مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : المرار العدوي ورائيته في خولة    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 زهير 
17 - ديسمبر - 2005


المرار بن منقذ العدوي : شاعر إسلامي معاصر لجرير، من شعراء المفضليات، أشهر شعره ميميته في التشوق إلى وطنه وقومه ومحبوبته (رويقة). وتليها في الشهرة رائيته في جواب صاحبته خولة، وهي موضوع حديثنا، وكانت خولة قد عابت عليه كبره وشيبه، فافتتح قصيدته بذكر ذلك، وهي من القصائد الطوال، وشذ البغدادي في (خزانة الأدب) فقال أثناء حديثه عن الميمية: (وفي الحماسة قال شراح الحماسة: هو لزياد بن منقذ، وهو أحد بني العدوية من تميم، ولم يقل غير هذه القصيدة، ولم يقل أحد مثلها)? انظر الخزانة: الشاهد (379) (الوراق: ص 694). ونقل عن الحصري أن المرار لقبه وأن اسمه زياد، قال: وفي الشعراء ستة شعراء يقال لهم المرار، وهم: المرار بن منقذ العدوي ، والمرار بن سعيد الفقعسي، والمرار بن سلامة العجلي، والمرار بن بشير السدوسي، والمرار الكلبي، والمرار بن معاذ الجرشي.
 ونعود إلى رائية المرار فنقول: نقل الجاحظ في (البيان والتبين) بيتا من الرائية قال:
وكتب الحجّاج إلى الحكَم بن أيوب: اخطُبَ على عبد الملك بن الحجّاج امرأةً جميلة
من بعيد، مليحةً من قريب، شريفةً في قومها، ذليلةً في نفسها، أمَةً لبعلها، فكتب إليه: قد
أصبتُها لولا عِظَم ثدييها، فكتب إليه الحجّاج: لا يَحسُن نحرُ المرأة حتَّى يَعظُم ثدياها،
قال المَرّارُ بن مُنقِذٍ العَدَويِّ: من الرمل
صَلْتَةُ  الخَدِّ طَوِيلٌ جِيدُهَا ضَخمَة الثَّدي ولَمَّا يَنْكَسِرْ
وتناول ابن قتيبة الدينوري في كتابه (المعاني الكبير) طائفة منها بالشرح، فمن ذلك ما شرحه في باب (لحوق الخيل بالصيد)
وشذ في ترجمته له في كتابه: (الشعر والشعراء) فقال:  وهو القائل في الخيل قصيدته التي أولها:
هَلْ عَرَفْتَ الدارَ أَمْ أَنْكَرْتَها بَـيْـنَ  تِبْرَاكٍ فَشَّيْ iiعَبْقُرّْ
فجعل هذا البيت مطلع القصيدة، وهو البيت (53) حسب رواية الضبي، وقد  وصلنا من القصيدة عن طريق المفضليات (95) بيتا، انظرها في الوراق، وأولها :
عَـجَـبٌ خَوْلَةُ إِذْ تُنْكِرُنى أَم رأَتْ خولُة شيخاً قد كَبرْ

وبعدما عاتبها على قولها ، أعقب ذلك بالحنين إلى صباه، فوصف من البيت (7)  حتى البيت (26) فرسه وكيف كان يغدو عليها إلى الصيد، مع ذكر طرف من أخباره في القنص، وأتبع ذلك بوصف ناقته العيدية، من البيت (27) حتى البيت (37) ثم أخذ في ذكر مكانته عند الملوك، وحساده على ذلك، من البيت (38) حتى البيت (45) ثم التفت للفخر بقبيلته (خندف) مدلا ببعض مناقبه، ومن ذلك تربيته لكلابه، كما يذكر في الأبيات (50 ـ 52). وهو يحدد دار خولة في البيت (53) وأنه بين تبراك وشسى عبقر (1) فيصف جانبا من أطلال هذه الدار، ويذكر من كان فيها من الفتيات الحسان البيض السمان، اللواتي يتلهين بنومة الضحى، ويتباطأن في مشيتهن، وكل دأبهن التزاور وتقضية الأوقات الحلوة، التي لم ينغصها مر الزمان. ثم يشرع في البيت (62) بوصف جمال خولة وبياضها الناصع، وشعرها الذي يهلك المشط في أنحائه، لطول ضفائرها، وتشعب غدائرها، وإذا ضحكت فضحكتها أقحوانة، ومذاق قبلتها العسل الممزوج بالثلج، أسيلة الخد، طويلة الجيد، ناهدة الثدي، كأن ثديها في عدم انكساره أنف الغزال، وأما ما يخفي درعها فروضة اللبان، هيفاء الخصر، فخمة موضع المئزر، باهظة الأرداف، مضفورة الأكتاف، في نقاوة الذهب. بين خروجها من بيتها وبلوغ بيت جارتها ما يبهرها ويهدها، كيف تدفع الربلة الربلة، وهي إذا تمشي لا تمس قدماها الأرض، وذلك لعظم ذيول ثوبها التي تمتد وراءها متعفرة بالتراب. والخز تحت قدميها لا كرامة له، فهي تطؤه في تهاديها ساحبة ذيولها، وقد لبست تحت الريط، شعارا، من خلفه شعار. وفي ذلك ما يتعبها بلا شك، فلا تكاد تصل إلى أريكتها حتى تنهد عليها من التعب، فتعلو من أنماطها الصفراء روائح المسك والعنبر. وتغط في قيلولتها كالسكرانة، وقد اعتادت هذه النومة في الأصيل، كما اعتادت نومة الضحى، وكأنها الغزال الصغير الذي لابد له من تلك النومة. وتشم رائحة أردانها وهي نائمة، فيلوح لك أنه يمكن أن يعصر منها المسك. ولو جردتها لرأيت أملح الخلق صورة، بل لرأيت الشمس تبدو من جلبابها، حين تتراءى من وراء سحاب رقيق، وكلما غربت الشمس أو أشرقت ذكرتني بخولة، لأن الشمس صورتها وهي صورة الشمس. تركتني لا حيا فأذكر، ولا ميتا فأقبر، يتساءل الناس هل أصابتني الحمى، أم فتك بي السل، ووالله ما لي داء  غيرها، ولا شفاء غير ما منعتنيه من الوصال العسير، ولو قتلها إخوتي لأخذوا بثأري منها، ولست أنسى ذكرها ما بقي في الوجود ورقاء تناجي حرا. ويستوقفنا في هذه القصيدة التشابه بين وصفه لمشية خولة ونومها، وخروجها من بيتها إلى بيت جارتها، وذيول ثوبها التي تخفي أقدامها، حيث نجده يردد نفس المعاني في وصف رويقة في الميمية، مستخدما المفردات ذاتها، كالفعل (يبهظ) في البيت (73) حيث يقول:

وكان عهدي بها والمشي يبهظها من  القريب ومنها النّوم iiوالسّأم
وبـالتّكاليف  تأتي بيت iiجارتها تمشي الهوينى وما يبدو لها iiقدم
سـودٌ ذوائـبـها بيضٌ ترائبها درمٌ  مـرافـقها في خلقها iiعمم

ويستوقفنا أيضا أن اسم بلدته (سمنان) ورد في القصيدتين، وهو في الميمية
بل ليت شعري متى أغدو تعارضني جـرداء  سـابـحـةٌ أو سابح iiقدم
نـحـو الأمـيلح من سمنان iiمبتكراً بـفـتـيـةٍ  فـيهم المرّار iiوالحكم
قال الشراح: سمنان: ديار الشاعر، وهو جبل في بلاد بني أسد، ونقلوا أن الحكم المذكور في البيت أخو المرار. وأما ذكره لسمنان في الرائية، فظاهر أنه يذكر جبلا، وهو قوله:
ظَلَّ فِي أَعلَى يَفَاعٍ iiجَاذِلاً يَقْسِمُ الأَمْرَ كَقَسْمِ المُؤتَمِرْ
أَلِـسُـمـنَانٍ فَيَسقِيها iiبِهِ أَمْ  لِقُلْبٍ مِن لُغَاطٍ يَسْتَمِرّْ
 
(1) قال الصاغاني في (العباب):
الشَّسُّ -بالفتح-: الأرض الصُّلْبَة التي كأنّها حَجَرٌ واحِد، والجمع: شِسَاسٌ
وشُسُوْسٌ. قال المَرّار بن مُنقِذ:
هل عَرَفْتَ الدارَ أم أنكَرْتَها         بين تِبْرَاكٍ فَشَسَّيْ عَبَقُرْ
وقال أبو عمر في فائت الجَمْهَرَة: الرواية: "فَشُسّى"، ومِيْزَانُه جُلّى. والأُولى رِوايَةُ المُفَضَّل بن مُحَمَّد الضَّبِّي.
وقال ابن منظور في لسان العرب:
عَبْقَر: موضع بالبادية كثير الجن. يقال في المثل: كأَنهم جِنُّ عَبْقَر؛ فأَما قول مَرَّار بن مُنْقِذٍ العَدَوي:
هل عَرَفْتَ الدارَ أَم أَنكرتَهَا         بَيْنَ تِبْراكٍ فَشمَّيْ عَبَقُرْ
كذا قال ابن منظور: (فشمي) بالميم المشددة ? قال:  وفي الصحاح: فَشَسَّيْ عَبَقُرْ، فإِن أَبا عثمان ذهب إِلى أَنه أَراد عَبْقَر فغير الصيغة؛ ويقال: أَراد عبَيْقُر فحذف الياء، وهو واسع جدّاً ..إلخ


 



*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
شرح أمتع من شعر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 هذه تحية وإكبار إلى الأستاذ الأديب زهير الذي أضفى من صفاء النفس ورقة الحديث نسائم التشبيب بخولة ما يفوق به شعر المرار بن منقذ ، وكلاهما عندي صادق التوجه ؛ أما المرار فلخلود شعره وسريان قوله على ألسنة الرواة أزمنة مديدة  ،  وأما الشارح البارع فلغوصه في أعماق النفس الإنسانية يتلمس جدرانها بألفاظ تذوب رقة وجمالا ، وتدغدغ الحنايا بنغمة دافئة  تكاد تجد منها صدى يأتيك من الوادي البعيد الثاوي هناك في ركن من الزمان الجميل ، ولا يزال هذا الصدى يتردد في جنبات الأفكار فلا تسمعه أذن إلا تطرب لإيقاعه فتتراقص مع الأشجان التي نحبسها تارة على استحياء وتارة على اشتياق  فلله درك كيف تسللت إل نفوسنا بعزيف الجن تختلس منا بسمة لطال ما تمنيناها ولكنها أبت أن تواتينا في زحام الشواغل والهموم ?  ولله درك ماذا سقيت هذه العقول فأبت أن تلتذ بألطاف الألحان إذا خلت من الشعر الخالد ممزوجا بالشرح الرائق والفهم الشائق ?  إي وربك كم نحن عطاش وليس لنا ري إلا بلحن الشعر وأحلاه  ، فهاتِ مزيدا ولك منا الدعاء الصادق بظهر الغيب إن شاء الله  .
*منصور مهران
18 - ديسمبر - 2005
أخجلتم تواضعنا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أستاذنا منصور مهران: تحية طيبة وبعد:
 تحيرت وأنا أهم بالرد على رسالتك الطيبة المباركة، بأي مزاياك أفتتح الشكر، بالنفس المؤمنة التي وهبك الله، أم بالقلم الساحر الذي أُطل من خلاله على عالم لا ينتهي من العبقرية والإبداع، أم بالهمة المباركة التي نجد آثارها في كل صفحة من مجالس الوراق. بارك الله بك، وجزاك أحسن الجزاء. وإنه والله ليوم طيب عندما أفتتح يومي بقراءة تعليقاتك الوافية وأجوبتك الشافية، وهي على إدارة الوراق صفحات غالية، لابد وأن تأخذ حقها من التقدير في القريب العاجل. وسلام من الله عليكم ورحمة من لدنه وبركات.
*زهير
18 - ديسمبر - 2005
تحية وتقدير    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

  إلى الأستاذين الجليلين زهير ظاظا ومنصور مهران ، تحية تقدير واحترام وبعد:

     أما ثناؤكما الجميل  على بعضكما بهذا النفس اللغوي الرقراق فهو أمر  لا يستغرب  منكما،  خاصة وأنه  مستقطر من ذوب روحيكما  الطيبة المخلصة  لتراث هذه الأمة. فأسلوبكما أصبح معلوما لدى الزوار والمشاركين في  موقع الوراق الأصيل. 
    وإني لأجد  في كل ما تبذلانه ويبذله المخلصون  لهذا الموقع من جهود، دعامة قوية  لصرح لغتنا التي أصبحت ضحلة فقيرة لدى ناشئتنا اليوم، ونبراسا لكثير من الهائمين الذين فقدوا منارات الهداية في زمن تفرقت فيه السبل واستعجمت الألسن .

       

*عبد اللطيف
22 - ديسمبر - 2005

 
   أضف تعليقك