمذجة فيما بين العلوم هي التي تجعل تناسلها سريعا ومتكاملا ومتناسقا ، ونظرا لدور النظريات العلمية في تدقيق الوصف في مواضيعها المدروسة وعلى سرعتها وبداهتها اضحى من الحتمي ان تشمل باقي الظواهر الكونية التي يصعب فك لغزها ،فتجد ان العلوم تتفرع يوما بعد يوم وهذا يتطلب اساليب صورية منطقية ورياضية لمعالجة ما علق بكنه هذه الظاهرة او تلك . وكان على النظريات الرياضية في ان تستنجد بفلسفة طبيعية ارادت ان توسع من دائرة ظواهرها فبعد ان كانت تهتم بكنه وماهية الشيء اصبحت تعنى بأشكال ومورفولوجية وانساق الاشياء في الوجود . من هنا انبثقت رياضيات جديدة سميت برياضيات اشكال الحدس او بالاحرى نظرية رياضيات الكوارث(theorie des catastrophes) وهي رياضيات جديدة من اهدافها فهم ماهية الاشكال الرمزية للكون ، وما انتجه المعلوميات وعلوم الكميوتر خير دليل على تطبيق هذه النظرية من حيث البحث في لانهائية الاشكال الرمزية والتي تثبتها ايضا انظمة العلوم شتى ( مثلا علم النبات فعلى الرغم من تشابه ماهية الخلية فان الشكل المورفولوجي لا يمكن ان يكون مماثلا ) افلاتعتقدون في نمذجة المفاهيم التي ما هي الا تصورات تترجم الحالات التي يغدو عليها وبها الفضاء الكوني ، هي اذن شبكة نستطيع بها فهم خبايا مما قد يكون جزءا صغيرا ضمن منظومة عظمى نحن حتما في حاجة الى جهاز مفاهيمي جديد هو عبارة عن منظار واسلوب الاستجلاء ما قد يكون مبهما . وبواسطة مفهوم كهذا (الاستدلال) نختبر هذه الاشكال الرمزية ، فان اثبت صدقها كنا امام حقيقة علمية دقيقة وان لم تثبت صدقها فاننا امام زيف علمي ونستدعي حينها اساليب اكثر نجاعة ومرونة من تلك التي تقف عند حد ما وما يثبته الاستدلال الصوري هو البرهنة على القضايا صوريا وليس رمزيا لان ذلك يصطدم بقرائن اخرى حجاجية / حدسية . فالذكاء البشري ليس دائما يهتدي للاستدلال البرهاني بل كذلك للبرهان الحدسي وهو رمزي طبيعي من صميم الاشكال المورفولوجية ومنها اللغة الطبيعية .
للاخ عبد الحفيظ اقول ان موضوع هندسة اللغة هو موضوع من هذا الصميم (باعتباره شكلا رمزيا ونظاما مورفولوجيا )واذ نريد هنا التجذر الابستيمولوجي والفلسفي لموضوع ذي اهمية كبرى ضمن اشكال الكون الرمزية (وتشديدي على الرمزي كثيرا) بامياز.
اعتذر ان كنت اكثر غموضا مما قبل ، واتمنى ان اكون بسطت القول في هذا الكثير ، وسأبقى رهن اشارتكم انى شاتم ولكم مني اجمل تحية علمية والسلام.
يمكن القول بدءا ان محاولات حثيثة طرحت مفهوم الاستدلال كنموذج منطقي صوري منذ التفكير اليوناني الى يومنا هذا . ولكن ما اثار الاهتمام به كثيرا هو ما شهدته التطورات الابيستيمولوجية المعاصرة التي بذأت عنايتها بالبحث في انبثاق "فلسفة طبيعية " معتمدة على المجهودات الرياضية (المفاهيمية والتقنية)وعلى امكانية نقل هذة المفاربة عبر مفاهيم ابيستيمولوجية بنيت لاداء هذا الغرض الى ليس فقط الظواهر الفيزيائية بل حت تلك المورفولوجية منها والبنيوية. واذ نحن في مشارف قرون التكنولوجيا الرمزية بات مجددا اقتحام الاستدلال من جانب رمزي وليس صوري فقط . وقد اثبتت الدراسات المنطقية وابيستمولوجية على ان الخطاب البرهاني الصوري لا يعالج قضايا العوالم الممكنة الا في جانب صغير ولذلك ترى ان الرياضات المعاصرة اتجهت الى جعل الظواهر المورفولوجية من مواضيعها الحساسة ( نظرية التجزيئ) التي اصبحت تشكل قاعدة البحوث لتطوير علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي باعتباره نظاما رمزيا يستدعي انموذجا حجاجيا وطبيعيا . هذا موضوع اتركه للمهتمين من دارسي الفلسفة والابستيمولوجيا والمنطق واللسانيات الصورية ومعلوميات الذكاء الاصطناعي وعلماء المعرفية...ودعوتي لهؤلاء ليتفضلوا مشكورين للادلاء بدلوهم في هذا الشان المعرفي الجذير بالدراسة والاهتمام وما له من دور في معالجة جميع انظمة الكون الرمزية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرحب بالأستاذ عز الدين غازي في سراة الوراق وأعتذر عن سوء الفهم الذي حظي به موضوعه في السابق ، ولا أخفيك يا أستاذ غازي بأنني لا أزال لا أفهم سوى نصف ما كتبته عن الاستدلال الصوري والرمزي ولأنني ، وبناء على النصف الذي فهمته ، استنتجت بأنه حقل من حقول الاختصاص التي تستدعي دراسة لم نحصل عليها خلال تحصيلنا الجامعي وسيكون بالتالي من الصعب الدخول في نقاش هذا الموضوع إلا لمن كان من أصحاب الاختصاص . نرحب بك مرة أخرى ونتمنى لك التوفيق ( ضياء )
محاولة للاقتراب من الموضوع ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
عن مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة العدد 102 السنة 2004 .
تنمية اللغة حاسوبياً في عصر تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال
للأستاذ الدكتور : علي القاسمي
الثورة الصناعية والثورة التكنولوجية:
كانت الثورة الصناعية معينًا لجسم الإنسان ودعمًا لعضلاته. أما ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، فهي امتدادٌ لعقل الإنسان، وتطويرٌ لنشاطه الذهني. فقد قامت الثورة الصناعية، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي والنصف الأول من القرن العشرين، على اختراع آلات تحول مواد الطاقة، أو الوقود، إلى قوة محركة في شكل محركات بخارية وكهربائية وغيرها. واعتمدت تقسيم العمل إلى أجزاء متخصصة، للإسراع في عملية الإنتاج ووفرته. وكانت تلك المحركات بمثابة امتداد لجسم الإنسان، فوهبته قدرات مادية جديدة مكّنته من تغيير كثير من معالم الطبيعة لترقية معيشته.
وصاحب الثورة الصناعية سيلٌ من المصطلحات الحضارية والعلمية والتقنية، ونمو كمي وكيفي في حقول المعرفة الإنسانية. فاضطلعت المجامع اللغوية العلمية العربية بالتصدي لنقل تلك المصطلحات، التي توصف بأنها مفاتيح العلوم إلى اللغة العربية، لتمكين الأمة من استيعاب المعارف العلمية والتقنية الجديدة، وتمثّلها، وإعادة إنتاجها والإبداع فيها.
أما ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، فقد تفجَّرت في أواخر القرن العشرين، وقامت على علم الذكاء الاصطناعي الذي يسعى إلى فهم طبيعة الذكاء البشري وتصميم برامج حاسوبية قادرة على محاكاة عمل العقل الإنساني، بحيث تستطيع هذه البرامج انتقاء الطريقة التي ينبغي اتباعها لحل مشكلة من المشكلات أو لاتخاذ قرار من القرارات.، أي تمكين الحاسوب من إنجاز المهام التي تتطلب ذكاء وفطنة وأصبح مجالاً تطبيقيًّا لاختبار صحة الفرضيات حول الكيفية التي يعمل بها العقل البشرى .
ولما كانت دراسة العقل البشري تتطلب جمعًا من التخصصات العلمية كاللسانياتوالمنطق وعلم النفس والتشريح والكيمياء، فإن علم الذكاء الاصطناعي أصبح ـ هو الآخرـ ملتقى لتلك العلوم. فانتقلت طريقة الإنجاز من التخصص وتقسيم العمل إلى شمولية المعرفة ووحدتها.
وتوصلت دراسات الذكاء الاصطناعي إلى أن الوظيفة الأساسية للعقل الإنساني، التي تميزه عن العقل الحيواني، هي قدرته على إنتاج واستعمال الأنظمة الرمزية وفي مقدمتها النظام الرمزي اللغوي المستخدم في التواصل، وتمثيل المعلومات، وتخزين المعارف ونقلها. فقامت برامج الحاسوب على هذا الأساس.
وإذا كانت برامج الحاسوب نتيجة دراسة المبادئ التي تحكم النشاط الذهني، والتوصل إلى الكيفية التي يعمل بها العقل البشري ، فإن هذه البرامج وبنيتها أخذت تؤثر في النشاط الذهني للإنسان وتغيّر طريقة عمل العقل البشري نفسه، إذ أصبحت مثالاً يحذو حذوه هذا العقل في التحليل والتركيب والاستدلال واستخلاص النتائج.
ومثلما أفرزت الثورة الصناعية كمًّا هائلاً من المفاهيم العلمية والتقنية والمصطلحات التي تعبر عنها، فإن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال أفرزت وما زالت تفرز طيفًا واسعًا من البرامج الحاسوبية.
ولا تقتصر هذه البرامج على برامج تشغيل الحاسوب، وإنما اتسعت لتشمل جميع أوجه النشاط الفكري الإنساني: العلمي، والاقتصادي، والاجتماعي. فهنالك برامج للتعلّم الإلكتروني والجامعات الافتراضية، وهناك برامج طبية تعين الطبيب على تشخيص الأمراض أو قيام الحاسوب بإجراء بعض العمليات الجراحية بدقة متناهية، وهناك برامج للمكفوفين تحوّل معلومات الشبكة الدولية إلى معلومات منطوقة أو مكتوبة بطريقة بريل، وهناك برامج للتجارة الإلكترونية، وهنالك برامج لاختيار الزوج الصالح أو الزوجة المناسبة، إلخ.
ولهذا كله فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصال أخذت تؤدي دورًا رئيسًا في التنمية البشرية الشاملة، فهي تطور الزراعة والصناعة والخدمات، وتؤثر في الاقتصاد في مختلف مراحله في التخطيط، والإنتاج، والتسويق، واستثمار الأرباح.
تنمية اللغة العربية والتنمية البشرية الشاملة:
وتنمية اللغة العربية ليست عملية لفظية خالصة وليست غايتها تحسين اللغة لذاتها، وإنما تشكل تنمية اللغة العربية جزءًا من التنمية البشرية الشاملة، الهادفة إلى توسيع مدارك الإنسان وقدراته، وترقية صحته ليعيش عمرًا مديدًا بحالة جيدة، وزيادة دخله لتحسين ظروف عيشه ونوعية حياته.
وغني عن القول إن التنمية اللغوية هي أساس التنمية البشرية الشاملة، فإتقان اللغة يؤدي إلى تيسير اكتساب المعرفة وتمثلها وإعادة إنتاجها والإبداع فيها وتوثيقها ونقلها من جيل إلى جيل. وقد ثبت أن الاقتصاد العالمي الجديد مبني على المعرفة، فالنمو الاقتصادي يرتبط بالنمو العلمي والتقني للقوى العاملة، وبسرعة تبادل المعلومات والمعارف والخبرات. ومعروف أن أداة هذا النوع من التبادل هي اللغة. كما أن أداة تبادل السلع فى السوق هى العملة، وكلما كانت العملة جيدة وموحدة، أصبحت عملية التبادل التجاري أيسر وأسرع. وبالمثل، كلما كانت اللغة ثرية موحدة يتقنها جميع المواطنين، أصبحت إشاعة المعارف والتقنيات وتبادلها ميسورة، وصار التعاون بين أفراد المؤسسات الاقتصادية ممهدًا، فيتكون مجتمع المعرفة، وتزداد وتيرة النمو الاقتصادي، وتتحقق التنمية البشرية المنشودة.
متطلبات ثورة المعلومات والاتصال:
وإذا كانت مرحلة الثورة الصناعية قد تطلبت منا نقل المصطلحات الأجنبية إلى العربية لاستيعاب مفاهيمها، فإن ثورة المعلومات والاتصال تستلزم منا نقل البرامج الحاسوبية إلى اللغة العربية لغُنم معطياتها، ومن ثم إثراء مخزون اللغة العربية المتجدد وتنميته.
ويشرفني أن أقترح ـ من هذا المنبر المتميزـ أن يبادر مجمع اللغة العربية إلى إنشاء لجان خاصة بنقل البرامج الحاسوبية إلى العربية، أسوة بلجان نقل المصطلحات العلمية والتقنية إلى العربية. وستضم كل لجنة من هذه اللجان الجديدة اختصاصات متعددة طبقًا لشمولية المعرفة التي تتطلبها تكنولوجيا المعلومات والاتصال والتي تفرضها طبيعة البرامج الحاسوبية، فهذه البرامج تضم المصطلحات العلمية والتقنية في سياقاتها.
كما أقترح أن يستعمل هذا المجمع الموقر مكانته الأدبية المرموقة، لتشجيع المؤسسات العربية المتنوعة على ابتكار برامج حاسوبية عربية تستجيب للحاجات الوطنية وإنشاء مواقع باللغة العربية على الشبكة الدولية للمعلومات(الإنترنت)، وحث الجامعات العربية على توفير عدد متنامٍ من مناهجها الدراسية في شكل برامج تعليم إلكتروني.